خطاب القبر ! - شعر : محمود درويش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أعدوا لى القبر قصرا يطل على القصر
من وجهة البحر، قصرا يدل الخلود عليَّ .
يدفع أحلامكم صلوات ..إلى
فمن كان يعبر هذا البلد
ومن كان يعبر هذا الجسد
فمن حقه أن يصدق أنى حى
وحى هو العرش حتى الأبد
بلغت الثمانين ، لكننى ما عرفت السـأم
وقد أتزوج في كل يوم فتاة
وأبكي عليكم ، أرثيكم يوم تهوى البيوت
على ساكنيها ، ويسكنها العنكبوت

فمن واجبي أن أعيش
ومن حقكم أن تموتوا
لأنجب جيلا جديدا يواصل أحلامكم
فما من أحد
رأى ما رأيت .. وما من بلد
رأى ما رأى من فتوة هذا الجسد
فمن كان يعبد هذا البلد
فقد مات ، أما الذى كان يعبدنى
فمن حقه أن يصدقنى حين أصدر أحرى إلى
الموت
دعني وشعبي الولد ،
معا للأبد.
وبعد الثمانين تأتي ثمانون أخرى
وأرقد في اليوم عشرين ساعة
لأرتاح مما خلقت وممن خلقت
ومن دولة ستعمر في وتركع : سمعا وطاعه
وتنهار بعدى إذا نمت أكثر مما أنام
ولاشيء بعدى
فمن يعبدون ؟
وكيف تعيشون بعدى؟
ومن سوف ينقذكم من زمان الجنون
ومن سوف يحرس أبوابكم من جراد المطر
ومن سوف يحمل ريح الشمال إليكم
ويحميكم من ذئاب الشجر؟
ومن تعبدون
لمن ترفعون تراتيلكم ولمن تسجدون ، وتتلون
آيات من ؟
أبا لخبز وحده ؟ بالخبز وحده
تعيشون ؟ والروح خاوية من عباءة من
تعبدوا ؟
ومن أي معنى تشيدون مبنى الخيال لهذا
الزمن
وفى البدء ..كنت .. وكونت هذا الوطن
ليعبد خالقه ، أو يموت إذا لم بكن لائقا
بعبادة خالقه ،
فاعلموا واعلموا
بأن الذي قد خَلق
أحق بهذي الحياة الطويلة ممن خُلِق
وإن كان لابد من موتنا فاسبقوني
إلى الموت كي تحملوني وتستقبلوني
خذوا زوجتي معكم وخذوا أسرتي ..
وجهاز القلق ..
ولا تنشئوا أي حزب هناك
ولا تأذنوا لقدامى الضحايا بأن يسكنوا
معكم
ولا تسمحوا للتلاميذ أن يسرقوا دمعكم
ولا تفتحوا صحفا للحديث عن الفرق بين
الحياة
على الأرض أو تحتها
ولا تسمحوا للمعارضة المستبدة أن تتساءل
عما رفضت التساؤل فيه
أنا الموت .. والموت لا ريب فيه
أنا من أعد لكم أجلا لا مرد له فأعلموا
أن ما فوق أرضي يجري بأمري
فلا تهربوا من مشيئة قصري
فقد أختنق
وحيدا بغير جماهير تعبدني
ولقد ألتحق
بكم كي أراقبكم ..كي أحاسبكم
فمن كان يعبد هذى الحياة
فقد هلكت
وأما الذي كان يعبدني
فمن حقه أن يعيش معي فوق هذا التراب
وتحت التراب ..معي للأبد
أعدوا لي القبر قصرا يطل على البحر
قصرا مليئا بأجهزة الاتصال الحديثة
قصرا معدا لمملكة الشعب فى الآخرة
سآمر فورًا ، بنقل الوزارات والذكريات
ومجموعة الصور النادرة
سأنقل كل الحصون وكل السجون وكل
الظنون
لأحكمكم في المقر الجديد
بصيغة دستورنا الحاضرة
ولكنني سأعدل بند الوراثة
لاحق للحي أن يرث الميت إلا إذا
أثبت الميت أن الذى كان حيا هو الميت فيه
لئلا يطالبنا الدود بالآخرة
أعدوا لي القبر أوسع من هذه الأرض
أجعل من هذه الأرض
أقوى من الأرض
قصرًا يلخص بحرًا بنافذة من سحاب
سأجتاز هذا الممر الصغير
على فرس الغيم والغيم أبيض يهتز حولي
ويرسم لاسمي تاجًا وقوس قباب
سأجتاز هذا الممر الصغير
فلا عودة للوراء .. ولا رحلة فى السراب
أعدوا لي العرش من ريش مليون نسر
أعدوا العذارى ، أعدوا الشراب
ونادوا ملائكة الشعر: صلى عليه وصلى له
لينسى الهواء وينسى التراب ،
سأختار هذا الممر الصغير
لأقضى على الموت فيها .. وفى
وأفتح أخر باب ..
فمن كان يعبد منكم هنا الآخرة
فقد ماتت الآخرة
ومن كان يعبدني .. فإني حى.. .وحى .. وحى ..