في الحب والباكتيريا وأشياء أخرى ـ قصة : ياسين المرزوكي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse10062ولأعترف لكم، فقبلها لم أكن أعرف ماهي (الباكتيريا)، ومثل أي بوهيمي يتبنى نظريات غير مكلفة ماديا، كنت أعتبر ان بعض الميكروبات جيدة للجسم وتقوي مناعته، وأن الامراض الخطيرة مثل الرصاصات بالنسبة للسجين الهارب  قد تصيب وقد لا تصيب. الى أن التقيتها. منذ اللقاء الاول وما أن مددت لها يدي مسلما حتى سألتني : في أي وسيلة نقل جئت؟ قلت لها: الاوتوبيس. كما لو أنه قد مسها تيار كهربائي، فتحت حقيبتها وبدت وكأنها تبحث عن شيئ ما محدد. أخرجت قنينة طبية بيضاء صغيرة ضغطت على بطنها حتى خرج منها سائل أبيض شفاف ثم بدأت تمسح على يديها الاثنتين، نظرت نحوها متسائلا: هل تعانين مرضا ما؟ قالت لي بهدوء زائد كما لو انها تريد ان تخفي شيئا ، انه "مضاد الباكتيريا" ثم نظرت هي نحو يدي، فعقبت أنا: وما هي الباكتيريا، وأخذت تشرح لي وهكذا بدأت قصة حبنا مع الباكتيريا ومضاداتها، والباكتيريا أيها السادة لاترى بالعين المجردة هكذا قالت لي، وهي توجد في كل مكان تقريبا وأضرارها خطيرة جدا، فهي تصيب بمرض التهاب السحايا وتفسد الاطعمة المكشوفة وتؤدي الى تسوس الاسنان.

وهي توجد في أماكن قد لا تتخيلها: على جسم الانسان وفي دورات المياه وعلى بطائق الائتمان وحتى على النقود -حمدا لله لا يوجد لدي أي شيئ من هذين الاخيرين-قلت لها. اأأأه لو يعلم السادة الذين يحملون بطائق ائتمان وحتى النقود انكم تساهمون في نقل العدوى. أصبحت الباكتيريا هي موضوعنا المفضل. لم نكن نقوم بمداورة أحاديث الحب التي تركناها للمراهقين،كان حديثنا المفضل هو الباكتيريا. وحتى عندما كانت تحاول هي قلب الموضوع كنت أعود اليه بفرح لاحظى باكتشافات أخرى. قبل أن أعرفها كنت أسلم على الناس وآكل، أمسك الاشياء بيدي وآكل وفي وضع اضطراري قد لا أغسل يدي، أركب أوتوبيسات ووسائل النقل العام  وأضع يدي في مقابض الابواب ولا أكثرث. بعدما علمت أن الباكتيريا بكل مكان أصبحت حذرا، وعندما لاحظت هي شكوكي، اشترت لي مرهما مضادا للباكتيريا، كنا نلتقي في الحدائق العامة ونبدأ في لمس الاشياء حتى اذا تأكدنا أننا قد حملنا ما يكفي من الباكتيريا، استخرجنا مراهمنا وضغطنا عليها وبدأنا في حفلات التطهير، كانت حفلات التطهير هاته هي أكثر شيء مدعاة للفرح. كانت رائحة المرهم الكحولية تصيب رأسي بالدوار والخذر ونوع من النشوة،كنا نسير في الطريق ونبدأ التخمين. أترين ذلك الرجل الذي يسير وهو يقود كلبا؟ هل تراهنين على أن الحبل الملفوف على عنق الكلب يحمل ملايين الباكتيريا الغير مرئية؟ أترين تلك المرأة التي تعطس؟ أترين ذلك العجوز الذين يضع يده في...؟   وصولا الى  اليوم المشؤوم الذي نسيت فيه نفسي ونسيت عادات هاته السيدة. مددت يدي لألمس وجهها. غضبت وألقت بمرهمها علىالأرض غاضبة. قالت أن يدي مبكترة وأنني أحاول تلويث هاته العلاقة النقية، وأنها كانت متأكدة من البدء من نوايا نحوها. قلت لها أن العديد من الناس لا يحملون معهم مضادات الاشياء ويحظون بعلاقات جيدة وصحية. قالت انها لا تريد ان تكون مثل الناس الاخرين. حاولت أن أعتذر لكنها كانت مصممة على أنها النهاية وأن الباكتيريا قد أفسدت كل شيء. بعد رحليها لم أتخل عن طقس  التطهر من الباكتيريا بسهولة، حاولت حتى النجاح ببطء ثم عدت الى عاداتي الاولى، التقيت بعدها نساء كثيرات. بعضهن لا يحفل بالبكتيريا ولا  الامراض المعدية ولا المنتقلة جنسيا. وبعضهن الاخر غير متكلفات في العادة . لكن احتفظت دائما بحنيني الى تلك العلاقة . فقد كانت علاقة نقية وطاهرة وخالية من الباكتيريا..