صهيل الكلمات ـ قصة : نجاة هاشمي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse06113   يعلو مرتفعا كصقر يراوغ الريح، لينحدر متكسرا كجبل جليد، منحنيا كجدول ماء، هادرا كالهزيم خافتا كهمس الزهور، حانيا كناي يُغازل العمر، ثائرا كأزيز الرصاص، تخال الكلمات تصهل في حنجرته.
اشرأبت مشدوهة منبهرة بذاك الانسجام بينهما، محتارة أيهما ينفخ الروح في الآخر! ولكنها استسلمت في رضى لأنغام البحر، ولم تأبه أين سترسو سفينتها.
     كان واقفا كنخلة تتحدى في شموخها السماء، أراد أن يُثبت لنفسه قبل الآخرين أن الكلمات التي اختارته ليصبح صوتها لم تخطئ، وأنه شاعر -وإن كان في أمسيته الأولى- جدير بترويض الحروف، وزرعها حلما شهيا في المُهج.
   لم تره قبلا، ولم يرها بعد، فالجميع أمام ناظريه غيمات نزلت لترتاح من سفرها وستكمل الطريق.
~~~~~~~~~~~~

      انتهت الأمسية..صفقت بحرارة ثم لملمت تفاصيل رحلتها الجميلة على صهوة الكلمات وهمَّت بالمغادرة وعلى شفتيها تغفو ابتسامة رضى بلون الفرح، توجهت صوب الباب وصهيل الكلمات يدوي في أذنيها رافضا الاضمحلال والتلاشي ككل الأصوات، فإذ بيد صديقتها تجرها نحو المنصة لتعرفها بالشاعر.
- غيث هذه شهد صديقتي التي تُشاطرك قلبي.
- شهد هذا غيث أخي الذي يُصدق أنه شاعر.
- تشرفنا.
- كل الشرف لي أن ألتقي شاعرا متألقا مثلك، صدق نفسك فأنت تستحق، ومن لا يؤمن بنفسه لن يؤمن به الآخرون.
     كان يمكن لهذا اللقاء أن يكون عاديا كآلاف اللقاءات العبثية التي تسقط من حقيبة الذاكرة، لكنه لمح في عينيها وميضا مختلفا، شعاعا أنيقا كشمس عذراء اخترق فؤاده فاستوطنته إلى الأبد.
ليس المهم أن يجمعهما لقاء آخر فستلتقيه في كل ديوان ينشره، لتقرأ تفاصيله بين الحروف الفاتحة صدرها للبوح، وحتى تلك الكتوم المنطوية على ذاتها، ستغوص في الفراغات البيضاء لتستخرج كنوزها، وستتفرس في النقاط لاستنطاقها، أكانت واحدة تجلس منفردة كناسك على حافة النهاية، أو مثنى وثلاث متشابكة كراقصي الفلكلور.
وهي لن تفارقه، سيراها في كل الكون، وستختزل كل الحروف فقد صارت ملهمته