صمت يتحدث فجأة ـ قصة : محسن العافي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse29051المكان الذي يحمل في جنباته ذكريات،تغيب واجهته التي أسرت العقل والقلب ذات يوم. ينمحي كل شيء على مهل ، كما الأشياء الجميلة، التي تنقضي أيامها سريعا. أسرى المكان لم يكونوا آلهة من حجر، لم يكونوا أغصانا من أشجار مورقة.
 شيء ما، يوقظ الذاكرة ،ويقض المضاجع، في أماكن شتى.
 يسأله مار من الباب الخلفي :
أين أجد الإسكافي ؟
في الجهة المقابلة ل... .
أيكون ماهرا ؟

لا  أدري ،لكن بالتأكيد سيكون كذلك .
في الطريق، لمح سيارة متوقفة قرب حانة،صاحبها يتكئ عليها،يصيح بأعلى صوته:
أيها البحر !أيها البحر !
لم أتيت على كل شيء ؟
لم أخذت مني ما لم يأخذه أحد من أحد ؟
تابع الطريق إلى الجهة المقابلة،حتى وصل إلى دكان الاسكافي.
الإسكافي يعد بضعة دراهم ، لعل ذلك ما حصله من عمله هذا اليوم .
سلمه الحذاء ، فحصه،ثم قال:
 تعالى إليّ مساء سيكون حذاؤك على ما يرام .
انصرف وهو شارد في أمر الرجل الذي يتكئ على سيارة.
هل هي له ؟
 هل هو سكران؟
لمّا اقترب من ذلك الشخص ثانية،وجده يتحدث بصوت جهوري :
ما كان عليها أن تفعل ذلك !
ما كان ينبغي أن يكون هذا صنيعها !
الكلام الذي كان منها ومني، لا يرسم عالما يخيب رواده .
العوالم التي سبحنا فيها سويا ،تسألنا الحنين إلى غياهبها الجميلة الظليلة،ليتها تعلم يقينا أن الذي ترسخ في الذاكرة، وفي ثنايا القلب ،لم يكن إلا شيئا واحدا،يتحدث إلى الصمت، والى الوحدة ،معلنا أزمنة تستقر في سماء الحياة السعيدة .
 الكل يجعل من أيامه مسودة لذاكرة تتلاشى دوما ، عالمها موحش من كثرة الأخطاء التي تملأ حياة غريبة .
 لعل بعضهم  يخط في أفقها خطوطا عريضة،تكشف المستور .
بئس بما اعتبره جمالا وتفردا ذات يوم ....خلته يعلم ما يحدِّث به المَارة وهو على ذا الحال ، لكنني أظن أن الخمر قد تمكن من شخصه ، فغيّبه عن حقيقة أمره،وعن واقعه الذي يفضح تفاصيل كل شيء .
 لا أدري إن كان بإمكانه الحديث إليّ الآن ، لعله  لا يستطيع، بما فعلت به الأيام،فغاب عنه لبّ القول وسر الكلام الرصين .
 في عوالم شتى من عالم متألق ، سمَوت للحظات،ما كنت أعلم شيئا عما يدور في سماء رجل عاقَر الخمر زمنا طويلا.
يقول عابر سبيل :
 هذا حديث صمت مُطوَّل ، وتلك سيرة رجل اعتدنا صمته لا يفصح عن أي شيء ،ولم يكن أحد ينتظر أن يبدو على حالة ترصد شتى مناحي ضياعه .
 ها هو الآن، يتلو كل ما غاب عمن اعتاد صمته  .
التلفزيزن يعرض صورا لأشخاص،يغيب ويضيع أصحابها بين تضاريس الحياة .
من بين الصور بدت صورته،وإلى جانبها أرقام تعريفه بلغة غريبة، تمثل  هذه الأرقام  قابعة في عالم السحر والسحرة  إلى جانب حروف :
أ ب ج 
 هـ و ز
للتّو توقفت سيارة،طُلب منه الصعود ، امتنع ،دفعه رجل قوي البنية حتى استوى داخلها.
غادرت السيارة، ورحل معها صمت يتحدث فجأة.