حريـة العقيـدة - ألبرت اينشتاين – ت: عمار كاظم محمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgهناك الكثير من المنابر الأكاديمية  لكن الأستاذة النبلاء والحكماء قليلون وهناك أيضا الكثير من غرف الدرس الواسعة لكن عدد الطلاب المتعطشين  للسعي وراء الحقيقة والعدالة قليلون .
الطبيعة توزع هباتها بسخاء لكنها نادرا ما تنتجه بامتياز وجميعنا نعرف ذلك فلم الشكوى؟  فهي لم تكن أبدا كذلك وسوف لن تبقى كذلك أيضا  وبالتأكيد فعلى المرء أن يأخذ ما تمنحه الطبيعة مثلما وجده لكن أيضا هناك شيء ما هو روح العصر وموقف العقل الذي يشكل خاصية جيل معين والتي تنتقل من فرد إلى فرد وتمنح  المجتمع نغمته الخاصة .
كل منا يجب عليه أن يقوم بدوره الصغير من اجل ذلك التحول في روح العصر قارن مثلا تلك الروح التي كانت تحرك الشباب في جامعاتنا قبل مئة عام بتلك  السائدة الآن ستجد إن أولئك كان لديهم إيمان بتحسن المجتمع الإنساني واحترامهم لكل رأي صادق والتسامح الذي قاتل من اجله كلاسيكيونا وعاشوا لأجله .
في تلك الأيام كان الرجال يكافحون من أجل وحدة سياسية أكبر كانت تدعى ألمانيا ، لقد كان الطلاب والأساتذة هم من أبقى تلك النماذج حية واليوم هناك حافز للتقدم الاجتماعي والتسامح وحرية الفكر ونحو وحدة سياسية أكبر تلك التي ندعوها اليوم أوروبا لكن الطلاب في جامعاتنا قد توقفوا بالكامل مثل أساتذتهم عن تقديس آمال وأفكار الأمة .
فكل شخص ينظر إلى فتورنا وعدم حماستنا في هذا الوقت سيعترف بذلك نحن اليوم متجمعون فقط لتقييم أنفسنا والسبب الخارجي للقائنا هو قضية غامبل . فحواري العدالة هذا قد كتب عن الجرائم السياسية التي كرستها الصناعة بشجاعة علية  وإنصاف موضوعي  قدم من خلالها خادمة بارزة للجمهور من خلال كتبه فهذا الرجل الذي  يحاول طلابه وزملائه من المدرسين في الجامعة أن يقدموا أفضل ما لديهم لطرد العاطفة السياسية وعدم السماح لها بالذهاب إلى هذا المدى البعيد .
أنا مقتنع تماما أن كل من قرأ كتب السيد هاري غامبل بعقل مفتوح سيصل إلى نفس الانطباع الذي وصلت إليه فرجال مثله نحتاجهم لبناء مجتمع سياسي صحي . ليحكم كل إنسان بما يملك من قناعاته التي توصل إليها وقرأها  لا بما أخبره الآخرون عنها فإذا حدث هذا يتبقى قضية غامبل بعد البداية تعمل بشكل جيد .

الخير والشر:-
 أن من الصحيح من حيث المبدأ أن خير المحبوبين هم أولئك الذين ساهموا بشكل أكبر في رقي الجنس البشري والحياة الإنسانية فإذا تساءل شخص ما من يكونون هؤلاء ؟  سيجد المرء نفسه لا يواجه أي صعوبات في ذلك ففي مجال السياسة وحتى في الدين يكون القادة مشكوك فيهم في أغلب الأحيان فيما إذا كانوا قد أحسنوا كثيرا أم أساؤوا لهذا أنا أؤمن بشكل جاد أن أفضل خدمة يمكن أن يقدمها المرء للناس هو في أن يمنحهم عملا راقيا وهكذا يتمكن من ترقيتهم بشكل غير مباشر وهذا ينطبق على معظم الفنانين العظماء وينطبق أيضا ولكن بشكل أقل على العلماء  .
ولنكن متأكدين أن ما يرتقي بالإنسان ويغني طبيعته ليس ثمرة البحوث العلمية بل الحافز لفهم العمل الثقافي إبداعا وتقبلا وقد يبدوا من العبث مثلا الحكم على كتاب التلمود من خلال ثماره الثقافية فالقيمة الحقيقية للإنسان تقاس في البداية على المعيار والإحساس الذي ينجز لتحرير النفس من الأنا.

الفرد والمجتمع:-
حينما نتفحص حياتنا وجهودنا نلاحظ حالا أن كل أعمالنا ورغباتنا ترتبط بوجود الناس الآخرين.إننا نرى أن كل طبيعتنا تستلزم ذلك الكائن الاجتماعي  فنحن نأكل طعاما زرعه آخرون ونلبس ملابسا صنعها الآخرون ونعيش في بيوت بنيت من قبل آخرين والجزء الأكبر من معرفتنا وإيماننا قد تم إيصالها لنا عن طريق الآخرين بوجود وسط ناقل الذي هو اللغة التي خلقا آخرون وبدون اللغة فان استيعاب عقولنا سيغدو فقيرا بالتأكيد ومقاربة لدى تلك الموجودة في الفصائل العليا من الحيوانات لذلك فإننا يجب أن نعترف أننا ندين بأفضليتنا الرئيسية على الوحوش لحقيقة حياتنا في المجتمع الإنساني.
فإذا ترك الفرد منذ الولادة منعزلا فسوف يبقى بدائيا يشبه الوحوش في أفكاره وأحاسيسه إلى درجة نتحملها بالكاد. إن الفرد هو ما يكون عليه وليس أهمية كبيرة في فرديته بقدر ما يكون عضوا في المجتمع الإنساني العظيم والذي يوجه وجوده المادي والروحي من المهد إلى اللحد.
قيمة الإنسان الحقيقة لبني جنسه تعتمد أولا على عمق مشاعره وأفكاره وإعماله التي توجه باتجاه تعزيز الخير لمن يتبعه.       
ونحن نقول عنه أنه سيء أو جيد طبقا لموقفه من هذا الأمر ويبدوا أن قياسنا للإنسان يعتمد كليا على قابلياته الاجتماعية ورغم ذلك فان هذا الموقف سيكون أمرا خاطئا فمن الواضح أن كل الأشياء القيمة المادية والروحية والأخلاقية التي تعلمناها من المجتمع تناقلت إلى ما لا يحصى من الأجيال  إلى بعض الأفراد المبدعين مثل استخدام النار وزراعة النباتات الصالحة للأكل والماكينة البخارية فكل من تلك الأشياء قد اكتشفها فرد واحد .
فالفرد فقط هو الذي يستطيع التفكير وبذلك يخلق قيم جديدة للمجتمع فلا يمكن خلق معايير أخلاقية جديدة تتوافق مع المجتمع بدون وجود المبدع والتفكير المستقل والشخصيات الحكيمة التي ترتقي بالمجتمع لأنه عند ذاك يصبح تقدمه مستحيلا كتقدم الفرد بدون التربة  المغذية للشخصية وهي  المجتمع لذلك فان صحة المجتمع تعتمد بشكل كبير على استقلالية الفرد  بنفس القدر الذي يعدونه علامة على تماسكهم السياسي  .
لقد قيل إن شراكة الثقافة الاورو-أمريكية في مجملها وبشكل خاص ازدهارها الرائع في عصر النهضة الايطالية  قد وضع نهاية  لركود أوربا في العصور الوسطى اعتمادا على التحرر مقارنة بالعزلة الفردية. 
لنتأمل وقتنا الحاضر الذي نحيا فيه كيف حالة مجتمعاتنا وكيف هي الفردية ؟ إن تعداد سكان البلدان المتحضرة هم أكبر بكثير من الأزمان الماضية  فأوروبا الآن تحتوي ثلاثة أضعاف السكان عما كانت عليه قبل مئة عام  لكن العباقرة فيها قد تناقص عددهم بشكل كبير فهناك عدد قليل جدا من الأفراد معروفين بالنسبة  للجماهير من خلال انجازاتهم الإبداعية فقد أخذت المنظمات مكان العباقرة إلى حد ما  خصوصا في مجال التكنولوجيا والى مدى محسوس جدا  بالنسبة للعلماء .
einstein.jpgإن النقص البارز في الشخصيات المبدعة يتمثل بشكل كبير في مجال الفن فالرسم والموسيقى تحللت وفقدت شعبيتها بشكل كبير وفي مجال السياسية أيضا ليس هناك نقص في القادة السياسيين فحسب بل ضياع الاستقلالية وإحساس العدالة لدى المواطن قد هبط إلى درجة كبيرة  فالنظام البرلماني الديمقراطي الذي يستند على هذه الاستقلالية قد اهتز في الكثير من الأماكن وبرزت الديكتاتوريات بالسماح لها لأن إحساس الناس  بالكرامة  وحقوق الفرد لم يعد قويا بما فيه الكفاية والخدمة العسكرية الإلزامية تبدوا لي من أكثر تلك العلامات المعيبة  وذلك النقص في الكرامة الشخصية  التي تعاني منها البشرية المتحضرة هذه الأيام فلا عجب إذن أن يكون هناك نقص في الموهوبين الذين يتنبئون بالكسوف المبكر لحضارتنا  .
أنا لست أحد أولئك المتشائمين فانا اعتقد أن الأزمان الجيدة ستأتي فدعوني أعلن لكم أسبابي لهذه الثقة.
في رأيي أن الأعراض الحالية للانحطاط تتضح بحقيقة أن تطور الصناعة  والمكننة  جعلت الكفاح من أجل الوجود حادا بشكل كبير وأثر بالتالي على تطور الحرية الفردية  لكن تطور المكننة يعني أن العمل المطلوب من الفرد يتناقص شيئا فشيئا لإرضاء حاجات المجتمع وغدا هناك خطط لتقسيم العمل على قدر الحاجة  بشكل متزايد هذا التقسيم سيؤدي إلى إيجاد الأمن المادي للفرد .
هذا الأمن والوقت الإضافي والطاقة ستصبح في متناول الفرد ويمكن استغلالها لتطويره إلى ابعد الحدود وبهذه الطريقة يستعيد المجتمع صحته ونأمل من مؤرخي المستقبل أنهم سيبينون أن الأعراض السقيمة للمجتمع المعاصر هي  مثل أمراض  الطفولة  للإنسانية الطموحة  بسبب السرعة  المفرطة التي كانت تتقدم بها الحضارة  . 
       
    
  * المقال المذكور هو من كتاب تذكاري  صدر بمناسبة مرور 100 عام على ولادة البرت اينشتاين وعنوانه ويضم مقالاته ورسائله التي يضمنها ارائه في الحياة والسياسة والعلم والدين وأنا اعكف حاليا على ترجمته .
عنوان الكتاب هو  The world As I see it