العلوم الإنسانية والمواطنة في زمانية متحولة ـ مولاي عبد الحكيم الزاوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse30128   أي موقع بات لعلوم الإنسان ضمن زمنية مطبوعة بالتحول في تفسير "عالم ما فوق الواقع" بتوصيف من الفيلسوف الفرنسي جون بوديار؟ هل أضحينا أمام خطاب مُتجاوز في تقديم مداخل علمية لفهم تشعبات الواقع الإنساني المتعدد، في سياق سطوة خطاب التكنوقراطية الماتح من عولمة اقتصاد السوق؟ كيف يُمكن للتاريخ والفلسفة وباقي المباحث الإنسانية المجاورة أن يُحصنا الذات البشرية من تطرف الواقع وغلوه؟ وهل بات مختبر العوم الإنسانية على المحك كما يقول بذلك جوزيف ستيكليتز؟
   أسئلة عديدة ترتسم داخل مغرب اليوم، في تفسير تموقع العلوم الإنسانية ضمن خارطة الفهم، تُبرز معها نتوءات التباعد وأنوية المغايرة، بين دولة تتمخزن، وفرد يتحرر، طارحة بسؤال ساخن، من يريد حَرْق الوضع؟
     زمن جديد، بمرجعيات جديدة، يقتحم الحديقة السرية لمختبر العلوم الإنسانية، بأسئلة جديدة، يعيد رسكلة الخطاب والممارسة، بتصور مانوي، يقيم شرخا، بين قديم يترنح، وجديد لم يولد.

  حفر جديد يستند إلى بلازما الزمن، يُعرِّي عن انجراحات الذات المغربية، انعطاباتها الوجدانية، عن إخفاقاتها الحضارية في كل وصفات الإصلاحية ماضيا وحاضرا، لفهم سؤال الإخفاق التنموي، وكأن مقولة السلطان المولى عبد الحفيظ " داء العطب قديم" تنبعث من جديد بمغرب اليوم، في تفسير مغرب الأماني.
    قول المؤرخ قد لا يعجب إلا المؤرخ أو من له مزاج المؤرخ، وقول رجل الإجتماع تصاحبه الفضيحة على لسانه، وهما يَهُمَّان بمكاشفة ميلاد الوطنية في الرحم التاريخي Matrice historique بالمغرب، من حيث هي منظومة فكرية نجحت كنسق متراص في دحر فكرة السيادة المشتركة، ومن حيث هي حركة سياسية ألغت وظيفية جيش الحماية.
   سؤال الوطنية أو المواطنة ضمن زمانية متحولة استفز أقلاما عديدة، بتساؤلات محددة أحيانا، أو سياقية أحيانا، فمن السهل الاستظهار بالبديهيات، الوطنية هي شعور، سلوك، وتطلع، الشعور هو الاعتزاز بالذات، السلوك هو الايثار والتضحية، التطلع هو الحرية والتقدم والرفاهية، كيف يمكن للوطنية مهما يكون مضمونها، أن تكون بعد أن لم تكن؟ كما يفصح العروي في استبانته الأخيرة.
    ثمة حاجة ملحة لإقامة تحليل نفساني لهذا المغربي المُستلب وجدانيا، وهو مَسْح سبق أن قام به فرانز فانون في سياق مغاير في كتابه الهام " معذبو الأرض"، حينما اعتبر أن مأساة العالم الثالث في الحاضر، تتلخص في الأعطاب النفسية، التي أتت من فوهة الغرب، مشيرا إلى أن "اللعبة الأوربية انتهت ابحثوا عن شيء آخر" Le jeu européenne est terminée cherchant autre chose.


     نفسانية مغربية تَربَّت في حضن التواكل، غابت عنها جرأة الاختيار الفردي والجماعي في اتخاد القرارات المصيرية.
    لننصت إلى نبض التاريخ وسكناته، تاريخيا لم تتكون لدينا طبقة فيودالية قادرة على جر المجتمع على نحو فيودالي واضح، ولا طبقة مركنتيلية قادرة على جر المجتمع على نحو مركنتيلي واضح، ولا طبقة بورجوازية قادرة على تأسيس ثقافة بورجوازية جديدة. باختصار صريح، تجربتنا التاريخية تُزكي الجمود على الموجود، والاستقرار في ظل الانحطاط، لدرجة دفعت العروي إلى القول دون مواربة، لا يخلصنا من هذه المحنة سوى معجزة.
     وَضْع حَار في توصيفه علماء الاقتصاد، في وصف ما كان يعتمل بمغرب ما قبل الحماية، هل نحن مجتمع آسيوي كما تفيد بذلك أدبيات التحليل الماركسي لأندري نوشي؟ هل نحن مجتمع قائدي بتوصيف من سوسيولوجي الحوز بول باسكون؟ هل نحن مجتمع معاشي حسب الاقتصاد الفرنسي نيكولا مشيل؟ هل نحن مجتمع عتيق بعبارة مؤرخة الجيل الثالث للحوليات الفرنسية لوسيت فالنسي؟ هل نحن مجتمع كفاف حسب  المؤرخ المغربي أحمد التوفيق في مونوغرافية إينولتان، أم مجتمع المبادلة حسب الاقتصادي البريطاني كارل بولانيي؟
    لنترك هذا جانبا، لأنه أسال مداد الباحثين منذ مدة طويلة، ولنَعْبر نحو اشكالية التذبذب التاريخي/ الزمني، التي ترسم لنا مغربا يسير بإيقاعات زمانية مختلفة، مِنَّا من يعيش بذهنية ما قبل 1912، ذهنية القبيلة والسيبة، ومِنَّا من يعيش بذهنية مغرب الحماية، ومِنَّا من يحيا بذهنية الدولة المدنية ومستتبعاتها الديموقراطية. باختصار مغرب بتوليفة مرتبكة.
     تاريخانية التذبذب التاريخي والتأرجح الحضاري هي التي جعلتنا نتواكل على الآخر، المُخلِّص، ونعيش عقدة الرجل الأبيض، نستورد منه وصفات لأعطابنا الحضارية، ونعتبره مخرجا لكل إخفاقاتنا الوجودية.
   ورثنا الآلة أو الحداثة من دون دليل عمل، كما يبرز ذلك من عمل الروائي حسن أوريد في سنترا، فكان تحديثنا فوضويا، أَوَ لسنا نريد حداثة من دون نسغها الفكري والإنساني، وبما يمكنها أن تقدم من أدوات نقد وتفكيك لأصنامنا الموروثة.
   مشكلتنا أننا عالقون في الزمن البائد بوصف من مؤرخ الثورة الأمريكية ألكسيس دو توكفيل، نمتلك نقدا سورياليا للواقع، فقط لأننا عالقون في علياء التاريخ ونرجسية الذات.
   يبرز مفهوم التحول كبراديغم محوري في الدراسات التاريخية، فاصلا بين مغربين: مغرب الأمس ومغرب اليوم، مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، مغرب الأمس ذهني ومغرب اليوم مادي، أو لنقل بعبارة وجيزة: تحديث مادي واستمرارية ذهنية.
  حداثتنا مُشوهة، قُشرية، ركزت على البنيات المادية، ولم تركز على الإنسان، عبر تعلميه وتحرير وعيه من خرافات أساطير الجهل المقدس بعبارة محمد أركون، وهو ما يظهر من خلال تجربة الحماية الفرنسية مع التعليم.
   الزمان بلازما المؤرخ، من لا زمان له لا وعي له، وحينما نفقد الوعي بالزمان نكون خارج مدار التاريخ، والتاريخانية بما هي مشروع ورؤية ونظر هي العودة بالأشياء إلى الزمان، الزمان مرآة للوعي وعاكس له.
    نفسانية مغربية عصية عن الإدراك والاستيعاب، مُتمردة على كل مقاسات التحليل النفسي، مُنحلة من كل التوصيفات السوسيولوجية، تربَّت على الانهزامية والتواكل، على الخنوع والانبطاح، على الاستنجاد بالأجنبي في لحظات التيه والضياع، على التماهي مع الاستبداد السياسي الماتح من تجربة المخزن التاريخية، على الاستسلام الوجودي من الآخر المتفوق.
    نفسانية تاريخية استدمجت القابلية للأشياء حسب مالك بن نبي، وقضت بأن تكون على هامش التاريخ، كما ارتضت القابلية للاستعمار.
    هل تلخص مأساتنا في الحاضر في تواكلنا مع الفساد؟ في تماه منظومة الحماية مع تقاليد مغربية منغرسة في وجدان المغاربة ورعايتها لمغرب الاستقلال؟
    سؤال نخبنا المغربية هل أضحت أقل وطنية؟ هل العائق الأكبر هو أنفسنا كما يخبر بذلك صاحب الاختيار الثوري المهدي بن بركة، وننأى بأنفسنا عن نظرية الاستهداف والمؤامرة التي عَمَّرت ردحا في أفئدة متنورينا.
   نفسانية التواكل هي من جعلت روني غاليسو واحدا من أهم قارئي منجزنا السياسي يصيغ مقولة "التكرار" كبراديغم محايث لتاريخانية فعلنا السياسي، وكليفورد كيرتز رائد أنتربوولجيا الأديان ينتج مقولة "الدولة المسرح"، ضمن دولة صارمة، قضت بدولنة المجتمع، وبجعل السلطة تنغرس بشكل مثير في فضائنا اليومي في كل تفاصيلنا الدقيقة.
   ثمة حاجة إلى استدعاء الأنتربولوجيا التاريخية، لفهم تجربة تاريخية مغربية تصدح بغير قليل من خيبات أمل، من أجل فهم جديد لانكسار الوجدان المغربي، وانعطاب الذاكرة في مرايا منكسرة، للإمساك ببؤس الواقع وتصحر الوعي، فهل هي أزمة التاريخ إذن أم أزمة الوعي به؟
   ساحاتنا العمومية صارت لا مدنية، تضع شرخا بين التاريخ والذاكرة، من أجل بناء ذاكرة جماعية بالتوصيف المدني لا السياسي، السياسي يتلاعب بالذاكرة، وفقا لغايات الهيمنة والتحكم، بينما الذاكرة هي بدورها في حاجة إلى توافقات من أجل إعادة بناء الضابط الاجتماعي حسب السوسيولوجي موريس هالفاكس.
   علينا أن نقر بأن الماضي ليس هو التاريخ، فالماضي شيء أساسي بالنسبة للحاضر وللمستقبل، لكنه ليس هو التاريخ، لأنه يتميز بنظرة مخصوصة وقابل للتبرير والشرعنة، انطلاقا من رواية تغلبت على روايات أخرى ضمن سيرورة اخضاع وتحكم.
   علينا أن نعيد صياغة مفهوم الهوية بالمدلول التاريخي، وأن نعيد حكي التاريخ، ف" من لا يملك الحكاية لا يملك أرض الحكاية" كما يقول محمود درويش.
   تعليمنا أخلف الموعد مع التاريخ، أنتج قطاعات عريضة من البشر قادرة على القراءة، لكنها غير قادرة على تمييز ما يستحق القراءة، مدرسونا يلقنون الجهل ويقتلون الحياة، مهندسونا يغشون في الأساس والدعامات، أطباؤنا لا يستعجلون في المستعجلات، قضاتنا يُكيفون الحق وفق التسعيرات، فُقهاؤنا أعلنوا الدين جلابيب وعباءات، كُتابنا صنعوا للظلم مسالك وممرات، ولائحة العبث طويلة. ماذا حدث للسلطة في هذه البلاد، وأقصد سلطة العقل والفكر، سلطة الحكمة والضمير.
   الابتذال الفكري، الكذب المتعمد، التلاعب الإعلامي، تزييف الوعي، التدني الثقافي، تشويه الحقائق، مداهنة صانعي القرار والنفوذ... كلها سلوكيات تعتمل داخل مملكة الأولياء، أَوَ ليست الأشياء التي تظهر مُجردة في الأصل، مرتجلة ولا إرادية، وأيضا الكلمات العفوية تأتي كلها من بعيد، وتشهد على الصدى الطويل لأنساق التفكير، كما يقول بذلك عرّاب الحوليات جاك لوغوف.
   نحيا اليوم حالة انسداد تاريخي، تكلس حضاري، انغلاق وجداني، يغدو معها سؤال التنوير أكثر ملحاحية للمشاركة في المتاح الإنساني المشترك، ودحض الاستثناء الذي يمشي بنا خارج مراكب الزمن.
  معضلة العالم الاسلامي جعلته يبدو عاجزا عن تدبير إرثه التاريخي وفق حاجياته المتجددة، وأسئلته الزمنية، وأفرزت معها اتجاهات متصارعة، أو لنقل "هويات متقاتلة" حسب الروائي اللبناني أمين معلوف. بين قائل بالقطيعة، وبين مُتحدث عن الاستعادة، وبين آخذ بالنقد المزدوج.
   فشلنا في مشروع التحديث من الداخل، فظلت الحداثة عندنا مرتبطة بالخارج، وبتجربتنا مع الاستعمار، وقد يربطه البعض، بتحكم الأنظمة السلطوية من ملكيات، وأنظمة عسكرية، وأوليغارشيات عشائرية... التي راهنت على إجهاض المشروع التحديثي، وعملت على إعادة التقليد، وقد يربطه البعض الآخر باكتشاف البترول الذي دَعَّم اقتصادات الريع، وأنتج ايديولوجيات مغلقة.
   المجتمع المدني بنفسه كشكل حديث يستضمر داخله مظاهر التغير الاجتماعي والثقافي ضمن بنية انتقالية، تشهد على استمرارية الأنساق التقليدية في أشكال مدنية حديثة، من خلفية الثابت والمتحول، الاتصال والانفصال، التقليد والتحديث.
    إشكالية النهوض من معضلة التأخر التنموي شكلت محور تدخل جل المجتمع المدني بهدف تذليل فجوة التفاوت وتجسير التأخر التاريخي، واستكمال شروط وآليات بناء الدولة المدنية الحديثة.
   العملية التنموية لم تعد تخضع اليوم قياسا بالمنجز الجمعوي للعشوائية والارتجال، وإنما أصبحت توظف استراتيجيات تنبني على التخطيط والحكامة بشكل يسمح بتحقيق غايات محددة. علينا أن نسائل منجزنا المدني، هل استكمل الفضاء المدني بالمغرب شروط المواطنة؟ هل استوعبت النخب المدنية شروط الترافع عن الساكنة وأولويات لمطالب؟ ألا يعيق تصحر النسق السياسي وتكلسه الفكري تشكل الفضاء الجمعوي؟ هل التجربة الجمعوية بالمغرب ناجزة للقيام بمداخل أولية للتفكير في أسباب العطب وعسر التحول في سوسيولوجيا التنظيمات؟ هل يمثل الفضاء الجمعوي العمق المجتمعي؟ أم يعكس اخفاقات الانتماء السياسي وفشل المشروع المجتمعي؟ وهل الترافع عن القضايا الجوهرية يشكل ترفا أم ضرورة وطنية في مجتمع لم يستكمل بعد نضاله الحقوقي؟
    قد يبدو المجتمع المدني منهجسا بسؤال الآني/ التنموي، لكنه لا يُشخص نفسانية هذا المغربي الذي يتساكن معه، علينا أن نجعل العلوم الانسانية خادمة لركب التنمية.
    المجتمع المدني يجر وراءه إرث قبلي وصوفي ثقيل جدا، معيقات ذهنية وتاريخية، يقع في قلب عاصفة هوجاء، تزكيها وسائل الإعلام وسدنة الاقتصاد الجديد، هل سيصمد؟ هل يملك آليات المقاومة وحس الدفاع عن الإنسان والإنسانية وسط ركام من الصور البربرية التي تتناقلها وسائل الميديا الجديدة؟
   بدوره صار العمل المدني نوعا من الماركوتينغ المُربح، جمعيات تحولت إلى مقاولات وشركات ضخمة تتغيا الربح والمنافسة، مما يؤكد تغلغل قيم اقتصاد السوق وضواري الرأسمال الجشع داخله.
  لا يمكن لإخفاقات الدولة الكبرى أن تُجَبِّرها الجمعيات، لا يمكن لفجوة التباعد بين الدولة والفرد أن يردهما العمل الجمعوي، وبخاصة في عمق البادية المغربية، التي لا زالت تذكرنا بمغرب القرون الوسطى.
    لا يخلصنا من هذه المحنة سوى معجزة دونما تعسف على زفرات التاريخ، وتجني على تمردات الزمن، ومصادرة لحقه في الهدم وإعادة البناء.
   نعيش زمن أفيون المثقفين حسب ريمون آرون، والمثقفين المزيفين بتوصيف باسكال بونيفاص، وموت نموذج المثقف العضوي الغرامشي، أهل الحل والعقد عوض أن يكونوا ضمائر حية في نقد الاستبداد، صاروا أدوات لمباركته.
 التجييش السياسي والإعلامي الذي يمارس باسم سيكولوجية الحشد حسب غوستاف لوبون، يخلق الاستيلاب التاريخي، ويرسم الاغتراب اللاشعوري كما يقول الفيلسوف الإيراني دريوش شيغان، تجعل أجيال اليوم عالية من الوجهة التقنية، واطئة من الوجهة السياسية والتاريخية، وتبني مواطنة جديدة تسير بنا نحو الفردانية، بمنطق الاستفادة أو عدم الاستفادة من طاجين المخزن، من كعكعة الفساد والريع
    لنغير المسار، نحو أهم قضايانا الترابية، قضية الصحراء، مدخل النضال والترافع عن الصحراء، يمر أساسا عبر قناة المواطنة الحقة، عبر تقاسم الثروة الوطنية، وإعادة توزيعها بشكل عادل، عبر التدبير المشترك للقضية الوطنية دون صكوك اتهام أو تخوين.
    قضية الصحراء قضية ماكروسياسية، يتماهى فيها الاقليمي بالكوني، الاقتصادي بالسياسي، التاريخي بالجغرافي، المخفي بالعلني، قضية حربائية المصالح الدولية، وتجاذبات الرهانات الجيواستراتيحية، وفق مسلمة" لا وجود لصديق دائم ولا عدو دائم، هناك مصلحة دائمة" قضية متفاوتة الايقاعات والسرعات، سرعة المغرب في الداخل من حيث تفعيل الأوراش وتنفيد الالتزامات، وتأكيده على جدية المقترح، وسرعة الديبلوماسية الرسمية والموازية في خلق الاعتقاد على إقلاق الآخر ، والمساس بمصالحه الكبرى، وزعزعة اعتقاداته، على قدرة المغرب على فهم جغرافية المصالح؟ وترتيب الالتزامات وفق انهجاسات المنتظم الدولي وتخوفاته، والابتعاد عن ثقافة التجييش الإعلامي الذي يقتل التحليل ويعطل المعالجات الرصينة، ويئد القراءات المضادة، ويحجب انعطافات العلاقات الدولية وتشابك المصالح، مباراة من عدة أشواط، نزال يتطلب نفسا طويلا، ونضجا في التأويل، وقدرة تفاوضية مستجيبة لتموجات لحظات النقاش، ومتفاعلة مع كل التطورات، قضية تقتضي تبني اسلوب المناورة في التعامل مع ترتيب الالتزامات الدولية واللعب على وثر الارهاب كتحد دولي عابر للقارات، وربط السلم الدولي بسلم المنطقة المغاربية، وضع أشبه بذلك الذي شهده مخزن القرن التاسع عشر حينما وجد نفسه مطوقا بشبكة مصالح كولونيالية، حينما جنب البلاد استعمارا مبكرا، ومحاولة الابتعاد عن سياسة الانفعال وديبلوماسية ردود الأفعال، وعن احتكار الملف من طرف جهات معينة، وتقوية جبهة المجتمع المدني في رسم معالم سياسة ديبلوماسية وازنة.