ذاكرة أنفاس : حوار مع رايمون رحاميم بن حايم(1) ـ حاورته:كنزة الصفريوي ـ ترجمة : سعيد بوخليط

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse100671-س- كيف كان مساركم،قبل مشاركتكم في تأسيس تنظيم ''إلى الأمام" ؟
ج-وأنا في سن الخامسة عشر ،كنت عضوا في صفوف الحزب الشيوعي حقبة السرية.في مدينة مكناس، وبالضبط الثانوية المسماة اليوم مولاي إسماعيل،بادرت مع بعض تلاميذ الثانوية إلى إنشاء خلية للحزب.دأبت على العمل السري،حتى سن الثامنة عشر.سنة1960،في مدينة الدارالبيضاء بثانوية ليوطي المتواجدة وقتها بشارع 2مارس،أسسنا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،وخلال السنة الموالية أي 1961،عشنا حدثا بارزا مميزا تمثل في تنظيم تظاهرة كبرى للاحتجاج على اغتيال باتريس لومومبا.خلال تلك الفترة،وقبل العولمة كثيرا،كان قويا الشعور، بالانتماء إلى حركة تحريرية عالمية كبرى،عند المناضلين والمواطنين من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ.سنة 1962،قصدت فرنسا من أجل الدراسة،بحيث اكتشفت هناك ممارسة نضالية أخرى، أكثر اتساعا وانفتاحا، فيما يتعلق بأسئلة المجتمع والحريات الفردية، ارتباطا بزخم النقاشات ضمن صفوف القوى التقدمية الفرنسية، حول الفرد والمجتمع والفضاءات الجمعية والديمقراطية.

صادفت الموضوعات، الملهمة حاليا للنقاشات السياسية العميقة، الحاضرة منذئذ بقوة.سنة 1965،وقد هزتنا بحدة مظاهر القمع والاعتقالات المكثفة،جراء التظاهرات الشعبية في الدار البيضاء يوم 23مارس،بادرت بصحبة الرفاق إلى ممارسة نشاط إداري،ضمن صفوف العمال المغاربة المهاجرين،بجينيفيليي"Gennevilliers" ثم خاصة مدينة أرجونتيل''Argenteuil"،من أجل بث وعي تحرري لدى العمال الأمازيغ المنحدرين من سوس والأطلس الكبير ،ثم الريف بالنسبة لمهاجري بلجيكا :انصب هذا المشروع على محاربة الأمية،فيما يتعلق بتاريخ البلد، وكذا إلمامهم بحقوقهم داخل المصنع والنقابية،بنفس مستوى العمال الفرنسيين.كانت حقبة متميزة،بالنسبة لثلة المناضلين الذين التزموا بهذه المهمة،بخصوص نسج وربط علاقات مع العمال،وذات زخم كبير لانتشال المهاجرين من بوتقة العزلة والتشاؤم،عبر تكريس الوعي والتبصر النافذ،فيما يتعلق بالعلاقة بين حالات هجرتهم وحالة البلد السياسية. ألهمني هذا،مثل الكثيرين،قوة عظمى وارتباطا حاسما. طبيعة النقاشات، التي احتدمت لحظتها داخل الحزب الشيوعي المغربي،أو حزب التحرر والاشتراكية،فيما بعد،تفاعلت مع حالة العالم وتطورات الأحداث :مابعد حرب الستة أيام سنة1967،الصراع الاسرائلي-العربي،حرب فيتنام،السجالات الدولية حول النزاع بين الصين والاتحاد السوفياتي،وكذا نتائج وخلاصات ما بعد ماي 1968 .أعتقد، أن هذا الصدى القوي،لما هو دولي على توجهات الوعي فيما يتعلق بالصراع الوطني،جعل من الصعوبة بمكان،تبلور نقاش داخلي بين المناضلين الشيوعيين وكذا قيادة الحزب في الداخل، وقد أدركت بفضل التجربة،أن التسويات والتوافقات،تتأتى في المعتاد نتيجة نقاشات داخلية.أنا متأكد،بالتأثير الحاسم لطبيعة النقاشات الدولية وزخمها،على استيعاب الوضعية التي يعيشها البلد.تضاربت إذن الآراء،وكان النقاش داخل الحزب،مفتوحا.سنة1969،امتهنت التدريس في مقاطعة دوفينDauphine،لكني قررت الرجوع إلى المغرب،وعينت أستاذا للاقتصاد في قسم العلوم الإنسانية بالمعهد الزراعي بالرباط،إلى جانب بول باسكون وبودربالة وآخرين،لم يكونوا على علم بنشاطنا السياسي.دواعي الجانب المهني،اقتضت مني زيارة البوادي بكثير من التيقظ والتعطش إلى المعرفة،مما جعل تلك الفترة من حياتي،إحدى أكثرها تحفيزا ذهنيا وسياسيا،لتأمل المجتمع ومعرفته بدقة.تبينت، حيوية الأفراد الكبيرة واحتياجاتهم الهائلة،مما أوحى بالحاجة الملحة إلى تنظيم ثوري وحازم، يعبر عن الإرادات. لكن في ذات الوقت،أحسست بالهوة الشديدة بين توجهاتنا ومناهجنا غير الملائمة بما يكفي،ثم واقع قدرات الناس،الذين سيفعّلون النضالات ويقودونها.من هنا،الضرورة القصوى،لاستيعاب حركة السخط المتصاعدة،والإقدام على مقاربة جديدة للنشاط النضالي.  
2-س-قبل انشقاق جماعة من المناضلين عن صفوف حزب التحرر والاشتراكية وتأسيسهم "إلى الأمام"،ماهي نوعية السجالات،التي سادت داخل الحزب؟
ج-لقد ابتدأ نقاش داخل الحزب الشيوعي المغربي،حول ما سيصير بعد ذلك،أطروحات لمؤتمر حزب التحرر والاشتراكية سنة 1966،أو مؤتمر تحول الحزب.تعلق الأمر،بنقطتين رئيسيتين،تهم في الواقع كل المواطنين،وتذهب حد تحديد حياة البلد والناس :ما طبيعة التوافق الايجابي مع الملكية؟ ماهي القيم الإسلامية التقدمية،التي ينبغي أن يتضمنها المتن التقدمي؟بعد مرور أربعين سنة،لازال السؤالان مطروحان علينا،بصيغة ما وبمستويات مختلفة،بحيث نستعيد باستمرار هذين السؤالين الحاسمين.الشيوعيون المغاربة،باعتبارهم قوميين وطنيين وشيوعيين،فكروا في الظرفية والإستراتجية.كانت السجالات مكثفة ومتينة،وانصبت انتقاداتنا على ثلاثة نقط تظهر إلى أي حد،كان حزب التحرر والاشتراكية،متقدما فيما يتعلق بالأسئلة الجيدة التي تجدر مناقشتها في العالم العربي.أولا،حول قيم الإسلام التقدمية.تخيلوا،مستوى الخطاب الذي سنتبناه راهنا،لو دفعنا في الماضي،بذلك النقاش إلى أقصى حدوده.بيد، أن محاكمة مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،وتظاهرات 23 مارس،أبقتنا عند وضعية الحفاظ على وجودنا،فأضحى لذلك الأولوية على المواقف الإستراتجية. فيما بعد، ومن المغرب إلى أندونيسيا،مرورا بالعالم العربي،ومن الجزائر حتى العراق،قاد السؤال الأساسي المتعلق ببناء الدولة الوطنية،بعد الاستقلالات،نحو طرح قضية التحالف بين الماركسيين والقوميين.لقد شارك الماركسيون بفعالية،في النضال ضد المحتلين المستعمرين.أما القوميون،من جبهة التحرير الوطني إلى الناصريين،فقد تمثل استمرار انتصارهم،في تكريس هيمنة الحزب الوحيد على أجهزة الدولة،لذلك سعوا إلى استبعاد الماركسيين وتبخيس دورهم النضالي ضد المستعمر،وتصنيفهم كجسم غريب.ضدا على ذلك،وابتداء من أولى سنوات 1960،بادر الماركسيون العرب لاسيما في المغرب،مستندين على تراث مساهماتهم النضالية لمحاربة المستعمر،إلى تفعيل هجوم مضاد في إطار مناقشات أفكار تماثل قيم العدالة والكرامة والمساواة في الماركسية مع قيم الإسلام والثقافة العربية.هكذا،خلق الماركسيون العرب،من بيروت إلى الدار البيضاء،نشاطا ذهنيا حول ابن خلدون،أسفر عن  إنتاجات مهمة (لكنها أهملت)أدرجت المفاهيم الخلدونية ضمن مبادئ السوسيولوجيا السياسية المعاصرة.كانت الأحزاب الماركسية،أكثر مصداقية في نظر الناس،لأنها أكدت وأظهرت حتمية العدالة الاجتماعية للنضال من أجل السيادة الوطنية :كيف ينتفع عموم الناس،وليس فئة بيروقراطية جديدة، من إعادة توزيع الأراضي وبناء المشاريع العمومية.لقد غيرت الأحزاب الماركسية التسمية،بهدف استبعاد تسمية شيوعي أو ماركسي،ليس من باب انتهازية بسيطة،لكن أساسا بدافع رغبة عميقة تتوخى تأبيد التقاليد الثورية للشعوب العربية ضمن الوعي السياسي المعاصر.الهجوم المضاد،بالنسبة لمعركة الأفكار التي خاضها الماركسيون العرب،حظيت بمختلف الحظوظ،نظرا لأنهم كانوا معروفين ومحترمين داخل الجمعيات والنقابات.حسب هذا السياق، يجدر أن نفهم ونموقع رغبة الماركسيين لخوض نقاشات حول قيم الإسلام التقدمية : يتعلق الأمر،بإنجاز عمل يعيد تأسيس السياسة،موضعة وعي شعبي شكلته قيم الإسلام،في قلب الحداثة، هكذا لايتم عزلهم من طرف القوميين،أمام الناس.غير أن المدى الزمني لم يتأخر في هذا الإطار،فاندلعت المأساة ابتداء من سنة1965  :مذابح الشيوعيين في العراق وأندونيسيا، قمع الماركسيين العرب في الجزائر والمغرب وتونس وسوريا ومصر،سياق تمكن معه القوميون من الاستئثار بالدولة،والاستحواذ على المواقع في الإدارة والمناصب الوزارية.ستذهب الوحدة التنظيمية والسياسية للقومية،إلى تخدير خصوبة وتعددية المجتمعات الإسلامية وحيويتها السياسية،من أندونيسيا  إلى المغرب. أكثر من خمسين سنة،كانت ضرورية كي ندرك لحظة الربيع العربي ثم يقظة وتحرر المجتمعات العربية والإسلامية،من المغرب حتى أندونيسيا.خمسون سنة وأكثر، من الديكتاتورية والاستبداد والإذلال،فتراكم التأخرعلى مستوى التحديث المجتمعي والتقني : لقد أدينا ثمنا غاليا جدا،جراء رفض التحالف بين القوميين والماركسيين بداية سنوات الستينات.فيما بعد،انصب السجال حول فكرة تحالف إيجابي مع القصر،صارت اليوم عادية جدا وبديهية.ماذا كانت زمن ''مؤامرات''شهر يوليوز 1963 ،وتظاهرات1965في الدار البيضاء،مع تصاعد حركات النضال الشعبية رغم ضربات القمع؟بالنسبة للبعض وقد كنت أحد المنحازين إلى رأيهم،فإنها فكرة،تنطوي على معنى التساهل مع الملكية،خلال حقبة اقتضت منا أساسا عقد تحالف مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،لتحديد خط سياسي مشترك بهدف التصدي لدسائس الانشقاق، وكذا القمع المسلط من طرف القصر.لقد تبين لنا،انسجاما مع سياق المرحلة،بأن التحالف مع القصر لن يكون سوى تدعيما للحسن الثاني وحظا من السماء بالنسبة إليه،كي يواصل سياسة وضع اليد على أعلى الإدارة ثم برامجه الاقتصادية اللاشعبية التي كان يقودها.أما أنصار الرأي الآخر من رفاق الحزب،فيتعلق الأمر لديهم، بتقدير سليم وموضوعي،لعلاقة القوة بين القصر والقوى الديمقراطية،بهدف استنتاج خلاصة حول خطوات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المجازفة،وكذا تقدير هادئ لأهداف الحسن الثاني،وتشكيل قوة اقتراحية ونقدية قادرة على التأثير في القرارات الأحادية الجانب للحسن الثاني.هكذا،وبغض النظر عن الذين تنخرهم المصالح الشخصية والانتهازية  المهيمنة،فالسؤال المطروح عند المواطنين والمواطنات المهتمين بمستقبلنا،الذي يحظى براهنيته دائما،ينصب على تعميق التعابير وكذا صياغة المطالب الشعبية :مادرجة صحة إمكانية تحديث البلد تقنيا دون تحديث اجتماعي للمجتمع؟سؤال أعادته تجربة التناوب(1998-2000)،إلى الواجهة. تلك التجربة الحيوية،التي مكنت من استعادة عميقة للثقة فيها وكذا فاعليها السياسيين والاقتصاديين،لكن مكاسبها السياسية استفرد بها القصر،مع انعدام القدرة على إخبار الرأي العام،بالحصيلة النهائية،مبادرة لو تم لها التحقق ستكون صحية بخصوص النقاش العام.السؤال بسيط ويظل نفسه :ما العمل حتى لا تستأثر الأوليغارشية بمكتسبات النضالات ومنجزات البلد والأوراش القائمة،بل ينبغي لها أن ترسم سبيل مسيرة أخرى من أجل التحرير الشعبي وتحديث البلد بالنسبة لجميع المنتسبين إليه؟ما العمل سوى المرور عبر إعادة تأسيس للفعل النضالي والمدني،بنشاط تحرري أكثر اتساعا يشرك الأفراد في الأسئلة العمومية؟إنه التصور الذي كان حاضرا عند التنظيم الجديد ''إلى الأمام''.أخيرا بخصوص فلسطين والقضايا الدولية،كالثورة الثقافية في الصين(خلقت السجال حول الاتحاد السوفياتي وكذا المراجعة)،ثم هي حقبة فلسطينيي أيلول الأسود،الذين أعادوا تلميع شعارات الشعب الفلسطيني العربي، فمحوا خزي سنة 1967،ووجهوا ضربات أساسية للحكومة الاسرائلية.حقبة،كنا خلالها في أوج الانتساب إلى الحركة الفلسطينية وكذا داعميها الدوليين في كل العالم،بحيث جسّد لنا النضال الفلسطيني التزاما يوميا. ثم جاء مشروع روجرز،وهو مخطط أمريكي للمرة الألف،يقترح ما اعتبرناه خلال تلك الحقبة تنازلا عن القضية الفلسطينية،لقد أبدت قيادة الحزب مساندتها للمشروع مما أثار غضبنا. 
3-س-كيف جرى أمر البث في مسألة تضارب وجهات النظر داخل حزب  التحرر والاشتراكية؟
ج-مثل كل مسار يميزه تضارب الآراء والانقسام،ينبغي إدراك أن الأخير يتأتى تدريجيا بعد انزلاقات متتالية،ولا يحدث بطريقة مباغتة،ولا يشكل هدفا في حد ذاته،بل يتجلى من خلال الظروف،التي تأخذ أحيانا القرار النهائي بدلا عن الجميع.يمكنني القول،بأن التسيير القائم على انعدام الثقة بكيفية متبادلة،كان سببا لآلاف الاعتقالات، بعد سنوات.انطلقت آلية الانشقاق بسبب ضغط الشكوك والذاتية.بالتأكيد،ابتدأ التباين في الآراء منذ سنوات،لكني أعتقد بأنها كانت قابلة لأن تجد ملجأ ضمن بحر واسع من التوافق.تطور تدريجي،أميز معه ثلاث لحظات:أولا،أضحت علاقات الفيدرالية الشيوعية المتواجدة بالخارج،مع القيادة، متوترة أكثر فأكثر.ثانيا،خلال تلك الفترة،النقاش الذي أثار كثيرا اهتمامي،يتمثل في سؤال كيفية أن نعيد إلى الحزب الدينامية وكذا دمقرطة القرارات داخل أجهزته،بمعنى ثان،تمنيت المشاركة بفعالية في اتخاذ القرارات.في هذا الإطار العام،أخذت تضاربات الآراء المعبر عنها منحى أكثر تصعيدا.ثالثا،جرت النقاشات السياسية بين القيادة السياسية وفيدرالية الخارج،في المقابل غابت مثل تلك النقاشات بين فيدرالية الخارج ومناضلي الداخل،لاسيما بالرباط. سنة1969،فُوضت مهمة أن أطرح وأناقش الإشكاليات، المشار إليها أعلاه مع أعضاء المكتب السياسي:بداية مع المأسوف عليه عبد الله العياشي، فقد كان بالنسبة لنا،الشخصية الأكثر تقديرا،لأنه الأكثر انفتاحا إلى جانب الخالد الذكر،عزيز بلال.لم يكن الانشقاق واردا أبدا إلى الأذهان.العياشي وبلال،عنصريان قياديان،أصغيا جدا لآرائنا وانتقاداتنا،وقد استخلصت شخصيا من تلك اللقاءات الحوارية،انقسام القيادة بخصوص الموقف الذي يجدر بها أن تطبقه في حقنا.منهم من عبر عن انتقاده لنا بكثير من العجرفة،لأننا بحسبه مجرد شرذمة لا وزن لها، نفتقد إلى الجدية، ولامكان لنا داخل حزب متجدد.أطراف أخرى،أكدت على ضرورة أن ندفع بالنقاش إلى أبعد حد، ويأخذ وقته اللازم،لأنه لا ينبغي الانفصال عن الوسط الطلابي.تمثل الأهم خلال هذه المرحلة الأولى،في بقاء الحوار مفتوحا وتماسك الروابط.بعد ذلك،وبسبب قوة الأشياء واللقاءات،التقيت السرفاتي ومناضلين آخرين من الرباط.هكذا،جاء الاتصال بمناضلي الداخل أصحاب النزوع النقدي.على الرغم من الطابع الحماسي والودي لحواراتنا،فقد أبقيت على نوع من التحفظ، بحيث  ظهر لدي بأن كيفيات معالجة تضارب وجهات النظر،لم تكن موضوعية ومصحوبة بأحكام في حق الأشخاص،لقد بدا لي الأمر سخيفا.لكن الأكثر أهمية في نظري،الوقوف على تماثل انتقاداتنا للحزب والديمقراطية الداخلية والنضالية ثم فلسطين.ما لاحظته هو الحساسية المفرطة لرفاق الرباط ،حول سؤال الوسط الطلابي : لم يقبلوا بهذا الخصوص، تدخل الحزب.هنا،لا يكمن فقط تضارب الآراء،بل نضال من أجل توجيه الحركة الطلابية.فما استحوذ على اهتمامي،هل انتقادات كتلك أذيعت واقتُسمت،خارج الوسط الطلابي وأبعد من الرباط ،مستفسرا عن الامتداد الجغرافي للأفكار التي التقت عندها انتقاداتنا،بحيث أردت تقييم ما يمكننا اعتباره لإعادة توجيه النهج.أما عن الفصل، فلم يكن من جانبي تصور فكرة عن ذلك،غير أن السرفاتي سيخبرني عن انسياب نفس الانتقادات بين أوساط النقابات، التي تعرف حضورا للحزب في الوسط القروي بتادلة. على نحو مواز،واصلت لقاءاتي مع عبد الله العياشي، ونتيجة علاقتي به لسنوات طويلة،صارت بيننا صلات قائمة على الثقة. تحدثت معه،عن مجريات لقاءاتي بالسرفاتي،هنا تلمست لديه امتعاضا مهموسا،يفسره بانعدام''قليل من الجدية''وهيمنة الذاتية ثم الارتياب من حركة انشقاقية.لم يتحمل العياشي،أن يقدم له السرفاتي،دروسا حول تحديد القرار ومقاومة القصر.أخيرا،تقاربت وجهات نظرنا،بفضل أسفار السرفاتي إلى باريس، فترة قليلة بعد ذلك،خلال شهر شتنبر،وتبادله لنصوص سياسية مع فيدرالية الخارج،لكن دون طرح السؤال التالي :كيف نقيس على توجهات الحزب الحالية؟في هذا السياق،أعلن السرفاتي وقتها، بأنه لا ينتظر شيئا من  قيادة الحزب.رويدا رويدا،ظهر لنا ببداهة أكثر فأكثر،أن رفاق الداخل الذين ينتقدون،يسيرون نحو وجهة الانفصال.فيما يخصني وكثير منا في الخارج،شعرنا بالحيرة.من جهة، لا تتقدم علاقاتنا مع القيادة،وكنا مبعدين أكثر فأكثر،مرتابين من المشاركة في مبادرة تؤدي إلى الانشقاق،أيضا لم نتلق جوابا عن تساؤلاتنا.من جهة ثانية،تباينت مع السرفاتي انتقاداتنا للقيادة،فمن الواضح أن تلك النصوص تشهد عن مفهوم تلقائي وغامض للتنظيم وكذا العلاقات مع الأشخاص،وهي ذات الوقائع التي تابعنا تجلياتها عبر ممارسات الحركة الماوية الفرنسية،التي كنا في مواجهة معها، داخل الوسط العمالي.في نفس الوقت،ظهر لنا بأن الجوهري يقوم في موضع ثان،من خلال ما يتحتم علينا القيام به كجماعة. فيما يخصني،الأمر الذي حدد وجهتي،يتمثل كما أعتقد، في تلك الإشارة السياسية الدالة : كنت خاصا منتبها لما يحدث خلال تلك الفترة في بيت الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،بحيث تصاعدت نفس انتقادات الوسط الطلابي ضد قيادتهم. لقد رأيت في ذلك،سمة مشتركة لتطور الحزبين،وقوة كامنة في أفق إعادة تجديد اليسار،بموضعة قوى جديدة وكذا جبهات نضالية أخرى،مما استشرف في نظري إمكانية فتح تحالفات جديدة وتجنب مزالق التهميش والراديكالية،مثلما بدأنا خلال تلك الفترة،نرى تشكل لبناتهما في أوروبا.أيضا،كان هذا الأمر حسب ظني،مفجرا مهما، جعل الانشقاق واقعة مؤكدة من الناحية السياسية.بالتالي،حمولة هذا الممكن، وازنت،بين تحفظاتي وكذا تحفظات السرفاتي.تكرس مبدأ انعدام الثقة نحو القيادة،وانتقلت علاقاتنا مع رفاق الداخل المنشقين من مؤشر الإعداد إلى تبادل الأنشطة.أما العامل،الذي أحدث هزة لدى الفيدرالية بالخارج، فهو المنشور الموقع من طرف الفقيد علي يعتة، وقد تضمن شتائم وافتراءات في حق الرفاق،بذكر أسمائهم،وكنت ضمن القائمة.  
4-س-كيف شارك اللعبي والسرفاتي في هذه السجالات؟
ج-أخذت النقاشات، منحى متوازنا بين رفاق الرباط مع القيادة، ثم فيدرالية الخارج والقيادة.إذن،لم أعرف على وجه التحديد ماجرى ،اللهم ماعلمته عبر جلساتي مع السرفاتي.إضافة إلى المحاور الأساسية لتضارب الآراء مثلما أشرت أعلاه،فقد تمثلت النقطة الأساسية للصدام، في نهج الوسط الطلابي لفصيل الرباط الذي أفلت من سيطرة القيادة.الأخيرة،لم يكن بوسعها التساهل لأمد طويل،واعتبرت سلوك مسؤولي فرع الرباط، مستفزا.فيما يخصني،ما سيضيق الهوة بيني والسرفاتي،هو الراديكالية والتصميم على القيام بأنشطة مناهضة لسياسة الحسن الثاني،مع أني أحسست وقتها بأن تصريحاته مغالية قليلا، حول النموذج الانفعالي والخطابي،مما أزعج كثيرا رفاق الخارج. 
5-س-الانشقاق المُستَهلك،ما إن ولج بوابة المغرب،فكيف اندمجتم في تنظيم ''إلى الأمام''؟
ج-خلال تلك الحقبة كنت أدرِّس في مقاطعة دوفين الفرنسية،أوقفت مشروع الدكتوراه،وقررت الرجوع إلى المغرب،  كي أشارك بفعالية في بناء  التنظيم وتجذيره.تشير، أجواء الفترة إلى استياء شعبي عارم وكذا تعبئة قوية جدا،هذه الحركة الصاعدة عملت على تأسيس وإضفاء الشرعية على تنظيمنا. افتراضيا،شكل ذلك وثبة بالنسبة للتنظيم،لكني أدركت بشكل سريع جدا، أنه يقتصر فقط على الوسط الطلابي في الرباط، فنطاقه صغير.بالتالي،يبدو أن تصريحات السرفاتي واللعبي،عن خلايا عمالية وفي صفوف بعض الفلاحين،الذين بحسبهما التحقوا بالتنظيم،وأضفوا شرعية على مغادرة الحزب،مجرد خديعة.هكذا،لم تبق من إمكانية سوى بناء حزب ثوري،بواسطة التلاميذ والطلبة.رفاق الداخل،لم يأخذوا الوقت الكافي لإقناع الأوساط النقابية،التي تجهلهم.لقد مارسوا عملا قويا،لكن في إطار السرية،وظلت شعبيتهم مرتبطة فقط بالقطاع الطلابي.امتلكنا تيارا واسعا عن احتجاج ومطالب الحقبة، نظرا لتصاعد النضال السياسي والاجتماعي،الحامل للأمل ،لكن إخفاقاتنا المرتبطة بفتوة أعمارنا،لم تساعدنا كي نستخلص منها العبرة السياسية.ان الإنصات إلى الناس،وتنظيم المناضلين والقيادة،ثم تحول هذا الاستماع إلى كلمات ذات طابع سياسي،كل هذا يشكل العمل اليومي الدائم والصعب لتنظيم حقيقي،وقد أدركت بكيفية سريعة جدا،لدى الرفاق،عوائق جلية بخصوص هذا المسار الحيوي.أيضا، بقدر زمن تجربتي خارج المغرب، وقفت على نتائج خيبات ماي 1968،السياق الذي ألزمني كي أتحلى أكثر بالتيقظ والتأني وكذا التواضع،في العلاقات مع الأفراد،وفق تيمات التنظيم والحقيقة.أظن بأن الادعاء حول امتداد ''إلى الأمام''،كما أشرت سابقا، ذهب حد  إضفاء طابع من الارتياب بخصوص علاقتي بقيادة التنظيم الذي كنت أحد عناصره.إصراري على قضايا التنظيم والتكوين والتواصل مع المناضلين والصرامة والتحضير للسرية،إشكالات أُهملت،وتراجعت إلى المرتبة الثانية خلف الممارسة النضالية.بينما كان العمل النضالي موثوقا به وعادلا وشرعيا،انعدمت في المقابل، شروط ممارسته قصد تكريس النجاحات. ظلت القيادة غير مكترثة بهذه الأسئلة الأولية والحيوية،مما دفعني إلى مغادرة القيادة الوطنية بعد مرور تسعة أشهر،ثم توالت الاعتقالات،فانغمست في سرية لم يكن التنظيم مهيأ لها كليا.
-6 س-بعد نهاية أنفاس، هل استطعتم مواصلة أنشطتكم انطلاقا من فرنسا؟
ج-يوم 16 يوليوز 1972 ،على الساعة الثانية وعشر دقائق ظهرا،غادرت التراب المغربي سرا ،عبر سبته  بجواز سفر مزور،بعد أن عشت اثنتي عشر شهرا مختفيا،في ظل ظروف صعبة.استعدت ثانية في فرنسا،مسؤولياتي داخل تنظيم ''إلى الأمام''،بتنظيم حلقات تتوخى استئناس المناضلين،عمال وطلبة،الذين لم يكونوا منتمين إلى التنظيم،ثم إعداد وسائل التكوين النضالي،بالتركيز على أسئلة تاريخ المغرب بواسطة أشرطة مصورة،وأفلام ومعارض وكتب مختصرة.تدوولت،هذه الوسائل ولعبت دورا جوهريا فيما يتعلق بالتأثير السياسي للتنظيم،بعرض لائحة الأدلة.هذا العمل للتربية الشعبية حول التاريخ، سمح للكثيرين،بفهم موقف ''إلى الأمام'' الأساسي من الصحراء.كنت كذلك مكلفا،بالوسط العمالي والتجمعات النقابية والحلقات ومحاربة الأمية.أخيرا،تحتم بكيفية سريعة جدا،إحاطة البلدان الأوروبية علما بمنحى الاعتقالات تلو الاعتقالات،ويكتشفوا الوجه الحقيقي لنظام الحسن الثاني،المتمتع خلال تلك اللحظة، بتعاطف ومساندة الصحافة الأجنبية.أيضا،واصلت على امتداد كل البلدان الأوروبية، ضمن صفوف الأوساط التقدمية وفئات واسعة من المواطنين،خلق وتطوير هيئات متعددة لمناهضة القمع في المغرب.ثمرة  ذلك،خسر النظام بعمق اعتباره،بالنسبة لمنظمات عالمية وسلطات بروكسيل وأحزاب حكومية أوروبية.شيئا فشيئا،وعلى أساس نصوص السرفاتي التي تصلنا،بدأت تظهر اختلافات في التقييم وأحيانا تضاربات في الآراء بين مناضلي الخارج والسرفاتي.من الطبيعي، أننا لم ننخرط ضمن نفس الميادين،مما أدى إلى ازدياد نسبة التباين في الآراء بين الداخل والخارج،فكل التنظيمات الثورية شهدت هذا النوع من تصارع وجهات النظر،لاسيما فترة القمع الشديد.سياسيا،ركزتُ على تحليل موجات القمع ودروسها،بخصوص الدلالة السياسية لعلاقة القوى الفعلية بين مجموع اليسار والحسن الثاني،وحول ضرورة توسيع علاقاتنا مع مجموع اليسار،وبشكل خاص الإبقاء على وحدة العمل مع 23 مارس- كانت هذه المسألة بالنسبة إلينا سؤالا استراتجيا يبدو أنه لم يكن يهم رفاق الداخل-ثم مسألة الصحراء.سنة 1977،غادرت "إلى الأمام''وبقيت منتميا إلى ''مغرب النضال''،حتى سنة(1978-1979).قرار اتخذته حينما كسر السرفاتي خط التنظيم بخصوص قضية الصحراء،الذي يقضي ب''حق تقرير المصير،في أفق وحدة بين الشعبين المغربي والصحراوي''،هذا الموقف شكّل قوة ''إلى الأمام''،وتم التوصل إليه في الواقع،بعد سجالات داخل المؤتمرات العامة الطلابية والعمالية من إسبانيا إلى هولاندا،تصور مُدافع عنه امتثلت له الأغلبية،وقد انتْخبنا ضد كل التنظيمات السياسية الأخرى،ضمنها23مارس.لكن حينما تمرد السرفاتي عن هذا الموقف،صارخا :((عاشت الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية))أثناء محاكمة1977،ضدا على القيادة،وقتها قررت مغادرة التنظيم.إذن،إقرار السرفاتي من جانب واحد،شكل القضية السياسية الجوهرية لتفكك التنظيم. ستُعتقل كل القيادة والأطر،لكن رغم القمع والأخطاء،مكنت حيوية ونضالية المناضلين من مواصلة التحريض على النضال في الدار البيضاء والرباط وفاس :هكذا تطور بكيفية تلقائية،تيار قاعدي ضد موقف السرفاتي بخصوص الصحراء. بدورهم، أعلن أبرز رفاق القيادة في الخارج،رفضهم الدفاع عن موقف يهم الصحراء،لا يمت بأي صلة إلى تصور التنظيم،فاستقالوا من مهامهم،بينما واصلت ممارسة المسؤولية من أجل نشر جريدة ''مغرب النضال''،ثم انسحبت نهائيا سنة (1979-1980). هذه الأزمة،أصابت حركة ''إلى الأمام ''بالشلل في فرنسا،والحال أن النشاط السياسي خارج المغرب،كما سبق الذكر،كان استراتجيا من أجل حماية التنظيم سياسيا،بالدأب على إثارة انتباه الرأي العام الأوروبي،حيث كنت خلال ذلك الوقت،مسؤولا بالقرب من عشرات الهيئات المناهضة للقمع في المغرب.عزلة نظام الحسن الثاني سياسيا،صارت جلية وتعثرت جراء ذلك بشكل قوي جدا طلباته المتكررة للسوق الأوروبية،قصد الحصول على مساعدات ودعم مالي وسياسي.في الواقع،هذا الانعزال تأتى نتيجة لهذا النشاط المتجه نحو فضح القمع، مما أثار اهتمام تيارات رأي بأكملها، وكذا صحافيين من دول مختلفة.في نفس السياق،عارضت التشخيص المجحف للتنظيم حول السرفاتي،وهو ماحدث فعلا بعد مغادرتي.  
7-س-ماهي خلاصتكم عن مجلة أنفاس؟
ج-في إطار هذا السياق السياسي المتوتر جدا،يجدر أن نفهم الدور التأسيسي وكذا الحدود البديهية لمجلة أنفاس،التي كانت ذات حمولة استباقية على المستوى الثقافي،بحيث تمركزت عند ملتقى عوالم الفن التشكيلي والأدبي والسياسي،وعبرت بقوة عن المطلب المتشعب، لكتابة أخرى داخل اللغة الفرنسية. أنفاس،منبرنا الوحيد للكتابة إلى جانب "لاماليف''،ستنطوي على قطيعة من طبيعة رمزية،وكذا إحداث حركتين ثقافيتين متزامنتين.أولا،بالنسبة لعالم الفن التشكيلي لاسيما مع المليحي وشبعة.ثانيا،على المستوى الشعري،بلورت أنفاس حرية اللغة.مع الإفراط في ادعاء لغة ملائمة بطريقة فظة، يظل نيسابوري الوحيد الذي استطاع الموازنة بهذا الخصوص،وهو أكثر تواضعا من اللعبي المشهور أكثر، لأنه كان ينتج ويعرض ذلك.يعتبر نيسابوري،الشاعر الحقيقي.لقد أدرك الكثيرون عند اللعبي،وقع الإفراط بواسطة التلاعب،في حين نعثر لدى نيسابوري عن معنى وشعر باللغة.أنجز، نيسابوري قصيدة ثورية باطنية، أما قصيدة اللعبي فقد كانت تبشيرية تعمل على تلغيم المعجم فيغدو"مصطنعا''.خلال حقبة ثانية،تجلت إرادة جعل أنفاس منشورا ثوريا للتنظيم،لماذا؟لأن أنفاس آخذة في الصدور، وقد يشكل هذا، مجرد ستار.كان من الأفضل بكثير،التفكير في خلق شيء ثان،وعدم نسف هذا المشروع الثقافي بتأثيرات  تروم صوب مركز واحد على نحو واسع جدا،مما تسبب لأصدقاء غير منتمين أصلا إلى التنظيم ولم يسعوا إلى ذلك،في مشاكل حقيقية جدا مع جهاز البوليس.من جهة،أدرك السياسيون مجال مسؤولياتهم،ومن جهة ثانية تجلت مساهمتي وأنا مستوعب لما أقوم به،بينما تورط آخرون دون علم.أن يقع تحول نحو الوجهة السياسية،فالأمر بديهي،لكن القصد يختلف على النقيض،حينما تسعى إلى خلق حزب ثوري انطلاقا من مجلة ذات صبغة ثقافية.تمثل ضعف المجلة، في غياب أو ضعف التحليل السوسيو-اقتصادي،ولو بقيت المجلة ضمن نطاق الخطاب الأدبي،فلن تهاجمها السلطة. لم تبدأ المصادرة،إلا انطلاقا من مقالة اقتصادية حول الأبناك،كتبتها بالفرنسية فككت في إطارها مختلف آليات القرار الملكي، وقعتها باسم مستعار هو "حسن إقبال''.صدرت في العدد22،ثم ترجمت إلى العربية، ونشرتها أنفاس النسخة العربية، العدد  7-. 8لقد أدليت من خلال المقالة بمعلومات في غاية السرية،بحيث ظنت السلطات أنها من تأليف السرفاتي،فأوقفت المجلة.منع أنفاس،دلّ على أول موجات اعتقال  الرفاق سنة 1971 .وحدها جريدة ''لوبينيون''اتخذت موقفا من خلال افتتاحية شجاعة جدا،لخالد الجامعي، فكانت سببا كي يمنع من الكتابة على صفحات جريدته.إذن،هناك لحظتان في حياة أنفاس.الأولى خصبة جدا،أبانت عن حيوية إبداعية على مستوى الفن التشكيلي والنحت والرسم والأدب والشعر،شملت إبداعات مختلفة،استرعت الاهتمام من بيروت إلى باريس.كانت قاعدة هذه الحركة عندنا،واسعة جدا وموضوع اهتمام كبير،وقد لمست صداها المثير أثناء أسفاري إلى المدن الداخلية.حركة جمعت بين أحاسيس الشباب والجماهير المتعلمة،لذلك انطوت بقوة على الممكن.لقد ارتكبنا خطأ سياسيا كبيرا،بتكسير هذه الحركة،ومماثلتها بتنظيم سياسي فتقويضها عوض الارتقاء بها،بتكريس استقلاليتها،لأنها كانت فعلا مستقلة،ثم ماذا فعلنا بها؟لقد جعلناها مجرد وسيلة ثم تكسرت.على النقيض،مما تم ادعاؤه،لم تكن هذه الحركة بمثابة ترشيح للتنظيم الثوري،بل حملت رؤية ذات بعد نظر،بخصوص اندفاعات المجتمع من خلال الإبداعات الفردية المختلفة.أما مرحلة أنفاس الثانية،فتحيل على لحظة محض سياسية،في إطار مقاربات ''إلى الأمام''السياسية،بحيث شكلت جريدة''مغرب النضال''امتدادا لها في الخارج،واستمر صدورها حتى سنة1979،ثم وزعت في المغرب باستنساخها فوتوغرافيا أو بخط اليد. مجلة أنفاس،ألهمت خلال تلك الحقبة،الحركات الماركسية اللبنانية والتونسية والجزائرية،بإعادة نشر مقالاتها ودراساتها،كما أن حلقات من المناضلين التونسيين والجزائريين،استعاروا اسمها… .حتما،ما أتيت على ذكره،هو جزئي ومتحيز،وقد أضفيت على أقوالي من خلال ذلك،ذاتية لامناص منها،معلنا عن افتخاري لكوني ساهمت في الحركة المعارضة لنظام الحسن الثاني،وكذا إضاعتنا لتلك المواعيد مع واجبات التاريخ، ثم الخسائر التي دفع ثمنها مئات المتعاطفين والمناضلين،الذين لم يكونوا مهيئين للقمع.  
8 –س-ماهي دلالة ذلك بالنسبة إليكم، لاستحضار هذه التجربة راهنا؟
ج-أقول مع نفسي بصدق،في أي شيء سيهم كل ذلك،الأجيال الحالية؟لكن  في ذات الوقت، أشعر بالضرورة القصوى لاستعادة هذه المسارات.سعي،حيوي في نظري،لأن الأسئلة الجوهرية التي انتهت بالانشقاق،هي ذاتها التي تكبح حاليا الوضع السياسي والمجتمعي،منطلقة من فكرة أن القصر مصدر كل شيء.هناك جهل حقيقي بتاريخنا السياسي لمابعد الاستقلال،والذي اختزل في وقائع القمع التي أخرست مضامين مطالبنا خلال تلك الحقبة،ثم مس الإهمال، خاصة مختلف الحركات والمرتكزات الشعبية التي نمتلكها.من هنا بؤس الثقافة السياسية وكذا التنظيمات السياسية والنقابية،المسؤولة جزئيا عن عدم طرحها للنقاشات السياسية في قلب الرأي وإدراجها ثم السمو بها.ليس هناك فقط مرتكزات نضالية،ضيقة :أيضا هناك رأي متعطش للنقاشات الحقيقية حول ما ينبغي القيام به،يريد تحليلات خارج الخطاطة المعتادة المنبثقة من القصر.أعلم جسامة الحاجة إلى معرفة تاريخنا لما بعد الاستقلال،وتحديد المسؤوليات،قصد الاضطلاع بالاستمرار.ولعل نجاح مجلة ''زمان"يشهد على المعادلة. بالنسبة للكثيرين،لاتوجد استمرارية، نظرا لجهلنا بتاريخنا الحديث الذي اختزل إلى اخفاقات الأحزاب.أيضا،من بين المشاعر التي ينبغي مقاومتها،تلك المتفشية والواقعية التي تربط كل منجزات وتطورات مجتمعنا،بهبات البيت الملكي،وما يريد حقا أن يهبه لنا وننعم به … ،اعتقاد  ينفيه الواقع،فالحقيقة الجلية أن مكتسبات التقدم، يعود الفضل فيها،أولا وقبل كل شيء،إلى ضغوط التطلعات والنضالات وكذا المطالب المجتمعية.فقدان الثقة الذي تغذيه أجهزتنا،مرده كما الحال بالنسبة للكثيرين،أن التاريخ لا يختزل إلى عطايا الأمير التي يحصل عليها البعض بالضغط،والبعض الثاني بالخضوع الإرادي.لكن،الأفراد متيقظين ولايسمحون بهذا،لذلك عايننا أكثر فأكثر،ومنذ سنوات،تحركات هي اليوم متقطعة ومنحصرة،تظهر قدرة الأفراد على التصدي للأمر.غير،أن المأمول منها اتساعها أكثر فأكثر،مادامت الأسئلة المجتمعية والقدرة الشرائية،أي توزيع ما يُخلق من ثروة،لا يندرج ضمن أولى الالتزامات الحكومية.اليوم،مع تنامي النضالات الشعبية،فاللعبة مفتوحة،لكن كما الوضع قبل أربعين سنة،يستمر التساؤل التالي :من سينهض بمسؤولية ترجمة المطالب الشعبية،سياسيا قصد تحقيق تحول شامل وجذري؟.
http://saidboukhlet.com
*هامش :
Kenza Sefrioui :la revue souffles(1966 1970) ;espoirs de révolution culturelle au Maroc ;éditions du Sirocco ;pp400 ;413.