رحلة صغيرة في جمجمة يساري مغربي ـ طويل حسن

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse1809100" في هذا العالم ؛أحيانا لاتدخل على الحياة ، إلا بالخروج عليها .. ولن تصلي حتى تترك الجماعة .. ولاتؤمن بالله حتى تكفر بالمعبد .. و لن تعانق الحكمة حتى تتخلى عن كتب فلاسفتها "(انقلاب المعبد ، عبد الرزاق الجبران).
"المتخلف يفهم ويمارس  يساريته بتخلف "
إن اليسار المغربي لعب دورا كبيرا في مواجهة الإستبداد وناضل كثيرا في سبيل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان و الحريات . إلا أن المتتبع الموضوعي لتاريخه و ممارساته و خطابه يقر بأزمة حقيقية عاشها في ماضيه و حاضره وحتما سيعيشها مستقبلا ، مالم يقم بنقد ذاتي وبعملية إعادة البناء على جميع المستويات : الفكرية و السياسية و التنظيمية ، وذلك عبرالقطع مع البراديغم المتبنى لحدود الآن ، وإبداع براديغم يساري جديد يكون قادرا على إنتاج الاسئلة والاجوبة الحقيقية للإشكاليات التي يعيشها الشعب المغربي .و لعل أبرز مظاهر هذه الازمة هو تشوه يساريته نتيجة وجوده في بنية إجتماعية متخلفة تعيش على إيقاع حداثة رثة تمسخ كل شيء بالتخلف . مما تحوله إلى ماكينة لإعادة انتاج التخلف ولو بنيات حسنة.

فلو فتحنا جمجمة اليساري المغربي فحتما سنجد، ماركس بشكل كاريكاتوري، و جمال عبد الناصر ضخما ، وفقيها اصوليا متخفيا وراءهما، والكل يسبح في مستنقع نظرية المؤامرة التي تحرك خيوطها الامبريالية والصهيونية .
"اليساري المغربي " يمارس وبكل اريحية نضالية "شعوذة المفاهيم "، فباعتقاده انه يكفي ترديد المفهوم ليصبح واقعا ؛ الصراع الطبقي و المادية التاريخية والطبقة العاملة وديكتاتورية البروليتاريا ....تتم سرقتها من الكتب ونقاشات المقاهي و الساحات لتحويلها الى الادمغة والالسنة لتسقط تباعا على واقع مركب ومعقد كالواقع المغربي .هوإنزال للنص مشوه الفهم والتأويل  على واقع معقد و مركب  .حيث يتم  لي تعسفي للواقع لينسجم مع "ماركسية رثة " مسخت بميكانيزمات وآليات التفكير المتخلف .فحولت الماركسية من ثقافة ومنهجية نقدية للراسمالية أساسها تحرر الانسان من كل إستغلال مادي او فكري او روحي ، إلى عقيدة اول ما استعبدته هو معتنقها نفسه، وحولته إلى قن إيديولوجي يكره كل نقد أوإبداع . يسود في الخطاب اليساري ، منطق إقتيات فتات الافكار هنا وهناك خارج سياقها و تبنيها كعقيدة في اللاوعي المعرفي ،  لإنزالها كسوط فكري تعذب الواقع الذي تريد تحليله وتتركه مدرجا في دمائه كقربان لها. فيصبح كل مختلف في الرأي خارج المعبد الايديولوجي و بالتالي مرتدا او  تحريفيا اوعميلا للمخزن و الامبريالية و الصهيونية . فالتشوه الذي عرفه على مستوى جهازه المفاهيمي وممارسته السياسية و لاوعيه المعرفي جعلت تصوراته تعتمد على آليات أصولية تمجد المطلقات و النصوص و الشعارات و تحتقر الإبداع و التغيير و تكوين الفكر الملائم لكل مرحلة. هو في لاوعيه الإيديولوجي أصولي سلفي من نوع آخر : لي الواقع لينسجم مع النص -  نفي الآخر : الماركسي (اللينيني-الثوري..)\ الآخر (المرتد، المخزني ، العميل..) – نقاء العقيدة، العودة للأصول- تقديس الاشخاص والافكاروالنصوص - توقيف التاريخ في فترة معينة ....افكاره هي تركيب ترقيعي لتصورات شبه يسارية مسخت بمنطق ايديولوجي أصولي .
 في ممارسته السياسية يظن أن الطهرانية والشعارات الكبيرة المصاغة في بيانات لا يراها سوى قلة من المتعاطفين معه كافية للتغيير، وينسى ان التغيير الحقيقي هو العمل على الملفات الحقيقية التي يستغلها اعداء الشعب المغربي  لديمومة الاستبداد والفساد . المخزن و حلفاؤه و " التحالف الطبقي " الحاكم  لا يضيره في شيء ـ خاصة في هذه المرحلة ـ  ان تنعته " بنظام لاشعبي لاوطني " او الكمبرادور " او مختلف الكلمات الكبيرة الاخرى ، ولكن يرتبك اشد الارتباك إن فضح في ملفات  فساد دقيقة بدلائل ومعلومات صحيحة وصادقة ( تيل كيل و نيشان عندما فتحت ملفات المال والاعمال للمخزن و ملفات الحريات الفردية كانت اكثر نضالية و يسارية من البيانات الرصاصية التي ينتجها بعض مدعي اليسارية من حين لآخر )او تبني معارك حقيقية ملتصقة بهموم المواطنين وبمعيشهم اليومي  بعيدة عن الشعارات والاستيهامات . فالنضال الحديث هو في تفاعل مع المرحلة التي يعيشها المجتمع والتطورات التي تمس بنياته. فالعصر الحديث ، عصر نهاية الجغرافيا والانفجار المعرفي وثورة الاعلام والاتصال ، تحولت فيه نظريات التغيير من الشعارات الكبرى الايديولوجية التي تدعي الحقيقة المطلقة والوفاء للنصوص و التي لاتمس الواقع سوى في العقول ،الى تصورات تعتمد على النسبية والاحتمالية و النجاعة في تغيير الواقع وفق مقاربات براغماتية وعقلانية تختار الاهداف والحاجيات و تضع خططا قابلة للتحقيق و خاضعة للتقييمات المستمرة لتصنع واقعا جديدا .فثورة  التواصل والإعلام والمعلومات تفرض الاشتغال على ملفات مفصلة و دقيقة بدل الشعارات الكبيرة ؛  فملفات الفساد الاقتصادي والسياسي و نهب المال العام وإنتهاكات حقوق الانسان وزواج السلطة و الثروة... ، عبر تتبعها ورصدها وجمع الدلائل عليها  وفضحها ومواجهتها أفضل من أضخم شعار مزوق بكلمات مثل الطبقة العاملة  والصراع الطبقي .
اليساري المغربي هو قومجي كبير ، فهو يكثرمن العداوة الشكلية لكل مايمس "الأمة العربية" من طرف الامبريالية و العدو الصهيوني ، ويظهر تسامحا ومرونة مبالغا فيهما في مواجهة القضايا المرتبطة بالمواطن المغربي العادي في وجوده السياسي والاقتصادي والحقوقي .فهو يرمي بالمنهج الجدلي في قراءته لوضعية "العربي الضحية ،المسالم، الابيض، الملاك " في مقابل " اليهودي ، الصهيوني ، العدواني ، الاسود ، الشيطان " ويعوضه بمنهج الثنائيات المقيتة الشوفينية .فلقد يخرج ضد الامبريالية  او الصهيونية في مظاهرات ومسيرات لانها مست الدم العربي، لكنه لايخرج في تضامن مع شعوب ذات ثقافات  او قوميات اخرى، اوضد توحش داعش والقوى الأصولية التي ترتكب جرائم وحشية . ربما  اليساري المغربي ،لاشعوريا، يعتبرهم " عربا مسلمين وليسوا امبرياليين". ويتناسى ان  إسرائيل والولايات الامريكية المتحدة على الاقل "هما قوى اللاوعي التاريخي للتقدم " وفق ماأشار اليه ماركس الحقيقي في قراءئته للاستعمار ، اما الدواعش فهم قبل الحضارة ، هم " الوعي التاريخي للتخلف".
اليساري المغربي مريض بإستحضار الارواح ، فهو يستعمل بشطط نظرية المؤامرة .فالكل ضحية مؤامرة امبريالية صهيونية ، حتى الشعب المغربي يبرر سلبيته و وحشية وافتراس حاكميه، بانه ضحية الروح الشريرة والشيطان الاكبر امريكا و حليفتها اسرائيل .ومطط هذه النظرية ليحول كل حدث في المغرب الى مؤامرة مخزنية . حتى ان اجتهد عنصر من عناصره او اعطى موقفا مغايرا يعتبره اداة من اداوات المخزن للتاثير على التنظيم " المعبد".إستعمال هذه النظرية و بهذه الطريقة هو، نتيجة لاوعي ثقافي مغروس في الاعماق، يعبر عن قدرية ميكانيكية و إستحضار للشيطان الديني .
ان لقيم اليسار نواة اساسية وهي "تحرير الانسان من كل إستلاب مادي او معنوي " ، والذي يجعل منها ضرورة لبناء مجتمعات العيش الكريم والتقدم والتحرر . ولن يتاتى هذا الا عبر تحرير هذا اليسار من "أصنامه الداخلية" عبر نقد بداهاته و تصوراته وممارساته من خلال التملك المعرفي للبنية الاجتماعية في الشرط الزمكاني التي تتواجد به والاستفادة من التطور العلمي والثقافي التي وصلت اليه الانسانية ، ومحاربة الدجل الفكري والذي يتبنى شعودة المفاهيم و الافكار ظنا منه ان ترديد الشيء كاف لتغيير واقعه.
إن تبني التغيير يفرض على الفرد ان يبدأ بأول خطوة في هذا المسار وهي خلخلة جمجمته بدون خوف من آلام الرأس .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟