مرايا بورخيس المكسرة - ترجمة و تقديم: نورالدين بوخصيب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

jorge-luis-borgesتقديم: لبورخيس علاقة حميمية جدا بالمرايا.. مرايا العالم و مرايا الإنسان و الأشياء داخل العالم.. و من كثرة حضورها في وجدانه و فكره فهو يخشاها كثيرا لدرجة أنه يدعو الله ألا يحلم بالمرايا.. مرايا بورخيس المتشذرة قاسية جدا لأنها تكشف عن رعب العالم.. هناك تضعيف لامتناهي و تشعب أبدي للأشياء و الأفعال من خلال المرايا المحدقة و المرعبة لأشياء العالم نفسها.. بورخيس كاتب المتاهات بامتياز يضعنا من خلال مراياه اللامنقطعة أمام قسوة العالم و رعبه في فعل التضعيف الدائم.. إلى جانب شذرات لبورخيس يجد القارئ ترجمة لمقاطع لروا باستوس، لفرناندو بوسوا و موباسان في نفس الموضوع..
كانت إحدى دعواتي الملحة إلى الله و إلى ملاكي ألا أحلم بالمرايا. أعرف أنني كنت أراقبها بحزن. و كنت أخشى، أحيانا، أن تنفصل فجأة عن الواقع، مثلما خشيت، أحيان أخرى، أن أرى وجهي مشوها بـتعاسات غريبة. و قد علمت أن هذا الخوف، حاضر من جديد، بإدهاش، داخل العالم.

بورخيس " المرايا المقنعة"

 

حقيقة العالم، و حقيقة الكائن الإنساني، هي بالأساس حقيقة شذرية، كما لو كانت تنعكس على مرآة مكسرة.
Augusto Roa Bastos, Le Procureur / El fiscal

أنا الذي كنت أشعر برعب المرايا
ليس فقط أمام المرآة العصية على الاقتحام
حيث ينتهي و يبدأ، غير مأهول،
الفضاء المستحيل الذي تعمره الانعكاسات
و لكن أيضا أمام الماء المتدفق دوما و المحاكي
للسماء اللازوردية
التي يمزقها أحيانا جناح وهمي
طائر مقلوب أو يهتز مرتجا،
و أيضا أمام السطح الصامت
للأبنوس الماهر الذي تكرر بذرته اللطيفة
مثل حلم، البياض الكامل
لرخام شاسع، أو لوردة شاسعة
و اليوم، بعد سنوات طوال حائرة
حيث كنت تائها تحت القمر المتبدل،
أتساءل أي حظ هذا
الذي منحني خشية المرايا.
J.L.Borges - Los espejos / Les miroirs

لماذا تستمرين، أيتها المرآة اللامنقطعة؟
لماذا تضاعف، أيها الأخ العجيب،
أقل حركة من يدي؟
لماذا في الظل هذه الانعكاسات المفاجئة؟
أنت هذا الأنا الآخر الذي تحدث عنه اليوناني
منذ الأزل أنت ترقب. في وضوح
الماء المتحول أو البلور المثابر
تبحث عني و لا شيء يفيد في أن يكون المرء أعمى.
أن أعرف دون أن أراك
أضف إلى رعبي، سحرا يجرؤ على
مضاعفة عدد الأشياء
التي نكون، و التي تعانق قدرنا
بعد موتي سوف تنسخ شخصا آخر
ثم آخر، و آخر، و آخر، و آخر أيضا…
بورخيس
آه.. حين أشاهد نفسي في المرايا التي تعكسني، حين أشاهد نفسي فيها من الخلف، أو خلال سيري، أو من الجانب، عندها رعب نظامي يغمرني. أشعر برعب أنني أتعايش مع ذاتي. إنني مرتبط بحلم عن أناي هو أنا. عندما أشاهد نفسي من الخلف في المرايا يبدو لي أن لي وجودا آخر، أنني شيء آخر. مظهري الخارجي يدهشني… أي رعب هذا أننا لا نستطيع أن نرى كل مرة سوى جانب واحد من جسدنا ؟ ماذا يمكن أن يقع في الجانب الذي لا نراه عندما لا نراه؟
Fernando Pessoa , Dialogue dans le jardin du palais - Le Privilège des Chemins ,
انتصبت واقفا، يداي ممدودتان، ملتفتا بسرعة حيث كدت أن أسقط.. كنت في واضحة النهار، و لم أكن أشاهد نفسي في مرآتي ! كانت فارغة، واضحة، عميقة، مملوءة بالنور ! غير أن صورتي لم تكن بداخلها… و كنت أمامها ، أنا ! كنت أرى الزجاج الكبير الشفاف من الأعلى إلى الأسفل. كنت أرى ذلك بعينين مصعوقتين، و لم أكن قادراعلى القيام بأية حركة، أحس مع ذلك أنها هنا و أنها تهرب مني أيضا، هي التي ابتلع جسدها اللامدرك شعاعي .
Maupassant - Le Horla