شيوع ثقافة الصورة في ثقافة الشاب العربي - د . هادي نعمان الهيتي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاس تشكل الصورة مفردة من مفردات اللغة غير اللفظية , ويحمل التلفزيون اللغة بجانبيها اللفظي وغير اللفظي , اذ هو يستعين بالصورة المؤتلفة مع رموز أساسية اخرى في لغة الاتصال .ومع ان التعرض للصورة ليس امرا مستحدثا الا ان ظروفا جديدة تهيأت للصورة لأن تؤدي دورا اتصاليا اكبر ليس بسبب اتساع نسبة تعرض الجمهور لها حسب . بل من حيث اتساع اهتمام الهيئات الاتصالية بها , اذ ان هذه الهيئات المتمثلة بمصادر الاتصال تجد نفسها بحاجة اكبر الى ان تكون مقربة من مجريات الحياة لتصور الوقائع والموضوعات والاشخاص تلبية لمطالب اتصالية كثيرا ما تتضح لدى الجمهور , لذا فأن هناك مباراة حامية بين الهيئات الاتصالية لتقديم الصور , ضمن الرسائل الاتصالية عبر الوسائل المختلفة اشباعا لحاجات شتى ليس عبر الحاسب والسينما والتلفزيون فقط , بل من خلال الوسائط المطبوعة ايضا .
ويتطلب التنظيم المنهجي لدراسة تأثير الصورة في ثقافة الشباب والوقوف على ثقافة الشباب , والصورة , مفهوما وتطورا , تم تحديد العلاقة بين الصورة وبين تلك الثقافة .
- ثقافة الشباب :
يتأثر الشباب بثقافة المجتمع وما فيه من انظمة اجتماعية وسياسية واقتصادية بما في ذلك النظام الاتصالي , حيث ان اتصال الافراد عبر وسائل الاتصال الوطنية والوافدة يلعب دورا مهما في ثقافتهم .
لكن وسائل الاتصال ليست مصدرا وحيدا لتكوين الثقافة , فهناك عوامل اخرى متعددة , غير ان في بعض البلدان النامية التي يفتقر فيها المجتمع الى مراكز لصقل الثقافة , كالكتب وغيرها , يقع الثقل الاكبر فيها على الاتصال الجماهيري للقيام بمهمة تكوين الذوق الرفيع واغناء الثقافة .
ولكن ثقافة الشباب ليست مجموعة لهذه المكونات بقدر ما هي تعامل بينها جميعا بما يؤول الى انماط سلوكية , وعند ذاك تمسي ثقافة الشباب هنا طريقة حياتهم , كما ان كل عنصر من عناصر ثقافة الشباب يندرج في سلالم قيمية بحيث يكون لبعض القيم قوة كبيرة ولأخرى قوة اقل , وهكذا بالنسبة الى سائر مكونات الثقافة مما يسمى بانتظام الثقافة .يضاف الى ذلك ان ثقافة الشباب في عناصرها وبنيانها ليست ساكنة بل ديناميكية , وهي تؤثر في سلوك الشباب وتتأثر به .
وبرغم كبر الهزات التي تعرضت لها ثقافة الشباب فأن هناك اتجاهات متباينة ازاءها اليوم , حيث إن هناك من يريد لتوجهات ثقافة الشباب العربي أن تناسب الأوضاع القائمة وان تحافظ عليها , وهناك من يريد لها ان تساهم في تغييرها .. وضمن هذه الحدود المتعارضة تعمل أجهزة التنشئة الاجتماعية والسياسية وأجهزة الإعلام الوافدة لها توجهات اخرى مختلفة , وخاصة تلك التي تصل عبر سواتل الفضاء : واذا ما ركزنا على الصورة الواصلة عبر تلك القنوات فإنها تتخذ حدودا منها ما هي بعيدة كل البعد عن تلك التي يضعها المجتمع العربي للشباب .

-  الصورة في وسائل الاتصال .
منذ ان ظهرت في الحياة البشرية الاجتماع الإنساني لا بد ان يكون الاتصال , اي تناقل الافكار , قد برز الى الوجود , واصبح احدى الظواهر . واذا كان الانسان قد وصف بنعوت شتى , كالقول انه اجتماعي او سياسي او مدبر , فانه جريا على ذلك يمكن ان ينعت بانه كائن اتصالي . ومع انه لم يكن للانسان في المراحل الاولى من
حياته نظام لغوي متكامل , الا انه كان يستعين بالاشارات والحركات والاصوات والصور , وكل عنصر من هذه العناصر يشكل وحدة لغوية في عملية الاتصال .
وعلى اساس ذلك فأن اللغة ذات جانبين احدهما : لفظي ويطلق عليه اللغة اللفظية والاخر غير لفظي ويطلق عليه اللغة الغير اللفظية ويتمثل الاول في اللغة المنطوقة والمكتوبة بينما يتمثل الثاني في الحركات والإشارات والألوان والصور والظلال والإيماءات والعلامات .
ومن هنا امكن تعريف اللغة , بانها نظام من الرموز المرئية او المسموعة , اللفظية وغير اللفظية , التي تستخدم في ترميز الرسائل الاتصالية الموجهة إلى الآخرين بقصد استحضار المعاني لديهم .
واذا كانت الصورة من بين اقدم الوحدات اللغوية في الاتصال الإنساني فهي ما تزال تشكل وحدة مهمة في مجمل حركة الاتصال اليوم وحين ظهرت وسائل الاتصال الجماهيري , كالكتاب والصحيفة والسينما والتلفزيون , قاد ذلك الى انعطاف واسع في في استخدام الصورة في الاتصال بانماطه المختلفة , ليس بقصد المعاونة على نقل المعاني حسب , بل من اجل زيادة فاعلية وسائل الاتصال الجماهيري نفسها في اداء وظيفتها الإخبارية , الترفيهية , والتثقيفية . فضلا عما تضيفه من تشويق وجاذبية وإثارة ووضوح . وقد ظهرت الصورة في الكتب منذ وقت مبكر , ثم ظهرت في الصحافة , رسوم كرتونية وواقعية وفوتوغرافية ولعبت دورا مهما الى جانب الكلمة المطبوعة , وازداد بفضلها الاقبال على الصحف , حيث برز دورها كاحد متطلبات الخبر على اساس انها شاهد يعبر عما يجري من احداث كما انها تساهم في التعريف عن الاشخاص ,
وتعطي الشكل او الهيئة عما هو غير مألوف , مع ابراز تفاصيل تتطلبها الرسالة الاتصالية , اذ ان ادراكها اكثر يسرا من ادراك المادة المطبوعة , فضلا عما لها من جاذبية في كثير من الاحيان .
وكان للصورة دور مهم حين كانت السينما صامتة , اذ امكن من خلالها التعبير في مواقف مشهودة عن كثير من المعاني بدقة ووضوح . ويشار الى ان فلم العصر الحديث لشارلي شابلن رغم ان التمثيل فيه كان صامتا الا انه امكن الافصاح فيه بشكل واضح عن مضمون الفلم القائل ان العالم الحديث يحطم الفرد وليس هناك مكانة للشخصية الحرة المتمثلة بالحيوية في عالم تسيطر عليه الآلات واصحاب الاعمال والبوليس .
وكان شارلي شابلن من اوائل الذين ابدوا الحسرة حين نطقت الصورة في السينما .
ويعد التلفزيون الوسيلة ا لاكثر شيوعا التي جمعت بين مجمل رموز اللغة بما فيها الصورة مما وفر له القدرة على اداء التجسيد الفني للافكار والموضوعات بكفاءة عالية .
ويشكل الاتصال الفضائي الدولي انعطافة كبرى في استخدام الصورة في الحركة العابرة للحدود , حيث تشكل الصورة وحدة اساسية من وحدات لغة التلفزيون .. ولكن رغم كل ما يقال عن اهمية الصورة في عملية الاتصال فهي وحدها غير كافية لتحقيق أغراض أساسية في العملية الاتصالية , لذا فان ائتلاف الصوت والصورة معا كان عاملا في فاعلية الرسالة عبر التلفزيون .
ومع ذلك من الممكن لعنصر رمزي في النظام اللغوي ان يكون ذا فاعلية اكبر في هذه الوسيلة او تلك , وهذا ما يتضح في التلفزيون الذي يظهر فيه كبر دور الصورة ليس من حيث تعبيرها عما يضمه مضمون المادة التلفزيونية فحسب , بل من حيث اشغالها لانتباه الجمهور , حيث ان النظر الى التلفزيون امر ميسور لا يستلزم جهدا , بينما يتطلب الاستماع للصوت انتباها و انصاتا .
ومن هنا ارتبط مضمون التلفزيون بثقافة الصورة , اي بما يمكن للتلفزيون ان بشكله من مضمون ثقافي لدى الجمهور نتيجة التعرض للمادة التلفزيونية , حيث يقود التلفزيون بمواده المصورة الجاهزة الى تكوين عناصر ثقافية لدى اكبر عدد من الناس قد لا تكون عميقة بمستواها الا انها واسعة في مساحتها دون ان يتوفر ما يربط بين تلك العناصر , حيث تتبلور تدريجيا نتيجة التفرج على التلفزيون .
- صورة ثقافة الشباب
بعد ان استعرضنا مفهوم ثقافة الشباب وعوامل تكوينها , وخصائص الصورة , باعتبارها احدى الوحدات الرمزية الاساسية في لغة التلفزيون , نعرض فيما يلي ابرز احتمالات تأثير التلفزيون في جانبين اساسيين من ثقافة الشباب هما : مضمون ثقافة الشباب , وبنيانها , من خلال المحاور التالية :
1 - انتشار التفكير بالصور :
يمارس الانسان الاتصال مرسلا ومستقبلا من خلال لغة الكلام التي هي لفظية اضافة الى لغة اخرى هي ما يسمى باللغة الغير لفظية , وعلى هذا اذا كانت اللغة اللفظية وعاء للفكر فأن اللغة غير اللفظية تعد وعاء اخر له , حيث اتيح للانسان بفضلها ان يفكر من خلال الاشكال والاشارات والاصوات والالوان والحركات .
وهنا من الممكن الاشارة الى التفكير بالصور , حيث ان التلفزيون يبادر الى تقديم الصورة التلفزيونية , مما لا يتيح بقدر كاف للمشاهدين تكوين صور ذهنية عن الاحداث والافكار او لا يحفز على ذلك ما دام التلفزيون يقدم صور جاهزة , الامر الذي يقلل من حجم ونوع التفكير والتخيل , على اساس ان هاتين العمليتين العقليتين تنطويان على تكوين صور ذهنية . ومن هنا كان الفرق واسع بين القراءة ومشاهدة التلفزيون , حيث ان القراءة تتيح للقارئ ان يكون صورا ذهنية ويمارس عمليات عقلية في مقدمتها التفكير والتخيل .
2 -  كثيرا ما تكون الصور التلفزيونية مليئة بتفاصيل كثيرة , ذلك ان عملية التصوير التلفزيوني معقدة , وغالبا ما تكون ظروف التصوير دقيقة وخاصة تلك التي تنقل الاحداث والوقائع وحيث ان الهيئات التلفزيونية غير قادرة على اظهار تفصيلات دون اخرى الا وفقا لاعتبارات وظروف محددة و ممكنة , لذا فان ذلك يقود الى اشغال المشاهد بجوانب وموضوعات هي في عداد التفصيلات غير الاساسية – في الغالب – اي ان الاقتصاد غير قائم في كثير من الصور التلفزيونية , بينما يتضح الخبر جليا في الخبر المطبوع .
ومن جانب اخر , فانه حتى سنوات قليلة ماضية كانت الصور التلفزيونية موضع ثقة الجمهور الى حد كبير حيث يرى فيها صورة صادقة في تعبيرها عن الواقع , الا ان التمادي في عرض المؤثرات الصورية والخدع السينمائية في العمل التليفيزيوني قلل – الى حد ما – من مصداقية الصورة التلفزيونية .
وعلى هذا فانه في الوقت الذي يمكن للشباب ان ينشغلوا بتفصيلات عن الاحداث والافكار والمعاني , وفقا لميولهم وخبراتهم واتجاهاتهم السايقة , او وفقا لتطلعاتهم المستقبلية , فأن من الممكن ايضا ان يقل اكتراث بعض الشباب بكثير من الموضوعات التلفزيونية وقد يميل البعض منهم الى التشكيك في صحة بعض الوقائع عبر التلفيزيون مما يشكل تاثيرا في ثقافة الشباب .
3 - الميل الى الاستهلال في الحصول على المعلومات
تقدم الصورة جوانب ثقافية بأسلوب سهل الاستقبال , حيث لا يستوجب التعرض للتلفزيون جهدا كبيرا , وغالبا ما تبدو الثقافة التي يبثها التلفزيون سطحية, لذا ما تزال توجه الى التلفزيون الاتهامات بانه وراء شيوع كثير من انماط السلوك غير المسؤول والذي ينم عن اللامبالاة بين قطاعات واسعة من الشباب , ويشار الى ان التلفزيون , وثقافة الصورة فيه , تجعل الاطفال والشباب يعتادون على التلقي السهل المضمون , ويعد التلفزيون واحدا من العوامل التي تحد من رجوع نسبة عالية من الشباب الى الكتب ذات المضمون الفكري العميق , وبهذا , يكون التلفزيون والصورة فيه , عامل تأثير في عناصر ثقافة الشباب وفي بنائها .