أوهام وأساطير "الاستغراب"• العربي ـ محمد كنبيب ـ ترجمة : ثورية السعودي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

ANFااحتضنت مدينة بلوا (Blois) خلال شهر أكتوبر المنصرم الدورة الرابعة عشر لمواعيد التاريخ. وقد اختير "الربيع العربي" موضوعا لهذه التظاهرة الهامة على الساحة الثقافية الفرنسية، ذلك أنها تشكل حدثا بارزا يثير انتباه كل المهتمين "بالدخول الثقافي"، ويشارك في فعالياتها آلاف الأساتذة (بمختلف أصنافهم) والطلبة والباحثين ومحبي التاريخ، يجتمعون كلهم ببلوا ويشكلون طوابير لمتابعة  برامج مشوقة حافلة بالمحاضرات والموائد المستديرة وعروض سينمائية، ومعرض ضخم للكتب والمجلات يستقطب معظم دور النشر الفرنسية، الباريزية منها والجهوية.
وتمتاز هذه التظاهرة بتغطية إعلامية واسعة تتصدرها إذاعة فرنس كولتور « France Culture »، وجريدة لوموند (Le Monde). وبالفعل نشرت هذه الأخيرة في عددها ليوم 14 أكتوبر 2011 ملفا خاصا تمحور حول إشكالية "الشرق والغرب".


وتضمن هذا الملف مساهمات ثلة من المؤرخين المرموقين، ومن بينهم هونري لورنس (كوليج دو فرانس، باريس)، سانجاي سوبراهمانيام (جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس)، أحمد إنسيل (جامعة كالاطاسراي إستانبول)، بيير فرانسوا سويري (مؤرخ متخصص في اليابان)، آن كيرلان (معهد تاريخ الزمن الراهن باريس). وشارك الأستاذ محمد كنبيب (جامعة محمد الخامس بالرباط) في هذا الملف بمقال نشرته لوموند تحت عنوان: "أوهام وأساطير الاستغراب العربي" تناول فيه صورة الاوروبي من منظور  المغاربة. عرج فيه بنا عبر تاريخ المغرب و علاقته بالغرب الأوروبي، ضمن رؤية هاجسها الامساك بتلابيب صورة باتت شبه مستقرة، بعدما اتضحت -أو تكاد- ملامحها عن الآخر الأوروبي، أي ما يدخل في باب الادب بما يسمى بأدب الغيرية  "L'altérité"، أو ما أصبح يصطلح "بالاستغراب" (مقابل مفهوم الاستشراق).
هي إذن بانوراما تاريخية باذخة، انصهرت في جينيالوجيا صورة المغربي عن الآخر مكونات وبواعث عدة، حيث عانق الديني الاديولوجي، وخالط السياسي الاقتصادي، والقومي  الوطني... ليغدي أمشاج صورة ضاربة الجذور في الوعي الجمعي والمتخيل الجماعي للمغاربة، والتي نتجت عنها تمثلات قديمة حديثة، بل يمكن أن نزعم أن بعض مكوناتها  ماتزال حية ترزق في زمننا الراهن.
النص الأصلي:  محمد كنبيب
ترجمة : ثورية السعودي
ماهي صورة الأوروبيين لدى المسلمين؟ هل يوجد في مقابل الاستشراق نوع من "الاستغراب" هو أيضا مقيد بأنماط وأحكام مسبقة، خليط بين الأوهام والتصورات الثابتة والمتحركة ، والحقائق المؤكدة؟
ماذا يمكننا أن نلاحظ في هذا الصدد، من خلال دراسة نموذج المغرب؟ فالمشرق يعتبر هذا البلد النائي بمثابة فينيستير العالم العربي، ناعتا إياه ب "المغرب الاقصى"، أما الأوروبيون فإنهم رأوا في هذا البلد طيلة قرون قاعدة أمامية للإسلام صامدة في مواجهة المسيحية، ومشكلة تهديدا لشعوبها. لقد استمر الوضع والغرابة المحيطة بالمغرب على هذا الحال إلى حدود القرن التاسع عشر؛ وهو أمر استنكره بشدة بعض الأوروبيين من مؤيدي التوسع الاستعماري المتشديدن حيث انتقدوا تردد حكوماتهم وعجزها على إرغام المغرب لفتح أبوابه أمام التجارة الأوروبية، مستغربين افتخار أوروبا "بشرف دخول جيوشها حتى بيكين (في الصين) وتحفظها إزاء مجرد الاقتراب من فاس أو مراكش".
هذه "العزلة الرائعة" غذت شعور المغاربة بالارتياح والاعتزاز. وقد تجلى هذا الشعور في سلوك طغى عليه نوع من الاستعلاء تجاه الأوروبيين، سرعان ما اعتبره الإسبان والفرنسيون والأنجليز وغيرهم بمثابة "غطرسة" وهي صفة تصدرت تصورات الأوروبيين للمغاربة، أو "المور" كما كانوا ينعتونهم.
ولم يخالف الصورة النمطية السائدة في هذا المجال، سوى عدد محدود من الأوروبيين ومن ضمنهم بعض الرومنسيين، وكبار الفنانين المعجبين بالشرق وجاذبية ثقافته، من أمثال أوجين دولاكروا، وبيبيرلوتي، والإيطالي إدموندو أمشيش. لقد عبر دولاكروا، مثلا، في مذكراته عن مشاعره وانطباعاته، وهو يشاهد "نخوة" بعض المارة في أزقة مكناس، إبان إقامته بهذه المدينة سنة 1832 بصفته أحد أعضاء حاشية السفير دو مورني، بقوله: "(إن هذا) الشعب عريق (حتى النخاع) ... (مر أمامي) أشخاص تنبعث منهم هيبة مماثلة لهيبة القناصل الرومانيين القدامى، إنهم لايفتقرون حتى لسحنة الازدراء التي كانت تميز سادة العالم."
ما الذي تبقى في مطلع القرن الواحد والعشرين من هذا الوضع، في ظل تحولات جوهرية ومستجدات، ومن ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، سعي المغرب لجلب عشرة ملايين سائح، والعدد المهم للمستوطنين الفرنسيين بالمغرب، والوضع المتميز للغة الفرنسية في أوساط النخبة المغربية، وتواجد حوالي ثلاثة ملايين مغربي مقيمين بأقطار الاتحاد الأوروبي، وحلم عبور مضيق جبل طارق الذي يراود نسبة كبيرة من الشباب، والوضع المأساوي لمئات المهاجرين السريين (الحراكا)  الذين يغامرون بأرواحهم على متن قوارب الموت، وغالبا ما يلقون حتفهم قبالة سواحل إسبانيا؟
ترمز هذه الأخيرة، في مخيلة هؤلاء إلى البوابة شبه السحرية اللازم ولوجها للحصول على عمل وظروف معيشية مرضية وكرامة. بالرغم من تجذر الأحكام المسبقة الإسبانية ضد "لوس موروس"، من جهة، ومن جهة ثانية، مخلفات تصورات المغاربة لأوروبا خلال القرون الغابرة حيث كانوا لا يرون فيها سوى "دارا للكفر" لا تستلهم لديهم إلا الرفض والنفور.
لقد تبلور الشعور الوطني المغربي في سياق الهجومات الإيبيرية المتوالية على المغرب، ومواصلة الإسبان جنوب مضيق جبل طارق لما يسمى "حرب الاسترداد" بعد سنة 1492، واحتلال الثغور المغربية (من ضمنها سبتة ومليلية، المينائين اللذين لا زالا تحت الحكم الاسباني). وواكب هذه الغارات العسكرية، واحتلال أجزاء ترابية ومنافذ بحرية هامة، خطر إجبار المغاربة على اعتناق الدين المسيحي. إلا أن هؤلاء صمدوا أمام الإسبان والبرتغاليين وحققوا انتصارا باهرا على ملك البرتغال، دون سيباستيان في غشت 1578،  إثر إنزال قواته بالقرب من القصر الكبير، إضافة إلى المتطوعين المسيحيين الذين استجابوا لنداء البابا، وانخرطوا فيما اعتبروه حربا صليبية جديدة. لقد كان لهذا النصر وقع كبير على كافة المسلمين، إذ اعتبر انتقاما للعثمانيين المهزومين في معركة ليبانتي على يد الإسبان والبنادقة (1571).
بحكم الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك، شخص الإسباني (شأنه شأن البرتغالي)، في نظر ومخيال المغربي نموذج المسيحي المتعصب والمعتدي؛ انضافت إلى ذلك ذكرى الأندلس والحنين إلى هذا "الفردوس المفقود"؛ كما زادت المواجهات العسكرية المباشرة التي ميزت العلاقات بين إسبانيا والمغرب، من حدة مشاعر الكراهية المتبادلة بين الطرفين. وقد احتدمت هذه المشاعر بشكل ملفت إثر طرد الموريسكيين   من إسبانيا ولجوء أعداد منهم إلى المغرب حيث عملوا على الانتقام وأخذ الثأر من مضطهديهم، وذلك بتصدرهم لعمليات الجهاد البحري (أو القرصنة) انطلاقا من الرباط، سلا وتطوان، شاقين بأشرعتهم عباب البحر لمهاجمة السفن المسيحية.
ومن جهة أخرى، وإبان القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أعطى المهاجرون الفقراء الإسبانيون المقيمون بالمغرب، المتميزون ببؤس أحوالهم المعيشية، وتعاطيهم التهريب والسرقة وترويج  النقود المزورة، وبيع الخمور، وإحداث دور الدعارة، صورة سلبية عن مواطنيهم، ترسخت في ذاكرة المغاربة الجماعية، طيلة عقود. كما أن الهيمنة الإسبانية على شمال المغرب، إضافة إلى إخفاقات إسبانيا في حرب الريف، لم تساعد على تحسين هذه الصورة. ولم تبدأ هذه الصورة النمطية تتغير وتضمحل إلا إبان السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.
إن مراجعة هذه الأخيرة، وبروز نوع من الاعتبار للإسبان لدى المغاربة لم يبدأ بشكل ملموس، ولا رجعة فيه إلا مع إقلاع شبه الجزيرة الإيبيرية وارتفاع وتيرة نمو اقتصادها وتحديث هياكله، بانخراطها في السوق الأوروبية المشتركة، وبدء الهجرة المضادة، وما واكبها من تواجد للمهاجرين المغاربة، بمختلف أصنافهم، بحثا عن الشغل في المزارع والمصانع الإسبانية، أو لمجرد العبور عبر التراب الإسباني صوب أقطار أوروبية أخرى.
بشكل عام وبصرف النظر عن إسبانيا والبرتغال لم يتم التمييز بين الجنسيات الأوروبية، لدى عامة المغاربة حتى بداية القرن التاسع عشر. حيث كانت الفكرة السائدة في مخيالهم وعقولهم تضع جميع الشعوب الأوروبية في نفس الخانة، بناءا على الاعتقاد أو القناعة القائلة بأن "أهل الكفر ملة واحدة". لم يتراجع هذا الخلط إلا بعد أن شرعت فرنسا في فرض هيمنتها على الجزائر وتحقيق انتصار عسكري على المغرب في معركة إيسلي(1844)، والشروع في التغلغل على حساب هذا الأخير، انطلاقا من حدوده الشرقية وكذا من واجهته الغربية. أما إنجلترا، المتواجدة بصخرة جبل طارق منذ مطلع القرن الثامن عشر، والمسيطرة سيطرة قوية على مبادلات المغرب البحرية منذ بداية القرن التاسع عشر، فإنها كانت تروج في البلاد منتوجاتها الصناعية وسلعها الكولونيالية، وفي مقدمتها الشاي الذي سيرقى بالتدريج ليصبح "مشروبا وطنيا"، زاد مزجه ب"النعنع" في سيرورة تأصيله. ينضاف إلى ذلك استقبال بريطانيا العظمى لمهاجرين مغاربة في وقت مبكر، بجبل طارق وإنجلترا ذاتها.
غير أن أولوية بريطانيا العظمى على الساحة المغربية، طيلة القرن التاسع عشر، لم تثر لدى المغاربة مجرد الإعجاب بجودة منتوجات "الإنكليز" وعظمة إنجلترا، بل امتزج إعجابهم بعداء مكشوف ارتبط ب"تضحية" حكومة لندن بالمغرب بمقتضى الاتفاق الودي (1904)، وبدور إنجلترا في مؤتمر الجزيرة الخضراء (1906)، وبوعد بلفور (1917)، وبخطة تقسيم فلسطين (1937). وتزايد هذا العداء قبيل وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، إثر قصف الطيران البريطاني لبغداد، لدرجة أن الأمريكيين قرروا الاستغناء عن القوات البريطانية، وعدم إشراكها في عمليات إنزال قواتهم بالسواحل المغربية في نونبر 1942.
لقد فٌرض الأوروبيون أنفسهم على السلطان، وعلى الوزراء، وعلى طبقة التجار وأحدثوا لديهم قناعة راسخة بقوة ردعهم وضرورة الاستجابة لمطالبهم وضغوطهم. أما الجماهير الشعبية‘ فقد أثر التغلغل الأوروبي إلى حد ما في نمط عيشها  ونوعية استهلاكها حيث أصبحت،  وعلى سبيل المثال، تستهلك الشاي و تستعمل صابون مارسيليا بالرغم من الفتاوى التي تحرم شراء واستعمال المنتجات المستوردة من "بلاد الكفار". غير أن تكيف الجماهير مع تحولات السوق واستفادتها من منتجات كانت تعرض بأثمان في متناولها لم يدفعها إلى الشك في قدرتها على الصمود في وجه الأوروبيين إذ اقتضى الحال؛ لذلك كانت تنتقد بشدة رضوخ  المخزن لإرادة الأجانب وتبدي استعداها لمقاومة أطماعهم التوسعية،  خصوصا وأنها كانت تتلقى أصداء صمود شعوب إسلامية أخرى وتبتهج لانتصارات المهدي في السودان على الإنجليز؛ وبطبيعة الحال كانت هذه الانتصارات تذكي استعدادها للجهاد.
لقد تعرض المغرب لضربات عنيفة طلية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين  وجهتها له القوى الكبرى. وبموازاة للضغوط العسكرية وما تلها من دمار (معركة إيسلي، "حرب تطوان") تعرضت البلاد لتغلغل "سلمي" ساهم هو الآخر في تفكك بنياتها التقليدية. ويعتبر منح بطاقات الحماية القنصلية لرعايا مغاربة مقيمين بأرض وطنهم، من أهم وأنجع الوسائل التي سخرتها الدول الأوروبية والولايات الأمريكية لاستقطاب الأهالي، و"تدجين" طبقاتهم العليا، وتحويل أفرادها الوازنة إلى أتباع وعملاء سياسيين. فأن يصبح كبار التجار، والفلاحين، والوزراء، والقواد وحتى شيوخ الزوايا، تحت حماية دول أوروبية أو أمريكية، أو حاملين لجوازات سفر أجنبية، تضمن لهم الاستفادة من نظام قانوني وضريبي استثنائي، لدليل واضح وصارخ لما آل إليه تطور الأوضاع  والعقليات بالمغرب؛ وفي هذا السياق فإن الفتاوى التي  هددت ب "نيران الجحيم لمن اتخذ الكفار أولياء وأصدقاء" ولوحت ب"الويل والثبور لأهل البسبور" ول"السكارى المحتمين بالنصارى" لم يكن لها أي تأثير فعلي يذكر.
ابتداءا من عام 1912، واجهت فرنسا مقاومة مسلحة عنيفة، لم تنته إلا في سنة 1934. وهو ما دفع بالماريشال ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب، إلى الاعتراف والإشادة بتماسك القبائل دفاعا عن استقلالها، والإلحاح على احترام الإسلام كأحد أسس سياسته الأهلية. والجدير بالذكر أن سياسة ليوطي، ومواقفه وقراراته ووصايته أن يدفن بأرض المغرب بعد وفاته  ساهمت،  على المدى البعيد،   في تعقيد صورة الفرنسيين لدى المغاربة. والواقع أن هذه الصورة المركبة تختلف باختلاف المساهمين في وضعها وصقل معالمها، ومن بينهم "الفيوداليين" الذين استفادوا بشكل فظيع من نظام الحماية مقابل ما قدموه للاستعمار من خدمات، والفلاحين الصغار المتضررين من ثقل الضرائب واستحواد المعمرين على أجود الأراضي، والحرفيين المتضررين من كساد السوق ومنافسة البضائع المصنعة المستوردة وشبه المعفاة من الرسوم الجمركية بفضل بند "الباب المفتوح" المنصوص علية في اتفاقية الجزيرة الخضراء، وقدماء المحاربين الذين شاركوا في الحربين العالميتين وفي حرب الهند الصينية، ومختلف فئات اليهود، و الشباب المسلم المتعلم في المدارس والمعاهد النادرة التي أنشأتها الإقامة العامة.
استلهمت هاته الفئة الأخيرة من الشباب، آراءها ومواقفها، من فلاسفة الأنوار، والمثل العليا للحرية والمساواة كما كرستها الثورة الفرنسية (1789)، انطلاقا من العام 1920، في حين نجد أن مواطنيهم اليهود قد سبقوهم بثلاثة أجيال في هذا المجال، حيث استفادوا في وقت مبكر من التعليم العصري، بفضل الشبكة المدرسية التي أحدثتها الرابطة الإسرائيلية العالمية ابتداء من سنة 1862. وعلى نقيض علماء وفقهاء القرن التاسع عشر، الذين كانوا لا يرون في "الحرية" التي ينادي بها الأوروبيون، إلا ميوعة و"زندقة" وفردانية وتمرد على الإرادة الإلهية ومصدر فتنة، فإن الفئة من الشباب المسلم الذي تلقى تكوينا عصريا في المدارس العصرية على يد معلمين وأساتذة فرنسيين  لن تتأخر عن الانقلاب ضد النظام الاستعماري تأثرا بما تعلمته في الصف. ولعل استخدام مسرحية موليير المرائي (Tartufe) ضد العمائم القديمة (Vieux turbans)، من قبل  الشبان الوطنيين له دلالته في هذا السياق. والواقع أنهم استعانوا أيضا بدعم ومساهمات المناضلين اليساريين الفرنسيين، لإعداد وكتابة برنامج الإصلاحات (1934). وتجدر الإشارة أنه من بين قادة الحركة الوطنية الأوائل، من كان من حاملي جوازات السفر البريطانية، و بطاقات الحماية الإيطالية والأمريكية.
تبقى أوروبا الغربية، في السياق الحالي،  نموذجا لكثير من المغاربة الطامحين إلى مزيد من الحداثة والديمقراطية. لكن هل تدرك أوروبا نفسها الآثار المترتبة على "غطرسة الغرب" تجاه المسلمين، وعلى السياج الهائل المحيط بحدودها الخارجية، وعلى الترسانة القانونية والإجرائية المنافية لحق وحرية تنقل الأشخاص، وعلى غموض مواقفها في الدفاع عن القيم العالمية وراء حدودها...؟
بصفة عامة، وبغض النظر عن المصالح الموضوعية والحسابات الكامنة وراء استراتيجية القوى الغربية وكذا الصين وروسيا تجاه الشعوب العربية، وتعبئتها للإطاحة بالأنظمة التي لم تعد تستحمل سلطويتها وانفراد قادتها بالحكم، يستشف من المؤشرات المتراكمة من أواخر العام 2010، إلى يومنا هذا، أن "الربيع العربي" (بما له وما عليه) شكل منعطفا حاسما في تاريخ شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وأحدث دينامية جديدة يجوز الافتراض أنها حبلى بشتى الاحتمالات وأن تقييمها لن يتأتى في واقع الأمر إلا بعد مضي بعض الوقت؛ خصوصا وأن الحراك لازال مستمرا في عدد من الأقطار العربية.