العالم والسياسي ـ ترجمة نورالدين علوش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

abstr111تقتضي مهمة السوسيولوجيا السير في طريق التنوير, لكن  بوسائل أخرى؛ فإذا تمكنت من تحقيق  هذه  المهمة  في السنوات الأخيرة, فبفضل أعمال السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو. حيث استطاعت أعماله التي تجمع بين الطموح والتواضع :أن تزيل غشاوة الوهم التي  تتمثل في حفاظ  المجتمع الحديث على على الطابع الموضوعي للثقافة البرجوازية.
لتحقيق هذه الغاية ,طور بورديو عدة مفاهيمية تمتح من ماركس وفيبر ,كما دوركايم وزيمل.لكن بدون أن يكون  نسخة باهتة لهم؛ بل استطاع أن يطورنظرية جديدة.
فنظريته الجديدة ترى بان أشكال التعبير الرمزية للمجتمع, تنشا  عن طريق صراع لمجموعات بسبب مورادها المختلفة ومحاولة التموقع في التراتبية الاجتماعية.
من خلال كتاباته المزيلة للوهم ,يتبين أن العالم المعيش تتقاطع فيه الكثير من حركة نضالات مستمرة ؛التي تنعكس عل بنيات دقيقة للكتابات الفلسفية والفنية. ولكن كيف يمكن لهذه النظرية  بدون أعمال ميدانية التي من شانها أن توضح لنا في حياتنا الاجتماعية انعكاسات هذا الصراع؟ هنا يدخلنا إلى تمرين سوسيولوجي للنظر.


فالطموح السوسيولوجي لبورديو قادنا إلى نقل ادعاء الصلاحية معايير اجتماعية إلى بساطة مصطنعة لدلالتها الاجتماعية.  من هذه النظرية سوف تكرس  المشكلة لفشل نهج مثل بورديو باعتباره مثقفا: كيف نعبر عن النظرية والممارسة بحيث أن المعالجة السوسيولوجية للحقيقة ,تسمح بإقامة وجهات نظر معيارية التي على أساسها النقد السياسي يعتمد عليها لاحقا؟
هذا ما جعل من أعمال بودرديو من وجهة نظر ألمانية, أنها تؤلف بين تقليدين سوسيولوجيين اللذان غالبا ما يشار إليهما بانهما اختيارات بديلة وخاصة. قبل ظهور النزعة القومية الاشتراكية ظهرت مدرسة سوسيولوجية  يتزعمها سيمل تهتم أساسا بتفكيك وتحيل الظواهر والممارسات اليومية؛ ومن بين ممثلي هذه المدرسة نجد كراسر  وولتر بنيامين . بالنسبة للأول  اتجهت دراساته نحو ثقافة العمال خلال 1920, بينما الثاني اتجه إلى دراسة الاثات الداخلي لبرجوازية لبرلين  ؛ محاولاتهم تأويلية تهدف إلى إظهار الحقائق المعيشة لصعود وانخفاض المواقع الاجتماعية. فأمام  هذه المدرسة هناك مدرسة أخرى  يتزعمها ماكس فيبر تهتم أساسا بمحاولة إبداع نظرية سوسيولوجية للفعل: تسمح بتفسير السيرورة الاجتماعية  للهيمنة والاستغلال. أما ممثليها فنجدهم في الحقل الماركسي
إذا كانت المدرسة الأولى تمكنت من فهم وتفكيك الحياة اليومية ,فان الثانية استطاعت التعبير عن صراع الطبقات والتراتبية الاجتماعية في منظور سوسيولوجيا الفعل. من خلال الأعمال الأخيرة لهذه المدرسة فالهيمنة لا ترتبط فقط بامتلاك الموارد المادية بل كذلك حيازة  الموارد الرمزية مثل المعرفة والتعليم والعلاقات. ولم يتمكن الألمان أنفسهم من الجمع بين هذين المدرستين,  إلى أن جاء بورديو فتمكن من الجمع بين هذين التقليدين: فالجمع بين فيبر وسيمل يسمح بالكشف وتفكيك الوقائع اليومية  من خلال الصراعات الاجتماعية للهيمنة.
فالفراغ الذي تركه بورديو لن يقاس  لا أكاديميا ولا ثقافيا. معه سيختفي على الاقل في ألمانيا ذلك التقليد الذي يحافظ على السوسيولوجيا في روح مدارسها الكلاسيكية ؛باعتبارها تحاول استجلاء مظاهر الهيمنة الاجتماعية.
فتحليل الهيمنة الاجتماعية   لم يظهر المعايير الأخلاقية أو وجهات نظر عقلانية  التي على أساسها سيعتمد النقد : فتحليل بورديو للعلاقات الاجتماعية ينطلق من موقع محايد للصراعات  الاجتماعية. لكن بعض مصطلحاته وتعبيراته اللغوية توحي بالتعاطف مع الطبقات المهمشة في صراعها لبلوغ حياة سعيدة. بقي طيلة مدة حياته خارج تقليد النقد المحايث الذي يسعى إلى توليد الحقيقة الاجتماعية نفسها من خلال مبدأ الموضوعية الخاص بها. فعجز هذه تحليلات سوسيلوجية لبورديو جعلت من مواقفه الفكرية تمثل طابعا تقريريا: فالنظرية لا تعطينا الأسباب التي من اجلها علينا أن نقبل  بعض سيرورات الحقيقة الاجتماعية أو نرفضها.

http://www.lemonde.fr/idees/article/2012/01/23/le-savant-et-le-politique_1633316_3232.html

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟