مستقبل وسائل الإعلام ـ بقلم ماتياس ميشائيل* ـ ترجمة محمّد المهذبي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Presse-Webلم يكن إفلاس صحيفتي "فرانكفورتر روندشاو" و"فاينانشل تايمز دويتشلاند" ووكالة الأنباء الألمانيّة (dapd ) سوى ضربة البداية. إنّ وسائل الإعلام تشهد اليوم تغييرات جوهريّة، بانتقالها من الصحيفة إلى الشبكة العنكبوتيّة، ومن الاستقصاء إلى العلاقات العامّة. لن تكون الديموقراطيّة هي المستفيدة من ذلك، بل أولئك الذي يصنعون القرار في مجالي السياسة والاقتصاد.

أخضعت الثورة الرقمية وسائل الإعلام إلى تغيير صاعق. فالانترنت ليست فقط وسيلة الإعلام الجماهيرية الرابعة بل هي، في ذات الوقت، "ميتا-وسيلة" يتمّ من خلالها، بشكل متصاعد، تلقّي وسائل الإعلام الثلاث القديمة أي الصحيفة والإذاعة والتلفزيون. أي إنّ ما يتعيّن على وسائل الإعلام فعله يتمثّل في بناء ما يشبه العلامة التجارية القويّة على الانترنت، وتحقيق القيمة المضافة مع التمكّن، باستمرار، من صنع المفاجأة للزوار المتخمين بالمعلومات. من يستطع فعل ذلك بإمكانه البقاء، أما ما عداه فلن يكون سوى جزء من ماضي وسائل الإعلام. كيف سيكون الأمر على وجه التدقيق ؟ كيف ستتغيّر وسائل الإعلام مستقبلا ؟ إجابة على ذلك نقدّم هذه الفرضيات العشر :   

        
سيفقد الصحفيّون سلطة التأويل : تعاني الصحافة حاليا من الطغيان المتصاعد للنزعة الاقتصادية والتجارية. سيؤدي تمركز مؤسّسات الإعلام وأزمة الإشهار إلى نقص بالغ في مواطن الشغل، وكنتيجة للتراجع الكبير لصحافة الاستقصاء. سيدفع المحرّرون بسبب ذلك للجوء إلى الصحافة الحرّة، وهو ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى غياب الحرفيّة في قطاع الكتابة الهادفة الموجّهة للعموم. ومع صعود الانترنت تغيّرت الصحافة أيضا. فقد كانت الصحافة تعتبر في الماضي عنصر يقظة وتحرّر من عناصر التنوير، تبحث عن الحقيقة بنكران ذات وتقوم بمهمّة عمومية مع تقديم مساهمة ثقافية. أمّا اليوم فالصحافة جزء من الثقافة الشعبيّة، وتمثّل صناعة أساسية لدى الأقوياء، بل نموذجا ناجحا في مجال الأعمال. غير أنّ نقّاد وسائل الإعلام يدينون هيمنة السوق على الصحافة. أصبح يتعيّن على كتّاب التقارير الصحفية أن يقدّموا تقارير متلونة، مفعمة بالإغراء، وتثير حبّ الاطّلاع وتخدم الشارع وهو ما يؤدي إلى عرض أخبار الرياضة والمشاهير والفنّ والجريمة. المهمّ لم يعد يميّز عن غيره. أصبحت العناوين الكبرى تفوق المحتوى أهميّة، ويتمّ البحث عن ذلك مع وضع العناوين بجهد كبير. وفقدت العوامل التي كانت محدّدة للأخبار في السابق من معناها، أي الأهميّة والقيمة. تحوّل صحفيّو التلفزيون إلى نجوم ويقدّم المحرّرون مواضيع وراءها مصالح محدّدة، ويتعيّن عليهم فعل ذلك إذ يخشى الكثيرون منهم على مراكزهم. غير أنّ الصحافة ذات القيمة العالية تبقى من أسس الديموقراطيّة. ويترتب عن ذلك أنّه إذا حصل نقص كبير في جودة الصحافة، تصبح الديموقراطيّة في خطر.  
1)    يشهد التنوّع الصحفي تراجعا ملحوظا : خسرت الصحف الكبرى الألمانيّة، فيما بين سنتي 2000 و2008، ثلث قرّائها. وتتقاسم دور نشر الصحف العشر الكبرى حوالي 60 بالمائة من السوق، وهو ما يمثّل درجة تمركز قويّة. وتعتبر معظم المدن الصغيرة الألمانيّة أحاديّة الصحيفة. وتبقى وسائل الإعلام المعتمدة على الطباعة، كما في الماضي، مصدر الأخبار والمواضيع لوسائل الإعلام. وإذا اندثرت، ومعها كنتيجة لذلك وكالات الأنباء، تموت عندها ثقافة للإعلام لا يمكن تعويضها بالكمّ الكبير من عروض الانترنت السطحية أو المتعلّقة بمواضيع معيّنة.
وقد عرّضت الصحف في ألمانيا وفي أماكن أخرى برامجها الاقتصادية للإفلاس بدون ضرورة، عندما قدّمت منتوجاتها ( الأخبار والتقارير )، خلال العشرين عاما الماضية، مجانا على الانترنت. إنّها جعلت لحمها يؤكل على الانترنت إن صحّ القول.
ومن الإمكانيات التي تتم مناقشتها لدعم الصحف اليومية: نموذج صحف للقطاع العامّ، أو مساعدات عمومية للصحف، أو أسهم شعبية للقرّاء وكذلك صحافة يتمّ تمويلها بواسطة المؤسسات الخيرية ( شبيهة بالأخبار غير الربحية بالولايات المتحدة الأمريكية ( Non Profit-News   ).
3. تتراجع جودة التقارير الصحفية باستمرار أيضا : لم تعد الصحافة قادرة على القيام بمهامها ( إعلام الناس حول الأخبار الهامة، الدفاع عن الأقليّات وعن قيم الديموقراطيّة والتنوير) على الوجه الأكمل. فقد أدّى فتح التلفزيون للقطاع الخاص منذ سنة 1984 وكذلك الرقمنة وتشرذم الإعلام الموجّه للعموم إلى تهميش الإعلام الجادّ. يتواصل فرض اتجاه أخبار التسلية على الصحافة. إنّ مصداقية الصحافة أصبحت مهدّدة. وكمثال على ذلك، فقدت نشرة أخبار التلفزيون العمومي الألماني، حسب كثير من نقاد وسائل الإعلام، مصداقيّتها عندما أوردت من بين أخبارها أنّ شخصا يدعى دنيال كيبلبوك ( مغن ألماني شاب)، المشارك في برنامج تلفزيوني لإحدى القنوات الخاصة، اصطدم بشاحنة تحمل الخيار. وحتى كتابة التقارير الإخبارية تغيّرت، في الأثناء، بواسطة تقنيات الانترنت. فعدد الدخول إلى المواقع الالكترونية أصبح يتم حسابه. وهو ما يمكن متابعته بشكل مباشر واعتماده في تغيير معطيات حينية (نظام الحصص على المباشر ). يزيد ذلك من حدّة الاتجاه إلى سيطرة التيّار الغالب في وسائل الإعلام وفق شعار : إنّنا نفعل بشكل متصاعد ما يطلبه الناس. أو بعبارة أخرى : لا يجمع الناس على خطأ. ويجب على الثقافة والأدب وقيم الجودة والطموح أن تترك المجال للثرثرة وللعواطف وللأحداث الصاخبة.
4. تصنع وسائل الإعلام "واقعا" خاصّا بها : تكمن مهمّة وسائل الإعلام في تقديم صورة أقرب ما يمكن أن تكون للعالم وأن تعكس الواقع. غير أنّها لا تستطيع تصوير الواقع. فالصحفيون يشكّلون الواقع. وهم يضعون لذلك بشكل متنام مقاييس مشكوك فيها. إذ يموت حسب معطيات منظمة "فيلتهونغر هلف" يوميا 24 ألف شخص في العالم بسبب الجوع، من بينهم 13.700 طفل، أي بمعدّل عشرة أطفال في الدقيقة. غير أنّ ذلك لا يثير اهتمام وسائل الإعلام. ولا تكاد توجد تقارير خارج اليومي. ولكن عندما تصاب قدم ديتر بوهلن ( نجم من نجوم موسيقى البوب في ألمانيا) فإنّ العناوين الأولى ستكون من نصيبه. إنّ اللاسياسي والخفيف والشعبي ينتصر في وسائل الإعلام بشكل متصاعد على ما له أهميّة وعلى السياسي والمعقّد.
بل إنّ الصحافة تساهم حتى في هسترة المجتمع في نهاية المطاف. ووفقا للقول المشهور "الأخبار السيّئة هي الأخبار الجيّدة"، يقع تضخيم الأخبار وتحليلها وتتتالى التخمينات. فعندما عثر على طائرين نافقين في جزيرة روغن شمال ألمانيا، وضعت أكبر الصحف الشعبية الألمانية العنوان التالي : "جزيرة الموت". لقد كان الرومان القدامى يعرفون ذلك حين قالوا : "يبقى دائما شيء ما معلّقا".
5. تحوّل التلفزيون إلى وسيلة تسلية، ولم يعد يساهم، كما كان من قبل، في التقدّم بالمجتمع: يحافظ التلفزيون في ألمانيا على استقرار موازين القوى. تطورت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون العمومية إلى مؤسسة للأحزاب السياسية. إنّ الARD وZDF هما مستقلّتان تجاريا. غير أنّ الثمن لذلك يتمثّل في تأثير بالغ للأحزاب مع ما ينجرّ عن ذلك من ارتهان للدولة. لقد انتقد ذلك بشدة العديد من رؤساء الدولة المتعاقبون فضلا عن الكثير من نقاد الإعلام والفلاسفة، إلاّ أنّ ذلك لم يغيّر شيئا. إذ يهيمن على مجالس إدارة ARD وZDF أعضاء حزبيون يشعرون بأنّهم مدينون لأحزابهم وممثليها من رؤساء مقاطعات ووزراء وكتاب دولة ونواب برلمان وأشخاص آخرين من ذوي الانتماء الحزبي وأصحاب الولاءات. وذلك يعني أنّ المواقع المؤثرة في المؤسسات الإعلامية العمومية تسند وفقا للمحاصصة الحزبية. وتكون بذلك القرارات المتعلقة بالأشخاص قرارات تخص المحتوى. ويترتب عن هذا الخطأ في المنظومة إهمال المواضيع الإخبارية التي لا تراها الأحزاب السياسية مناسبة ( مثلا  تمويل الأحزاب أو مشكلة الفقر لدى المتقاعدين في المستقبل أو انعكاسات التداين السنوي الجديد للدولة أو دخل السياسيين).
وكان من المفترض أن تتخلّى ARD وZDF عن عائدات الإشهار-التي لا تحتاجان إليها- بشكل كامل ( على غرار هيئة الإذاعة البريطانية)، وتتحرّر من التسابق مع القنوات التجارية على حصص المشاهدة والاقتصار التام على التركيز على نوعية التقارير الإخبارية وبرامج التسلية. ولكن ماذا عن القنوات التجارية ؟ مما يؤسف له أنّ القنوات التجارية لا يمكن أخذها مأخذ الجد في مجال الإعلام. فالمجموعات التي تستهدفها تلك القنوات لا ترغب، فيما يبدو، إلاّ في الراحة والتسلية واستعمال التلفزيون  كماكينة للحمق. ذلك ما يعنيه في كلّ الأحوال منتجو تلك القنوات، وإلاّ ما كانوا ليبرمجوا يوميا مثل تلك البرامج التي لا تطاق. فمثلا لا نكاد نجد لأخبار قنواتRTL وSat1 و ProSiebenأيّة علاقة بصحافة الإعلام، بل بأخبار الجريمة : الكثير من اللغو وأوساط الدعارة والشرطة والمهمّشين.
6. يتغيّر تلقّي وسائل الإعلام بشكل جوهري خلال جيل واحد فقط : لا يكاد الشبان في العشرين من أعمارهم يشاهدون التلفزيون أو يقرؤون الصحف. فالجيل الشاب يتلقى ما طلب أن تأتيه تحذيرات عنه وما يقترحه الأصدقاء على الشبكات الاجتماعية. لقد قطع هذا الجيل مع برامج التلفزيون التي يتابعها آباءه وأمهاته. ولذلك يفقد التلفزيون وظيفته الإدماجيّة. فهو لا يعبّر، مثلما كان في الماضي، عن الإحساس بالانتماء، وروح المجموعة والهويّة، وعلى أي حال ليس مع الجيل الذي ولد في العصر الرقمي. كان في الماضي من لم يشاهد برامج مشهورة بعينها لا يستطيع مشاركة زملائه الحديث، في العمل أو الجامعة أو المدرسة. ذلك جزء من الماضي. ولا يختلف الأمر مع الإذاعة. هل مازال هناك شباب في العشرين يتابعون البرامج الإذاعية الوطنية؟  إنّ الجيل الجديد يترك الإذاعات الموسيقية تعمل مع أخبار المشاهير ومعلومات عن آخر التطبيقات البرمجية في مجال المعلوماتية. فالمواقع الإذاعية الرئيسية تبثّ أشهر الأغاني دون انقطاع ويفعل ذلك الحاسوب ليلا لكي لا تكون هناك حاجة حتى إلى بواب للحراسة في الإذاعة. وتبقى الإذاعة كما في الماضي وسيلة جيّدة للترويج، ممّا يؤدي إلى الصراخ على المستمعين بشكل منتظم : "اشتروا ! اليوم فقط! ثمن مناسب جدّا !". إنّ هذا الحضور المتواصل للموسيقى الشبابية والترويج التجاري الذي تبدو للكبار مزعجا مثل المزابل، يطبع ثقافة الاستهلاك لدى الجيل القادم بطابعه. أمّا ما يعنيه ذلك بالنسبة لتصور ذلك الجيل للقيم، فيبقى من اختصاص علماء الاجتماع.
7. تمارس المؤسّسات الرسميّة والخاصّة تأثيرا متصاعدا على الإعلام العمومي بواسطة العلاقات العامّة: تضع المؤسّسات مواضيع التقارير الإخبارية تحت هيمنتها، إذ أنّ الغالبية الساحقة للأخبار والتقارير التي تبثها وكالات الأنباء والصحف اليومية تعود إلى معلومات من باب العلاقات العامة. ذلك ما لا يرغب فيه الصحفيون عادة. ومع ذلك يصبح الصحفيون، عند الأزمات، أكثر نشاطا ويستعملون بشكل متصاعد مصادرهم الخاصة.
تكمن مهمّة الصحافة، من بين مهامّ أخرى، في وضع بيانات المؤسسات موضع المساءلة والبحث في المواضيع الهامة لدى الرأي العامّ والتي لا تتحدث عنها المؤسسة من تلقاء نفسها. وإذا تواصل إفراغ الصحافة من الوسائل البشرية فإنّها لن تكون قادرة على القيام بتلك المهمّة على أحسن وجه.
8. ستحاول وسائل الإعلام استعادة اهتمام الجمهور:  إنّ متابعي وسائل الإعلام هم كسالى بشكل مقصود. فهم يريدون الحصول على عنصر المفاجأة، والتسلية والإعلام الجيّد دون جهد. أي إنّ الإعلاميّين ينبغي عليهم محاولة الربط بين الطموح والاستجابة. يتعيّن على وسائل الإعلام أن تتحوّل إلى لعب دور الوسيط والمخاطب لزبائنها ومتلقيها. يجب عليها تقدير الرأي العام وإظهار ذلك في ما تنشر. على وسائل الإعلام أن تستعمل كلّ الإمكانيات المتاحة لعرض الخبر : التويتر والبريد الالكتروني للمشتركين وأخبار الإذاعة والتقرير التلفزيوني وتقارير الصحف والأخبار التكميلية.  غير أنّ دور نشر الصحف الألمانية لا تستعمل، إلى حدّ الآن، وسائل الإعلام المختلفة بشكل متكامل، حيث يتمّ إهمال الصوت والصورة المتحرّكة. يجب على الصحف أن تقبل أنّها تخسر خبرا جديدا عند حلول يوم صدورها. فهي لا تظهر إلاّ ساعات بعد الإعلان عن الخبر. ولا بدّ لها، تبعا لذلك، أن تعرض محتوى لا يكاد يتوفر في وسائل الإعلام الالكترونية السطحيّة أي التحاليل والخلفيات وترتيب الأحداث والتعاليق، ثمّ تقارير متابعة الأخبار.
ربما يكون مستقبل الصحيفة محليّا جدّا، بمعنى أن تخبرنا عن موقع بناية جديدة بجوارنا، وعمّن غيّر مكان عمله وعن الذي طلّق زوجته، أي كلّ ما لا يستطيعه غوغل. يقول الأمريكان : الأخبار تخصّني. ففي خضمّ العولمة يعود كثير من الناس إلى محيطهم الضيّق، إلى مجال الحميمية.
9. ستندمج الانترنت والتلفزيون: إنّ التلفزيون هو أهمّ وسائل الإعلام وأكثرها مصداقيّة، وهو الذي يؤثّر في الناس بالشكل الأقوى. والانترنت هي أيضا وسيلة إعلام تعتمد الصورة. فأفلام المواطنين والمؤسّسات وبرامج التلفزيون يتمّ تقبّلها بشكل متصاعد عن طريق الانترنت. في الوقت الحاضر لا يستطيع تعويض وسائل الإعلام ذات النوعيّة العالية، وفي كلّ الأحوال تكميلها. فقط بعض المساهمات في عالم المدونات تصل إلى مستوى الثقافة الصحفية. ولكن المدونات المعتمدة على تقنيات بحث مدقق ستتطور في ألمانيا أيضا. ستطرد الكتابة من موقعها المركزيّ في وسائل الإعلام. وتكسب الصورة المزيد من الأهمية ونعود إلى ثقافة الصورة لعصر ما قبل غوتنبرغ. ولن يبحث السياسيون عن الإشهار والتأثير عبر الحوار البرلماني بل من خلال البرامج التلفزيونية والإخراج التلفزيوني. ستواصل أسواق الزمن ( الاتصالات والإعلامية ووسائل الإعلام والتسلية) تكثفها واندماجها. ولكن لا أحد يعرف، مع ذلك، كيف سنبحر في الانترنت ونتابع البثّ الحيّ أو نشاهد التلفزيون بعد عشرين سنة.
10. تستفيد الأوساط السياسية والاقتصادية من تطوّر وسائل الإعلام: تساعد تلك التطورات الأوساط السياسية والاقتصادية لأنّها تستطيع بفضل التأثير والمال وإنتاج محتوى مريح، دفع تصورات نقدية في الانترنت إلى فضاء غوغل الشاسع، ثمّ لأنّها تحدّد الأجندا في التلفزيون بقطع النظر عن ذلك. وبذلك ستغيب التقارير الإخبارية النقدية  التي قد تؤدي إلى تغييرات، سواء مثلا بشأن موضوع الأزمة البنكية والمالية أم حول تفاقم انعدام العدالة.
 لم تساهم الانترنت إلى حدّ الآن كثيرا في التغيير الاجتماعي بألمانيا. فالمثقفون يتجنبون هذه الواسطة ربما بسبب نقص في المعرفة بتقنياتها. ليس هناك إلى حدّ الآن نظرية حول الانترنت. لا مجال للمقارنة مع العصر الذهبي  للتلفزيون السياسي في الستينات والسبعينات عندما لم يكن فقط يرسم صورة للحركات الاجتماعية الجديدة (النسوية، الإيكولوجيا أو حركات السلام ومعاداة السلاح النووي)،  بل قدّم لمطالبها منبرا حاسما وساعد بذلك على تطوير المجتمع.   
ولكنّ الانترنت تؤثّر في التجارب الاستهلاكية للبشر. وهي تغذّي الوسائط الكلاسيكية بمواضيع، ويساهم المستعملون في مراقبة وتحسين نوعية المنتوجات الصناعية. غير أنّ هذه الواسطة المتضمنة لوسائط عديدة ترفع حجم القمامة الإخبارية العالمية إلى مستوى ضخم. وأقام الدليل على إمكانيات الانترنت المتعلقة بالحراك السياسي مؤخرا الثورات العربية في شمال إفريقيا.  ويمكن كذلك تغيير ماركات صناعية في المستقبل بواسطة حملات على الانترنت بل وحتى قيم المجتمعات الصناعية بأكملها.
---
*    الأستاذ الدكتور ماتياس ميشائيل Mathias Michael) ) هو شريك في مؤسسة Engel&Zimmermann AG التجارية ويقدم الاستشارات للشركات حول مسائل الاتصالات الاستراتيجية. ويعمل منذ أكثر من ثلاثين عاما كصحفي لدى مؤسسات مختلفة من بينها شبيغل تلفزيون وزود فيست فونك.

العنوان الأصلي للمقال :
ZEHN THESEN ZUR ZUKUNFT DER MEDIEN
Promis, Facebook, Dudelfunk
Mathias Michael
نشر بمجلة سيسرو الألمانية Cicero  ديسمبر 2012