التفاوتات بين الجنسين من منظور النظريات النسوية ـ مينة البوركي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse03110يعد موضوع التفاوتات بين الجنسين من المواضيع التي شغلت تفكير العديد من النسويات حيث تمت معالجته انطلاقا من نظريات كل واحدة قدمت رؤيتها للتفاوتات انطلاقا من تصورات وتفسيرات مختلفة رغم اتفاقها على أن المرأة لا تحظى بنفس الوضع داخل المجتمع.
وقبل التطرق لما جاءت به هذه النظريات لابد من الإشارة إلى تعريف مفهوم النسوية باعتبارها: "الاعتراف للمرأة بأن لها حقوقا وفرصا مساوية للرجل وذلك في مختلف مستويات الحياة العملية والعلمية"، وعرفتها لويز توبان بأنها "انتزاع وعي فردي بداية تم جمعي متبوع بثورة ضد موازين القوى الجنسية والتهميش الكامل للنساء في لحظات تاريخية محددة". فالحركة النسوية تحاول قدرالإمكان التغلب على حالة اللامساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء، انطلاقا من نظرياتها التي تفسير التفاوتات بإرجاعها إلى عناصر اجتماعية كالتحيز الجنسي، النظام الأبوي، الرأسمالية، العنصرية.
وتعد الحركة النسوية الليبرالية من أبرز الاتجاهات التي تأثرت بالقيم التي جاء بها عصر التنوير إذ تؤمن بقيم العقلانية والحرية والمساواة بين الجنسين اعتبارا أن جميع الناس خلقوا متساويين، وضرورة التركيز على التعليم كرافعة للتغيير، وأرجعت مسألة التفاوت بين الجنسين لعدة عوامل اجتماعية وثقافية كالتحيز الجنسي، التفرقة بين الجنسين في أماكن العمل وفي المؤسسات التعليمية وكذا وسائل الإعلام، وللحيلولة دون ذلك ركزت جهودها على حماية الفرص المتكافئة للنساء عبر تشريعات وقوانين كالمساواة في الأجر، مناهضة التمييز ضد المرأة وغيرها من التشريعات التي تعطي للنساء حقوقا متساوية مع الرجل. وما يحسب لهذا التيار أنه حقق منجزات وخاصة فيما يتعلق بحق التعليم وقوانين الطلاق وحق رعاية الأطفال.

إن الحركة النسوية الليبرالية حاولت تحقيق تصوراتها وإصلاحاتها على أرض الواقع بصورة تدريجية لتعلن اختلافها عن الحركة النسوية الماركسية والحركة النسوية الراديكالية.
استمدت الحركة النسوية الماركسية رؤيتها من فلسفة كارل ماركس التي تركز على تفكيك النظام الرأسمالي كوسيلة لتحرير المرأة ، إذ أرجعت ما تتعرض له النساء من قمع وقهر للظهور الملكية الخاصة التي تؤدي إلى عدم المساواة على المستوى الاقتصادي والسياسي  وعلى مستوى العلاقات بين الجنسين التي أصبحت غير متوازنة وتعد سببا في اضطهاد المرأة وعنصر قهر بالنسبة لها، وترى أن النضال من أجل المساواة بين الجنسين يجب أن يترافق مع النضال ضد الفقر والتهميش والعنصرية، كما حاولت تبيان حجم القطاع الغير المرئي وغير المحسوب في الاقتصاد انطلاقا من العمل المنزلي والولادة كأساليب لاستغلال النساء ناهيك عن تبعيتها الاقتصادية للرجل، لتخلص إلى أن المنزل والحي ومكان العمل يشكل النصف الآخر من الاستغلال الرأسمالي الذي يخدم السوق.
أما الحركة الراديكالية فإنها انطلقت من تصور مفاده أن الرجال هم المسؤولون عن استغلال النساء، إذ أن النظام الأبوي" البطريركية" القائم على الهيمنة المباشرة للرجال على النساء يمكن اعتباره ظاهرة عرفتها مختلف الثقافات والمجتمعات كمرجعية أساسية تبيح سيطرة الرجل على المرأة، كما اعتبرت هذه الحركة أن العائلة هي المنبع الأول لقمع المرأة وتشير عالمة الاجتماع شولاميت فايرستون على أن الرجال يسيطرون على أدوار المرأة في عمليات الإنجاب وتربية الأطفال حيث إن النساء مهيآت بيولوجيا للإنجاب ولابد أن يعتمدن على الرجال من أجل توفير الحماية وهذا ما أدى إلى نشوء طبقة من النساء مقموعة في المجتمع أصبحت تدعو إلى إلغاء العائلة كوسيلة لتحرير المرأة من علاقات السلطة والقوة. وحسب الباحثة فإن القضاء على الأدوار المرتبطة بالجنسين لن يتحقق إلا بالقضاء على الأدوار الثابتة التي يقوم بها الرجل والمرأة في عملية الإنجاب، من هنا فإن منع الحمل والتعقيم والإجهاض والتلقيح الصناعي تعتبر وسائل للتقليل من التمييز البيولوجي ثم فيما بعد الحد من التمييز بين الجنسين في مجال السلطة.
وترى  النسوية الراديكالية أن الطريق الوحيد لإحراز مكاسبها هو إعلان الحرب ضد المجتمع والرجال متخذة من مقولة سيمون دوبوفوار القائلة بأن "المرأة لا تولد امرأة لكن المجتمع هو الذي يعلمها أن تكون امرأة" شعارا لها. وأن القضاء على التمييز بين الجنسين لن يحصل إلا بقلع الجدر المتمثل في العلاقة الجنسية وخلق علاقات مثلية يكون فيها الطرفان متساويين.

إن ما ميز النظريات النسوية أنها لم تتشكل دفعة واحدة لتكون فكرة واحدة شاملة لوضعية المرأة، لكنها تطورت تدريجيا تماشيا مع السياقات الزمنية والاجتماعية المختلفة مما فتح المجال لضم فئات متنوعة من النساء اللواتي يعانين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ودراسة وضعية المرأة في تقاطعاتها مع عناصر شتى كالعرق والطبقية والنظام الأبوي... مما يساهم ويعمق فهم وتفسير واقع المرأة.

المراجع:

أنتوني غيدنز.علم الاجتماع.ترجمة فايز الصياغ.مركز دراسات الوحدة العربية.الطبعة الرابعة
صالح سليمان عبد العظيم.النظرية النسوية ودراسة التفاوت الاجتماعية. دراسات العلوم الانسانية والاجتماعية.2014
أحمدعمرو.النسوية من الراديكالية حتى الإسلامية قراءة في المنطلقات الفكرية.
http://www.albayan.co.uk/fileslib/articleimages/takrir/2-5-8.pdf