في البعد الإيديولوجي لمفهوم النهضة ـ خالد كلبوسي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

2386238389نشير في البداية إلى أن اختيار تسمية حزب من الأحزاب ليس اختيارا عبثيا إنما يحمل تصورات و رؤى معينة لمهام الأحزاب و أهدافها كما يحمل الأوهام التي يسوق لها مؤسسو الأحزاب لكن تسمية حزب من الأحزاب لا تعكس اختيارات المؤسسين لها فحسب بل تعكس كذلك أو تعبر عما لا يعيه هؤلاء عندما سمّوا الأحزاب بأسمائها و لجهة هكذا أمر نزيد أن نهتم اليوم بما  نسمّيه البعد الإيديولوجي لتسمية أحد أهم الأحزاب في الائتلاف الحاكم في تونس نعني بذلك حزب " حركة النهضة " التونسي هدفنا في ذلك الكشف عن إرادة الإيهام في مثل هكذا تسمية و لكن كذلك ما تنطوي عليه التسمية من معاني و دلالات خفية  تتعلق أساسا بالصراعات الاجتماعية الطبقية في تونس و بلدان ما يعرف بثورات الربيع العربي . من أجل ذلك نسعى في هذا المقال إلى تحديد دلالة " النهضة " و تاريخية هكذا مفهوم في علاقة بالشروط الاجتماعية و التاريخية  التي نشأ فيها ثم نتساءل عن العلاقة بين مفهومي " الثورة " و " النهضة "    و بيان أسباب صعود إيديولوجيا "الإسلام السياسي " في الوقت الراهن منهين المقال بالنظر في علاقة " الثورة " بــ " الفكر الثوري " .

1) مفهوم " النهضة " في الفكر العربي الحديث.
وحدهم المثاليون يفصلون بين الفكر و الواقع بين النظري و التطبيقي و هو أمر تجاوزه التحليل العلمي الموضوعي منذ زمن فالتصورات الفكرية و الإيديولوجية مرتبطة و متفاعلة مع التربة الاجتماعية و التاريخية التي نشأت فيها رغم استقلاليتهما النسبية عن بعضهما البعض و لذلك فإن مفهوم " النهضة " في الفكر العربي الحديث لم ينشأ من فراغ، بل نشا تقريبا  في النصف الثاني من القرن 19 كحركة فكرية معبرة عن تحولات اجتماعية تاريخية انتقلت فيها المجتمعات العربية من مرحلة إقطاعية استبدادية إلى مرحلة رأسمالية كولونيالية بلغة المفكر اللبناني مهدي عامل. هاهنا لا بد من التوقف قليلا عند هكذا تحول اجتماعي تاريخي الذي عاشته المجتمعات العربية.
فما يميز الطبقة البرجوازية في بلداننا العربية التي سقطت فريسة للاستعمار الأوروبي أنّ نشأتها لم تكن مستقلة عن القوى الاستعمارية الخارجية بل كانت في علاقة خضوع للطبقة البرجوازية الأوروبية و لنظام الإنتاج الرأسمالي الإمبريالي. من هنا  نشأت الحاجة إلى حركة فكرية إيديولوجية تعبر عن سعي البرجوازية العربية إلى فرض سيطرتها على المجتمعات العربية في هذه المرحلة . و قد كانت هذه الحركة الفكرية هي ما يعرف لدى الدارسين – بحركة النهضة – و لم تكن تونس حالة شاذة عن بقية البلدان العربية و إن كانت لها خصوصيتها الناقصة في التطور الاجتماعي و التاريخي في تلك الفترة و من حملة  فكر " النهضة " في تونس كما هو معلوم خير الدين باشا في " أقوام المسالك في أحوال الممالك " و عبد العزيز الثعالبي في كتابه " تونس الشهيدة " و غيرهما . و كما يقول ابن خلدون غالبا ما يقتدي المغلوب بالغالب فقد تأثر مفكرو النهضة أو ما يسمّى زعماء الإصلاح بأفكار الأنوار و الثورة الفرنسية دون أن يثوروا حقيقة على ماضي الفكر العربي بفعل محدودية الأفق الاجتماعي و البلدان العربية عموما.

2) مساءلة  المفهوم  : " النهضة " و " الولادة الجديدة " .
من المعلوم أن " النهضة " لفظ عربي و لذلك من المفيد أن نعود إلى " لسان العرب " لنحدد  معناها اللغوي . فنهض ينهض نهضا نهوضا و انتهض تعني قام و منها نهض الطائر بمعنى بسط جناحيه ليطير و منها كذلك الناهض و يعني فرخ العقاب الذي وفر جناحاه و نهض للطيران. أما النهضة فتعني لغة الطاقة و القوة – ما يشد الانتباه في مختلف هذه المعاني اللغوية أنها تساعدنا في الكشف عن مسلمات مسكوت عنها في " النهضة " كحركة فكرية عربية نشأت كما أسلفنا منذ النصف الثاني من الق 19 – و هو أمر أشار إليه مهدي عامل في العديد من مؤلفاته خاصة منها " أزمة الحضارة  العربية أم أزمة البرجوازيات العربية " حيث يبين أن " كلمة النهضة لا توحي بما توحي به كلمة " الولادة الجديدة " مضيفا أن " النهضة هي نهضة الشيء نفسه الذي عليه أن ينهض من ركود أو خمول هو فيه " فمعنى القيام والنهوض في الكلمة لا يحمل معنى الثورة التي تفيد ولادة جديدة أي تغيير جذري يطال الأسس.
فزمن النهضة خطي متواصل بينهما زمن الثورة منفصل منقطع و لذلك يمكن القول أن الفكر العربي الحديث لم يطرح على نفسه الثورة على القديم و تقديم الجديد الخاص به بقدر ما آل على نفسه في توجهه العام على الأقل التوفيق بين الماضي و الحاضر أو ما يسمّى تسميات شتّى كلها تصبّ في معنى عام واحد من ذلك الإصلاح و مواكبة العصر  و غيرها من التسميات.

3) الثورة و النهضة
إذا كانت الثورة تعني التغيير الجذري و التحول أي الانتقال من بنية اجتماعية تاريخية إلى بنية اجتماعية تاريخية أخرى. فإن النهضة ترتبط بمعنى الإصلاح و الصحوة أي أنها لا تسعى إلى ميلاد جديد بقدر ما تسعى إلى استنهاض القوى الموجود التي أصابها العطب او تعطّلت أو دخلت في سبات عميق و يراد إيقاظها لا غير. و هو أمر يعكس في الحقيقة جذور نشأة مخصوصة للبرجوازية العربية و انطلاقا من ذلك فإن استعادة حزب من الأحزاب هذه التسمية لصالحه إنما يعبر عن مسلمات إيديولوجية مسكوت عنها لا تؤمن بالثورة بل تعتقد فقط أن الأمر متعلق باستنهاض ما هو موجود و قد أصابه الخمول. و بناء عليه نقول إن الثورة في تونس بما في ذلك بلدان ما يعرف بثورات الربيع العربي تمر الآن بامتحان صعب يرافق عملية ولادة جديدة لكنه لا يعني فعلا حدوث هذه الولادة . إن قوى الإصلاح و الصحوة و النهضة هي في الحقيقة قوى برجوازية كولونيالية هي بصدد الاستيلاء على السلطة مستخدمة في ذلك أدوات صراع إيديولوجي مختلفة عن أدوات الصراع الإيديولوجي القديمة . و تتعلق هذه المرّة بتأويل معين للإسلام.

4) " الإسلام السياسي " كإيديولوجيا.
شهدت ثورات الربيع العربي كما هو معلوم صعود ما يسمّى " الإسلام السياسي "  لشدة الحكم – و هي إيديولوجيا لا تطرح على نفسها ثورة على القديم أي تغييرا جذريا للبنية الاجتماعية الكولونيالية بل تسعى فقط إلى المحافظة تقريبا على نفس  النمط الإجتماعي و الإقتصادي المسيطر في البلدان العربية إلى حد الآن. إنما هذه الإيديولوجيا التي تعرف اليوم بالإسلام  السياسي هي في الحقيقة تأويل معين للإسلام في خدمة طبقة إجتماعية إصلاحية هي البرجوازية التي تريد المحافظة على سيطرتها الطبقية بأدوات جديدة بعد ان انهارت مشاريع "المستغربين " و " العلمانيين " بلغة الإسلام السياسي. فقد فشل هؤلاء في النهوض بالأمة و جعلوها مغلوبة على أمرها. في حين أن الأمر لا يعد و أن يكون مجرد تغيير في أدوات الصراع  الإيديولوجي . فإذا كانت البرجوازية الكولينالية قد توسّلت سابقا ما عرف بقيم التحديث فقد غيرت اليوم من أدوات الصراع الإيديولوجي على إثر الأزمات الإجتماعية و السياسية التي عاشتها و مازالت تعيشها البلدان العربية في الوقت الراهن و تستخدم الإسلام السياسي للإجهاض على ثورات الربيع العربي و هو ما يفسر تحالف قوى " الإسلام السياسي " مع نفس القوى الإمبريالية التي تحالفت معها السلطات الحاكمة في البلدان العربية سابقا.

5) الثورة و الفكر الثوري :
إن الصراع الحقيقي اليوم في بلدان ثورات الربيع العربي ليس صراعا بين " إسلاميين " و " علمانيين " بين مؤمنين   و كفار كما يحلو للبعض وصفه، ذلك أن الصراع الحقيقي هو صراع بين طبقات إجتماعية ، بين برجوازية كولونيالية ترتبط مصالحها بالإمبريالية و بين عموم الكادحين و الفئات المهمشة من الشعب و السؤال الحقيقي هو إلى جانب أي طبقة اجتماعية يقف هذا الطرف أو ذاك؟  و عندما نحلل الأمور من هذا المنظور فإننا لا نجد فارقا حقيقيا بين الأحزاب الحاكمة سابقا و الأحزاب التي وصلت إلى الحكم حديثا فكلا الفريقين لا يسعى إلى تغيّر جذري في النهج الإقتصادي و الإجتماعي و إن عدل أو غير في أدوات الصراع الإيديولوجي  و ما يؤسف له أن محاولات ما يسمّى بالإستقطاب الثنائي التي تعيشها تونس و بقية ثورات الربيع العربي هو استقطاب بين فريقين يعبران عن مصالح نفس الطبقة المسيطرة تعني بذلك البرجوازية الكولونيالية.
إن الثورة تفترض فكرا ثوريا و ليس فكرا إصلاحيا (نهضويا إن شئنا) من مهامه إبداع برامج ثورية تعبر عن مصالح جماهير الكادحين أصحاب المصلحة في التغبير الثوري. و من البديهي أن يتسلح الفكر الثوري بأدوات التحليل الموضوعي لتشخيص الواقع  و من ثم إقتراح حلول جذرية للأزمات التي تعيشها البلدان العربية في الوقت الراهن. فهل ستنجح قوى التغيير في إتمام مهام الثورة ؟ 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟