من ضيق التطرف إلى سعة الحب والتسامح في رواية: "الإرهابي 20" لعبد الله ثابت ـ ياسين اغلالو

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse27072"حين تصبح الأفكار سلطة فإنها لن تكون أفكارا، ستكون سياطا وعصيا وأكثرها إيلاما هو ما كان باسم القداسة والدين والأخلاق" عبد الله ثابت (ص115)

في واقع سعودي يخوض عبد الله ثابت رحلة الإنسان المسلم، الذي أصبح احتمالا أكيدا ليكون الإرهابي 20 في احداث 11 من سبتمبر بأمريكا. وبين واقع يكَوًنه يخوض زاهي الجبالي بطل الرواية رحلة ان يكون أو لا يكون. ورغم أن الرواية كتبت ما بين 1999-2005 وهو زمن ليس بالبعيد في عمر الفكر، إلا أن الإرهابي 20 بالنسبة لنا لم يعد احتمالا بل واقعا فعليا مع مضاعفة العدد للمجهول.
    تسلط الرواية الضوء على الواقع السعودي الذي سطا عليه التطرف والتشدد، ليختار الكاتب السقوط من أعلى الجبل ويبدأ مغامرة البحث في طباع الناس. لنتعرف مع الرواية على نموذج للقرى السعودية وطباع سكانها الرحبة والمليئة بقيم الجمال والتغني بقصائد الحب والغزل، قبل أن تتوغل في الواقع السعودي قوى التطرف التي تعمل على اغتيال أبجديات الإنسانية.

تكشف الرواية عن البيت الداخلي لعمل التنظيمات الإسلامية المتطرفة، سواء في المساجد والمدارس والجامعات وإمتدادها فيما يعرف في السعودية بالشرطة الدينية. هذه الأخيرة التي "تبيح لنفسها أن تتدخل في كل شيء من خصوصيات الأخرين، أن تتهم، وتوقف الناس، وتفتش بيوتهم ومحلاتهم، وتتدخل حتى في شعر رؤوسهم فتحلقه، أما النساء فيلايحقوهن بالتوبيخ واللمز، كي يرتدين الحجاب..."(ص116). هكذا يصبح الدين سوطا لإذلال الناس وتعذيبهم، بعدما تم إغلاق باب التأويل والاجتهاد ونصب العداء للفكر المختلف.
يتم اغتيال عقول الشباب من داخل التنظيمات الإسلامية بالعمل على "سد الذرائع واستخدامهم لكل ما يمكن أن يفضي إلى اعتزال العالم والتقوقع عليهم" (ص135). وصرف الشباب عن الفكر المختلف، واحتكار فهمهم وتأويلهم للدين والترويج له على انه التأويل النهائي والمطلق وبه وحده ينال المرء رضى الله. لأنهم أدركوا ان فهم الناس للدين بطريقة أخرى "سيوقظ العقول، التي لن تستجيب لاستعمارهم إلا وهي غارقة في العتمة"(ص135).
بهذا أقسم زاهي الجبالي أنه "لن يسكت على من اغتال في دواخلنا أبجديات الإنسانية" ص199). وراح يفضح عمل التنظيمات الإسلامية، بعدما تحول الدين في نظره إلى قهر وأصبح من الواجب محاربة هؤلاء.
 إن سعادة الانسان تكمن في اكتشاف الفكر المختلف، والإطلاع على أنماط العيش والتفكير الممكنة. وهذا ما حصل لزاهي عندما صرح قائلا "فأنا سعيد كالذي إنعتق من غرفة صغيرة كان يظنها اجمل ما في العالم لأنه لا يعرف غيرها، ولمجرد خروجه منها اكتشف كم كان أسيرا، و حزين لأني ما زلت حتى تلك الساعة اخذر نفسي بان الشيطان هو من افسد تلك الجنة..."(ص131).
لقد عاش زاهي التجربة الدينية من داخل التنظيمات الإسلامية وتقلد المناصب العليا ونال الحظوة والمسؤولية. لكنه اكتشف ان هذه الغرفة التي كان يظنها الأجمل في العالم ليست كذلك، بل هي غرفة ضيقة تم إغتيال الحب والجمال من داخلها، والفن فيها مؤدلج والكل من داخل الغرفة يصرخ ان العالم كافر. وبهذا صٌدم زاهي عندما "إكتشف أن الموسيقى، التي حرمها على نفسه كل هذه السنين، جمال يستحيل ـأن يحرمه الإسلام، وأنه لا ضير في أن يقص لحيته، أو حتى أن يحلقها، وعرف أن تغطية المرأة وجهها ليست من الحجاب في شيء، وأن التصوير والزينة مما لا يثير غضب الله، وأن الحياة جميلة، وتستحق أن يكون المرء أنيقا ومحبا ومتسامحا."(ص134)
لقد إنتصر الحب والجمال على التطرف، وبهذا ينتقل الإنسان في الرواية من ضيق التطرف إلى سعة الحب والتسامح، بعدما راح زاهي يطالع كتب الفقهاء الأخرين، والإختلافات بين المذاهب، وإكتشافه للصراع الموجود من داخل التنظيمات على المناصب والمسؤولية، وأن الأمر يتعلق بالمصالح والصراع على المريدين ونيل الحظوة والشهرة.
يكشف عبد الله ثابت في روايته عن هوية الشيطان الذي أفسد علينا الجنة. إنه شيطان من لحم ودم، إنه إنسان عقله مسطح ومغلق يتغذى على نفس الغذاء فكريا،  وليس كائنا في عالم المجهول كما هو متداول عندنا. وهو نفس الشيطان عندنا اليوم صانع الإرهاب والعقول المنتحرة والأجساد المفخخة. لقد انتصر ثابت في روايته للحب والأنوار على العتمة والتطرف، وجعل نور الصباح يسطع بعدما مل من العتمة.