الأبعاد الرابطة بين اللغة العربية والتواصل ـ رفيق لبوحسيني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

تقديم:
ارتبط التواصل بعوالم معرفية كثيرة، جعلت منه موئل التفاعل والتعالق بين صنوف الإنتاج الفكري والعلمي والثقافي. ورغم أن اللغة اللفظية، أو العلامات التواصلية اللفظية، في مقابل العلامات الرمزية والإشارية غير اللفظية، لا تشكل إلا النزر القليل وسط هذا العلم، إلا أن دورها فيه، لا تخطئه عين الدارس.
ويمكن رصد العلاقة الوظيفية الرابطة بين عالَمي اللغة والتواصل من خلال الإجابة على السؤال الآتي:
ما هي حدود التأثير اللغوي في صياغة مجال تواصلي إجرائي وفاعل؟
للإحاطة بأبعاد هذا السؤال نقترح التفصيل في المحاور الآتية:
مفهوم التواصل بعلاقة مع العلامات التي تتراوح داخل التواصل بين لفظية وغير لفظية، والعلاقة الرابطة بينهما هي علاقة تقوية وتكامل، تحقيقا لكفاية تواصلية جيدة.
وتعتبر العلاقة بين التواصل اللغوي والإنتاج المعرفي والفكري هي ذاتها العلاقة الرابطة بين اللغة والفكر، وإنما كان الحرص على أن يكون التواصل الأكاديمي باللغة المحلية، بغرض الاقتصاد في طاقات الاستيعاب النفسية والعقلية، وتفجيرا لمواهب الإبداع والإضافة، وتنمية للرأسمال الرمزي وتعميقا للقدرة على الانفتاح.

يسهم هذا الربط في بلورة الشخصية الثقافية والحضارية إذ تكون العلاقات التواصلية في مستوياتها الرفيعة إذا ما توسلت اللغةَ المحلية، فذلك يحقق ارتباطا واضحا بين الذات ومختلف مكونات الحضارة الإنسانية ومراحلها، مما يقوي صلة الانتماء، وهو ثمرة مباشرة لتطبيق أحد أهداف التواصل الكبرى، وهو الاكتشاف بأبعاده الثلاثة.
فيكون لهذا الأمر أكبر الأثر في درء الصراع اللغوي والمجتمعي، إذ المساحة التي يتيحها التواصل، تعد مجالا خصبا للتداول السلمي للغة، مع مراعاة الحقوق الطبيعية لكل طرف لغوي.
إن تكريس تواصل لغوي فاعل في مجتمعنا، يقتضي اعتماد إستراتيجية تعريب وظيفي وشامل، حيث إن تجارب الأمم أثبتت، أن اعتماد لغة رسمية /مركزية، في مجالات التواصل الرسمية، علمية كانت أو إدارية أو سياسية، يقوي البناء الداخلي للمجتمع، ويحقق تميزا على مستوى عملية التثاقف والمثاقفة. ولذلك، للوصول إلى ازدهار لغوي فاعل، من الهام جدا اعتماد استراتيجيات تواصلية على أساس تعدد لغوي تكاملي.

1-اللغة والتواصل: تعالق أم استتباع ؟
1-1- التواصل:

رغم حداثة التجربة الوجودية لعلم التواصل، إلا أنه –ومنذ الخطوة الأولى مع شانون 1948Shannon، حاز اهتمام العقول المنظرة التي شغفت بتأثيث واقعه العلمي والأكاديمي، فلم يكن من السهل وضع تعريف/حد لهذا العلم الجديد الذي يهيمن على مختلف مناحي الحياة، فهو ينطوي على وضوح المشاع، وغموض اللامحدود "فهو واضح بما فيه الكفاية في حالة استخدامه الاصطلاحي، ولكنه غامض عندما يبحث عن حدود استعماله"
[1] وهو نفس المعنى الذي نجده عند كل من ج وج روسو G et G Rousseau حينما أكدا على أننا نادرا، ونحن نستعرض حاجاتنا الضرورية، ما نجد التواصل من بينها، مع أن هذا البعد أساس ومخصص للجنس البشري "فهو حيوي إلى درجة أننا ننسى ذكره، فالتواصل على الحقيقة هو التعبير عن الحياة"la communication p 73)).[2] في هذا المقام يحسن أن نميز بين وجهين للتواصل، الأول عام وشامل لكل نشاطات الإنسان بارتباط مع محيطه الحياتي، من نبات وحيوان بل وجماد وآلات.
أما الوجه الثاني، فمخصوص، يتعلق بالروابط الجامعة بين بني البشر، بما يتضمنه من قصد، وتأويل، وترميز، وتفكيك للسنن. وبهذا المفهوم يكون التواصل: "عملية يقصد مُصدِّر نوعي بواسطتها، إثارة استجابة نوعية لدى مستقبل نوعي" بحسب تعريف الكاتبة إندي ريكارد (Rikarrd Indy73).[3]
وإذا رجعنا إلى قاموس علم النفس، نجد أن التواصل بهذا المفهوم الشامل يعني: "نقل شيء من موضع إلى آخر، وهذا الشيء قد يكون رسالة أو رمزا أو معنى... ولكي يتم الاتصال، لابد من وجود ترميز مفهوم بين المرسل والمتلقي، حتى يتم تفسير المعنى المنقول دون أخطاء."[4] يقول Jurgen Rusch : "إن مفهوم الاتصال سوف يشمل كل العمليات التي بواسطتها يؤثر الناس في بعضهم البعض."[5] وحينما نقول "علم"نقصد بذلك أن له أهدافا ومبادئ معروفة نذكر بعضها على سبيل الإيجاز كما الآتي:

1-1- 1أ هداف التواصل الإنساني:
أ- الاكتشاف:
قد يكون هذا الهدف في علم التواصل، هو القاعدة التي يتأسس عليها ما يلي من الأهداف، أو بمعنى آخر يمكن القول إن مجالات التناول في هذا العلم متفرعة عن هدف الاكتشاف.
ويأخذ هذا الهدف مراتب ثلاث تتدرج من الأهم إلى ما دون ذلك كما الآتي:
- التعلم والتعرف على الذات: وقد لخص العالم "كلينك" هدا المفهوم وأهميته بقوله «إن الوعي بالذات هو قلب كل تواصل»Kleinke1978 ، إذ إنه إذا كان الاكتشاف غاية كبرى، فإن اكتشاف الذات يعد عموده الفقري، وبدونه يفقد التواصل الغاية من ابتداعه، والتي هي القدرة على تطوير الذات واكتشاف طاقاتها الكامنة.
- معرفة العالم أو المحيط، واكتشافه: وهي نتيجة متوقعة لاكتشاف الذات، علاوة على أنه عامل مساعد وحاسم للوصول إلى معرفة حقيقية للذات، لأنه يعسر التعرف السليم على أنفسنا بدون الدور "المرآتي" للآخر.
-   المقارنة مع الآخرين: تعتبر المقارنة إطارا طبيعيا للعلاقات الإنسانية القائمة على معاني الاندماج المجتمعي والتفرد الشخصي المميز، مع التأكيد على ألا يأخذ هذا السلوك منحى/صورة الهاجس المفضي إلى التنميط والذوبان في الآخر.

ب- الاقتراب والتقارب:
أخذ هذا الهدف مساحة هامة من تفكير المشتغلين بعلم التواصل، بحيث لم يبق عندهم معنى مجردا أو معنويا فقط، بل أخذ شكلا ماديا مجسدا في قياس المسافات المعبرة عن درجة وقوة العلاقة الربطة بين الطرفين.
ويتحقق هذا الهدف من خلال:
- عقد وربط علاقات حميمة مع الآخرين: إذ تعد عملية تأسيس العلاقات الإنسانية القاعدة الحيوية للتواصل، وتحتاج إلى مهارات مكتسبة.
- صيانة وتقوية هذه العلاقة: لأن العلاقة بناء تسهم فيه الأطراف المتواصلة، وكأي بناء، إذا ما أهمل تطرق إليه الخور والهدم. قال Dutch Boling: "لكي يُهتم بمعرفتنا، يجب أن يعلم الناس أننا نهتم بهم."

ج-الإقناع والاقتناع:
قد يتوهم الواهم أن هذا الهدف يتحقق خاصة في المجال التجاري أو الحقوقي إلا انه مصاحب للسلوك الإنساني في كل تفاصيل حياته القائمة على تبادل المصالح عبر قناة التفاوض، وتبدأ عملية تمهير هذه الكفاءة في المراحل الأولى لحياة الإنسان حيث أقوى ما يكون في التفاوض وهو طفل.
ويكمن مضمون هذا الهدف في:
- تغيير وتحويل الحالات والأوضاع.
- التأثير على معتقدات الآخر.
وذلك باعتماد طرق الدحض والتثمين، أو ما أسماه القدامى بالتخلية ثم التحلية فالتجلية.
وتمارس عمليات الإقناع في المجالات التالية:
- عالم الأفكار.
- عالم المعتقدات.
- عالم السلوك والحالات.

د- اللعب:
الدارج عند العامة أن اللعب  يقتصر على الأطفال والصغار من جهة، ويرتبط من جهة أخرى بالترف واللهو والبعد عن الفائدة الجدية، في حين يمكن أن يستوعب هذا الهدف باقي الأهداف السابقة. ومن المفاهيم الرائجة داخل هذا المفهوم نجد :
- التمتع بالفكاهة، بالخطابات، بالموسيقى.
- المزاح والبسط، حكاية، قصص جذابة.

1-1-2- مبادئ التواصل:
يقوم التواصل كباقي العلوم على مجموعة من المبادئ، سنقتصر على ذكر البعض منها:
  * التواصل مجموعة من العلامات والإشارات Signaux                  
يقدَم التواصل عادة بشكل "مجموعة" سلوكات أو رسائل لفظية وغير لفظية، تقوي عادة الواحدة منها الأخرى على قاعدة علاقة تكاملية.
 * يحتوي التواصل مضمونا علائقيا
 يتحقق هذا المبدأ من خلال الحذر من الوقوع في أخطاء فادحة، تم تلخيصها في خمس نقط:
               1-       الشخص الذي يحدثك.
               2-       الأمر الذي يتحدث عنه.
               3-       كيف؟
               4-       متى؟
               5-       أين؟
وحاول "لازويل"Laswell  الإجابة على نفس الأسئلة تقريبا محاولا وصف ظاهرة التواصل وصاغها كالآتي:
1- من؟
2- ماذا يقول؟
3- إلى من؟
4- بأي وسيلة ؟
5- بأي مؤثرات ؟
كل من هذه الأسئلة تساعد على تحديد قطب من ظاهرة التواصل وكذا حقل التحرك الذي يناسبه.
* يحتوي التواصل تعاملات متساوقة وتكاملية
 - العلاقات المتساوقة: يرجع الشخصان، كل منهما إلى سلوك الآخر، بشكل تبادلي.
-العلاقات التكاملية: يتبنى الشخصان سلوكات مختلفة.
* تتوج المتتاليات التواصلية بغايات تأويلية
نعمل في الغالب على جعل التواصل خادما لمصالحنا الشخصية، ومتطابقا مع صورتنا عن ذواتنا.
* التواصل عملية تعاملية تبادلية
- لأن إرسال الرسائل واستقبالها يتمان بشكل تزامني.
- لأن العناصر مترابطة فيما بينها: فعناصر التواصل متوقف بعضها على بعض، وهي ليست أبدا مستقلة، إذ كل عنصر في علاقة بالعناصر الأخرى.
* التواصل عملية تسلسلية
 لاشيء يبقى قارا وجامدا في التواصل. بل كل عناصره في تفاعل دينامي باستمرار.
* لا يمكن تفادي التواصل.
يكتسي التواصل سمة الحتمية والضرورة، فعلى الرغم من عزلة الإنسان الاختيارية أو المفروضة، فإنه  في تفاعل مؤثر مع ما خزنته ذاكرته من أحداث ومواقف تواصلية سابقة تؤطر تواصله مع ذاته.
تعد هذه المبادئ وغيرها مؤطرة للفعل الإنساني في مجال التواصل[6]، ولعل الميسم الأبرز في التواصل بمفهومه الخاص، هو التشارك أو المشاركة، وذلك في أنماطه الثلاثة (التواصل الذاتي/الشخصي/ الجماهيري) لذا يمكن أن نخلص إلى تعريف جامع مفاده:
"التواصل حصيلة جهد مشترك فيه، بين طرفين مختلفين، بينهما علاقة تكامل" لذلك فالتعبير بمصطلح "اتصال" - كما نجد ذلك في بعض الكتابات العربية- لا يحقق هذا المعنى الأساس.
 تحتل اللغة في علم التواصل، الموقع الفاعل والمؤثر، رغم المساحة الضيقة التي تشغلها داخل العلامات التواصلية التي تنقسم إلى علامات لفظية (علامات اللسان) وعلامات غير لفظية تشمل كل مجالات العمران البشري بكل تجلياته. فاللغة هي النسق الرمزي المميز للفعل التواصلي الإنساني.

1-2- اللغة:
لا تقل اللغة عن التواصل شمولا واستغراقا للنشاط الإنساني، بل هي التي تؤكد طابع الإنسانية في الكائن البشري"فهي ملتقى النشاطات الفكرية البعيدة والقريبة في وجود الإنسان"[7]. واللغة بذلك تقوم على مقومات فسيولوجية وفكرية ونفسية واجتماعية، فهي فعالية عقلية منبثقة من الجهاز العصبي المركزي باتصال مع فعاليات أخرى كالتفكير والذكاء والتجريد، تقول جوليا كريستيفا : "إن اللغة هي الترجمة المادية للفكر، وأن هناك علاقة تربط بين الفكر واللغة، وهي علاقة الإنتاج والتبليغ."
وتعكس اللغة اللاتينية هذه الرابطة بقوة، إذ تستعمل كلمة logos بمعنى الخطاب أو الكلام أو اللغة، كما تعني العقل، والفكر والمنطق، ومعلوم أن هناك علاقة اشتقاقية بين اللغة langue  والمنطق logique وبينlogos..

لذلك يصعب الحديث عن اللغة، دون تسرب الأبعاد التواصلية إلى مجال تداولها، وقد يكون هذا ما جعل أرسطو يقول:"اللغة وظيفة عضوية في الإنسان، وهي أساس طبيعي للفضائل والصلات الاجتماعية والسياسية"[8]
وإذا كان التواصل، في مبادئه الكبرى، عبارة عن مجموعة من العلامات اللفظية وغير اللفظية، فإننا يمكن أن نخلص إلى أن اللغة جزء لا يتجزأ من العملية التواصلية، وإذا كانت دائرة التواصل في شمولها تضم الإنسان والكائنات الحية الأخرى، فإن اللغة البشرية بالمقابل، تقوم على نظم تواصلية تمكن الأفراد من القدرة على إنتاج وفهم ألفاظ معقدة انطلاقا من تفاعل الطاقات الذهنية والعقلية، مع الحاجات التعبيرية المتجددة، بما يعنيه ذلك من تعالق بين محتوى محدود بإطار معلوم قوامه أصوات وفونيمات معروفة ومحدودة، وبين سيرورة من المتواليات اللغوية التعبيرية المتجددة باستمرار تبعا للتوليد الذهني المستمر والمتجدد.
فكما أن الإنسان لا يستطيع أن يفكر بمعزل عن اللغة، فإن قدرته اللغوية الفطرية يمكن أن تعاني من ضمور حاد إذا ما تحققت خارج دائرة التواصل، حيث تتحقق إنسانيته من خلال نسيج الروابط المعقودة داخل المجموعة البشرية، فتتوسل اللغة إطارا جامعا لهذا النشاط المجتمعي.
 يعضد هذا المنحى، ما ذهبت إليه أغلب العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع الذي يعرف الإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا، وكذا علم النفس الذي يقرر تداخل دوائر الأنا والآخر في بلورة الشخصية، وأيضا علم الإجرام الذي يقر أن قطع العلاقات التواصلية بالآخر، أو ما يعرف بالحبس الانفرادي، من أقصى العقوبات التي توقع على الكائن البشري.
من هذا المنطلق، نخلص إلى مقارنة مفادها، أنه كما أن المتكلم المثالي، بحسب شومسكي، يمتلك قدرة compétence لغوية، تمثل استعدادا فطريا لتمثل بنيات الوحدات اللسانية غير المحدودة، فإنه أيضا، وبقدر أكبر، يحوز رصيدا من الإواليات التوليدية التواصلية، تؤهله لإنتاج عملية تواصلية أولية.
وإنما تفاعلت القدرات الثلاث: القدرة اللغوية والفكرية والتواصلية، لاشتراكها المندمج في بلورة المسار التوليدي للنشاط الإنساني. وباكتمال أضلاع المثلث، تتم ممايزة الهوية البشرية عن الهويات الأخرى التي قد تتوافر على أحد أضلاع المثلث دون القدرة على بناء التجدد التوليدي المستمر.
يعزز هذا زعمنا بأن الإنسان يولد باستعداد تواصلي مبدئي، إذ لا وجود لشخصية غير تواصلية بالطبيعة والجبلة، ولئن وجدت، فهي حالة طارئة عليها، بعوامل خارجية أثرت سلبا على تطوير الكفايات التواصلية الفطرية.[9]
 ولعل من أبرز النظريات التواصلية تعبيرا عن هذا لاتجاه هي"البرمجة اللغوية العصبية" إذ أن تعريفها هو كالآتي:
-البرمجة: تشير إلى أفكارنا ومشاعرنا وتصرفاتنا، حيث إنه من الممكن استبدال البرامج المألوفة، بأخرى جديدة وإيجابية.
- اللغوية: المقدرة الطبيعية على استخدام اللغة الملفوظة أو غير الملفوظة. والملفوظة تشير إلى كيفية عكس كلمات معينة ومجموعات من الكلمات لكلماتنا الذهنية.. وغير الملفوظة لها صلة "بلغة الصمت"، لغة الوضعيات والحركات والعادات التي تكشف عن أساليبنا الفكرية ومعتقداتنا.
- العصبية: تشير إلى جهازنا العصبي وهو سبيل حواسنا الخمس التي من خلالها نرى ونسمع ونشعر ونتذوق ونشم. .[10]
التواصل واللغة إذن، عالمان/مجالان عميقان في بناء الذات، مع تمايز في صفة التفاعل:
فإذا كانت اللغة مولدة للتفاعل الداخلي الذي تتشاكل فيه الفعاليات الذهنية والنفسية والعضوية، مع إمكان مقاسمة تفاعلية مع الواقع المحيط، فإن التواصل، بالإضافة إلى ذلك تنتفي سمته الوجودية بانتفاء المثير النوعي، والمحفز الخارجي[11].
2- حدود التأثير اللغوي في مجالات التواصل اللغوي
إن تحقيق واقع لغوي متفاعل ونشيط معافى من الصراع المجتمعي واللغوي، يمر حتما عبر سن استراتيجيات تواصلية على أساس تعدد لغوي تكاملي، إذ تعتبر المساحة التي يتيحها التواصل، مجالا خصبا للتداول السلمي للغة مع مراعاة الحقوق الطبيعية لكل طرف لغوي، انسجاما مع مقتضيات التواصل الرامية إلى تأسيس بيئة متكاملة ومنسجمة تقوم على مفهوم الاختلاف والتنوع، وهو ما أكده الإعلان العالمي للحقوق اللغوية، حيث ذهب إلى أن وسيلة الحفاظ على لغة وضمان حقوق مستعمليها، تتمثل في التوفر على حدود آمنة واعتماد تلك اللغة كوسيلة في التعليم ومادة للتعلم ضمن البرامج لتربوية[12]. بشكل يحافظ على لحمة الكيان المجتمعي، بتحقيق توازن وظيفي متواضع عليه. "والبحث اللساني المقارن يقدم رؤى حركية وبنائية لتواصل اللغات، تنفي التحجر والصراع، وتساعد على بعث بنية لسانية فعلية ووظيفية، تنشط فيها الذاكرة (أو الذاكرات) اللسانية، في غناها وتنوعها بحسب الوظيفيات والطاقات الإدماجية والإجرائية"[13] فإذا كانت اللغة ذلك النظام الرمزي المحتوي لقيم الهوية والانتماء، فإن البحث اللساني يضمن بذلك تمثيلا لغويا شاملا لكل المسهمين في البناء المجتمعي.
إن عدم تأثيث البيت اللغو ي الداخلي، عبر اعتماد سياسات لغوية تشاركية ومتفاعلة، يؤدي حتما إلى إضعاف الشخصية اللغوية الوطنية بكل مكوناتها، وتتحول بذلك سمة الاختلاف والتنوع والتعدد باعتبارها عناصر قوة وبناء، إلى عناصر تخلف وإضعاف لغويين.
وبما أننا لسنا بدعا من الأمم والحضارات التي تعتمد سياسات لغوية واضحة، فإننا نؤكد، سيرا على نهج هذه التجارب، على ضرورة تحقيق توافق مجتمعي حول ثلاث نقط:
1- تأهيل مجتمعي ولغوي لتداول لغة رسمية مستوعبة لتضاريس العصر والحياة، محافظة على غناها التاريخي، وقوتها الهُوية.
2- اعتماد تصور لغوي وظيفي تعددي. يمثل جميع المكونات اللغوية للمجتمع.
3- تجسير العلاقات التواصلية بالعالم عبر اللغات الأكثر تداولا في المجال العلمي والإنتاج الفكري، تفاديا لسيطرة لغة أجنبية واحدة (وهي في الأغلب لغة المستعمر) من جهة، وتحقيقا لمناخ من التنافس اللغوي المسهم في التنمية الحضارية المرجوة.
ينضاف إلى كل ذلك، استفراغ الوسع في نشر اللغة الرسمية عالميا "لأن الأمة تستطيع أن تكسب الأصدقاء لنفسها، إذا عملت على أن يكثر العالمين بلغتها من الأجانب[14]
تضمن هذه الخطوات، المستوى الحيوي والضروري للإ ندماج في مسارات مجتمع المعلومات المتدافعة، ولا يخفى على كل ذي لب، أن هذه الاستراتيجيات قد تبقى أسيرة الرفوف ما لم تتأسس على عزم صادق، ورؤية واضحة لموقع الشأن اللغوي في نهوض الأمم وتنميتها، وقد يكون ذلك هو السبب الأساس في تعثر المحاولات والمشاريع السابقة في التعريب، وهو ما سنفصل فيه القول في الجزء الأخير من هذا المقال.

3 - حدود التأثير اللغوي في المجال التكنولوجي والاقتصادي
تلخص مقولة ستالين "اللغة أداة من أدوات الإنتاج " ما أصبحت تشغله اللغة في عالم الاقتصاد، ليس باعتبارها رمزا سياديا في الأوطان الرامية إلى التقدم فحسب، بل وباعتبارها أيضا، قيمة مضافة لأي إنتاج اقتصادي على اختلاف طبيعته، ولذلك تركز الدراسات على الآثار السلبية لتعليم العلوم والتكنولوجيا المرتبطة بعالم الاقتصاد بلغة غير اللغة الأم، وقد يفسر ذلك حرص الدول الاقتصادية الكبرى، على التداول الاقتصادي باللغة الأم سواء على مستوى التعليم بمختلف مستوياته أو على مستوى ترويج البضائع التي اختلفت طبيعتها، خاصة بتوجه الاقتصاد العالمي أكثر فأكثر إلى الاقتصاد المعرفي القائم على "صناعة المعرفة".
  كل هذه التحديات، ليست مرتبطة باللغة العربية أو العالم العربي فقط، بل هو اتجاه عام في الاقتصاد العالمي نحو الاعتماد أكثر مما مضى على المعرفة، ونحو اقتصاد يدعى بالاقتصاد المبني على المعرفة knowledge based economy، حيث تتعاظم فيه، قيمة المعلومة، كما تزداد داخله قيمة دور الأصول غير المادية Intangible assets- أو الأصول المعرفية[15]
 ومن الواضح أن الدول النامية لم تنتبه إلى هذا التحول، وهو ما يتسبب لها في عدد لا ينتهي من المعيقات الاقتصادية، بسبب انعدام الوضوح في الرؤية للمجال اللغوي المنتج، ويمكن إجمال النتائج السلبية لذلك في:
-حصر المعرفة العلمية والتكنولوجية في نخبة المجتمع.
- عدم تطبيق وظائف اللغة الاقتصادية في المجتمع من التواصل والترجمة والتعاون والتعلم
- انخفاض الإنتاجية والقيمة المضافة لفعاليات الإنتاج والخدمات للانخفاض في الاستثمار في رأس المال البشري وبالتالي انخفاض معدل النمو.
- إعاقة نشر الديمقراطية، لأن القوى العاملة لا تتكلم لغة العلم، مما يجعلها غير قادرة على المشاركة في الحكم وإدارة الدولة بشكل سليم.[16]
يلاحظ من خلال هذه النتائج مدى تشعب أبعاد العلاقة الرابطة بين اللغة/الأم والاقتصاد سواء منه المحلي أو الخارجي.
غني عن البيان، أن العلاقات الاقتصادية بين الدول، تعرف انتعاشا ورواجا ملحوظين في فضاء لغوي مشترك فيه، ويسهل التدليل على ذلك بالنظر إلى الروابط الاقتصادية بين الدول ومستعمراتها، وبين "المجموعات اللغوية" كالعالم الفرانكفوني والأنكلوساكسوني، إضافة إلى الكيانات والتجمعات الاقتصادية كـ: "نافتا" NAFTA والاتحاد الأوروبي ومجموعة النمور الأسيويين...، ونجد نفس التوجه في السياسات الداخلية للدول، حيث إن دولا كماليزيا تعد من الدول متعددة اللغات، إلا أنها اعتمدت لغة رسمية موحدة في تدريس وتعليم العلم والتكنولوجيا، حيث أسفرت هذه السياسات على نتائج اقتصادية قوية، ولا أدل على ذلك من معدل النمو المسجل، إذ يتراوح بين 7% إلى12% سنويا. وهو ما يؤهلها بحسب خطة [20-20] إلى دخول نادي الكبار اقتصاديا بمتم العقد الثاني من هذا القرن، أي بحلول سنة 2020.
وقد تنبهت الدول المتقدمة إلى أهمية العلاقة الرابطة بين اللغة والاقتصاد، فتأسست تخصصات تركز على العلاقة الرابطة بين هذين القطبين الحيويين في أية خطة تنموية، فتحول هذا الاهتمام من بعده العاطفي أو الديماغوجي القائم على العصبية العمياء، إلى توجه أكاديمي معزز بالبحث العلمي الرصين والمتوازن من جهة، وفاعل ومنتج في الواقع الاقتصادي من جهة أخرى. 
إن الناظر إلى واقع اللغة العربية، يقف على حقيقة واضحة مفادها أن المجال الذي يمكن أن يعتبر الإطار الحقيقي لتداول اللغة، لا يقدم أدنى شروط التطور الطبيعي. والمقصود بالإطار، تلك العلاقات المترابطة المنتجة للمصالح والمنافع، أي تلك العلاقات التي تنبني عليها مبررات الوجود الإنساني.ِ
إن مفهوم الجدوى أو المنفعة يؤسس لقاعدة المصداقية لعلاقة اللغة بالواقع، ولهذا السبب تكتسي مراقبة الواقع ورصد تضاريسه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية والفنية والإعلامية... تكتسي أهمية بالغة الحيوية.
 إن ذلك يعني فيما يعنيه، أن المصلحة أو الجدوى الافتراضيتين للغة، لا يفيد أن ترتبطا بعلاقات غير حقيقية، أو تنتميا إلى ظرف احتمالي تختلف شروطه وإكراهاته كليا عن ما تقتضيه الحاجات الحقيقية والملحة لبناء علاقة سليمة ومنتجة بين اللغة والنفع، أي بين النظام الرمزي اللغوي وبين الإسقاطات الحياتية للواقع.
4-حدود التأثير اللغوي في المجال الثقافي
لقد فجرت تداعيات العولمة، أسئلة كبرى بخصوص قضايا: الإضافة، والهوية، والمثاقفة، والهيمنة الثقافية، والمحو الثقافي... ففي حمأة هذه التيارات، لم يعد التواصل مجرد أداة تساعد في عملية الإنتاج، بل أصبح إنتاجا من نوع متقدم، لم تعد الدول فيه مجبرة على تجييش الجيوش، قصد الاضطلاع بدور "المبشر الحضاري"، بل استعاضت عن ذلك، بعيدا عن الإكراه البين، بصناعة أكثر إنتاجية وأعمق نفاذا في الآخر، ألا وهي صناعة الأفكار.
لاشك أن النظر إلى الواقع الثقافي من خلال التنوع اللغوي التكاملي، الذي سبق بيان خطوات تحقيقه، يحول النُطق الثقافية من حلبة صراع وتنكر ونزاع، إلى ساحة تواصلية رحبة، تسع جميع الأصوات والألوان الثقافية.
وإذا كان الوسيط اللغوي، بشقيه الرسمي والوطني، يضمن تداولا إنتاجيا للقيم الثقافية الموطِنة والمميزة، فإنه أيضا يضطلع بدور صياغة النمط الثقافي المختلف والمتباين عن باقي الصور والأنماط الثقافية المشكِلة للثقافة الكونية.
 وتعتبر اللغة، عاملا حيويا في بناء القوة الثقافية في واقع يسعى فيه "الإنسان الكوني (بمعنى الإنسان الذي صنع الكونية الراهنة أو الواقع الكوني )لا سيما في طوره الأمريكي، يسعى إلى فرض رؤيته الخاصة ومعاييره الثقافية على باقي الأمم.[17]
إذا تقرر مبدأ اختلاف الثقافات وضرورة تكاملها لبناء مستقبل إنساني مشترك فيه، فإن من أهم إواليات تدبير هذا الاختلاف، هو البعد اللغوي الذي تقترح كل ثقافة نفسها من خلاله، وإذا غاب هذا البعد، دل ذلك على غياب في الإسهام في المثاقفة العالمية، ونمثل لذلك برتبة اللغة العربية وهي إحدى لغات العالم الحية، المعترف بها في الأمم المتحدة، تحتل المرتبة العشرين على مستوى التداول على شبكة الانترنت. وهذا مؤشر واضح لضآلة الإسهام العربي في التنمية الثقافية للإنسان الكوني.
  4-1: التعريب والمثاقفة:
أصبحت الضرورة ملحة لأن يعاد النظر في استراتيجيات التعريب، باعتبارها مدخلا أساسا للإسهام بتميز في الثقافة الكونية، وذلك لما أضحت تعانيه، هذه الاستراتيجيات من ترهل و تآكل.
 والتآكل عملية إفناء ذاتية، تقضي على عوامل البناء والحياة، بسبب تضاؤل القدرة على المقاومة، ومن باب أولى القدرة على الإبداع والإنتاج.
والتآكل في التعريب راجع في الأساس إلى اعتبار لغة الضاد، لغة كاملة مثلى، ولا يعمل الزمن فيها إلا على إضعافها، والانتقاص من قوتها، ومن المفيد في هذا المقام، أن نذكر بالفترة الزمنية التي حددها اللغويون القدامى إبان التأسيس لعلوم اللغة، في مائة وخمسين سنة قبل البعثة، ومثلها بعد البعثة، لتكون القاعدة الأساس، المعتد بها كإطار مرجعي للغة النسقية.
وقد أثرت هذه الخلفية الإبيستيمولوجية على المشتغل باللغة، وبالتعريب خصوصا، حيث تم التركيز على إيلاء الأهمية القصوى لقدرة اللغة العربية على تلبية حاجات المستجدات المصطلحية في مختلف العلوم، وهو جانب لا تخفى حساسيته وأهميته وخطورته، غير أن الاقتصار عليه لا يمكننا من تجاوز الحدود المعجمية والتركيبية والتأليفية، علما أنها نتائج لمراحل منهجية سابقة لها.
 ويمكن تلخيص هذه المراحل في محطتين كبيرتين:
*الأولى: اعتبار اللغة العربية كائنا حيا، له حركيته في التاريخ بما يقتضيه ذلك من تفاعل إيجابي مع مفعول الزمن، بغض النظر عن الفترة التي تم تحديدها سلفا، دون أن يعني ذلك الوقوع في "ردة معجمية" تنكر تلكم المقاييس التي اعتمدت في حينها، بل اعتبارها مرحلة هامة وأساسية، ولكنها ليست نهائية.
* الثانية: الاشتغال على تمكين اللغة العربية من أدوات تنظيرية قياسية اطرادية، حيث لا تكون خاضعة لضغط السماع وتأثيراته، ولا إلى مزاحمة العلوم المهتمة بدراسة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من زاوية إضفاء روح القداسة على الأحكام اللغوية كما هي في العلوم الشرعية.
إن تحرر اللغة العربية من وضعية الرف الحامل للأشياء النافعة، إلى كائن نافع أو منتج للنفع، سيبعث فيها من جديد روح الحياة والإضافة التي كانت تتمتع بها إبان مرحلة التأسيس والازدهار، مرحلة كان فيها العرب قادرين، وبجدارة، على تحقيق مزاوجة تكاملية وقوية ومنتجة بين بناء ثقافي وفكري ذي إشعاع عالمي، مازالت آثاره تدرس في جامعات الدنيا، وهو بناء قائم بالأساس على اللغة العربية وباللغة العربية، وبين انفتاح مبهر على نتاج الحضارات والثقافات المختلفة، فتحقق لهم بذلك أمران هامان على الأقل:
- أولهما: رفع المستوى الإنتاجي للغة العربية ونقلها من خصوصية شعرية أدبية فقط، خاصة بعد أن بلغ العرب الشأو العظيم في قرض الشعر وفنون القول، إلى قدرة توليدية خلاقة استوعبت كل علوم العرب من فلك وطب وفيزياء ورياضيات وصيدلة وكيمياء وهندسة وموسيقى وأدب وعلوم شرعية...
- ثانيهما: الاستعداد القوي لاستيعاب الآخر، والانتفاع بإضافاته الفكرية والمعرفية بلغة عربية قياسية، وذلك بإخضاع المقترض من المصطلحات إلى مقاييس اللغة الصرفية والصواتية والتأليفية، فتصير مصطلحات معربة منسجمة مع النسق اللغوي العربي القياسي.
  ولا شك أنه كان تحديا كبيرا، استطاع العرب أن يرفعوه بلغتهم الخاصة، حينما فقهوا ضرورة تمثل اللغة لمجالات البناء والنفع في حياة الإنسان.
لقد كان منطلق هذه المنجزات قاعدة نظرية قوية حول اللغة ودورها في النسيج الثقافي والفكري والمعرفي، ولم يكن بد من إفراز اجتهادات لغوية رائدة قدمت صورة متكاملة عن اللغة، ابتداء من تنوع الآراء حول منشأ اللغة العربية، مرورا بالاختلاف حول طرق اكتسابها وتمثلها، ووصولا إلى غنى التطبيقات النسقية لواجهاتها النحوية والصرفية والصوتية والدلالية والتألفية والتركيبية.
والملاحظ أن كل محطة من محطات تناول الظاهرة اللغوية، قد حظيت بآراء مختلفة واجتهادات متنوعة، وأحيانا متناقضة وهو دليل واضح على حيوية التنظير اللغوي واتساع آفاقه.
لقد اتضح مما سبق، أن مجالات تطوير الذات التواصلية يتنازعها، على قاعدة التكامل، عالمان فسيحان وغنيان، اللغة والتواصل، وحيث إن الفعل الإنساني في التواصل يوسم بالرمزية التوليدية التي تعكس القدرة الذهنية المتجددة باستمرار، فقد كانت اللغة الوسيط الأنسب للتعبير عن هذه العلاقة ذات التسلسل اللا نهائي.

[1]- محمد أمين موسى:  العامل النفسي والاتصال، فعالية الاتصال في الحياة اليومية وعبر الوسائل- ط1- 1994مطبعة المعارف الجديدة (نيلسون 70ص15).ص8
[2] -  La communication : son rôle dans le travail social et éducatif et la rencontre personnelle :G et G Rousseau –Mesope-Private   . p 73  
[3] -  مصطفى حجازي: الاتصال الفعال في العلاقات الإنسانية والإدارية. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع لبنان 1990 ط 1(ص18)
[4] - أمين موسى: العامل النفسي: ص :9 - The vanced lerner’ s dictionary of current english1968 p190
[5]- نفسه.
[6]- أنظر تفصيل ذلك في الفصل الأول من:
 -Les fondements de la communication humaine :Joseph DeVito. Adaptation de Robert Tremblay gaetan morin – editeur1993
[7]-: يوسف كمال الحاج :في فلسفة اللغة:يوسف كمال الحاج –دار النشر:النهار ط 2ص7
[8]-: عبد الهادي بوطالب- الحقوق اللغوية: حق اللغة في الوجود، والبقاء، والتطور، والنماء، والوجود. عبد الهادي بوطالب.دار الكتاب ط1 2003 ص16
[9]- أنظر- البرمجة اللغوية العصبية وفن الاتصال اللامحدود، إبراهيم الفقي، الناشر:المركز الكندي للبرمجة اللغوية العصبية2001: ماذا تعني "البرمجة اللغوية العصبية"؟ص17-18
[10]-   في هذا الإطار، أجرى مجموعة من الباحثين تجارب على عدد من طلبة إحدى الجامعات الأمريكية، الذين كانوا يتقاضون أجورا زهيدة مقابل غسل أواني مطبخ الجامعة، فعرضوا عليهم أجرا يضاعف أجورهم ثلاث مرات مقابل القيام بالتجربة التي تقتضي مكوثهم بقاعات مكيفة، مجهزة بكل حاجات الإنسان الضرورية والكمالية، بشرط الانقطاع الكامل عن العالم الخارجي، وذلك لمدة ثلاثة أيام، فما كادت تنتهي المدة حتى انسحب كل المشاركين.
وكذا القصة التي أوردها القرآن الكريم عن المخلفين، ومنهم كعب بن مالك(ض) حيث قوطعوا من لدن محيطهم الاجتماعي لمدة خمسين يوما، وإنما خلدت قصتهم في القرآن الكريم لارتباط العقوبة بطبيعة الإنسان على اختلاف الزمان والمكان، وما يمكن أن تسببه للحالة النفسية من ضيق «وضاقت عليهم الأرض بما رحبت"بتعبير الآية الكريمة من سورة التوبة
[11] - -  فتتجاوز دائرة التواصل، كلا من اللفظ والكلمة لتشمل دائرة الزمن، وفي ذلك يقول إدوارد هال: "الزمن يتحدث ببساطة أكبر من الكلمات، فالرسالة التي نحملها تتحول إلى صوت مرفوع وبوضوح، لأنه يستعمل بوعي أدنى.- Le langage silencieux : Edward T Hall .traduit de l’américain par Jean Mesrie et Barbara Niceall. Edition du Seuil 1984 p.16
[12]- الحقوق اللغوية: عبد الهادي بوطالب : ص27
[13]-: الفاسي الفهري  : اللغة والبيئة:.منشورات الزمن ع 38-2003- ص 46
[14]- تمام حسان: مناهج البحث في اللغة: دار الثقافة، البيضاء ط 2-1972-ص3
[15]- محمد مراياتي- اثر اللغة العلمية و التكنولوجية في النمو الاقتصادي العربي: أسئلة اللغة.منشورات معهد - الدراسات والأبحاث للتعريب –يوليوز 2002 ص 34
[16]- نفسه ص12 وانظر الجامعة والتنمية :علي القاسمي: الجامعة وتخطيط السياسة اللغوية  -  سلسلة المعرفة للجميع ع 27-2002: ص151 وما بعدها
[17]- طه عبد الرحمن - الحق الإسلامي في الاختلاف. المركز الثقافي العربي-ط1- 2005 الدار البيضاء.ص 84