مصطلح الهوِيَّة: بين إشكالية المفهوم وتعدد الأنواع ـ عبدالحق بلقيدوم

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse02044توطئة:   
    كان الشرق الإسلامي يمثل مركز العلم والثقافة داخل مملكة الإسلام(1)، وكان المشارقة يعتبرون الشرق "جزيرة كان أو جزيرة العرب، قصبة المملكة والكون"(2)، وهو أيضا سرير الملك، ومهبط الوحي، وبه مشاعر الإسلام ومقدساته، وليس في الغرب ما يدعو إلى الاحتفاء به أو الارتحال إليه. والمشارقة أيضا مولعون بالمشرق، يتجلى ذلك في كثرة ارتحالهم إليه؛ خاصة رحلاتهم إلى الهند والصين، وكثرة التصانيف المؤلَّفة في ذلك؛ خاصة مؤلفات الأدب الجغرافي العربي، إذ أصبحت الكتابة عن عجائب الهند والصين ميزة ذلك العصر في القرون الأولى لمملكة الإسلام.
    وينطوي هذا الاتجاه إلى الشرق(3) من قبل المشارقة على تجاهلٍ للغرب أو تعالٍ عليه، إن لم نقل احتقار له؛ ذلك أن مؤلفي الأدب الجغرافي العربي من المشارقة كانوا يشبِّهون العالم-سواء الإسلامي أو العالم بأسره-بالثوب أحيانا وبالطير أحيانا أخرى، وفي كلتا الـحالتيـن كان الـمغرب يـمثل أحقر جزء فيه؛ "وكما يأتـي الغرب ليأخذ الثقافة من الـمشرق، كذلك ليس على الخريطة على حد قول الإصطخري، بلا مراعاة سوى (كم الثوب). ويذكر ابن الفقيه صيغة أخرى: (فالذنب من طير العالم كتلة المغرب)، ثم يقول: (شر ما في الطير الذنب)"(4). ولا يقف الأمر هنا؛ بل يتعداه إلى احتقار وتجاهل كل شيء في المغرب، فلا حديث لدى مؤلفي كتب الأدب الجغرافي المشارقة-إلا فيما ندر-عن بحاره أو أنهاره أو جباله، كأنه خِلْوٌ منها(5)، كما يندر الحديث عن مآثر المغرب العمرانية، وعجائب بنيانه، كأنه لا مدن فيه ولا عمران(6)، ناهيك عن احتقار أدبه وأدبائه وشعره وشعرائه.  
    إن هذا التمركز الـمشرقي لـم يكن لِيَمُرَّ دون أن يثيـر فـي الـمغاربة مشاعر الـرفض لهذا التعالي، ودون أن يثير فيهم كذلك مشاعر الاعتزاز بوطنهم والافتخار به؛ إذ "إن الشعور بالأناقة (الشعور بالتميز الحضاري)، والشعور بالمنبوذية، شعوران يمثلان بدء الحضارة، وانهيار الحضارة، فالحضارة تبدأ بالشعور بالأناقة أو (بالاهتداء إلى الصراط السوي للخروج من الأزمات الملحة)، بينما الشعور بالمنبوذية شعور باليأس، وانسداد الطرق أمام المشكلات والأزمات"(7)، ولن يجد الـمتصفح لأغلب رحلات المغاربة-وخاصة الأندلسيين(8) منهم-كبير عناء في تلمس ذلك.

    فرحالة مثل المقري قد أفرد بابا كاملا فـي كتابه "نفح الطيب" (الباب السابع) للحديث عن فضل الأندلس(9)، وليس غريبا أن نـراه يـعــدد الـعـلماء والأدبـاء الـذين ألَّـفـوا في فـضلها، وينتقي نُتَفًا من أقوالهم ويوردها على سبيل التبيان. ويشير الباحث إحسان عباس في هذا السياق إلى أن الأندلسيين-وخاصة الخلفاء منهم؛ أمثال الحكم المستنصر-بذلوا جهودا بـــارزة، وفــق خــطـــة مرسومة مــن أجــل إظـهـار شخصية الأنـدلس، وتنمية ثقة الأندلسيين فـي أنفسهم: "كـل مـا تقدم ذكـره كــــــان عـوامـل فـي تركيز عناصر الهوِيَّة. لكن هذه الهوِيَّة لم تصل إلى دور الاكتمال إلا بنهضة ثقافية عامة، وبهذه النهضة الثقافية التي كان أهم أهدافها إبــراز شخصية الأنــدلس، بدأت الحضارة الأندلسية"(10). 
    وهذا ابن دحية السبتي (ت 633ه) يعبِّر عن امتعاضه من احتقار المشارقة لشاعر الأندلس الفحل يحي الغَزَال؛ في معرض ذكره لبعض شعره في "نُود" زوجة ملك النورمان(*) أثناء رحلته المشهورة، يقول ابن دحية: "وهذا الشعر لو روي لعمر بن أبي ربيعة، أو لبشار بن برد، أو لعباس بن الأحنف، ومن سلك هذا المسلك من الشعراء المحسنين لاستُغرِب له. وإنما أَوجَب أن يكون ذكره منسيًّا، أنْ كان أندلسيًّا؛ وإلا فما له أُخمِل، وما حقُّ مثله أن يُهمَل...وهل نحن إلا نُظلَم في حقنا ونُهتضَم! يا لله لأهل المشرِقِ! قولةَ غاصٍّ بها شرِقِ. ألَّا نظروا للإحسان بعين الاستحسان، وأقصروا عن استهجان الكريم الِهجَان؛ ولم يخرجهم الإزراء بالمكان عن حد الإمكان"(11).
    إن الإحساس بالاختلاف أو بالتميز والتفرد الذي شاع بين المغاربة-كما رأينا-يَدُل دلالة قاطعة على ذلك الوعي العميق والمشترك بوجود مكونات وخصائص تجمع بين مجموعات من الناس، لكي تعطيهم صفة المجموعة الواحدة، التي تشترك في التاريخ والحاضر والمصير المحتوم، كما تشترك في الاعتقادات الدينية والطرائق الفكرية والعادات الثقافية والمستويات اللغوية. فإدراك المغاربة بالاختلاف عن المشارقة تبلْوَرَ من خلال الصورة التي كانت تُرسَم لهم في المشرق، عبر المرويات المختلفة، خاصة مؤلفات الأدب الجغرافي العربي؛ إذ استأثر المشارقة بكل معاني الرفعة والحضارة والتعالي لأنفسهم، بسبب احتضان المشرق لتاريخ الإسلام المجيد، منذ مهبط الرسالة إلى تحرير بيت المقدس، فضلا عن احتضانه لمقدسات الإسلام في مكة والمدينة والقدس، وهو السبب الذي جعل حركة الرحلات المغربية-خاصة الحجازية منها-لا تنقطع، وكيف تنقطع وهي مرتبطة بركن من أركان الإسلام الخمسة؛ أقصد فريضة الحج.
    فرغم الإحساس العميق الذي شاع بين مسلمي تلك الأزمان بوحدة الشعور بالانتماء إلى كيان واحد، تجتمع فيه ألفاف مختلفة من الشعوب في مختلف الأقطار والأقاليم، تحت حكم الإسلام، ضمن ما عرف بمملكة الإسلام، تَشكَّل في المقابل إحساس آخر بالتمايز والاختلاف: في اللغة، والمذهب الديني، وفي العادات المحلية من مأكل ومشرب وتقاليد الزفاف ومراسيم الجنائز، وحتى في طريقة نظم الشعر أو في تأليف الأغاني. وقد تجلى هذا الاختلاف في المرويات(12) المأثورة في المجالات المختلفة (دينية، وثقافية، وأدبية، وجغرافية)، لكنه لم يكن بأي حال من الأحوال مَرْكبًا للتفرقة، بادئ الأمر؛ بل على العكس من ذلك، كان دليلا على التنوع داخل كيان مملكة الإسلام، وسمة من سمات التسامح؛ بل القوة فيه.
1-مفهـوم الهوِيَّة:
    شكَّل، إذن، الشعور الجماعي لدى المسلمين الأوائل بوحدة المصير داخل مملكة الإسلام، وبالانتماء-كما سلف الذكر-إلى نفس الثقافة والحضارة، والذي ارتبط أساسا بالدين الإسلامي، شكَّل الركيزة الأساسية التي قامت عليها هذه المملكة، وبقي يمثِّل الرابطة القوية بين الشعوب المسلمة حتى بعد زوال المملكة ذاتها، وانقسامها إلى دول كثيرة. هذه الرابطة هي ما صار يصطلح عليها اليوم بلفظ "الهُوِيَّة" أو "الهَوِيَّة"، لذلك أصبح من المهم والضروري تحديد مفهوم "الهوِيَّة"، وتحديد مكوناتها، وأنواعها، وما ارتبط بها من مفاهيم أخرى ارتباطا جوهريا؛ كمفهوم: "الانتماء"، ثم تَـتَـبُّع هذه المفاهيم وتطوراتها في الوعي العربي والإسلامي، وفي الوعي الغربي؛ خاصة الأوروبي.
 1-1-تعريف الهوِيَّة:
     غنيٌّ عن البيان أن معنى لفظ "هوِيَّة" في اللغة يختلف عن معناه في الاصطلاح، لذا سندرج فيما يلي معانيه في اللغة من المعاجم، وفي الاصطلاح حسب ما بيَّنه أهم الباحثين العرب والغربيين.
1-1-1-الهوِيَّة في اللغة:
    جاء في معجم القاموس المحيط، في مادة "هَوَوَ": "الهَوْهَاةُ، وتُضَمُّ: الأحمق، والبئر لا مُتَعَلَّق لها ولا موضع لرِجلِ نازلهِا، لِبُعد جالَيْها. والهَوِيَّة، كغَنِيَّة: البعيدة القعر"(13). وجاء في معجم لسان العرب: "قال ابن الأعرابي هُوِيَّة أراد أَهْوِيَة فلما سقطت الهمزة رُدت الضمة هاء...وفـي الحديث: إذا عَـرَّستُم فـاجتنبوا هُوِيَّ الأرض، وهي جـمع هُــــوَّة وهي الحفرة والمطمئن من الأرض"(14).
    واضح أن معانـي لفظة "هُوِيَّة" أو "هَوِيَّة" فـي المعاجم العربية تعبِّر فـي الـغالب عن كل ما هو وطيء ومنخفض من الأرض، وحتى مادة "هُوَ" في المعاجم؛ التي اشتُقَّت منها لفظة "هُوِيَّة" لا تحيل إلى أي معنى قد يمت بِصِلة إلى المفهوم المتعارف عليه في النسق المعرفي، كما سيأتي معنا في المعنى الاصطلاحي للفظة.
1-1-2-الهوِيَّة في الاصطلاح:
    أما في الاصطلاح، فقد تعددت معاني "الهوِيَّة" لدى الباحثين، بحسب الخلفية العلمية لكل باحث، والتي ترتبط إما بالاختلاف في المجال العلمي (علم الاجتماع، الفلسفة، الانثروبولوجيا، علم النفس، السياسة، التاريخ...الخ)، أو بالاقتصار على مكون واحد من مكونات الهوِيَّة. ومن بين هذه التعريفات لمصطلح الهوِيَّة، نورد تعريف الباحث جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين؛ الذي يرى أن: "الهوِيَّة مأخوذة من (هُوَ هُوَ) بمعنى أنها جوهر الشيء وحقيقته، لذا نجد الجرجاني في كتابه ذائع الصيت (التعريفات) يقول عنها: إنها الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب"(15)، ويعرفها الباحث فتحي المسكيني بقوله: "الهوِيَّة هي ما نحن دون أي جهد وجودي خاص"(16).
    أما الباحث محمد بودهان فيورد لها معنيين: "المعنى الاشتقاقي: مفهوم (هوِيَّة) في اللغة العربية، وكما استُعمل عند الفارابي على الخصوص، اسم مُصاغ انطلاقا من الضمير الـمنفصل (هُوَ) ويـبـدو أنــه ترجـمة حرفـيـة للفـظ اليونـــانـي الأرسطي الــــذي يعني: (هو نفسه، الشيء المطابق لذاته)، وهو المعنى ذاته الذي تؤديه في اللاتينية كلمة: idem، التي تعني بدورها: (هو نفسه، هُوَ هُوَ، نفس الشيء)، ومنها اشتق مصطلح identité (هوِيَّة) المستعمل كثيرا في اللغات الأوروبية"(17).
    أما المعنى الثاني فهو "المعنى الاصطلاحي: لا يختلف كثيرا المعنى الاشتقاقي عن الـمدلول الاصــطــلاحـي terminologique، فـبـنـاء عـلى الـمـعـنى الاشــتـقاقـي والـدلالـي لـهذا الـلـفـظ: Identité (هوِيَّة)، المصاغ من الأصل اللاتيني idem : هُوَ هُوَ، فإن هوِيَّة الشيء تعني اصطلاحا أن يكون ذلك الشيء هو ذلك الشيء، أن يكون هُوَ هُوَ نفسه"(18).
    ويقرر الباحث عفيف البوني أن مفهوم الهوِيَّة يتحدد "بناء على الدلالة اللغوية والفلسفية والسوسيولوجية والتاريخية لهذا المصطلح. ويقابل مصطلح (الهوِيَّة) العربي كلمة (identité) و(identity) في الفرنسية والإنكليزية، وهو من أصل لاتيني ويعني: الشيء نفسه، أو الشيء الذي هو ما هو عليه"(19).
    ويرى الباحث محمد عمارة أن هوِيَّة الشيء "هي ثوابته التي تتجدد ولا تتغير، تتجلى وتفصح عن ذاتها دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة، إنها كالبصمة بالنسبة للإنسان، يتميز بها عن غيره، وتتجدد فاعليتها، ويتجلى وجهها كلما أزيلت من فوقها طوارئ الطمس والحجب، دون أن تخلي مكانها ومكانتها لغيرها من البصمات"(20).
    أما الباحثون الغربيون؛ فنورد رأي الباحث أليكس ميكشيللي؛ الذي يرى أن الهوِيَّة من المفاهيم المركزية التي تسجل حضورها الدائم في مـجال العلوم الإنسانية، وهي من أكثر المفاهيم تغلغلا فـي الحياة الثقافية والاجتماعية اليومية، ويعرِّفها بأنها مفهوم يُطلَق "على نسق المعايير التي يُعْرَف بها الفرد ويُعَرَّف، وينسحب ذلك على هوِيَّة الجماعة والمـجتمع والثقافة"(21). ويفضل تون فان مايجل أن يعرِّفها بـأنــهــا "الشيء هو نفسه"(22)، كما يجزم الباحث مايك كرانغ أنه: "يمكن تـحديد الهوِيَّة من طريـق نـقـيـض ما نـحن عليه بقدر مــا يمكن تـحديدها من طريق من نحن"(23). 
     ويبدو جليا أن أبسط معاني لفظة هوِيَّة هو ارتباطها بالتطابق بكون الشيء هو نفسه، وبالاختلاف أي بأنه ليس شيئا آخر، وفي أعمق معانيها هي مجموعة الخصائص التي تجتمع لتعطي لشيء مـــــا خصوصية يتميز بها عن غيره؛ أي ألَّا يكون أي شيء آخر متطابق معه، وقولنا شيء، لا يَقْصُر حديثنا على الجمادات فقط، بل-وهذا هو بيت القصيد-ينسحب على الأفراد وعلى المجتمعات.
     وكما سبق ذكره، فإن ما جَمَعَ المسلمين الأوائل داخل مملكة الإسلام، هو مجموع الخصائص التي اشتركوا فيها، والتي جعلت منهم وحدة متكاملة متحدة تتميز عن غيرها، وهي ما يطلق عليها: "أمَّة الإسلام"، تمثلت هذه الخصائص في إحساس كل مسلم فيها بأن الناس يعيشون الـزمـن الـذي يعيشـه والذي تـتـوزعـه الصلـوات الـخمس، وعلى "أن يـحس بأنه مفهوم من سامعه إذا تكلم بالعربية تقريبا في كل الأرجاء، على أنه يجد في كل مكان يذهب إليه مسجدا به المحراب الذي يشير إلى القبلة الموحدة: مكة، وبالاختصار في أن يـحس الجميع بالانتماء لتاريخ واحـد، وثقافة واحدة، وعادات يومية واحدة، ومشاعر واحدة، يشترك فيها أبناء الأمة في مجملهم"(24).
2-أنواع الهوِيَّة:
    إذا أخذنا بعين الاعتبار الخصائص المذكورة آنفا؛ فإنه يجب الإجابة عن السؤال التالي: هل هذه الخصائص عامة ومشتركة في جـميع الحالات؟ أو بعبارة أخـــــرى: هل الهوِيَّة جملة واحدة؟ أم هي متعددة؟ والواقع أن هناك هوِيَّة فردية وهوِيَّة اجتماعية.
                                      
2-1-الهوِيَّة الفردية والهوِيَّة الاجتماعية:
    بصفة عامة، فإنـه على الصعيد الفردي يـمكن أن تـجتمع فـي الشخص الـواحــد صــفـات تـميزه عن الآخرين؛ حيث تتجسد عبر انتماءات ومكونات تتعلق بالجنس والعمر والطبقــة الاجتماعية والموروث الثقافي(25)، أما على الصعيد الاجتماعي، فإن الهوِيَّة الاجتماعية هي معرفة الفرد أنه ينتمي إلى مجموعة أو فئة اجتماعية. والفئات الاجتماعية هي مجموعة من الأفراد الذين يحملون صفات اجتماعية مشتركة، أو يرون أنفسهم أعضاء في نفس الـجماعة(26)؛ لذا فإن أية مجموعة بشرية لـها هوِيَّة خاصة، لا تصان "إلا بأن يتمسك الشعب بثقافته التي ورثها عن أسلافه، أي في العقيدة وفي اللغة وفي الفن وفي الأدب وفي كثير من النظم الاجتماعية"(27).
 2-1-1-مكوِّنات الهوِيَّة الفردية:
    لعله من المهم التذكير أن الهوِيَّة الفردية، ترتبط أساسا بشخصية الفرد ونموها، بمعنى أن هذه الهوِيَّة تتراءى من منظور نفسي بصفة كبيرة، وعلى هذا النحو تشكِّل متابعة المراحل العمرية للفرد أمــرا شديد الأهـمية؛ إذ إن الطفل يـنـمـو فـي وسـط عائــلي يــزرع فــيــه مكــونــات شخصيته الاجتماعية من حيث الدين واللغة والثقافة والعادات والتقاليد، وهذا مصداق لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما من مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه"(28). وبـموازاة هذا التأثيـر العائـلي فـي بناء الهوِيَّة الاجتماعية للطفل، تنمو هوِيَّته الـفـرديـة بــنــاء عـلى عـــدة مـكـونـــات أهـمهـــا الـجنس، والإدراكات الذاتية، والفروقات الفردية، والتقدير الاجتماعي الذي يرتبط به التقدير الذاتي.
     فعملية بناء الهوِيَّة الفردية تشير إلى وجود تنظيم دينامي داخلي، يهتم بالحاجات والدوافع والمعتقدات والقدرات والإدراكات الذاتية، بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي للفرد، وكلما كان هذا التنظيم على درجة جيدة، كلما كان الفرد أكثر إدراكا أو وعيا بتفرده وتشابهه مع الآخرين، وأكثر إدراكا لنقاط قوته وضعفه، أما إذا لم يكن التنظيم على درجة جيدة فإن الفرد يصبح "أكثر التباسا فيما يتعلق بتفرده عن الآخرين، ويعتمد بدرجة كبيرة على الآخرين في تقديره لذاته، فيفقد الثقة في نفسه وفي قدرته في السيطرة على مجريات الأمور، وبالتالي ينعزل عن حياة غالبية المجتمع الذي يحيا فـيه، وهـو مـا يــــعرف بأزمة الهوِيَّة identity crisis"(29).
    وهذه الأزمة في الهوِيَّة تنشأ لدى الفرد نتيجة لعجزه عن التكيف مع الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه(30)، ومردُّ ذلك إلى الصدام الذي يحدث بين رغباته وحاجاته الشخصية ونظيراتها فـي المجتمع، ويشتد هــذا الصراع احتداما فـي مرحلة المراهقة؛ أين تكون الرغبة عارمة في تكوين الهوِيَّة الفردية (الذاتية) المرغوبة، في مقابل الهوِيَّة الاجتماعية المفروضة (والمرفوضة غالبا) "فنحن الأفراد وفي كل المجتمعات وشتى الثقافات نتعلم من المهد إلى اللحد أن نستبدل قيمة أنفسنا بالقبول الاجتماعي، وتكامل شخصيتنا وأرواحنا بالتكيف الأخلاقي"(31). وبالـمـحصلة، فإن الـهوِيَّة الفردية هي ما يـمكِّن الفرد من أن يبقى-عبر الزمان والـمكان-هــو نــفــســه، ومــن أن يــعــيـش الــلـحـظـة بـاعـتـبـاره هـو نـفـسـه، داخــل مـجــتمع(32)، وداخل ثقافة معيَّنة، وباتصال مع الآخرين.
    ويتضح مـما سبق أن الفرد لا يـمكنه العيش إلا داخل الـمـجتمع، ولا يـمكن عـزل هوِيَّته الفردية عن هوِيَّة الجماعة التي ينتمي إليها(33)؛ أي عن الهوِيَّة الاجتماعية، التي هي شعور الشخص بالانتماء إلى جماعة أو إطار إنساني أكبر، يشاركه في منظومة من القيم والمشاعر والاتـجاهات "والـهوِيَّة بـهذا الـمعنى هي حقـيقـة فردية نفسيـة ترتـبط بـالثقافـة السائدة وبعملية التنشئة الاجتماعية"(34).
    وعلى هذا النحو فإن الفرد الواحد يمكنه أن ينتمي إلى عدة جماعات متنوعة، في نفس الوقت، دون أن يحدث له ذلك أي ارتباك في توازن هوِيَّته، شرط ألَّا يُصَنَّف تحت "المقاربة الانعزالية" كما يسميها الباحث أمارتيا صن، الذي يقول في هذا السياق: "فالشخص نفسه يـمكن أن يكون، دون أي تناقض، مواطنا أمريكيا، من أصل كاريبي، وينحدر من أسلاف أفارقة، ومسيحيا، وليبيراليا، وامرأة أو رجلا، ونباتيا، وعدَّاءً للمسافات الطويلة، ومؤرخا، ومعلما، وروائيا، ومناصرا لقضايا المرأة، وطبيعيا في علاقته بالجنس الآخر، ومؤمنا بحقوق المثليِّين، ومحبا للمسرح، ومناضلا من أجل قضايا البيئة، ومشجعا للتنس، وعازفا لموسيقى الجاز، وشديد الإيـمان بالرأي الذي يقول إن هناك مـخلوقات ذكيـة في الفضاء الخارجي من المهم للغاية أن نحاول التخاطب معها، ومن المستحسن أن يكون ذلك بالإنجليزية"(35). وبشكل عام، فإن مستويات هوِيَّة الفرد، المذكورة آنــــفــا، تكون متناغمة ومتماسكة، أي أنـها لا تـتـضارب فـيـمـا تمليه عليه من إدراك أو سلوك(36)، وإذا حدث هذا التضارب في هوِيَّة الفرد أصيب بخلل وضيق وخوف نفسي.
2-1-2-مكوِّنات الهوِيَّة الاجتماعية: 
    يرتبط مفهوم الهوِيَّة الاجتماعية بمجموع الخصائص والمميزات التي تجتمع في مجموعة بشرية، تُكوِّن على أساسها كينونـــة متجانسة تختلف بها عن غيرها من المجموعات، وتتميز بها عنها "فهوِيَّة أي شعب تتحدد بمطابقته لخصوصيته، وباختلافه عن هوِيَّات الشعوب الأخرى"(37).
    وتختلف مكونات الهوِيَّة الاجتماعية عن مكونات الهوِيَّة الفردية، بالنظر إلى تعدد الأفراد في المجتمع. وقد اختلفت وجهات النظر في هذه المكونات بين الباحثين؛ إذ يحصرها أحدهم فـي ثلاثـــة عناصــر: العقيدة التي توفر رؤيــة الوجود، واللسان الـذي يـجري التعبير به، وأخيرا التراث الثقافي الطويل المدى(38)، بينما يرى آخر أنها: اللغة، والدين، والتاريخ، والإثنية، والثقافة، والوطن(39).
    والواقع أن الهوِيَّة الاجتماعية متعددة، وتتمظهر في عدة صور، أهمها: الهوِيَّة الدينية، والهوِيَّة اللغوية، والهوِيَّة الوطنية، والهوِيَّة الثقافية، والهوِيَّة العرقية؛ ارتباطا بتطور المجتمعات وانفتاحها، ونتيجة للمعطيات العالمية الجديدة في تحديد المفاهيم.
أ-تعدد الهوِيَّة:
    ربما قد يطرح السؤال الآتي: هل من الصواب إطلاق تسمية "هوِيَّات" على صور تعدد الهوِيَّة الاجتماعية؟ والحقيقة أن هذه الصور من التعدد ما هي في الحقيقة إلا مكونات هـذه الــهـوِيَّــة، لـكـن الإشكـالـيـة تـكـمـن فـي استقـطـاب هذه الـمكونات "حيث يكون تعريف الهوِيَّة متحيزا أو مُبْتَسَرًا أي أنه يركِّز على بعض الأمور ويتجاهل أخرى"(40)، وهـذا يــؤدي إلى استبعاد بعض مكونات الهوِيَّة أو مقوماتها، مما يدفع الجماعات التي تنتمي إلى كل مكون إلى اختزال الـهوِيَّة فيه، وهذا يؤدي إلى تضخيم مكانة هذه الـجماعات على حساب الـهوِيَّة الأشمل والأوسع، فيتحول عنصر الانتماء للجماعة: القبلي أو الديني أو المذهبي أو الإثني إلى هوِيَّة أو هوِيَّات، يرى الفرد نفسه من خلالـها "لقدرتـها على تـحقيق قدر أكبر أو أصغـــــر من حاجاته، ويتم تلبية حاجات الــفرد من خلال الـجماعة بــــدءا بالـحاجـــة للانتماء وانتهاء بالكسب والعيش والزواج"(41).
أ-أ-الهوِيَّة الدينيـة:
    يشكل الدين ركيزة أساسية في حياة المـجتمعات والشعوب، وتستوي في ذلك المـجتمعات القديـمة والمجتمعات الحديثة. والمقصود بالدين المعتقدات المتعلقة بالإلهيات، وما يرتبط بها من اعتقادات غيبية، وطقوس العبادة وأماكنها. والأديان أنواع، منها الأديان السماوية كاليهودية والمسيحية والإسلام؛ وهي الأديان التي لها كتُب مقدسة، ومنها الأديان الوثنية كالبوذية، والهندوسية، والكونفوشيوسية.
    وبالنظر إلى أهمية الدين في المجتمعات؛ إذ هو يجيب عن السؤال الوجودي للإنسان على كوكب الأرض، وعن مصيره فيما بعد الموت، فإنه لطالما كانت هناك مجموعات دينية تشترك في خصائص ومميزات، تعطيها معتقدات هذا الدين وتعاليمه طابعها الخاص، وترسم شكل ثقافتها، كما تحدد في أغلب الأحيان علاقات هذه المجموعات فيما بينها، وعلاقاتها مع المجموعات الأخرى؛ مثلما يؤكد ذلك الباحث محمد عمارة إذ يقول: "إن الإسلام منذ أن تدينت به أغلبية هذه الأمة قد أصبح هو الـهوِيَّة الـممثلة لأصالة ثــقـافــة هذه الأمــة، فهو الذي طبع ويطبع وصبغ ويصبغ ثقافتها بطابعه وصبغته"(42).
    وقــد يـنـقـسم أتـبـاع الـديـن الـواحـد إلى عـدة مـذاهـب أو طـوائـف، يـشكـل كـل مـنـهـا هـوِيَّـة دينية منفصلة، وغالبا ما ترى كل طائفة أنها هي الممسكة بزمام الحقيقة الكبرى، وأن غيرها من الطوائف في ظلال مبين، ما يزيد في الهوة بينها، وقد يصل هذا الاختلاف حد الصدام، مثال ذلك صراع المذهب الكاثوليكي والمذهب البروتستانتي في المسيحية، والقتال المستميت الذي انتهجته فرقة الخوارج ضد الفرق الإسلامية الأخرى، في القرون الأولى للإسلام. 
أ-ب-الهوِيَّة اللغويــة:
    تشكل اللغة من أهم الخصائص التي تتميز بها الهوِيَّة الاجتماعية، حتى إنها لتغلب عليها فتتشكل في صورة هوِيَّة مستقلة، تسمى الهوِيَّة اللغوية. وتتجلى هذه الهوِيَّة في صورة مجموعات تترابط فيما بينها على أساس لغوي، وتعتبره هو المحدد والمعبِّر عن كيانها ووجودها وتمايزها. والحق أن هذا النوع من الهوِيَّة حديث النشأة، ظهر مع تبلور مفهوم الدولة الحديثة في أوروبا، حيث تتمايز كل دولة بلغة مستقلة (لغة واحدة، أو لغة غالبة عما سواها من اللغات). وليس بالضرورة أو الحصر أن تنتظم هذه المجموعات البشرية ذات الهوِيَّة اللغوية الواحدة داخل دولة بعينها؛ إذ تشترك عدة مجموعات بشرية في هوِيَّة لغوية واحدة، على الرغم من اختلاف الدول، كحال الدول العربية اليوم، التي تشترك في اللغة العربية، أو حال دول أمريكا اللاتينية، التي يتشارك معظمها اللغة الإسبانية أو اللغة البرتغالية.
    والـحق أن هذه الـمجموعات البشريـــة تسعى لإعلاء شأن هوِيَّتها اللغوية والدفاع عنها، والحرص على نشرها وتوسيع الانتماء إليها. وتختلف الأسباب من مجموعة إلى أخرى، فبعض المجموعات يستهدف إبقاء لغته المشكِّلة لهوِيَّته اللغوية ضمن باقة اللغات الحية والـفاعلة في الـمجال الإنساني؛ كحال اللغة الإسبانية، وبعضها يستهدف السيطرة على لــغــة العلم والتكنولوجيا والثقافة العالمية؛ كحال اللغة الإنجليزية، وبعضها الآخر يستهدف استعادة مكانة ضائعة من التاريخ والعودة الحضارية لهوِيَّته اللغوية؛ كحال اللغة العربية، وبعض المجموعات الآخر يستهدف البقاء ونجاة هوِيَّته اللغوية من الانقراض، بعد انحسارها فيما بعد سقوط الأنظمة التقليدية للاستعمار؛ كحال اللغة الفرنسية بمنظمة الفرانكفونية(43).
أ-ج-الهوِيَّة الوطنية:
    يرتبط مفهوم الهوِيَّة الوطنية بالأصل الاشتقاقي: "وطن"، والمقصود به أرض المرء التي ولد أو عاش فيها. وتربط الناس بأوطانهم علائق عاطفية عميقة، يملأها الحب والاعتزاز إذا كانوا فيها، والحنين والشوق والاحساس بالاغتراب إذا كانوا بعيدين عنها، حتى ارتبط حب الوطن في الإسلام بإيمان المرء بربه؛ وفي هذا يقول أبو سالم العياشي في رحلته: "لما لقيت الشيخ بمكة شاورته عما أرومُهُ من المجاورة بالمدينة فحضَّني عليها ورغَّبني فيها فقال لي: قد ورد في الحديث أن حب الوطن من الإيمان، والمدينة وطن كل مؤمن لأنها وطن الإيمان، فلذلك يحبها كل مؤمن"(44).
    وإذ يرتبط مفهوم الهوِيَّة الوطنية بالأرض والإقامة بها؛ فإنه يرتبط كذلك بالانتماء إلى السلطة التي تحكم ذلــك الـوطن، وبـهذا ينال الإنسان صفة المواطن، ويتمتع هو ومن يشاركه في ذلك الانتماء بهوِيَّة مجتمعية سياسية متماثلة، تمنحهم حقوقا محددة، وتحمِّلهم مسؤوليات معيَّنة(45). وفي المجتمعات المعاصرة تَعمَّق الارتباط بين المواطنة والهوِيَّة، حتى أصبحت الهوِيَّة الوطنية السياسية هوِيَّة مشتركة تتآلف داخلها مجموعات متنوعة.
    وإذا عدنا إلى أصول هذا الارتباط، نجده يعود إلى نـموذج دولة المدينة في الحضارة الـيـونـانـيـة الـقـديــمـة، الـذي يـنـال فـيه الفرد صفة الـمواطنة على أساس اشتراكه مع بقية الأفراد الآخرين داخل المدينة، في مجموعة من السمات التي تؤهلهم لحمل هوِيَّة واحدة مشتركة، تمكِّنهم من أن يصبحوا مواطنين في تلك الدولة(46). ثم تطورت مفاهيم الوطن والمواطنة والهوِيَّة الوطنية، بصيغ جديدة تتوافق مع ظروف نشوء وتطور الدولة الحديثة في أوروبا، ابتداءً من القرن الثامن عشر، وعليه فإن اختلاف مضمون مفاهيم المواطنة والهوِيَّة لا يمنع من ارتباطها، إلى الحد الذي يجعل مــن المواطنة الــيــوم شاملا لمفهوم "قديم بشكل حديث عرفته مختلف الحضارات الإنسانية، ولو بأشكال متنوعة، وساهمت في ترسيخه في العقل البشري عوامل كثيرة، كاللغة والدين والثقافة الاجتماعية والقيم التي هي من العناصر التي تتحدد على أساسها واستنادا إليها"(47).
أ-د-الهوِيَّة الثقافيـة:
    قبل الحديث عن الهوِيَّة الثقافية، يبدو من الضروري شرح مفهوم "الثقافة"، فما هي الثقافة؟ في مقدمته لكتابه "مشكلة الثقافة" يــقـول مالك بن نبي: "الثقافة لا تضم في مفهومها الأفكار فحسب، وإنما تضم أشياء أعم من ذلك كثيرا، تخص أسلوب الحياة في مجتمع معين من ناحية، كما تخص السلوك الاجتماعي الذي يطبع تصرفات الفرد في ذلك المجتمع من ناحية أخرى"(48)، ويعرِّفها الباحث شريف كناعنة بأنها كلمة تدل على مجمل طرق توافق بني الإنسان المتعلَّمة أو المنقولة اجتماعيا؛ أي أن ثقافة جماعة من الجماعات تضم جميع طرق وأساليب حياة تلك الجماعة "ما عدا ذلك الجزء الغريزي المنقول بالوراثة البيولوجية"(49). ومـن الـواضح أن مصطلح "ثـقـافـة" لـيـس بالقديـم فـي التراث العربـي(50)، سواء الأدبي الفني أو النقدي أو الفكري أو حتى الإداري.   
    ولا يختلف الأمر في تاريخ ظهور المصطلح لدى الغربيين؛ فقد ظهرت كلمة ثقافة "مصطلحا إثنولوجيًّا لأول مرة في مؤلف جوستاف كليم (Gustav Klemm) 1854-1843 ويـذهـب كـلـيـم إلـى أن الـثـقـافـة تـشـتـمـل عـلى الـعـادات والـمعـلومات والمهارات والحياة المنزلية والعامة في أوقات السلم والحرب"(51). ويعرِّفها الأنثروبولوجي إدوارد تايلور في كتابه "الثقافة البدائية" بقوله: "ذلك الكل المركَّب الذي يشتمل على المعرفة والفن والأخلاق والقانون والعادات وأي قدرات أو مـعارف يكتسبها الفرد بصفته عضوا فـي المجتمع"(52).
    فإذا كان هناك إجماعا بين الباحثين على تعريف "الثقافة"، فلا شك أن هناك إجماع على أنـهــا نــوعان: ثـقافــة رسميــة، وثقــــــافة شعبية. ويُطلق على الثقافة الرسـمية كذلك: الثقافة العليا أو الثقافة الكبرى، أما الثقافة الشعبية فيطلق عليها: الثقافة الصغرى أو الثقافة الدنيا. وتنتقل الثقافة الرسمية بين الأجيال من خلال مؤسسات رسمية مثل الجامعات، والتربية والتعليم، والمعاهد، والمؤسسات الدينية الرسمية، والقوانين، والأدب والفن العالي، وغير ذلك من القنوات الثقافية التي ترعاها الدولة بمؤسساتها الرسمية، وتضمن استمرارها. أما الثقافة الشعبية "فهي النتاج العفوي الجماعي المعبِّر عن شعور وعواطف وحاجات وضمير أبناء الشعب بشكل عام، وليس النخبة أو المجموعة الخاصة"(53)، وتنتقل هذه الثقافة وتنتشر بين الناس من جماعة إلى أخرى بشكل مباشر وعفوي، مشافهة أو عن طريق التقليد والمحاكاة.
    ومهما يكن من أمر، فإن الهوِيَّة الثقافية لشعب من الشعوب أو جماعة من الجماعات إنما تستقي خصائصها من نوعَيْ الثقافة السائدة فـي ذلكُم المجتمع أو تلكُم الجماعة؛ أقصد الثقافة الرسـمية والثقافة الشعبية، ولكن الـخصائص الـمستوحاة من الثقافة الشعبية أهم فـي تكوين الهوِيَّة الثقافية للأمة، وأكثر حفاظا عليها وضمانا لاستمراريتها؛ إذ هي تنبع من روح الشعب، وتعبِّر عن شعوره وضميره، وتملك خاصية الانتشار السريع والعفوي في الزمان والمكان، وهي مع ذلك سهلة الاستعمال والحفظ، دون الحاجة إلى تدخل أية جهة رسمية، وعلى عكس ذلك، تمثِّل الثقافة الرسمية منتوج النخبة، ولا تنتج عن عفوية، بل هي نتيجة لعمليات عقلية ومنطقية، وتوجَّه غالبا للمتعلمين، وقد لا يتذوقها إلا قـلة من النخبة، وغالبا ما تكون هذه الثقافة عالمية، أين يتعسر لمس الخصائص التي تميـز شعبا عـن شـعـب، ومجتمـعـا عن آخر(54). وأكثر من ذلك، فإن هذه الثقافة تحتاج إلى تدخل جهات رسمية من دول أو مؤسسات رسمية لتضمن انتشارها وبقائها واستمراريتها.
    ومن ثم يمكننا القول: إن لكل مجتمع ثقافته الخاصة، يتميز بها عن جميع المجتمعات الأخرى؛ بل إن "الهوِيَّة الثقافية هي حجر الزاوية في تكوين الأمم لأنها نتيجة تراكم تاريخي طويل"(55). ولئن كانت مميزات وأنماط الثقافة البشرية مشتركة بين المجتمعات المختلفة، وقد تتفق في كثير من الملامح، فإن هناك محددات ومميزات تمكِّننا من تمييز الهوِيَّة الثقافية لمجتمع عن الهوِيَّات الثقافية للمجتمعات الأخرى، بحيث يصبح من العسير على هذه المجتمعات أن تتشابه مع غيرها، ومن ثم "يطلق على شخصية هذه الثقافة ثقافة (عربية) أو (أوروبية) أو (أمريكية) أو (روسية)"(56)، وهذا ما عبَّر عنه تودوروف بقوله: "إن الكائن البشري، كما رأينا، لا يولد في حضن الطبيعة فحسب، وإنما كذلك، ودائما وبالضرورة، في حضن ثقافة"(57).
أ-ه-الهوِيَّة القومية (العرقية):
    تعتبر الأعراق (الإثنيات أو السلالات)، وهي ما يسمى الـيـوم: بــــ"القومية"، من أهم عناصر تكوين الهوِيَّات، إذ إنها تشكل رابطة قوية بين أبناء العرق الواحد؛ أعني بها رابطة الدم، التي قد ترقى إلى حد التقديس لدى بعض الأعراق، مثال ذلك الزعم اليهودي بأنهم الجنس الأرقى، وشعب الله المختار(58)، أو عـقـدة تـفـوق الــجـنـس الآري، الـتي شُـيـدت عـلـيهـا أمجاد ألـمـانـيـا الـنـازية، إبان عهد الرايخ الثالث. وترتبط السلالة "بذاتية الإنسان وبضرورة بــقــائــه خــالـــدا مـــن خـــلال استـمــراره بـالأبـنـاء والأحــفــاد، الــذيــن يــشــدهــم الــــعــــرق لـلـــتــقــارب والــتــزاور والانـسجـام، لــذلــك كــانـت الـرابـطـة الـسـلالـيـة مـن أقـدم الـروابـط التي قـامـت بـيـن الـجمـاعـات البشرية"(59).
    فإذا أتينا إلى حالة الهوِيَّة القومية العربية، فإنه يجب علينا إدراك التعريف الحقيقي لـــ "العرب"، وفي هذا يقول الباحث عفيف البوني: "إنهم أمة يتوزع أفرادها بين أكثر من عشرين دولة (وجنسية)، وهم يسكنون المنطقة المسماة بـــ"الوطن العربي"، ويشتركون في وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والأرض"(60)، ومنه يصل إلى أن الهوِيَّة القومية يصنعها التاريخ، والتراث، وثقافة القومية، المعنية بالهوِيَّة.
    في جوابه عن سؤال: من هو العربي؟ يقول محمد عابد الجابري: أن أغلب سكان المنطقة العربية يعتبرون أنفسهم عربا "فمن لم يكن عربيا بالعرق-وهل يمكن إثبات ذلك أو إثبات العكس-فهو يعتبر نفسه عربيا بالإسلام كما هو الحال بالنسبة لشعوب شمال إفريقيا التي لا ينفصل في وعيها، الإسلام عن العروبة ولا العروبة عن الإسلام"(61)، ويتبين لنا من هذه الفقرة أن الهوِيَّة القومية قد تلتبس-في بعض الأحيان-مع الهوِيَّة الدينية، أو حتى مع الهوِيَّة اللغوية، وهو ما يدل دلالة واضحة على صعوبة التفرقة الدقيقة بين هذه الهوِيَّات. ويخلُص الجابري إلى أن الهوِيَّة القومية العربية ليست وجودا جامدا، ولا ماهية ثابتة جاهزة، بل هي هوِيَّة تتشكل وتصير، وهذا مؤداه أنه: أنْ يكون الإنسان "عربيا" هو أن يكون "عروبيا"؛ أي نزوعا نحو "تعزيز الوحدة الثقافية العربية القائمة بوحدة اقتصادية ونوع ما من الوحدة السياسية"(62).
    وبصفة عامة، فإن إدراك الهوِيَّة والإحساس بها وتحديدها، إنما يتم وفق عناصر خاصة بها. وقـد قسم الباحث أليكس ميكشيللي العناصر الخاصة بالهوِيَّة إلى أربــع فـئـات: الـفـئـة الأولى تشتمل على العناصر المادية والفيزيائية، والفئة الثانية تشتمل على الـعـنـاصر التاريـخية، والفئة الثالثة تشتمل على العناصر الثقافية النفسية، والفئة الرابعة تشتمل على العناصر النفسية الاجتماعية، مؤكدا على أهمية الثقافة في الربط بين هذه الفئات(63)، وهو ما تشير إليه باحثة أخرى هي جونفياف فينزونو، التي ترى أن الثقافة تسهم مساهمة فعالة في بناء الهوِيَّة العرقية(64).
ب) – الهوِيَّة والانتماء:
    يشكل "الانتماء" مفهوما لازما للهوِيَّة الاجتماعية؛ فهو يؤكد حضور مجموعة من الأفكار والقيم والأعراف والتقاليد التي تتغلغل داخل أعماق الفرد "فيحيا بها وتحيا به، حتى تتحول إلى وجود غير محسوس كأنه الهواء يتنفسه وهو لا يراه"(65)، فالانتماء، إذن، هو الجواب عن سؤال الهوِيَّة على شكل: من نحن؟ ويجعله مؤلفو "معجم التاريخ الثقافي لفرنسا المعاصرة" أساس الهوِيَّة(66). والانتماء يمثل أيضا طبيعة الوضعية التي يتخذها الفرد تجاه جماعة ما، كما أنه يمثل مجموع الأواصر التي تربط هذا الفرد إلى هذه الجماعة أو تلك العقيدة، وقد يأخذ صورة منظومة من المشاعر، وشبكة من الأحاسيس التي تربط بين الفرد والمجتمع "وهذا بدوره يؤسس أيضا لمجموعة من العلاقات الموضوعية التي تتجاوز حدود المشاعر إلى منظومة من الفعاليات والنشاطات التي يتبادلها الفرد مع موضوع انتمائه"(67).      
    ويرتكز مفهوم الانتماء على مفهوم آخر، لا يقل عنه أهمية؛ أعني به مفهوم "الولاء". يعرِّف زكي نجيب محمود الولاء بأنه: "دمج بين الذات الفردية في ذات أوسع مـــنـــهـا، وأشـمـل، لــيــصــبــح الـــفـــرد بــهــذا الـدمـج جـزءا مـن أسـرة أو مـن جـمـاعـة، أو مــن أمــــة، أو مـن الإنسانـيـة جـمـعـاء"(68). فـيـتـحـدد، بـالـتالـي، الانتماء الاجتماعي للفرد بناءً على معيارين أساسيين، يكمِّل أحدهـما الآخر هـما: العامل الذاتي الذي يتمظهر في صورة الولاء لجماعة محددة، أو عقيدة معينة، والعامل الآخر هو العامل الموضوعي الذي تشكله معطيات الواقع الاجتماعي المحيط بالفرد؛ أي الانتماء الفعلي للفرد أو الجماعة.
    يسلِّط مفهوم الانتماء الضوء، بما أنه يرتكز على مفهوم الولاء، على أهم الأزمات التي تطرأ على الهوِيَّة؛ وأعني بها أزمة تعدد الانتماء وتناقضاته، إذ إن الفرد يعيش أحيانا في كنف كيانات اجتماعية متعددة ومتعارضة(69)؛ تبدأ بالقبيلة والطائفة، وتنتهي بالدين والقومية، فيعيش حالة من التمزق الوجداني، وتؤدي به هذه التعددية والتناقض في الانتماء إلى حالة من التشظي في الهوِيَّة الاجتماعية، فيمسي تتقاسمه في آن واحد "مشاعر انتماء اجتماعية متعارضة ومتنافرة في مختلف المستويات والاتجاهات"(70).
    وقد أثارت أزمة الهوِيَّة والانتماء جدلا حادا في تحديد الهوِيَّة القومية العربية، لما يشكله تحديد أولوية الانتماء من حسم، لصالح مكون على حساب مكون آخر، من مكونات الهوِيَّة، في قضية بناء الوحدة العربية المنشودة. وتبدأ الإشكالية بالأسئلة التقليدية حول أولوية انتماء على انتماء، من شاكلة: هل نحن عرب أم مسلمون؟ هل نحن أبناء الوطن أم أبناء العشيرة؟ هل نحن أبناء الطائفة أم أبناء الدين؟ وعلى بساطة هذه الأسئلة الظاهرة، فإن الإجابة عنها تفضي إلى نتائج بالغة الأهمية؛ إذ إنها ترسم بالتالي شكل الهوِيَّة الاجتماعية بصفة قطعية لصالح أحد الانتماءات المتنافسة.    
    ويرى محمد عابد الجابري أن الانتماء إلى هوِيَّات مختلفة يتحرك داخل ثلاث دوائر متداخلة، ذات مركز واحد، تشكل كل منها "أنا" مستقلة، تتحدد بمواجهة "آخر" داخل كل دائرة: "فالفرد داخل الجماعة الواحدة، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية (حزبا أو نقابة...إلخ)، هو عبارة عن هوِيَّة متميزة ومستقلة. عبارة عن (أنا)، لها (آخر) داخل الـجماعة نفسها: (أنا) تضع نفسها في مركـز الدائرة عندما تكون في مواجهة هـذا الـنـوع مـن (الآخر)"(71). ثم يفصِّل الجابري أكثر، لتحديد هـذه الـدوائـر؛ فـيـقـرر أن الـجماعات داخل الأمة هي كالأفراد داخل الجماعة، لكل منها ما يميزها داخل الهوِيَّة المشتركة، ولكل منها "أنا" خاصة بها و"آخر" من خلاله وعبْرَه تتعرف على نفسها بوصفها ليست إياه(72). ونفس الشيء يقال عن الأمة الواحدة إزاء الأمم الأخرى، إلا أنها أوسع نطاقا وأكثر تجريدا، وأكثر قابلية للتعدد والتنوع والاختلاف(73).

هوامش:

(1) – عن مفهوم مملكة الإسلام ينظر: عبد الحق بلقيدوم: مملكة الإسلام من خلال الأدب الجغرافي العربي، مجلة أنفاس الإلكترونية: www.anfasse.org، بتاريخ: 24 فيفري 2017.
(2) – أندريه ميكيل: جغرافية دار الإسلام البشرية؛ حتى منتصف القرن الحادي عشر، الجزء الثاني، القسم الثاني، ترجمة: إبراهيم خوري، إشبيلية للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، 1985، ص313.
(3) – ينظر: عبد الهادي التازي وآخرون: العرب يتجهون شرقا، كتاب العربي، منشورات وزارة الإعلام، الكويت، ط1، 2011.
(4) – أندريه ميكيل: المرجع نفسه، ص313.
(5) – المرجع نفسه، الجزء الثالث، القسم الأول، ص224.
(6) – المرجع نفسه، الجزء الرابع، القسم الأول، ص165.
(7) – جودت سعيد: فقدان التوازن الاجتماعي، المطبعة العربية، الجزائر، ط1، 1990، ص17.
(8) – ينظر: إغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا: أسفار الأندلسيين وتكوين الخصوصية الإسبانية لأدب الرحلة، سلسلة ندوات ارتياد الآفاق، ندوة الدوحة الأولى، 2010.
(9) – أبو العباس أحمد بن محمد المقري: نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، تحقيق: إحسان عباس، الجزء الثالث، بيروت، دار صادر، 1968، ص150.
(10) – إحسان عباس: أفق البحث عن الهوِيَّة الحضارية؛ الأندلس نموذجا، مجلة "التسامح" الإلكترونية: www.altasamoh.net، بتاريخ: 10/11/2012.
(11) – أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن دحية الكلبي السبتي: المطرب من أشعار أهل المغرب، تحقيق: إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي، مراجعة: طه حسين، دار العلم للجميع للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1955، ص145.
 (*) – يذكر ابن دحية في كتابه أن الغزال لما كان في بلاد النورمان أثناء رحلته، التقى بزوجة الملك، فكَلِفت به وكَلِف بها؛ يقول: "ومشى إلى بلاد المجوس وهو قد شارف الخمسين وقد وخطه الشيب، ولكنه كان مجتمع الأشُد، ضرب الجسم، حسن الصورة. فسألته يوما زوجة الملك-واسمها نود-عن سنه، فقال مداعبا لها: عشرون سنة. فقالت للترجمان: ومن هو من عشرين سنة يكون به هذا الشيب؟ فقال للترجمان: وما تنكر من هذا؟ ألم تر قط مهرا يُنتَج وهو أشهب؟ فضحكت نود، وأعجبت بقوله. فقال في ذلك الغزال بديهًا:                       
                                       كُـلِّـفـتَ يا قـلـبُ هـوًى مُـتـعِـبـا      غــالـبـتَ مـنـه الـضيغمَ الأغــلـبا
        إنــي تــــعــلَّــقــتُ مــجــوســيـــــــــةً       تأبى لِشمس الحُسن أن تغرُبا
       أقصى بلاد الله لي حيث لا       يــلــقـى إلــيــهــا ذاهــبٌ مَـذهَـبـا
       يـا نـُودُ يــا رُودُ الشـبــاب الـتي       تُـــطــلِـع مــن أزرارهـا الــكــوكـبا
      يا بأبي الشخصُ الذي لا أرى     أحـلـى عـلـى قـلبي ولا أعـذبـا
        إن قـلـتُ يـومـا إن عينـي رأت      مُــشــبِـهــهُ لــَمْ أعْــدُ أنْ أكــذِبـــا
                                       قـــالــت أرى فـَـــوْديـْـــه قـــد نــوَّرا     دُعــــــــــابـــة تُــوجــب أن أَدعَــبــــــا
                                       قــلــــــت لـــهــا يــــــــا بــــــأبـي إنــــــــه     قـــد يُنتَج الــمــــهر كـــذا أشـهَبـا
                                       فاستضحكت عجبًا بقولي لها     وإنــمــا قـــلــتُ لــكي تــَــعــــجَــــبـــا"، المصدر نفسه، ص144.
(12) – عبد الله إبراهيم: التمركز والتمثيل السردي للآخر (الأدب الجغرافي أنموذجا)، مجلة "التسامح" الإلكترونية: www.altasamoh.net، بتاريخ: 10/11/2012.
(13) – مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي: القاموس المحيط، مراجعة: أنس محمد الشامي وزكريا جابر أحمد، دار الحديث، القاهرة، 2008، مادة: هَوَوَ، ص1717.
(14) – خليل نوري مسيهر العاني: الهوِيَّة الإسلامية في زمن العولمة الثقافية، مركز البحوث والدراسات الإسلامية، بغداد، ط1، 2009، ص39.
(15) – جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين: الهوِيَّة الإسلامية، السماحة للطباعة والنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 2012، ص12.
(16) – فتحي المسكيني: الهوِيَّة والحرية؛ نحو أنوار جديدة، جداول للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2011، ص13.
(17) – محمد بودهان: ما الهوِيَّة؟ الجريدة الالكترونية "هسبرس": www.hespress.com، بتاريخ: 24 فيفري 2013.
(18) – المرجع نفسه.
(19) – عفيف البوني: في فلسفة الهوِيَّة والانتماء، من كتاب: الهوِيَّة وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، تحرير وتقديم: رياض زكي قاسم، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2013، ص23.
(20) – محمد عمارة: مخاطر العولمة على الهوِيَّة الثقافية، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1999، ص06.
(21) – أليكس ميكشيللي: الهوِيَّة، ترجمة: علِي وطفة، دار الوسيم للخدمات الطباعية، دمشق، ط1، 1993، ص07. 
(22) -Toon van Meijel : Culture and Identity in Anthropology : Reflections on and ‘Uncertainty’ in the Dialogical self, International Journal for Dialogical Science, Fall, 2008, Vol.3, No1, p170.                                                                            
(23) – مايك كرانغ: الجغرافيا الثقافية؛ أهمية الثقافة في تفسير الظواهر الإنسانية، ترجمة: سعيد منتاق، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005، ص89.
(24) – أندريه ميكيل: إمبراطورية الإسلام وتجسيدها الشعوري في الأدب الجغرافي، من كتاب: الاستشراق الفرنسي والأدب العربي، لأحمد درويش، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص119.     
(25) – ماجدة حمود: إشكالية الأنا والآخر (نماذج روائية)، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2013، ص15.
(26)- Jan E.Stets, Peter Burke : Identity Theory and Social Identity Theory, Social Psychological Quarterly, 2000, Vol.63, No.3, Page 225.
(27) – زكي نجيب محمود: في مفترق الطرق، دار الشروق، القاهرة، بيروت، ط2، 1993، ص310.
(28) – أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري، ضبطه وخرَّج أحاديثه: مصطفى ديب البغا، الجزء الأول، دار ابن كثير، دمشق، ص456.
(29) – عادل عبد الله محمد: دراسات في الصحة النفسية (الهوِيَّة، الاغتراب، الاضطرابات النفسية)، دار الرشاد، القاهرة، ط1، 2000، ص16.
(30) – شريف كناعنة: دراسات في الثقافة والتراث والهوِيَّة، حققه وأعده للنشر: مصلح كناعنة، مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، رام الله، 2011، ص417.
(31) – نوال السعداوي: المرأة والجنس (الأنثى هي الأصل)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط5، 1974، ص57.
(32)- Guy Di Méo : Le rapport identité/espace. Eléments conceptuels et épistémologiques, « Hal » Archives Ouvertes, 26 Mai 2008, p 3.                                                                         
(33)- Laurent Licata : La théorie de l’identité sociale et la théorie de l’auto-catégorisation : le soi, le groupe, et le changement social, Revue électronique de Psychologie sociale, n°1, 2007, p20.//http:// RePS.psychologie-sociale.org
(34) – خير الدين الصوابني: الهوِيَّة في التفكير العربي الحديث، شهادة الكفاءة في البحث، إشراف: سعد غراب، جامعة تونس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم اللغة العربية، 1992-1993، ص02.
(35) – أمارتيا صن: الهوِيَّة والعنف؛ وهم المصير الحتمي، ترجمة: سحر توفيق، كتاب عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2008، ص09.
(36) – شريف كناعنة: المرجع نفسه، ص417.
(37) – محمد بودهان، المرجع نفسه.
(38) – جاسم بن محمد بن المهلهل الياسين: المرجع نفسه، ص13.
(39) – عزيز حيدر: دور المقاومة الثقافية في صياغة الهوِيَّة الجماعية، من كتاب الهوِيَّة وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، م س، ص402.
(40) – خليل نوري مسيهر العاني: المرجع نفسه، ص39.
(41) – باقر سلمان النجار: الفئات والجماعات؛ صراع الهوِيَّة والمواطنة في الخليج العربي، من كتاب الهوِيَّة وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، م س، ص316. وينظر: كافين رايلي: الغرب والعالم، القسم الثاني، ترجمة: عبد الوهاب محمد المسيري وهدى عبد السميع حجازي، كتاب عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985، ص214.
(42) – محمد عمارة: المرجع نفسه، ص07.
(43) – ينظر في هذا: عبد الله الركيبي: الفرانكفونية مشرقا ومغربا، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2009.
(44) – أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي: الرحلة العياشية، تحقيق وتقديم: سعيد الفاضلي وسليمان القرشي، ج1، دار السويدي للنشر والتوزيع، أبو ظبي، ط1، 2006، ص636-637.
(45) – علي عباس مراد: إشكالية الهوِيَّة في العراق؛ الأصول والحلول، من كتاب الهوِيَّة وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، م س، ص298.
(46) – المرجع نفسه، ص298.
(47) – المرجع نفسه، ص298.
(48) – مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، ط4، 2000، ص13.
(49) – شريف كناعنة: المرجع نفسه، ص35.
(50) – مالك بن نبي: المرجع نفسه، ص20.
(51) – عبد الفتاح محمد العقيلي: الثقافة والنقد الثقافي؛ مقالات مترجمة، جامعة المنية، مصر، ص03.
(52) – المرجع نفسه، ص04. ينظر كذلك: عبد الغني عماد: سوسيولوجيا الثقافة؛ المفاهيم والإشكاليات...من الحداثة إلى العولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006، ص27، وينظر: عمر بن قينة: المشكلة الثقافية في الجزائر؛ التفاعلات والنتائج، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمَّان، ط1، 2000، ص11، وأيضا: عبد الرزاق الدواي: في الثقافة والخطاب عن حرب الثقافات؛ حوار الهوِيَّات الوطنية في زمن العولمة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2013، ص31.
(53) – شريف كناعنة: المرجع نفسه، ص47. وينظر عزيز حيدر: دور المقاومة في صياغة الهوِيَّة الجماعية، من كتاب الهوِيَّة وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، م س، ص406.
(54) – شريف كناعنة: المرجع نفسه، ص47.
(55) – محمد عابد الجابري: مسألة الهوِيَّة؛ العروبة والإسلام...والغرب، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط4، 2012، ص12.
(56) – أحمد سويلم: ثقافتنا في مفترق الطرق، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، ط1، 2004، ص16.
(57) – تزفيتان تودوروف: الخوف من البرابرة؛ ما وراء صدام الحضارات، ترجمة: جان ماجد جبور، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة)، أبو ظبي، ط1، 2009، ص58.
(58) – خليل عبد الكريم: قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 1997، ص150.
(59) – فايز ترحيني: الشيخ عبد الله العلايلي والتجديد في الفكر المعاصر، منشورات عويدات، بيروت، ط1، 1985، ص188.
(60) – عفيف البوني: المرجع نفسه، ص28.
(61) – محمد عابد الجابري: المرجع نفسه، ص14.
(62) – المرجع نفسه، ص15.
(63) – أليكس ميكشيلي: المرجع نفسه، ص18.
(64)- Geneviève Vinsonneau : L’identité culturelle, Paris, Armand Colin/VUEF, 2002, p13.
(65) – علي أسعد وطفة: إشكالية الهوِيَّة والانتماء في المجتمعات العربية المعاصرة، من كتاب الهوِيَّة وقضاياها في الوعي العربي المعاصر، م س، ص154.
(66)- Christian Delport, Jean-Yves Mollier, Jean-François Sirinelli : Dictionnaire d’histoire culturelle de la France contemporaine, éd Puf, Paris, 2010.
(67) – علي أسعد وطفة: المرجع نفسه، ص155.
(68) – زكي نجيب محمود: قيم من التراث، دار الشروق، بيروت، 1990، ص391.
(69)- Amine Maalouf : Les identités meurtrières, Paris, Grasset et Fasquelle, 1998, p9.
(70) – علي أسعد وطفة: المرجع نفسه، ص153. وينظر: كاظم شبيب: المسألة الطائفية؛ تعدد الهوِيَّات في الدولة الواحدة، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 2011، ص05.
(71) – محمد عابد الجابري: العولمة والهوِيَّة الثقافية؛ عشر أطروحات، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد228، فيفري 1998، ص95.
(72) – المرجع نفسه، ص96.
(73) – محمد بودهان: في الهوِيَّة الأمازيغية للمغرب، منشورات تاويزا، ط2، 2013، ص243.