تحولات الكتاب في زمن النت - ماري ليبير. ترجمة: عبده حقي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسلقد قلب التطور التكنولوجي والإنترنت عالم الكتاب الذي ظهر منذ أكثرمن خمسة قرون في أشكال مختلفة. هذا الكتاب، وبهذا الشكل الذي بين أيدينا، بدأ يعرف عدة تحولات. فإذا كان الكتاب اليوم مافتئ يحتفظ بمكانته، فإن الكثير من دعاماته أصبحت تتطور والعادات الإنسانية المرتبطة بها بدأت هي أيضا تتغير؛ ولقد بدأت بوادر هذه الحركة منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي مع ظهور النص الإلكتروني والناشرين الإلكترونيين والمكتبات على الخطEn ligne والمكتبات الرقمية.

وبلغ هذا التطور شأوا آخر بعد سنة 2000 مع ظهور ما يسمى بالقاموس على الخط والقواعد النصية على شبكة النت، والأعمال المتعددة الوسائط والكثير من الكتب الرقمية والكتب الرقمية الخاصة بالمكفوفين وضعيفي البصر وظهرت برمجيات الترجمة وبرمجيات القراءة الحاسوبية إلخ، وأخيرا، وليس أخيرا، نحن اليوم بانتظار الورق الرقمي.
يشكل النت أهم اتجاه للكتاب الرقمي؛ لقد أصبح النت في بضع سنين أضخم أنسيكلوبيديا ومكتبة وأوسع جسم صحافي الأشهر اكتمالا؛ وإضافة إلى كل هذا فالنت بات يقدم خدمات خاصة بالكتاب، مثل رقمنة الأعمال الورقية، خلق برمجيات القراءة، خلق الكتب الرقمية، ووضع آليات للقراءة رهن إشارة جميع القراء.
لقد صار بإمكان المكفوفين وضعيفي البصر الإطلاع على الأعمال العلمية والأدبية بعد أن تم تحويلها إلى كتب رقمية ونشرها على النت. فإلى جانب الكتاب الورقي فقد ظهر الكتاب الإلكتروني الذي يمكن مطالعته على الحاسوب أوجهاز خاص أوعلى لوحة Tablette للقراءة، ومن جهة أخرى فقد تمكن العديد من الكتاب من إستثمار الإمكانيات التي توفرها تقنية (الروابط المتعددة) من أجل خلق أشكال سردية جديدة.
لقد زلزل العفريت الرقمي عالم النشر الذي عرف باستقراره منذ أكثر من مئة سنة؛ وخلافا لبعض تكهنات البعض من ذوي الأحكام المتسرعة التي يطلقونها وخصوصا منهم الأخصائيون المتحمسون للمد الرقمي، فإن الكتاب الورقي لايبدو حتى هذه اللحظة مهددا في كيانه كما أن ساعة احتضار الورق غير واردة في الأفق.
من حظ القراء ومريدي المعرفة والتعلم أننا أصبحنا نتوفر على سندين للتعلم والمعرفة بدلا من سند واحد؛ إن الكثير من الأعمال الورقية الحالية قد تخلصت عن طريق معالجتها رقميا إنطلاقا من قواعد معطيات الشئ الذي جعل من الأيسر الحصول على نفس العمل الأدبي بمظهرين: ورقي ورقمي.
وإذا كان العديد من القراء اليوم يستثمرون الكثير من إمكانيات القراءة الرقمية فهذا لا ينفي أن فئة قليلة فقط هي التي صارت تشتغل على (0 ورق ـ صفر ورق) والكثير منهم ما فتئوا يعشقون الكتاب الورقي لسهولة استعماله ومن جهة أخرى رغبة في تملكه.يبلغ عمر الكتاب الورقي خمسة قرون ونصف، أما الكتاب الرقمي فيصعب تحديد تاريخ ميلاده. فإذا ما اعتبرناه نصا إلكترونيا فإننا يمكن أن نحدد عمره في 35 سنة مع إطلاق مشروع (غوتمبرغ) سنة1971 من طرف ميشيل هارت الذي كان يطمح إلى التوزيع المجاني للأعمال ذات المواضيع العامة بواسطة الفاعل الإلكتروني. وكان على الإنسانية أن تنتظر تطور النت أواسط التسعينيات كي ينطلق فعليا نشر النصوص الرقمية على المستوى العالمي.


أما إذا نظرنا إلى هذا التطور الرقمي من الوجهة الإقتصادية فيمكن القول إن الكتاب الرقمي قد ولد سنة 1998 مع دخول سوق البيع بعض العناوين الرقمية الأولى من طرف دار النشر 00www.00h.com التي انقرضت لأسباب غير معروفة.
لكن باعتماد التجديد فالكتاب الرقمي التجاري سيأخذ انطلاقته الفعلية بعد سنتين (أي سنة 2000) وتحديدا في النصف الثاني منها؛ وهكذا وفي نونبر (نوفمبر) تشرين الثاني من سنة 2000 وضعت (مكتبة بريتيش) على النت الطبعة الرقمية لـ (إنجيل غوتمبرغ) (1454 – 1455) الكتاب الذي لم يسبق طبعه ورقيا.
إن الكتاب باعتباره أصلا عملية تجميع للعديد من الأوراق المطبوعة التي تشكل حجما ما؛ فإن إستعمال مفهوم (كتاب) وارتباطه بالصفتين (رقمي) و(إلكتروني) يثير عند البعض بدعة إذا إعتبرنا الكتاب سندا ماديا. لكن هذه الرؤية قد تبدو مقبولة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار بعده المطبعي. أليس الكتاب محتوى قبل أن يكون سندا ماديا؟
فسواء أكان الكتاب ورقيا أم رقميا فهو بالدرجة الأولى مجموعة من الكلمات نابعة من شخص يرغب في التواصل بأفكاره ومشاعره أوعلومه في مستوياتها العالية، الرفيعة.
نقول وثيقة إلكترونية؟ وثيقة رقمية؟ كتاب إلكتروني؟ كتاب رقمي؟ يجب علينا أن نحدد العبارة الملائمة واللائقة. لقد سبق لـ (جون غابرييل غاناسيا) وهو مدير مجموعة ذات اهتمامات علمية (GIS) منذ 1995 أن أشار إلى هذا في تقرير بحث أنجزته شعبة المستقبليات خصص لموضوع الكتاب الإلكتروني فقد خلص هذا البحث إلى أن مفهوم (الكتاب الرقمي) في اللغة الفرنسية يبقى مفهوما قاصرا بل وفي غير محله. إن هذا المفهوم يبدو قاصرا لكون الكتاب يشير إلى سند خاص للكتابة التي هي وليدة حقبة زمنية سحيقة بينما الوثيقة الإلكترونية تتضمن الكتابة والصورة والصوت.
إنه أيضا مفهوم غير ملائم لأننا لا يمكن أن نقارن مفهوم الكتاب بمفهوم إلكتروني؛ فنحن بصدد شئ لامادي، افتراضي ومحدد بواسطة مجموعة من الأساليب والطرق المؤدية وهيكلة منطقية؛ فضلا عن أن الأمر يتعلق بشكل محدد ووظيفة محددة، كما تجدر الإشارة إلى أن النظام الخاص بما يسمى الكتاب الإلكتروني لم يحدد بعد من قبل المهتمين والمختصين.
إنه أيضا نفس الرأي عند (بيير شويتزر) مخترع مشروع @folio اللوحة الرقمية (القراءة الجوالة) الذي كتب في يوليو/تموز 2002 \'وكنت دائما أجد أن عبارة كتاب إلكتروني عبارة خائنة ومفخخة أيضا؛ لأننا عندما نقول (كتاب) فإننا نرى شيئا مبتذلا من ورق، شيئا أكثر رواجا إلى درجة أنه صار غير ذي قيمة (...) بينما يتعلق الأمر ببلوغ ذروة summum التكنولوجيا في هذه الحضارة الرقمية الراهنة.
وإذن فإن مفهوم (كتاب) يعني بالإضافة إلى بعده المطبعي محتوى ما بحيث أن الشئ التقني، العبقري لا نراه يتحقق. ومن هنا فإن البعد الخاص بالكتاب باعتباره شيئا تقنيا يمكننا من التصفيح والتوريق والحفظ والتوزيع والتسويق والنشر والتبادل الخ أعمال أدبية وعلوم، كل هذا يبدو أساسيا بصفة مطلقة؛ وعندما نقرنه بـ (إلكتروني) أو(رقمي) فهذا يعني شيئا آخر: إنه لا يعني البعد الأساسي للكوديكس، لكنه العمل الخارق، الصموت للتدفق والسيولة التي تمكن من نقل المعرفة عن بعد، وشحن الذاكرة الخ.
وكل هذا لاعلاقة له مع عبقرية الكوديكس الأصيلة؛ إن ما يتعلق بالنت هو شئ آخر مختلف عن تاريخ التلغراف والهاتف ومختلف الشبكات (...) إننا نعيش مرحلة انتقالية مزعجة موسومة بتعميم الوثائق الرقمية ورقمنة العديد من الوثائق الورقية على أعلى مستوى والتي تبقى رغم ذلك وفية لأصلها الورقي؛ ولأسباب عملية أكثر منها وجدانية فمن الصعب على عشاق الكتاب تجاوز الكتاب الورقي الذي لا يبدو كما يتصور البعض موته وشيكا في المستقبل المتوسط أو البعيد بل على العكس من ذلك قد يفاجئ الإنسانية بعمره المديد.\'
في مقال له صدر في فبراير سنة 1997 على صفحات مجلة (إعلاميات – أخبار) ألح بيير بيرو مؤسس المكتبة الرقمية (أثينا) (Athena) ألح على التكامل بين النص الرقمي والنص الورقي.
إن النصوص الرقمية في رأيه تمثل تحفيزا على القراءة وإسهاما وافرا في نشر الثقافة، خصوصا في مجال الدراسة والبحث النصي. إن هذه النصوص الرقمية هي بمثابة مكمل للكتاب الورقي الذي سيبقى عنصرا محوريا وأساسيا لا نظير له في مجال القراءة والتكوين والمعرفة والإبداع. وإذا بات من المؤكد والضروري الاعتماد على النص الرقمي؛ فإن الكتاب الورقي سيبقى كذلك، وإلى ما لانهاية، ذلك المرافق المقدس الذي تلتقي في عمقه الكثير من الرموز: فنحن نضمه بأيدينا، نحضنه، نرنو إليه، يجذبنا أحيانا شكله وحجمه الصغير أكثر من محتواه؛ إن (هشاشته) تخفي كثافة فاتنة، مثل الإنسان الذي يخشى الماء والنار، غير أنه مع ذلك يتوفر على القوة التي تجعل كينونة الكتاب الورقي في مأمن من عوادي الزمن.
يبدو إذن أنه من غير اللائق وضع الكتاب الرقمي والكتاب الورقي موضع تعارض كما أشار إلى هذا أوليفيي بوجول رئيس شركة (ليستال) ومقاول مؤسسة (سيبوك Cybook) وهي عبارة عن لوحة إلكترونية للقراءة!
إن الكتاب الإلكتروني الذي يمكننا من القراءة الرقمية لا ينافس الورق في دجنبر2000؛ بل إنه مكمل للقراءة ويفتح آفاقا جديدة لنشر الأعمال التي تتآصر فيها الكلمة بوسائط أخرى (الصورة، الصوت، صورمتحركة ...) فالواقع يبين استقرارا في الاستعمال الورقي في مجال القراءة فضلا أيضا عن تصاعد في صناعة النشر الخاصة بالكتاب الرقمي والكتاب الإلكتروني على غرار الموسيقى الرقمية التي مكنت المولعين بها من الوصول إلى الاستمتاع والإبداع فإن القراءة الرقمية تلغي الكثير من العوائق للوصول إلى (النص) سواء بالنسبة لجيل الشباب أو الأجيال السابقة.
إذا كان البعض قد تسرع في قرع ناقوس الخطر على مستقبل الورق، فإنه أصبح الآن لا يتحدث فقط عن (الرقمي الشامل) في المستقبل القريب، بل بدأ يبشر بتجاور بين (الورق) والبيكسيل Pixelويبشر كذلك بالعمل ذي الوجهين (ورقي ورقمي).
ويبقى على الكتاب الرقمي أن يكشف عن مؤهلاته وإضافاته القيمة مقارنة مع الكتاب الورقي الذي رسخ دوره في المنظومة الإقتصادية منذ أكثر من خمس مئة سنة ونيف (...) هناك عمل جبار ينتظر الكتاب الرقمي خصوصا ما تعلق بإنشاء سلسلات collections وشبكات للتوزيع وتحسين أجهزة القراءة وكذلك تخفيض أثمنتها؛ أكثر من هذا على القراء أن يتعودوا على القراءة على الشاشة؛ بما توفره هذه الأخيرة من امتيازات وإيجابيات كـ (البحث النصي، الفهرسة الثابتة).
وبصفة عامة فإن إستعمال هذه الآلات (الحاسوب، الجهاز الشخصي، الهاتف الجوال، السارتوفون، أو اللوحة الإلكترونية، لا يعادل) بأي شكل من الأشكال الوضع والمناولة المريحة التي يمنحنا إياها الكتاب الورقي؛ ومع ذلك رغم بعض الصعوبات التي تعترض القراء الرقميين فإن أتباع القراءة الرقمية في تصاعد مستمر؛ وإنهم بانتظار أجهزة للقراءة أكثر تقنية ونجاعة وكتبا وجرائد إلكترونية على أجهزة أكثر مرونة.
ولأسباب مالية بالأساس فالعديد من المنشورات لا تتحقق على اللوحة الرقمية؛ فبالإضافة إلى سهولة الحصول على الوثيقة الإلكترنية وثمنها البخس فبإمكاننا تحيينها في كل لحظة وحين، وهذا هو أوج التقدم الرقمي (...) كما أننا لم نعد في حاجة إلى انتظار طبعة ثانية وثالثة و.. و.. تحت رحمة الإكراهات التجارية وإرغامات الناشر خصوصا ما تعلق بالأعمال والدوريات العلمية والتقنية حيث تكون المعلومة العلمية جديدة وأساسية والتي يجب تحيينها بصفة مستمرة. فالبنسبة لهذه المنشورات العلمية فإن التكنولوجيا الرقمية صارت تدعو إلى التفكير العام في دلالة النشر والتوجه إلى النشر الأون لاين.
إن السحب الورقي سيبقى أبدا أساسيا؛ فهناك العديد من الجامعات والكليات التي صارت تنشر مراجع \'على المقاس\' تتألف من اختيار دقيق للفصول والمقالات على قاعدة معطيات، التي يضاف إليها تعاليق الأساتذة؛ فبالنسبة لمؤتمر أو منتدى فإن سحب القدر اليسير من الوثائق قد يكون تحت الطلب انطلاقا من وثيقة إلكترونية منقولة عبر وسيط إلكتروني إلى إحدى المطابع، بينما المجلات الأونلاينية ذات البث الإلكتروني فإنها غالبا ما تعتمد على شراكة مع مؤسسة مختصة في الطبع تحت الطلب.
كتبت الباحثة والأستاذة في مؤسسة الدراسات التطبيقية العليا ماري جوزيف بيير، في فبراير 2003 (يبدو لي أن نشر المقالات والأعمال العلمية قد بات يأخذ أشكالا رقمية الشيء الذي سيمكن الباحثين من استثمار بنوك المعلومات المتطورة جدا والتي ستمكن من التوصل المباشر والحوار بين الكتاب؛ إن مؤسساتنا مثل (المركز الوطني للبحث العلمي CNRS) قد بادرت إلى تحفيز الباحثين على نشر أعمالهم على الخط (أون لاين) كما حثت المشرفين على المختبرات العلمية على نشر أبحاثها على الصفحات الإلكترونية وبالسرعة المطلوبة.
إن علاقاتنا العملية خلال السنتين أو الأربع سنوات القادمة عليها أن تنحو هذ المنحى السابق (منحى البث النتي). فالورق لن يتوارى رغم هذا التطور وأعتقد أن نسبة استهلاكه سوف ترتفع، لأننا حينما نرغب في الاشتغال على نص ما فإن الكتاب الورقي يكون طوع أيدينا وبالسهولة التي نريد، وأعتقد أن الكثير من المجلات الرقمية يتم تحويلها إلى مجلات ورقية؛ فالمرور من البث الورقي إلى البث الأونلايني أو العكس يفسح المجال للمراجعة والفحص واستدراك الثغرات وهذا شئ مهم وأساسي في أي عمل.
إن التكنولوجيا الرقمية تفتح آفاقا واسعة بالنسبة للكتاب المبدعين (...) ففي سنة 2000 قررت الروائية آن بيندك جولي، إنشاء موقعها الإلكتروني لنشر أعمالها وبعد شهرين فقط على وضع موقعها على الويب صرحت \'بعد أن تعرضت الكثير من أعمالي إلى الرفض من طرف دور النشر أجد اليوم هذه الإمكانية الرقمية الباهرة لنشر أعمالي وكتاباتي؛ إننا نكتب لكي يقرأنا الآخرون. ومنذ إنشاء موقعي ذاك أعتبر نفسي كاتبة وناشرة وأتحمل لوحدي عبء كل مسلسل العمل الأدبي من الكتابة إلى التسويق مرورا بجميع العمليات التقنية الأخرى الخاصة بالطبع والتصفيح وإعطاء رقم الإيداع القانوني .. إلخ.
كانت كتبي من قبل لا تتعدى القاعدة العامة 250 نسخة تمكنني بالكاد من استرجاع بعض المصاريف (...) وأعتقد أن النت هو وسيط سريع وعالمي وأنا أجد نفسي جد مقتنعة أن الكتاب الورقي ما فتئ يستهوي الكثير من عشاقه. إن الإشكالية تكمن في نوعية الطبع لدى بعض الناشرين حتى لا نقول تقاعسنا أمام كلفة صناعة الكتاب كما أنهم يفضلون منطق السوق على المغامرة بنشر بعض الأعمال الأدبية المغمورة.
إذا أجزمنا القول بأن النت والكتاب الإلكتروني لن يعوض بأي حال من الأحوال الكتاب الورقي فإنني جد مقتنعة أن الإبحار في هذه الشبكة التواصلية هو أمر إيجابي بالنسبة للكثير من الكتاب الأقل شهرة.\'
يمنحنا البث الرقمي العديد من الإمكانيات الهائلة مهما كان وضعنا الإعتباري كتابا أم روادا.
فقد كتب نيقولا بيوني في فبراير/شباط 2003 \'إنني أنظر إلى الكتاب الرقمي في المستقبل مثل (العمل الجامع) بين العديد من الأدوات التواصلية بين النص والصوت والصورة والصورة المتحركة والفيديو والكتابة التفاعلية؛ إنها طريقة جديدة للتصور والكتابة والقراءة على صفحات كتاب فريد ودائم التجدد.\'
أما بيير شويتزر الذي تعرفنا عليه سابقا مخترع مشروع folio@ يعود في يناير/كانون الثاني 2007 ليقول \'إن القراءة الرقمية تجاوزت إلى أبعد مدى، وأبعد جدا سؤال الكتاب أو الجريدة، وهذان السندان سيظلان من دون شك أهم دعائم القراءة التي لن يتم تجاوزها على المستوى التقني وأعتقد أن هذه الثورة الرقمية لن تحقق كل ما يحلم به الرقميون في طور جيل واحد (...) وسنرى أشكالا أخرى للنشر جد متطورة على الشبكة النتية. إن النت قد بات يتحدى النشر الورقي ونعني بهذا أسلوب النشر على الشبكة (أسلوب غير مادي = صفر في التكلفة)، أما النشر الورقي فإلى حدود اليوم لم يتمكن من تحديد تكلفاته لذا فقد يحتل فاعلون آخرون مكانته.\'
يبدو إذن من العبث بل من الأخطر أن نفكر في تحويل إيكولوجية الورق إلى ملقط جنين forceps. إننا سنهدمها إذا ما أقدمنا على ذلك؛ فبعض المحتويات الخاصة جدا وبعض دور النشر العلمي وبعض الأدلة (ج دليل) التطبيقية وبعض الكتب التي تلقى بعد (الإستهلاك) jetableمن صنف، وبعض الأجزاء الأخرى تسيطر على طاولات المكتبات العامة يمكنها أيضا أن تتعرض للتحول الرقمي: إن عاداتنا المرتبطة بالقراءة لن تنقلب رأسا على عقب بين عشية وضحاها؛ إنها عادات مرتبطة بعاداتنا الثقافية وهي تتطور ببطء أولا بأول بحسب قبول الأجيال الحالية والقادمة بها.
وفي رأي دونيس زويرن، رئيس أكبر مكتبة رقمية (نوميلوغ) Numilog في حوار صدر سنة 2007 \'إن سنة 2008 ستعرف لا محالة انحدارا أوليا في منحنى سوق النشر الإلكتروني؛ إذ هناك العديد من المؤشرات على ذلك:
1 ـ تطور الكاتالوغات (الأونلاينية) التي تستعمل بصفة واسعة وظائف البحث في الكتب المرقمنة، مثلما هو الشأن بالنسبة لمستقبل المكتبة الرقمية الأروبية (فولتيكس شاس أون لاين) أو(غوغل) أو (أمازون)، فبمجرد ما يتم العثور على المحتوى في عمل ما عن طريق أحد محركات البحث فمن الطبيعي أن المستعمل سيطمع في المادة ككل في صورتها الرقمية.
2 ـ إن العديد من التطورات التقنية الحاسمة على غرار مثلا مقترح تسويق أجهزة القراءة القائمة على الحبر الإلكتروني التي لاشك أنها ستحسن من تجربة القراءة النهائية للمستفيد وذلك بتقريبها من القراءة الورقية، مثل أعمال إيريكس أو سوني ريدير؛ وفي جانب آخر فإن هذا التقدم يهم أيضا تطور سيمارتوفونات جديدة، ذات وظائف متعددة مثل (البلاك بري) أو(ليفون) حيث برمجيات القراءة على الحد السطحي قد تطورت بشكل كبير ويتم حاليا التفكير في إطلاق (الأيبوك) على الحاسوب أيضا مثل (الأدوب ديجيتال إيدسيون).
3 ـ وأخيرا إن التحول في مواقف الفاعلين في هذا الميدان ناشرين وكتبيين إذ أن الناشرين الأنجلوساكسونيين الجامعيين قد شقوا طريقا لهم، الطريق التي سوف يتبعها الآخرون من دون شك خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية وشمال أوروبا وفرنسا: إن الأمر يتعلق بمقترح أو لنقل بابتداع رقمي جديد لكل الأعمال حتى بالنسبة لبعض الأعمال المغمورة، فالأمر لم يعد يتعلق بسؤال لماذا؟ بل كيف؟ والمكتبات لن تتأخر في بيع كتاب رقمي يدخل أيضا في إطار مهنيتها العادية.
إن الكتاب الرقمي لم يعد مسألة جدل أو نقاش أو تعريف تصوري أو إختراع من طرف الخبراء: لقد صار منتوجا تجاريا وهو أيضا وسيلة للقراءة وهو ليس في حاجة إلى إنتظار أي نموذج للقراءة أكثر حداثة وأعلى نصية وأكثر غنى على مستوى الوسائط المتعددة مقارنة مع الكتاب الورقي، فالأمر في غاية البساطة يكفي فقط إقتراح نصوص مقروءة بيسر على دعامات القراءة الألكترونية؛ إنه لم يعد ولن يكون أبدا مجرد منتوج تافه بل إنه سيصبح منتوجا غنيا بأشكاله المتعددة مثلما كان الشأن للكتاب الورقي.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟