ابن الأثير وكتابه المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر ـ محمد أبحير

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse02026يروم هذا البحث التعريف بكتاب: "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"، لضياء الدين بن الأثير[1] الذي عاش في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، والثلث الأول من القرن السابع الهجري .
وقد صار في حكم المعلوم، أن بعض الباحثين يقسمون ما ورثناه عن أجدادنا من علوم وفنون، إلى مجموعة من الحقب والأزمنة الأدبية، وكان عمدتهم في هذا التقسيم، التحولات السياسية التي اعترت بنية المجتمع العربي القديم، الأمر الذي نجم عنه تزمين لتاريخ الأدب على نحو الزمن السياسي وبوازع منه.
وبما أن السياسة شر لا بد منه، فإن الحالة السياسية لعصر المؤلف: "كانت على أسوأ ما يكون، فمن حروب متواصلة، ودول متداولة، وفتن مشتعلة، إلى تشقق مطرد، حتى أصبح على كل بلد ملك وصولجان"[2].
أما ما يتعلق بالمصنفات البلاغية التي سبقت "المثل السائر" بقليل، فأول ما يصافحنا هو كتاب "الكشاف في حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"، للزمخشري (ت 538 هـ)، و يعتبره البعض "أول من فصل فصلا تاما ما بين علمي المعاني والبيان"[3].
وبعد كتاب" الكشاف"[4] جاء عمل السكاكي (ت 626هـ)، الذي ألف كتاب: "مفتاح العلوم"، وجعله ثلاثة أقسام، بسط في القسم الثالث منه علوم البلاغة وهي: (علم المعاني)، و(علم البيان)، و(علم البديع).

1.    حياتـه وآثــاره :
- نسبه: هو[5] نصر الله بن محمد الشيباني، كنيته أبو الفتح، ولقبه ضياء الدين، ويعرف بابن الأثير الجزري، منسوب إلى جزيرة ابن عمر، ويعرف أيضا بابن الأثير الجزري الموصلي، نسبة إلى الموصل، وكانت ولادته سنة 558 هـ.
وضياء الدين هو أحد الإخوة الثلاثة[6]: عز الدين المؤرخ المشهور، صاحب: "الكامل" ومجد الدين صاحب: "النهاية في غريب الحديث والأثر".
وقد توفي ابن الأثير ببغداد سنة 637 هـ.


- مميزات شخصيته : عرف ابن الأثير بكبريائه واستبداده، فكرهه الناس، وقد أجج ابن أبي الحديد هذا الكره بتأليفه: "الفلك الدائر على المثل السائر"، ولسنا هنا بصدد محاكمة الرجلين أو الموازنة بينهما، لكن لا بأس من استدعاء هذا الشاهد من كتاب: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا": "إن الوزير ضياء الدين بن الأثير في المثل السائر، قد عاب أبا إسحاق الصابي على جلالة قدره في الكتابة، واعترافه له بالتقدم في الصناعة، بكتاب كتبه بفتح بغداد وهزيمة الترك..."[7] .

فعلى الرغم من جلالة قدر الصابي في الكتابة، لم يسلم من نقد ابن الأثير، كما لم يسلم من أذيته مجموعة من العلماء والأدباء، أمثال[8]: ابن جني و الغزالي و المعري وغيرهم .
- آثاره: لابن الأثير مؤلفات أخرى إلى جانب "المثل السائر"، وهي:
–       الوشي المرموق، في حل المنظوم.
–       المعاني المخترعة ، في صناعة الإنشاء.
–       الجامع الكبير، في صناعة المنظوم والمنثور.
–       ديوان ترسل.
–       المختار من ديوان الترسل.

2- في الكتـــــــاب :

- العنوان: من النافلة القول: "إن العنوان، وإن كان يقدم نفسه، بصفته مجرد عنبة للنص، فإنه بالمقابل’ لا يمكن الولوج إلى عالم النص،  إلا بعد اجتياز هذه العتبة"[9]. إضافة إلى أن اختيار العناوين يخضع لعملية لا تخلو من قصدية، كيفما كان الوضع الأجناسي للنص، وبذلك تنتفي الاعتباطية في اختيار التسمية.
يقول الفيروز أبادي متحدثا عن معنى "المثل" : "المثل: بالكسر والتحريك... الشبه جمع: أمثال... والمثل محركة: الحجة والحديث"[10]. وعن المثل يقول الرازي: "المثل": ما يضرب به من (الأمثال)ن ومثل الشيء أيضا بفتحتين صفته"[11].
أما "السائر" ، فقد ورد في مختار الصحاح ما يلي: "سار" من باب باع... و(التسيار) بالفتح... من السير... و(سائر) الناس جميعهم"[12]. وفي القاموس المحيط: "السير: الذهاب، كالمسير... والسيرة: الضرب من السير"[13].
يستشف، من خلال هذه التعاريف، أن المثل باعتباره حجة أو حديثا قد ارتقى إلى التداول بين الناس، فصار مثلا سائرا، وإلى هذا المعنى يشير ابن عبد ربه، بقوله: "يقال": أسير من مثل، وقال الشاعر:
وما أنت إلا مثل سائر    يعرفه الجاهل والخابر"[14]

- مضمون الكتاب: يتضمن "المثل السائر" البحث عن علم  البلاغة، والنقد لصناعة الكاتب والشاعر، كما أخبرنا بذلك من خلال العنوان، كما: "يعتبر من المظان الأصلية التي اشتملت على صناعة  البيان في التراث العربي، كما تشبع بها مبدع ومتذوق له اعتزاز بمواهبه الفنية"[15]. وقد عبر ابن الأثير عن اعتزازه و فخره بمصنفه فقال مقدما له : "وهداني الله لابتداع أشياء لم تكن من قلبي مبتدعة ومنحني درجة الاجتهاد التي لا تكون أقوالها تابعة وإنما متبعة"[16].
وقد أشار القلقنشدي في كتابه: "صبح الأعشى" إلى كتاب ابن الأثير بقوله: "أما المتهمات التي يكمل بها الكاتب، من المعرفة بعلوم البلاغة ووجوه تحسين الكلام من المعاني والبيان والبديع،  فإن فيها كتبا مفردة تكاد تخرج عن الحصر والإحصاء، فاقتضى الحال من المتقدمين للتصنيف في هذا  الفن أن قد قصروا تصانيفهم على علوم البلاغة وتوابعها كالوزير ضياء الدين بن الأثير في :"المثل السائر"[17].

- أقسام الكتاب: قسم ابن الأثير كتابه إلى مقدمة ومقالتين، يقول في هذا الصدد: "وقد بنيته على مقدمة ومقالتين، فالمقدمة تشتمل على أصول علم البيان... واعلم – أيها الناظر في كتابي- أن مدار علم البيان على حاكم الذوق السليم، الذي هو أنفع من ذوق التعليم"[18]. وعن منزلة هذا العلم، يقول ضياء الدين بن الأثير: "إن علم البيان لتأليف النظم والنثر بمنزلة أصول الفقه للأحكام وأدلة الأحكام"[19].
............................ تتمة المقال

لقراءة كامل المقال يرجى تحميله من هنــــا

[1] برزت شخصية ابن الأثير في أخريات القرن السادس الهجري، وخلال شطر كبير من القرن السابع، في مرحلة ازدهرت فيها البحوث البيانية وتعددت المناهج البلاغية. (انظر د.عباس ارحيلة: الأثر الأرسطي في النقد و البلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري ، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية ، جامعة محمد الخامس ، الرباط ، سلسلة رسائل و أطروحات ، رقم : 40 ، ط: 1 ، 1419/1999 ، ص 661).
[2]  أدباء العرب في الأعصر العباسية ، بطرس البستاني،دار مارون عبود،2/422.
[3]   البلاغة الاصطلاحية ، د.عبد العزيز قلقيبة ، دار الفكر العربي، ط:2، ص: 17.
[4]  درس الزمخشري واستوعب "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" في كتابه : "الكشاف".
[5]  انظر:
 *المثل السائر -1/11 .
*البيان العربي ، د. بدوي طبانة، دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى ، مطبعة الرسالة ، ط:3 ،1381/1962 ، ص: 47 .
*أدباء العرب في الأعصر العباسية ، 1/441، 442، 443.
[6]  قال أحد الشعراء فيهم:
وبنو الأثير ثلاثـــــة       قد حاز كل مفتخـر
فمؤرخ جمع العلــــو      م وآخر ولي الوزر
ومحدث كتب الحديث      له النهاية في الأثر
[7]  صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، القلقشندي ، المطبعة الأميرية، مصر – 6/276.
[8]  المثل السائر المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر ، ضياء الدين بن الأثير ، حققه : محيي الدين عبد الحميد ، المكتبة العصرية ، بيروت / لبنان ، 1411/1990 ، /18.
[9]  من النص إلى العنوان، محمد بوعزة ، علامات في النقد (جدة) ،الجزء: 53 ، المجلد: 14- رجب 1425/ شتنبر 2004،ص: 408.
[10]  القاموس المحيط ، الفيروز آبادي، ضبطه : يوسف محمد البقاعي ، دار الفكر ، ص: 951.
[11]  ترتيب مختار الصحاح ، الرازي ، حققه : شهاب الدين أبي عمر ، دار الفكر ، ص 737.
[12]  نفسه  ، ص 398.
[13]   القاموس المحيط ، ص 11.
[14]   العقد الفريد ، ابن عبد ربه ، شرحه وصححه وعنون موضوعاته ورتب فهارسه: أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري- دار الكتاب العربي، بيروت – 3/63.
[15]   الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري ،  ص: 611.
[16]  المثل السائر ، 1/24.
[17]  صبح الأعشى ، 2/338.
[18]  المثل السائر، 1/24.
[19]  نفسه،1/23.