قواعد العشق الأربعون في حوار مع الروائية التركية أليف شافاق ـ ترجمة : عمار كاظم محمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

ALIFCHAFAQهي رواية داخل راوية ، قواعد العشق الأربعون تروي قصتين متوازيتين تعكس إحداهما الأخرى عبر ثقافتين مختلفتين جدا وسبعة قرون متداخلة. فبطلة الرواية ايلا رونشتاين امرأة عادية تبلغ من العمر أربعين عاما وربة منزل غير سعيدة لديها ثلاثة أطفال وزوج غير مخلص ، لكن حياتها بدأت تتغير حينما بدأت بالعمل كقارئة في وكالة أدبية .
كان واجبها الأول قراءة رواية جميلة و مثيرة للاهتمام عنوانها " الكفر الحلو" عن حياة شاعر القرن الثالث عشر جلال الدين الرومي وعلاقته بأستاذه المحبوب شمس الدين التبريزي ، وكان المؤلف شخصية غير معروفة تكتب الرواية لأول مرة يدعى عزيز زهراء يعيش في تركيا .
في البداية كانت ايلا مترددة في قراءة كتاب يتحدث عن زمان ومكان يختلف عن بلدها لكنها سرعان ما وجدت نفسها أسيرة الرواية والرجل الذي كتبها والذي بدأت معه مغازلة عبر البريد الالكتروني وفي الوقت الذي كان تقرأ فيه بدأت بالتشكيك  في نواحي مختلفة من حياتها التي استقرت عليها بشكل تقليدي وخال من العاطفة  والحب الحقيقي.

في قلب الرواية كانت ايلا تقرأ بشكل ملحوظ عن درويش  المولوية الجوال شمس الدين التبريزي الصوفي المحرض الذي تحدى الحكمة التقليدية والتحيز الاجتماعي والديني أينما يواجهه. لقد كان يبحث عن رفيق روحي وكان مقدرا له أن يعلم ويدرس، لقد كان غرض روحه تحويل تلميذه  جلال الدين الرومي بالحب والرضا الذاتي من خطيب غير صوفي إلى واحد من كبار الشعراء في العالم.
وكان جلال الدين الرومي " صوت الحب " على استعداد لكن عائلته ومجتمعه مستاؤون  بعمق من شمس الدين التبريزي لبلبلته حياتهم المستقرة . لقد كان جلال الدين الرومي محترما ومبجلا في مجتمعه لكن كان على شمس الدين التبريزي أن يقوده ما وراء طريقته المحترمة في الحياة ووراء الضحالة القنوعة للأنا.
وفي جوهر الرواية ، اضطر كل من جلال الدين الرومي وايلا في علاقتهما بشمس الدين التبريزي وعزيز ، للتساؤل ومن ثم التخلي عن السلامة والأمن في حياتهما من اجل عدم اليقين والنشوة وغصة القلب من الحب . ولم يكن كلا من شمس الدين التبريزي وعزيز يمكن أن يقدما شيئا غير الوعود بالسعادة الأبدية، وما كان يمكن أن يقدماه لم يكن إلا نوع من الاتحاد الصوفي والحب السماوي ونوع من الانسجام العميق الذي ينشأ حينما يتم التحرر من النفس الخاطئة ، المبنية على تلبية مطالب المجتمع وتشييد نوع من الاحترام الكاذب، حينها فقط ستظهر الذات الحقيقية.  
طوال الطريق يقدم شمس الدين التبريزي قواعد العشق الأربعين ، الحكمة الصوفية الأساسية التي يعظ بها ويحسدها فهو يتحدى مرارا التقاليد الاجتماعية والدينية واضعا نفسه في الخطر والازدراء وغضب ذوات الصالحين في نظر نفوسهم ، ذوي الأذهان الواقعية والأخلاقيين الذين يحيطون به.
انه يلهم جلال الدين الرومي بان يصبح الشاعر الذي يفترض أن يكون ، احد أكثر أصوات الحكمة عاطفة وعمقا في العالم. وبالمثل فان عزيز وروايته عن التبريزي وجلال الدين الرومي يلهم ايلا على الخروج من الزواج الذي أصبح خانقا لها روحيا وعاطفيا.
تقول الكاتبة التركية اليف شافاق انها قصة ليس من السهل روايتها ، وليست من نوع القصص السعيدة ، فهناك تكاليف من اجل ان تعيش حياة أصيلة لكن وكما تظهره هذه الرواية فان تكاليف عدم العيش هي اكبر بكثير.
ماالذي دفعك لكتابة رواية تتمحور حول علاقة جلال الدين الرومي بأستاذه المحبوب شمس الدين التبريزي ؟  وهل كان شعر الرومي  دائما ذا أهمية بالنسبة لك؟
نقطة البداية بالنسبة لي كانت بسيطة وسليمة، فقد كانت عن فكرة الحب . لقد أردت كتابة رواية عن العشق لكن من زاوية روحية ، بمجرد أن تفكر بذلك  فان رغبتك ستقودك إلى جلال الدين الرومي صوت العشق. ذلك ان شعره وفلسفته ملهمة لي ، كلماته تتحدث إلينا عبر القرون والثقافات ، فالمرء لا يمكنه أبدا أن ينتهي من قراءته فهي رحلة لانهاية لها.
لماذا قررت جعل رواية قواعد العشق الأربعين متعددة الأصوات باستخدام العديد من الرواة المختلفين؟
أن حقيقة الرواية تكمن في كونها ليست شكلا ثابتا ، وإذا كان هناك شيء فيمكن القول أنها أكثر مرونة من كونها صلابة . فهي تتغير تبعا لكل شخص ، ولكل شخصية وكل ثقافة ، فهي على عكس السياسة اليومية تقر بأهمية الغموض والتعددية والمرونة . إن ما يثير الاهتمام حقا هو أن هذا النهج الفني ينسجم مع الفلسفة الصوفية ، فالمتصوفين كالفنانين يعيشون في عالم دائم من التدفق ، فهم يؤمنون أن على المرء أن لا يكون متأكدا جدا من نفسه وهم يحترمون التنوع المدهش في الكون، ولذا كان من الأهمية بمكان بالنسبة لي أن اعكس هذا التنوع حينما كنت اكتب روايتي.
أي نوع من الأبحاث قمت بها من اجل الرواية؟ وكم رخصة أخذت من الخيال أمام الوقائع التاريخية ؟
حينما تقوم بالكتابة عن شخصيات تاريخية  تشعر بنوع من الخوف في البداية ، فهي ليست كتابة عن شخصيات متخيلة ، لذا ومن اجل الحصول على وقائع صحيحة قمت بالكثير من البحوث ، لم يكن الأمر جديدا بالنسبة لي فقد كتبت بحثي في رسالة الماجستير عن هذا الموضوع وعملت عليه منذ بداية العشرينات من عمري. لذا كانت لدية خلفية عن الموضوع نوعا ما ، مع ذلك وبعد فترة من القراءة المكثفة والبحث توقفت عن ذلك وركزت فقط على روايتي . سمحت للشخصيات ان تقودني فمن خلال تجربتي اشعر انه كلما حاولنا السيطرة ككتاب على شخصياتنا في الرواية كلما غدت هذه الشخصيات بلا روح ، وعلى نفس المنوال كلما كان هناك القليل من أنا الكاتب في عملية الكتابة كلما أصبحت الشخصيات أكثر حياتا وأصبحت الرواية أكثر إبداعا.
ما هي التحديات التي تواجه الكتابة عن شخصية معروفة ومقدسة مثل جلال الدين الرومي ؟ وهل تشعرين بأنك نجحت في البقاء وفيه لشخصية الرومي التاريخية في الوقت الذي جلبتيه بالكامل إلى عالم الخيال في روايتك؟
يجب على القول لقد كان تحديا كبيرا ، فمن جهة كان لدي احترام كبير لكلا من جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي ، لذا كان من المهم بالنسبة لي أن اسمع صوتيهما لأفهم تراثهما بأفضل ما استطيع لكن مع ذلك ومن جهة أخرى فأنا ككاتبة لا أؤمن بالأبطال ففي الأدب لا يوجد بطل مثالي فكل شخص هو صورة مصغرة تحتوي على العديد من الأطراف والجوانب المتصارعة لذا كان من الضروري بالنسبة لي أن أراهم كبشر حقيقيين دون أن اطرحهم على قاعدة تمثال.
هل تغير تصورك عن جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي في مسار الكتابة عنهما؟
ان كتابة هذه الرواية قد غيرتني بطرق أكثر مما استطيع فهمها أو شرحها ، فكل كتاب يغيرنا الى حد ما ، لكن بعضها الآخر تغيرنا أكثر من البعض الآخر ، لذا فهي تحول قارئها وكذلك تحول كاتبها وهذه الرواية كانت واحدة من تلك الكتب بالنسبة لي ، فحينما انتهيت منها شعرت بأنني لست نفس الشخص الذي كان في البداية. 
الكثير من الرواية يتحدث عن وضع المرأة في كلا من العالمين الإسلامي في القرون الوسطى والمجتمع الغربي المعاصر كيف هو شعورك عن اختلاف وضع المرأة في الشرق الأوسط  بالمقارنة مع وضعها في الثقافة الغربية؟
نحن كبشر نميل الى الاعتقاد بأننا أنجزنا تقدما كبيرا على مر القرون ، ونود أن نعتقد بان النساء في الغرب متحررات بينما النساء في الشرق يتعرضن للقمع في كل الأوقات لكنني أود التسأول بشكل عميق عن هذه الكليشيات والتعميمات الجاهزة . صحيح إننا أحرزنا تقدما لكننا بشكل أخر لا نختلف عن الناس الذين عاشوا في الماضي كما نحب أن نفكر، لكن هناك أشياء كثيرة مشتركة بين النساء في الشرق والغرب . النظام الابوي نظام عالمي وهي ليست مشكلة بعض النساء فقط في بعض أجزاء العالم دون غيرها لأنني في الأساس حينما كنت اكتب هذه الرواية أردت أن اربط بين الناس والأماكن والقصص لإظهار الصلة بينها فكان البعض منها واضحا والبعض الآخر أكثر دهاء في التخفي.
كيف يمكن أن تفسري الشعبية غير العادية لجلال الدين الرومي في الغرب في الوقت الحالي هل الأمر يتعلق بشعره وروحانيته التي يجدها القراء جذابة جدا؟
أنا لا اعتقد أنه من قبيل الصدفة أن يكون صوت الرومي يتحدث إلى المزيد والمزيد من الناس في جميع أنحاء العالم اليوم . فهو يمتلك روحانية لا تستثني أحدا مهما كانت درجته او لون بشرته او دينه الخ ، فهي شاملة ، محتضنة ، وصوت عالمي يضع الحب كمحور مركزي لها . فمن منظور الرومي نحن كلنا مرتبطون ولا يستثنى أي شخص من دائرة الحب، وفي عصر مليء بالتحيزات الثقافية والعقائد والأصوليات من كل نوع والصراعات فان صوت الرومي يخبرنا شيئا مختلفا شيئا أكثر أهمية وسلاما.
ما هي جوانب الصوفية الأكثر جاذبية وذات الصلة بالحياة المعاصرة؟ وهل لديك شعور بان خيوط الصوفية في الإسلام التي مثلها شمس الدين التبريزي في الرواية هي بداية لتحقيق التوازن في وجهات النظر الأكثر أصولية والتي يمثلها المتحمسون في الثقافات الإسلامية المعاصرة؟
التصوف والشعر كان دائما من العناصر الهامة في الثقافة الإسلامية . وكان هذا هو الحال على مر القرون . العالم الإسلامي لا يتكون من لون واحد، فهو ليس ثابتا على الإطلاق ،بل نسيج من ألوان  وأنماط متعددة ، لذا فان التصوف ليس تراثا غابرا قديما بل هو لقمة العيش والنفس وفلسفة في الحياة وهو ما ينطبق على العصر الحديث ،ذلك انه يعلمنا أن ننظر داخل أنفسنا وتحويلها والحد من غرورنا فهناك المزيد والمزيد من الناس ولاسيما النساء والفنانيين والموسيقيين وغيرهم ممن يهتمون بعمق في هذه الثقافة.
هل يمكن أن تتحدثي لنا عن ممارساتك الروحية الخاصة وعلاقتها بعملك الإبداعي؟
لقد بدأ اهتمامي  بالروحانية حينما كنت طالبة جامعية في وقت كان يبدو غريبا بالنسبة لي الشعور بمثل هذا الاهتمام ، فلم أكن قد نشأت في بيئة روحية ،كانت تربيتي عكس ذلك تماما ، فقد كانت علمانية بشكل صارم وكنت يسارية وعدمية قليلا وهكذا كان معظم أصدقائي ولم يكن هناك من سبب واضح بالنسبة لي للاهتمام بالتصوف أو أي شيء من هذا القبيل. لكنني بدأت القراءة حول هذا الموضوع وليس فقط في جانب التصوف الإسلامي ولكن الروحانية من كل الأنواع لأنها كانت تعكس نفس السعي الكوني للمعنى والحب . شعرت أنني كلما قرأت أكثر كلما زاد جهلي فالجهل جزء أساسي من التعلم. ومن تجربتي عرفت إننا بحاجة للحفاظ على استجواب الحقائق واستجواب اليقين واستجواب العقائد لدينا واستجواب أنفسنا وكان هذا النوع من التفكير الاستقرائي بالنسبة لي أكثر صحة من انتقاد الآخرين لي في كل وقت.

المصدر / دار بنغوين الامريكية للطباعة