الإيمان في مشروع كانت النقدي : نقد اللاهوت الطبيعي ـ البرفيسور بيتر بايرن ـ ترجمة: عمار كاظم محمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

noir-et-blancالنقد الكانتي لحجج اللاهوت الطبيعي مشهور وهو يمثل واحدا من الخطوات الحاسمة لتأسيس البرهان الذي يقول ان معرفة الله تكمن وراء حدود الاسباب التي حددتها الفلسفة النقدية ولذا فهي من المحالات. ولذلك فهي قد اكسبت كانت سمعة الفيلسوف الذي حاول اغتيال رؤية الالوهية في الفلسفات السابقة عليه.
لقد نوقش النقد الكانتي كثيرا كما تنوعت ردود الفعل عليه من التأييد الحار الى الرفض. فيما ظهر ذلك التأييد لدى العديد من المفكرين الذين اعتبروا ان كانت الى جانب ديفيد هيوم هم من وجهوا الضربة القاضية للاهوت الطبيعي .المثال الجيد على التعليقات الاخيرة على كانت تحولت الى ردود معاكسة ترى فيه معترضا على البراهين الوجودية والكونية على الرغم ان تلك الحجج كان تصميمها اقل من ان تكون مؤثرة .
المشكلة المبدئية مع  محاولة كانت تكمن في رفضه لبراهين اللاهوت الطبيعي التي نشأت خارج مدى المبادئ الرئيسية للفلسفة النقدية التي اعتمدت عليها. خصوصا من خلال تبنيها الثورة الكوبرنيكية (نسبة الى كوبر نيكوس) وحضورها في المثالية المتعالية ودليل ذلك ان عناصر الرفض تعتمد عليها كثيرا. ويظهر هذا الاعتماد على سبيل المثال في التعليق النقدي على الدليل الكوني الذي يظهرها بكونها تتبنى مبدأ ان كل شيء يجب ان يكون له سبب من خارج عالم الحس. فقد اعلن كانت "ان مبدأ السببية ليس له اي معنى على الاطلاق ولا يوجد معيار لاستخدامه إلا في العالم المحسوس".ذلك ما يجعلنا نعتمد على صفحات سابقة من نقد العقل الخالص والذي من المرجح ان ينظر اليها على انها مجرد تساؤل توسلي من دعاة اللاهوت الطبيعي التقليدي.


وعلى اية حال فانه يجب الاشارة من جانب آخر على ان معيار العديد من النقاط الرئيسية التي وجهت ضد البراهين التقليدية في النقد يمكن ايجادها في اعمال مبكرة جدا لكانت تعود لعام 1763 لكنها لم تكن متطورة لديه كعقيدة المثالية المتعالية . الأرضية الوحيدة الممكنة لها تتنبأ بها من خلال المادة الموجودة في كتاب مبادئ الادراك الميتافيزيقي الجديدة له الصادرة عام 1755 . 
ان هذا النص السابق للنقد يظهر انه وفي مرحلة مبكرة في مهنة الكتابة لدى كانت انه كان يشكك في العناصر الرئيسية في احكام ليبنتز- وولف الفلسفية في المانيا. وكان الموضوع الاساسي لشكه ناتج من مبدأ السبب الكافي ومبدأ عدم التناقض كأساس للميتافيزيقيا وكانت البراهين العقلية على وجود الالوهية تمتد مع هذا الشأن. فقد اعتمدا ليبنتز و وولف على فكرة أن هناك سببا كافيا ووافيا لكل الحقائق وبالتالي الوصول الى استنتاج مفاده ان هناك كائنا يكون وجوده هو الارضية القائمة بطبيعته للفكرة. وان مثل هذا الوجود للكائن يحتوي في ذاته على سبب وجوده. وان انكار هذا التفسير الذاتي للكائن هو انتهاك لمبدأ عدم التناقض. ولذا فان افتراض الوهية كهذه ترضي مطالب السبب الكافي فان وجود كائن كهذا هو نفسه من يملك التفسير لهذا الوجود.
عبر طبيعة الالوهية الخاصة وبالتحول لتوفير سبب كافي للوجود وتشخيص كل شيء آخر فان مبدأ السبب الكافي والإلوهية العقلانية يكونان في علاقة دعم متبادل.  ان هذا المبدأ يمكن البراهين البديهية على وجود الالوهية وبالتالي يؤكد سبب وجودها. كما ان وجود الالوهية بدوره يؤكد ان مبدأ السبب الكافي يمسك من خلال المحدودية والفناء في الواقع الدنيوي.
هذا الدعم المتبادل يقيم علاقة وثيقة بين الاهداف العامة والميتافيزيقيا الخاصة ففي جانب واحد من العلاقة فان مبدأ السبب الكافي يؤسس لوجود الالوهية ومن جانب آخر فان السبب مسلحا بالبراهين البديهية على وجود الالوهية يؤكد ان العالم يسلك نظاما عقلانيا يتطلبه مبدأ السبب الكافي وبالتالي يكون ملائما كموضوع للبحث العلمي.
مواضيع عمانؤيل كانت المبكرة كانت تتعلق بالبراهين العقلية على وجود الالوهية باستخدام مبدأ السبب الكافي وهو يلخصها في كتابه محاضرات في اللاهوت على النحو التالي:-
1.    كل الاشياء المشروطة تستلزم الاسباب وهذا ما يجعل كل شيء موجود بالشرط يستلزم التفسير.
2.    الكون شيء موجود تحت الشرط
3.    الكون يتطلب سببا وتفسيرا
4.    تفسير الاشياء المشروطة يكون فقط شيئا ضروريا (شيء يمكن ان يفسرعلى الارضية التي تحتوي على وجوده).
لكن كانت يعارض كل تلك الكتابات المبكرة في ما اوجده من نمط في نقده الاول للبرهان الوجودي ومفتاحه، بان طبيعة الالوهية كأعلى درجات الكمال الحقيقي متضمنة في وجودها . ففي الواقع هناك استجلاء جديد من خلال رفضه للبرهان الوجودي والتصور بان فكرة طبيعة الالوهية كافية لتأسيس وجودها هي رفض للبرهان الشرطي .
فهو هنا ينتقل بسلاسة من رفض فكرة وجود الالوهية على اساس وجوده الى استحالة اثبات وجودها في واقع الامر من مجرد حقيقة ان المرء يستطيع ان يشمل الوجود الالهي.
وعلينا أن نلاحظ أن هذه النقطة تتشابك مع الحجة الوجودية الديكارتية والبرهان الآتي من الشرط مع البرهان الغائي لاثبات الالوهية في الفلسفة التقليدية على وجودها.
ثمة فرضية لتفسير ممارسة كانت في مناقشة البراهين الثلاثة معا تكمن في برهان التصميم الذي قدمه والذي لعب دورا اساسيا في الميتافيزيقا العقلانية وما يحتاجه لذلك كان دعم الارتباط المتبادل بين الميتافيزيقا العامة والخاصة التي تعتمد على الحجج الكونية والوجودية والتي ترمي الى اظهار ان هناك وجودا ذاتيا يتضمن جوهره وجوده وهو في ذات الوقت يقدم السبب الكافي لوجود كل الاشياء.
لكن المهم لدى كانت في اللاهوت الطبيعي كان ايضا ان الالوهية تعمل من اجل الغايات وهذا حقا ما يجعل العالم مفهوما، فالعالم يظهر من خلال العقل والذي يجعل منا انعكاسا لغايات العقل التي تظهر فيه. ذلك يعني ان العالم لا يعرض نظاما متصلا فحسب بين الاشياء والأحداث يتم فيها شرح كل عنصر منها بشكل كاف لكن ذلك الترتيب ايضا ذو سبب كاف لأن تبدو مفهومة بالنسبة لنا.
فالعالم بحسب رأي كانت يظهر لنا بنظام وضعه الله سبحانه وتعالى وغرضه من هذا النظام نستطيع ان نستشفه وبالتالي نستطيع ان نكتشف هذا النظام . هذه الصورة تمثل قلب البرهان الغائي كما ان وظيفة العلم هو تسجيل واكتشاف هذا النظام المعين الهيا والواسطة بين السماء والعقل والإنساني والذي يمكن من هذا التسجيل والاكتشاف. لذا فان رفض كانت لمبدأ السبب الكافي لموضوع الميتافيزيقا يعود الى اننا لا يمكننا أن نكتشف التصميم الالهي لهذه القوانين وغاياته من تلك الادلة في الطبيعة.   
 المصدر : Kant on God
المؤلف : البرفيسور بيتر بايرن أستاذ الفسلفة والأخلاق في جامعة لندن
الطبعة الأولى عام 2007