إدوارد سابير:اللغة، العرق و الاخلاق ـ ترجمة: عبد القادر ملوك

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Abstract -8الإشكالات التي ستعالجها هذه الورقة:
يهدف هذا الموضوع، الذي هو عبارة عن ترجمة للفصل العاشر (اللغة، العرق و الأخلاق) من كتاب إدوارد سابير: "اللغة، مدخل لدراسة الكلام"، إلى مقاربة الإشكالات التالية:

كيف يتعامل سابير مع اللغة، هل باعتبارها نسقا مستقلا بذاته، نتعامل معه دون الالتفات إلى فضائه الاجتماعي، كما هو الحال مع مقاربات كل من تشومسكي و ديسوسير، أم من خلال النظر إلى جانبها الوظيفي، في إطار ما يسمى بالمقاربة الانتروبولوجية للغة؟

هل هناك ترابط بين اللغة و العرق و الأخلاق؟ بمعنى آخر هل لكل عرق أخلاقه الخاصة و لغته التي تميزه عن غيره، أم أن بإمكان اللغة، كما هو الحال بالنسبة للأخلاق، أن تتمدد بعيدا عن مهد ولادتها، مكتسحة مجال أعراق جديدة و مجالات تحضر جديدة؟

هل الترابط المحتمل بين العناصر الثلاثة (عرق، لغة و أخلاق) ملازم لطبيعتها، أم أن الأمر يتعلق بمسألة تاريخ خارجي لا غير؟

قبل أن أستعرض الإجابات التي تم تقديمها عن هذه الإشكالات، ارتأيت القيام بداية بتقديم مؤلف الكتاب إدوارد سابير، تقديم يقربنا من مساره الدراسي و من طبيعة انشغالاته المعرفية على مدار سنوات بحثه الطويلة.

من هو إدوارد سابيرEdward Sapir؟

ولد سابير في لونبرغ بألمانيا (تسمى ليبورك اليوم، توجد في بولونيا) في 26 من يناير من سنة 1884، هاجرت أسرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية و هو في سن الخامسة. درس المرحلة الابتدائية و الثانوية بنيويورك، ثم تابع دراساته العليا بجامعة كولومبيا، التي تعرف فيها على بواس[i]Franz Boas الذي تابع دروسه لسنين عديدة. هذه المقابلة بين الاثنين وجهت سابير نحو المنحى الذي سيشتغل عليه مستقبلا. ظل ارتباطه مستمرا بالبحوث في جامعتي كاليفورنيا و بنسلفانيا، ثم أصبح مديرا للقسم الانتروبولوجي للمتحف الوطني الكندي بأوطاوا من 1910 إلى 1925. ثم أستاذا للأنتروبولوجيا و اللسانيات العامة بجامعة شيكاغو من 1925 إلى 1931. أنهى مهامه بيال حيث وافته المنية في الرابع من فبراير من سنة 1939. شارك سابير في عدة خرجات اثنوغرافية و أحيانا كانت إقاماته تطول وسط القبائل الهندية المتواجدة بأمريكا الشمالية[1].

توطئة:

مع سابير سيتم الابتعاد عن أطروحات كل من تشومسكي و سوسور، التي تَعتبر بأن اللغة هي منظومة مستقلة نستطيع التعامل معها بدون الالتفات إلى فضائها الاجتماعي، و الاقتراب أكثر من البعد الانتروبولوجي للغة الذي يتساءل عن التأثير الاجتماعي الذي يمكن أن يطال اللغة؛ إذ في نطاق الانتروبولوجيا يبدو من الصعب أحياناً التمييز بين علم اللغات كتخصص منفصل وبين دراسة اللغة والثقافة. و في سعيه للتدليل على هذا الأمر، المتمثل في دراسة العلاقة الممكنة بين اللغة و الثقافة، أجرى سابير أبحاثاً في أوائل القرن العشرين حول اللغات التي كانت تستخدمها قبائل الهنود الأمريكيين، وبعد ذلك وسع أبحاثه لتشمل اللغات السائدة في معظم أنحاء العالم سواء أكانت لغات قديمة أم معاصرة.

وكانت اكتشافات سابير وفيما بعد استنتاجات بنجامين وورف [ii]Benjamin Lee Whorf الذي وسّع من دائرة المفاهيم لدراسة الإدراك والفكر، سبباً في تسميتها مبدأ “النسبية اللغوية”.

لقد أدرك سابير منذ عام 1920 أن لغات الجماعات لا تختلف فقط عن بعضها بعضاً، بل أن فهم الجماعة للعوالم المادية والاجتماعية حولهم يختلف أيضاً من جماعة لأخرى، وبدا واضحاً أن الناس أو الشعوب التي تستخدم لغات مختلفة كانت بالفعل تشعر بواقع اجتماعي مختلف. فاللغة هي دليل للواقع الاجتماعي، فالناس يوجدون تحت رحمة اللغة الخاصة بهم والتي أصبحت وسيطهم للتعبير عن مجتمعهم. بل إننا نلفي أكثر من ذلك أن العالم الواقعي/ الحقيقي هو إلى حد كبير مبني بطريقة لا شعورية على أساس عادات الجماعة في استخدام اللغة ولا توجد أبداً لغتان متشابهتان بدرجة تكفي لاعتبارهما تمثلان نفس الواقع الاجتماعي.[2]

اللغة، العرق و الأخلاق:

تتضمن اللغة بالضرورة إطارا مرجعيا، فالشعب الذي يتكلمها ينتمي إلى عرق (أو إلى أعراق متعددة) أو بالأحرى إلى مجموعة تتميز عن باقي المجموعات بناء على خصائص فيزيائية مادية.

من جانب آخر، يبدو أن اللغة لا يمكنها أن تنفصل عن الأخلاق، بمعنى أنها مرتبطة بمجموع العادات و الاعتقادات التي هي إرث اجتماعي يقف شاهدا على تواجدنا. لقد ألِف الانتروبولوجيون دراسة الإنسان انطلاقا من محدداته الثلاثة: العرق، اللغة و الأخلاق. و لعل واحدا من بين أكثر اهتماماتهم بالنسبة لمنطقة، غير محدودة طبيعيا مثل إفريقيا، يتمثل في تقسيم البلد حسب مراتبه الثلاث المتمثلة في:

ما هي و أين توجد الأنواع الرئيسية للحيوان البشري، منظورا إليه من زاوية بيولوجية صرفة (مثال: الأسْود الكونغولي ,الأبيض المصري,الأسود الاسترالي)؟

ما هي المجموعات اللسنية الأكثر اتساعا و شساعة (الموارد اللسنية)؟ و كيف هي موزعة؟ كيف يمكن لشعوب منطقة معينة أن تصنف من وجهة نظر أخلاقية ؟ ما هي "مناطق التحضر" الأساسية و ما هي نوعية الأفكار المتحكم فيها؟

إن فردا ينتمي إلى طبقة متوسطة لا يتردد في البحث عن مكانته في السلم العام للبشرية، فهو يحس بأنه الممثل الشرعي لشريحة متكاملة من البشرية، شريحة ينظر لها تارة كأنها "وطنية" و تارة أخرى "عرقية" و بان كل ما يمسه كممثل نموذجي لهذه المجموعة يمس العالم بأسره؛ فإذا كان انجليزيا مثلا، فهو يحس بأنه فرد ينتمي إلى العرق الانجلوسكسوني، حيث امتزجت بطريقة يصعب تفسيرها اللغة الانجليزية بالثقافة الانجلوساكسونية. لذلك سعى العلم أكثر واقعية، جاهدا إلى معرفة ما إذا كانت هذه التصنيفات الثلاثة (عرق، لغة و أخلاق) دقيقة ثم استجلاء ما إذا كان الترابط بينها ملازم inhérent لطبيعتها، أم أن الامر لا يعدو كونه مسألة تاريخ خارجي لا غير. و يمكن القول أن الإجابة ليست مشجعة و لا محفزة بالنسبة لأولئك اللذين لهم حكم عاطفي مسبق لصالح العرق.

لقد دأب المؤرخون و الانتروبولوجيون، على اعتبار أن الأعراق، اللغات و الأخلاق ليست بالضرورة متوازية. و بأن مجالات توزعها تتقاطع بشكل يثير الاستغراب، و بأن تاريخ كل واحدة منها يكشف عن الرغبة في الانفصال عن بعضها البعض؛ فالأعراق تتداخل بطريقة تختلف عن اللغات، التي باستطاعتها أن تتمدد بعيدا عن مهد ولادتها، مكتسحة مجال أعراق جديدة و مجالات تحضر جديدة. بل، أكثر من ذلك، قد تخبو في مناطق ولادتها و تنتشر بين شعوب أكثر عداءا لأولئك اللذين تكلموها في الأصل. علاوة على ذلك، نجد أن التقاطعات التاريخية هي بصدد تغيير حدود المجالات الثقافية، دون أن يؤدي ذلك بالضرورة إلى محو الفروقات اللغوية الموجودة. ينبغي أن نقنع أنفسنا نهائيا، بأن العرق في معناه العقلي، و الذي هو المعنى البيولوجي، هو بالمنطلق لا يكترث و لا يهتم بتاريخ اللغات و الحضارات، كما أن هذا التاريخ غير قابل بدوره للتفسير انطلاقا من العرق، أو انطلاقا من القوانين الفيزيائية آو الكيميائية.

إذا كان بإمكاننا أن نصل إلى هذه القناعة، سنحصل على وجهة نظر تمنح أهمية نسبية للايديولوجية "السلافية" أو "الانجلوسكونية" أو "الجرمانية"...الخ و لكنها ترفض قطعيا أن تعترف لها بواقع موضوعي. لذلك ستصاب كل دراسة للتقسيمات اللغوية و لتاريخها، مهما كانت مستفيضة، بالاحباط إن هي اعتمدت في دراستها هذه الاعتقادات العاطفية.

يبدو أنه من اليسير أن نبرهن على أن مجموعة لغوية معينة لا تتناسب بالضرورة مع مجموعة اجتماعية، أو مع مجال حضاري ما. كما باستطاعتنا كذلك أن ندلل على إمكانية العثور على لغة معزولة ممزوجة و مختلطة بأعراق و حضارات مختلفة، فاللغة الانجليزية مثلا ليست منطوقة من قبل عرق خالص، موحد؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك ملايين من السود اللذين لا يعرفون لغات أخرى، فهي لغتهم الأم، الوعاء الذي يحوي أفكارهم و مشاعرهم الأكثر سرية، إنها كذلك ملكيتهم و خاصتهم مثلهم في ذلك مثل ملك انجلترا. و البيض أصحاب اللغة الانجليزية و اللذين يعمرون الولايات المتحدة الأمريكية لا يكونون عرقا خاصا إلا في تعارضهم مع السود. و الأمثلة في هذا الشأن عديدة.

الأخلاق، من جهتها، مثلها في ذلك مثل العرق، لا تتبع بالضرورة اللغة، خصوصا بالنسبة للبدائيين حيث سلطة الهوية الوطنية الموحِدة غير معروفة، و بالتالي ليس هناك ما يزعج التوزيعات الاثنية الطبيعية، فمن السهل أن نتبين، عند هؤلاء، بأن اللغة و الأخلاق ليسا من الناحية الجوهرية مترابطين.

فنحن نعثر على اصطلاحات لغوية des idiomes بدون أية علاقة ترابطية، داخل شعوب تتقاسم نفس الأخلاق أو لغاتها جد متقاربة ( أحيانا لغة واحدة) ترتبط بأنوية حضارية متباينة. نجد، في هذا الإطار، أمثلة جد مؤثرة عند الأهالي في أمريكا الشمالية. فاصطلاحات قبائلAthabaska مثلا، تكون مجموعة ذات وحدة جلية لها انسجام بنيوي لم أر له مثيل، اللذين يتكلمون هذه اللغات ينتمون إلى أربع مجالات حضارية مختلفة: أخلاق قناصي كندا الغربية وداخل الالسكا (loucheux, chipeyan)، أخلاق مربيي الجاموس البري في (Sarcee). الطقوسية المعبر عنها من قبل Navajos و الأخلاق الخاصة بكاليفورنيي الشمال الغربي (hupa).

إذا شئنا أن نعود إلى الانجليزية، فسنجد أن أغلبيتنا الساحقة تقبل بسهولة، فيما أعتقد، بأن الرابطة اللغوية التي تجمع بريطانيا و الولايات المتحدة، بعيدة عن الإيحاء بوجود روابط حضارية و أخلاقية بين الطرفين. لقد اعتدنا القول بان الدولتين معا تشتركان في نفس الإرث الثقافي الانجلوسكسوني، و لكن أليست هناك اختلافات جلية في نمط العيش و على مستوى المشاعر، لم يساهم في التخفيف من حدتها سوى رغبة الفئة المثقفة في الحفاظ على هذا الإرث؟ إذا كانت أمريكا بصفة خاصة انجليزية فهي ليست كذلك إلا كما يمكن لمستعمرة أن تكون. لأنه من غير الممكن للغة مشتركة بين شعبين أن تستعمل كرابط ثقافي، عندما لا تكون العوامل الجغرافية، السياسية و الاقتصادية التي تتحكم في الأخلاق هي نفسها بالنسبة للبلدين.

بناء على ما سلف يمكن أن نجزم بأن اللغة، العرق و الأخلاق ليست بالضرورة في انسجام و تناغم، رغم أن هذا لا يعني أنها لم تكن أبدا كذلك؛ فالحدود الثقافية و الاجتماعية تصبو لأن تتطابق مع الحدود اللغوية، فبإمكاننا أن نلحظ مثلا انفصالا واضحا بين الاصطلاحات اللغوية و بين العرق و الثقافة فيما بين البولينزيين و الميلانيزيين، رغم أن إحداهما تأثر في الأخرى أحيانا. فالفوارق العرقية و الثقافية (خصوصا الأولى) ذات أهمية قصوى، أما الاختلاف اللغوي فهو اقل أهمية بكثير، طالما أن القبائل البولينزية ليست في الأصل سوى تقسيما جدليا للمجموعة الميلو- بولنزية. باستطاعتنا كذلك أن نعثر على انقسامات أكثر وضوحا و تميزا، على سبيل المثال: الاسكيمو يختلفون بشكل واضح عن جيرانهم، إن على مستوى اللغة أو العرق أو الأخلاق. فاللغات المتجاورة لا تتأثر ببعضها البعض إلا في مناسبات نادرة و أكثر سطحية، تعبر عن انعدام علاقة سببية بين تطور اللغة و تطور العرق و الحضارة(...).

إن اللغة و عاداتنا في التفكير يتداخلان على نحو مبهم Inextricablement بشكل يدفعنا إلى القول بأنهما بمعنى من المعاني شيء واحد، فلا شيء يمكن أن يدلنا على أن هناك تغيرات مهمة سببها العرق، يمكن أن تطال محور تفكيرنا.

ينبغي أن يستنتج مما سبق بأن التنوع اللامحدود للشكل اللغوي، بمعنى التعدد اللامنتهي للفكر، لا يمكن أن يعتبر، في حال من الأحوال، مؤشرا للاختلافات العرقية، و ليس في ذلك من تناقض إلا من حيث المظهر: فالمحتوى المضمر لكل تعبير هو نفسه، أما المعرفة الحدسية المدفوعة من التجربة، في شكلها الخارجي، فلا يمكنها أن تكون هي نفسها مرتين، لأن هذا الشكل الذي نسميه بالمورفولوجيا ليس سوى فن التعبير عن الفكر، فن جماعي مجرد عن تناقضات المشاعر الفردية. في نهاية التحليل، نقول بان اللغة لا يمكن أن تتعلق أو تخضع للعرق بنفس الطريقة التي ننفي بها أي ارتباط بين شكل القصيدة و مضمونها.

لا أستطيع أن اصدق أن الأخلاق و اللغة يمكنهما أن يرتبطا بعضهما ببعض اعتباطيا؛ فالأخلاق هي نتيجة ما نفعله و نفكر فيه جماعة. أما اللغة فهي التمظهر الفعلي للتفكير؛ و هنا يصعب علينا أن نحدد السبب من النتيجة في نمط العلاقات التي تربط بين فئة من انتاجات المعرفة (الأخلاق ليست سوى اختيارا لجأ إليه المجتمع في تحديد السلوكات) والطريقة الخاصة التي تترجم بها هذه المعرفة. إن تطور الأخلاق- الطريقة الأخرى لتسمية التاريخ- هي سلسلة معقدة من التغيرات التي تطال سلوكات المجتمع، مكتسباته، خسائره، تغير مراكز اهتماماته وعلاقاته. في حين أن تطور اللغة لا يعنى و لا يهتم أبدا بالتغيرات التي تطال المحتوى أو المضمون، و لكن فقط بالتغيرات التي تمس الشكل. انه من الممكن في الفكر أن نغير كل صوت، كل كلمة، كل مفهوم مشخص في اللغة دون أن يتغير بالمرة معناه الجوهري، تماما كما نستطيع أن نسكب في إناء ثابت الماء أو الجبص أو الذهب المذوب، دون أن نغير من طبيعة الإناء شيئا. إذا أمكننا أن نبين بان الأخلاق ذات طبيعة فطرية، جبلية و بأنها تتطور بناء على منحنى محدد سلفا، سيكون لنا إذن معيار للمقارنة بين أخلاق شعوب مختلفة مع إمكانية الربط بينهما، لكن وحتى نتمكن من اكتشاف هذه الأنساق المجردة التي من شأنها أن تتحكم في الثقافة بصفة عامة، يجب أن نبقي على اللغة و الأخلاق كشيئين غير قابلين للمقارنة و بدون رابط يتحكم في تطورهما.

إن كل المحاولات التي تسعى إلى ربط بعض النماذج الموروفولوجية ببعض المستويات الثقافية، أو ببعض المجموعات الأخلاقية تبوء بالفشل، فأي تقريب من هذا النوع، لا يجدي نفعا. يكفي أن نمعن النظر قليلا لنؤكد نظريتنا بهذا الخصوص: فاللغات بكل أطيافها و باختلاف لهجاتها، بسيطة كانت أو معقدة، بتنوعها اللامتناهي، هي حتما تتواجد في كل مدارج السلم الثقافي؛ معنى هذا انه حينما يتعلق الأمر بالشكل اللغوي، يتساوى أفلاطون مع الراعي المقدوني و يصبح كونفشيوس لا يختلف نهائيا عن متوحشي Assam.

ربما يحق لنا أن نقول بأن مضمون اللغة، مرتبط بشكل ضيق جدا بالأخلاق و الثقافة: فمجتمع يجهل الثيوصوفيا بالطبع لن يعطيه اسما، وأهالي لم يروا أبدا فرسا مجبرون على اختراع أو استلهام اسم (من لغات أخرى) لنعت هذا الحيوان عندما يلتقونه أول مرة. فاللفظ يعكس بصورة اقل أو أكثر وفاءا، الأخلاق التي يعبر عن أهدافها. و بناءا على وجهة النظر هاته، من الصدق القول بان تاريخ اللغة و تاريخ الأخلاق يسلكان سبلا متوازية، لكنه تواز سطحي، لا يمنح اهتماما حقيقيا بالنسبة للساني سوى فيما يتعلق بميلاد كلمات جديدة تعكس آفاق اللغة.

في النهاية اعتقد جازما، بأنه ليست هناك طريقة أكثر تميزا لمعرفة الطبيعة الأساسية للغة، من معرفة حقيقية بما ليست إياه و بما لا تقوم به بالفعل. هذه الروابط السطحية بسيرورات تاريخية، هي من الضيق و الرهافة، بحيث يجدر بنا قطعها، إن كنا نروم معرفة اللغة كما هي بالفعل. فكل ما استطعنا معرفته، بصدق، حول اللغة، يظهرها لنا بمثابة الصرح الأكثر أهمية و الأكثر هالة colossal الذي باستطاعته الرفع من مستوى الفكر البشري؛ إنها بمعنى من المعاني، الشكل المثالي للتواصل بالنسبة لكل نمط من أنماط المعرفة، و هو شكل بإمكانه أن يتنوع إلى ما لا نهاية من طرف الأفراد، دون أن تمحي خطوطه الكبرى، و هو يتجدد باستمرار تماما كما يفعل كل فن. لذلك تظل اللغة هي الشكل الفني الأكثر قوة و الأوسع نطاقا، الذي نعرفه. و بكلمة واحدة، إنه العمل الجبار و المجهول في آن لأجيال غير واعية.


[1] Edward Sapir : Anthropologie. Tom 1 : culture et personnalité. P.3

[2] Bassimtwissi blog نظريات الإعلام و الواقع الاجتماعي3.


[i] فرانز بواس: ولد في التاسع من يوليوز 1859 بويستفالي بألمانيا و توفي في الواحد و العشرين من دجنبر 1942 بنيويورك، يعتبر الأب المؤسس للأنتروبولوجيا الأمريكية. له انتاجات غزيرة لم يترجم منها إلى الفرنسية إلا القليل:

Mind of Primitive Man (1911)
Handbook of american Indian Languages (1911)
Primitive Art (1927), traduction française : L'Art Primitif, Broché, 2003
Race, Language and Culture (1940)
[i] كريستيان هورف: و لد سنة 1897 و توفي سنة 1941، لساني و أنتروبولوجي أمريكي، كان من بين اللسانيين الأوائل الذين اعتنوا بدراسة اللغات الأمري-هندية. تعود شهرته بالدرجة الأولى إلى العمل المشترك الذي قام به إلى جانب إدوارد سابير و الذي عرف باسم فرضية سابير- وورف. من أهم أعماله كتابه الموسوم: مبدأ النسبية اللغوية. Principe de la relativité linguistique

المراجع:

Edward Sapir : Le langage. Introduction à l’étude de la parole

Edward Sapir : Anthropologie. Tom 1 : culture et personnalité.