حضور القضية الوطنية في الأدب المغربي ( الرواية والقصة نموذجا) - مصطفى ألعوزي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاساتسم الأدب المغربي عموما والأنماط السردية المتجسدة في الرواية والقصة كنموذج بشكل خاص باحتوائها لمجموعة من القضايا ذات العمق والمتجذرة في قلب الواقع المغربي، عذا مع تسجيل بعض الاستثناءات البسيطة والتي لا تعدو أن تكون إنفلاتات لا غير، لكن هناك بعض القضايا ولقوة حضورها كانت غالبا ما تصفو على سماء الإنتاجات الأدبية السردية من رواية وقصة، ومن أبرز هذه القضايا وأكثرها حضورا القضية الوطنية، أي مجموع الشعور التي يكتنزه الفرد في ذاته واتجاه وطنه ويعبر عنه إما بالثورة أو المقاومة السرية ضد سالبيه حريته، ونقصد به المستعمر، وكان حضور هذه القضية مختلفا ما بين حقبة وأخرى، حيث كان حضور القضية الوطنية في الانتاجات ما قبل الاستقلال يحمل بعدا توعويا وتحميسيا يراد منه إثارة هيجان المواطن المغربي بغية تحفيزه ودفعه للإقدام نحو كل من عبد المجيد بن جلون وع بد الكريم غلاب، حيث نلمس هذا التحفيز وهذه الإثارة جليا في أعمالهما خصوصا السيرة الذاتية لعبد المجيد بن جلون " في الطفولة" و" دفنا الماضي" لعبد الكريم غلاب، إذ هناك بعض المقاطع في السيرتين المذكورتين تحاول إثارة شعور الثورة والهيجان في غياب المواطن المغربي لتدفعه للثأر والصراخ في وجه المستعمر وتحقيق أهداف الأمة النبيلة وفي مقدمتها الاستقلال.
وجاءت فترة ما بعد الاستقلال وإلى حدود سنة 1984 والتي كان الإنتاج الأدبي فيها ضعيفا حيث لم ينشر فيها سوى 3113 كتابا، مما جعلها بحق مرحلة حسب النقاد والدارسين مرحلة السنوات العجاف، وإمتازت جل الانتاجات الروائية والقصصية فيها بطابع الافتخار والنشوة بعد النصر، إذ نرى مثلا الكاتب المغربي مبارك ربيع يتحدث في بعض أعماله عن المقاومة المغربية ومعركة التحرير والاستقلال باعتزاز كبير يشخصه أبطال رواياته وقصصه، ومنها على سبيل المثال حينما يستعرض أمجاد المقاومة المغربية أيام الاستعمار في مجموعته القصصية " سيدنا قدر" وبالضبط في قصته المعنونة ب " الأصم" فيقول " نحن في سنة 1954 والمقاومة على أشدها إذ ظهرت في الميدان منظمات جديدة بجانب منظمتنا التي كانت وحدها أول الأمر، كانت عملياتنا تنجز بإحكام ورصيد منظمتنا منها كان عظيما" ( " سيدنا قدر"/ الأصم: ص 1 7) ويقول في أحد المقاطع الأخرى من نفس القصة " ذلك أن عملي قبل ذلك كان ينحصر في إعداد المنشورات والسهر على وثائق المنظمة، أما رفقي فكان من رجال العمليات الممتازين يحظى بمكانة عظمى في المنظمة"، ونلمس أيضا هذه النزعة الإعجابية في إنتاجات كتاب آخرين كمحمد برادة ومحمد الصباغ وآخرين، وفي مقابل هذا نجد فئة من الروائيين والتي تنتمي إلى نفس الفترة ( 1957 – 1984) تحاول قراءة ذاك الماضي أي ماضي المقاومة وفترة الاستقلال بنوع من النقد الموجه، موجه بالتحديد إلى القوى السياسية المجسدة في الحزب الذي كان يعتقد بأنه يمثل الشعب ويتبنى مطالبه في حين أنه لا يعدو أن يكون براغماتيا يجلب النفع لذاته وذويه.
 ويقول عبد الله العروي في هذه النقطة على لسان إدريس بطل سيرته الذاتية " أوراق" " والحزب أيضا ارتكب خطأ موضوعيا ما كان في وسعه أن يتحاشاه، ظن أن ينطق بلسان الشعب في حين أنه كان ينطق بلسان الأقلية المتقدمة ( أكثر من اللازم) على الأغلبية" ( أوراق/ عبد الله العروي/ فصل الوطن، ص: 66)، ويقول أيضا في مقطع آخر من نفس فصل الرواية " إتسعت الفجوة بين الحزب والشعب، أراد الحزب أن يجر إليه الشعب بالعنف، قتمططت الأحبال ثم تقطعت واندس عملاء العدو بين الجار والجرور"، وانطلاقا من هذا نقول أن حضور القضية الوطنية في الرواية والقصة المغربية في مرحلتها الثانية انقسم إلى تيارين، تيار يتبنى القضية بنوع من الإعجاب، وتيار آخر يتبناها بنوع من النقد ( عبد الله العروي)، ( مبارك ربيع)، هذا الاختلاف هو ما يخلق للقارئ متعة كبيرة لدى قرائه للروايات والقصص المدونة في هذه الفترة، إذ يلمس عمق الواقع من منظورين متباينين.
وجاءت المرحلة الثالثة والتي اتسمت يزيادة في الانتاجات الأدبية إذ يرى البعض أنها كانت مرحلة الانطلاقة النسبية للنشر المغربي، وهيا لمرحلة الممتدة من 1985 إلى سنة 2003، والتي عرفت إصدار 12400 كتاب، مما يدل على التطور الفصلي الذي مس عالم الكتابة الأدبية المغربية والذي يعود كما يرى الدارسون إلى التحولات السوسيوثقافية التي عرفها المغرب وأيضا إلى ظهور وتزايد عدد المؤلفين والناشرين، إضافة إلى توسع شبكة العاملين في هذا المجال، وعرفت المرحلة أيضا بروز وظهور الكتابة النسائية والتي كان لها دور هام في خصوبة الحقل الأدبي المغربي، وجاءت هذه المرحلة بشيء جديد في الرواية المغربية والقصة فيما يتعلق بالقضية الوطنية ومعركة التحرير والاستقلال، فالحديث عن هذه الفترة وعن هذه القضية لا يعدو أن يكون حديثا سرديا ووصفا عابرا لا غير، إضافة إلى أنه شبه خال من أي شعور معين كما رأينا سابقا مع حضور بعض ذلك أحيانا، وأصبح الحديث هنا هو بمثابة قراءة في الماضي، قراءة تبرز جمالية هذا الماضي وتبرز ما كان عليه وضع المغرب آنذاك من حيث هو بلد متشبث بتقاليده وأن ذاك التشبث هو ما جعلنا اليوم سائرين على نهج أسلافنا، وهنا نرد مقطع من سيرة الكاتبة والباحثة فاطمة المرنيسي والتي تقول " ورغما عن ذلك كنا محظوظين لأن الفرنسيين لم يحبوا مدينتنا القديمة فبنوا مدينة جديدة أقاموا بها"، ( نساء على أجنحة الحلم/ فاطمة المرنيسي) وتقول أيضا " سننجح لا محالة يوما في طرد الفرنسيين لكي ندرك بعدها بأننا جميعا نشبههم" وجاء هذا المقطع عن صيحة يوجهها  أحد الكبار لأحدهم ينصحه فيها باتزام الأعراف والتقاليد المغربية، وتبرز الكاتبة أيضا ما قام به رجال المقاومة والوطنيون من خدمة لدوام الثقافة المغربية من خلال بنائهم للمدارس العربية، تقول " أغلبهم يدرس في المدارس الحرة التي أنشأها الوطنيون"، ونلمس حضورا آخر للقضية الوطنية في هذه المرحلة مع الكاتبة خناثة بنونة، إذ أن الحديث عن الحقبة السالفة لا يعدو أن يكون من باب إلا حالة المثالية أو من باب الصدفة، ونلمس ذل ك جليا في مجموعتها القصصية " الحب الرسمي" وبالتحديد في قصتها " دمع ولا يقين" إذ تقول " ...وظلت مريم تائهة عن الخبر في ضجيج الآلة الحائكة، ولكن سمة الجلسة نبهتها، فمدت يدها وأعانت رجلها على توقيف الدوران المخيط، فسمعت: ـ العسكر إللعسكر أبناؤه، وهل حتى أبناء عموم الناس، لا... لا...، وطلع في بحر مريم استفسار أكبر، بينما قالت خديجة في شبه ولولة: يا ويحي ! ... عل نحن في عهد فرنسا؟ فردت السعدية بنفس النبرة المتمالكة على نفسها: ـ وإنما فيما يشبهه" ( دمع ولا يقين/ الحب الرسمي/ خناثة بنونة) كان هذا عندما وصل بناء للنسوة مفاده أن أبنائهم سيذهبون للجيش، ونرى كيف أحالت خديجة الجميع على عهد الحماية حيث يشتبه ذاك وهذا في نقط كالتسلط والظلم.
إن الرواية والقصة المغربية بكل ما تحمله هي جد غنية، غنية من حيث مضمونها المتمثل في حجم القضايا التي تتبناها وغنية في شكلها المبسط والفني الراقي الذي يبعث في النفس عبق الروح الرومانسية وشظايا الحياة الجادة وكل ما من شأنه تربية وجدان الفرد حتى يسمو عن واقع معين لكن دون أن يكون في سموه هذا هروب من الواقع بل على العكس يكون في سموه هذا محاولة جادة بإصلاح الواقع.
مصطفى ألعوزي
 
مراجع معتمدة:
 
· " 50 سنة من الإنتاج الأدبي بالمغرب، تقرير الخمسينيةّ، مجموعة باحثين.
· " في الطفولة"، عبد المجيد بن جلون.
· " دفنا الماضي" عبد الكريم غلاب.
· " سيدنا قدر"، مبارك ربيع.
· " أوراق" عبد الله العروي.
· " نساء على أجنحة الحلم"، فاطمة المرنيسي، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟