قراءة في كتاب "مدخل إلى علم نفس الإجرامي لكاترين بلاتير" ـ مريم المفرج

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Anfasse20031مدخل:
احتلت القضايا الجنائية جزء كبيرا من انشغال العديد من وسائل الإعلام، سواء تلك التي تنشر في التلفاز أو الصحافة أو الإنترنت، باعتبارها أكثر القضايا حساسية والمتمثلة في انعدام الأمن، إذ من شأنها أن تساهم في تنامي بعض الظواهر النفسية ولو بشكل مضطرد، لتثير بالتالي اهتمام الباحثين خاصة علماء النفس، وذلك للخوض في البحث والتفسير تحت لواء علم النفس الإجرامي، هذا الأخير الذي يعتبر حديثا نسبيا مقارنة بباقي العلوم.
وبالتالي فتفسير الظواهر التي يدرسها هذا العلم، تنبع انطلاقا من طبيعة الجريمة بحد ذاتها من حيث أسسها النفسية والاجتماعية والبيولوجية، إذ يصعب أحيانا إعطاء تفسير جنائي لجميع حالات الجنوح، فتكون بالتالي مجحفة في حق الحالات السايكوباتية المرضية، لذا ركز علم النفس الإجرامي على فهم الظواهر العلمية أولا، ثم بمعاملة الأفراد المتورطين في الجرائم ثانيا.فبرزت بالضرورة عدة أسئلة عن أسباب الجريمة وأفضل طرق تحديدها، ومن هم أبرز من ناقشوها وكتبوا في شأنها، وعن الكيف والحالة التي يصبح فيها الشخص جانحا، وهل هم في انخفاض أم في تزايد مستمر، وعن الكيفية التي يتداخل فيها ما هو نفسي وما هو اجتماعي وقضائي في تحليل الظاهرة؟، كل هذه أسئلة كثيرة وفضفاضة تسعى الكاتبة إلى تحليلها ومناقشتها في هذا الكتاب، آملة فيه أن يجد القارئ إجابات شافية لهذه المشكلة القديمة الجديدة.

إذ بدأت تظهر عدة أبحاث ودراسات في هذا الصدد، باعتبار أن الجريمة لا تزال تحتفظ بطابع التفرد عند علماء النفس، فوجب دمج المعلومات من كافة العلوم المعنية بغية تقديم الجوانب الموضوعية لعلم الجريمة والعدالة الجنائية أولا، ثم الوقوف على نشأة علم الجريمة وأهم النظريات المفسرة للجريمة ثانيا، من حيث أنواعها كالجريمة الطرقية، وشغب الملاعب، والقتل، وجنوح الأحداث، وجرائم كبار السن، وجرائم ذوي الياقات البيضاء وما إلى غير ذلك.
كل هذا كان دافعا لبروز الكتاب الذي نحن بصدد تقديم قراءة فيه للوجود، والذي يعود للكاتبة كاترين بلاتير Catherine Blatier أستاذة علم النفس المرضي وعلم النفس بجامعة بيير منديس فرانس بفرنسا، إذ قامت بنشره سنة 2010 والذي يتكون من 141 صفحة من الحجم المتوسط، وقد قسمته إلى ثلاث فصول، أولت الفصل الأول للحديث عن الجريمة والعدالة الجنائية بصفة عامة، ثم في الفصل الثاني تطرقت للحديث عن النظريات المفسرة للجريمة، ثم خصصت الفصل الثالث للحديث عن الجريمة النوعية أو المحددة بصفة خاصة.

الفصل الأول: الجريمة والعدالة الجنائية
يعتبر علم النفس الإجرامي من العلوم الفريدة من نوعها، إذ يشار إليه من خلال الإطار القانوني والتشريعي، بحيث أصبح من الضروري معرفة الأساس القانوني لجنوح القاصرين والتصورات المتعلقة به كالردود الجنائية المختلفة، وذلك قبل الشروع في التأطير المفاهيمي الواسع لفهم الجريمة، والذي هو موضوع هذا الكتاب ونحن نناقش فيه المناهج المختلفة في إطار الاشتباه بين الجنوح والجريمة.
الانحراف والجنوح والجريمة:
الانحراف هو مصطلح يستخدم بقوة أحيانا لشرح ووصف الجنوح بحمل بيان وتوضيح سهل على الجنوح، لأنه يغطي الأعمال المنحرفة التي تم سردها في القانون الجنائي، والتي ستقوم اللجنة بفتح إمكانية الإدانة بدلا من ذلك، فالانحراف يتصل بالأعمال الموسوم بها أو المعترف بها على هذا النحو من قبل مجموعة اجتماعية، دون الإشارة إلى القانون والعدالة الاجتماعية.
ومنه فالانحراف يرتكب من قبل فرد أو جماعة، ويقع في أي وقت من الأوقات على هامش قواعد وعادات المجتمع الذي يتم التوافق عليها، فالانحراف إذن يشير إلى فكرة أو قاعدة اجتماعية أو أخلاقية وخصوصية تكون قابلة للتطوير.
ومن بين التعريفات التي تطرقت لهذا الموضوع نظم التعريف الذي أورده Becher (1963)، بحيث اعتبر أن الانحراف يتعلق بالأفراد الذين يحيدون عن القاعدة الاجتماعية، وبالتالي تم تقديم دراسات بهذا الصدد على الانحراف لتساهم بشكل كبير في فهم جنوح الأحداث، من بين هذه الدراسات تلك التي تضع الفرد في السياق الاجتماعي له، بحيث يميل في بعض الأحيان إلى إلقاء المسؤولية على المجتمع بدلا من مسؤولية الفرد، فأكدوا أيضا على وصمة العار ووضع العلامات بمعنى آخر الوصم الاجتماعي.
فدراسة الجريمة إذن تحتاج إلى إيلاء الاهتمام لعدة عوامل، والواقع أن الحقائق المدونة والمدرجة من قبل الشرطة والدرك لم تضع كل الحالات التي لا تدل على الجريمة بحد ذاتها وذلك من خلال الدراسات الاستقصائية التي تشير إلى الجريمة المصرح بها، في حين تكون أقل اعتمادا لها في حالة السرقة على سبيل المثال، وما لهذه الأخيرة من تأثير على المجتمع التي تحدث فيه، والتي قد ترغب بعد ذلك لزيادة استخدام العقوبات.
فالجريمة تمثل عند دوركايم "كل عمل ينص عليه القانون والذي يؤدي إلى فرض عقوبة من سلطة أعلى"، فقد ساوى هذا التعريف بين القانون الجنائي وبين الفعل الإجرامي، إذ هناك فرق بين النهج القانوني والنفسي للجريمة، وإتباع النهج الاجتماعي، والواقع، ووفقا لهذا الأخير، يمكن اعتبار الفعل الإجرامي المنحرف في الطبيعة على الأقل هذا ما اعتبره الأنجلوساكسونيون، الذين يتبنون السلوك المعادي للمجتمع الجريمة بشكل عام.
فعندما كتب دوركايم "سمى الجريمة كل عمل يعاقب، وفعل الجريمة" اعتبر أن الجريمة من العلوم الخاصة، لابد لها من علم يكرس سنوات من البحث لفهم الظاهرة الإجرامية، وانظم أيضا لهذا التعريف pires 1998 الذي أولى الاهتمام لحقل الدراسة والمعرفة ذات الطبيعة المعقدة المتعددة التخصصات على حد سواء العلمية والأخلاقية، بهدف توضيح أو استجلاء وفهم قضية جنائية على نطاق واسع.
علم الإجرام يقدم دراسة متعددة التخصصات على الجريمة:
يتعلق الأمر هنا بخبراء من القانون وعلم النفس والطب النفسي وعلماء الاجتماع والتحليلات الاقتصادية والسياسية، والتي أجريت اليوم لتقديم نظري إضافي لفهم الجريمة. إذ غالبا ما يتم تحليل الظاهرة الإجرامية؛ من الجريمة والمخالفة والمجرم والضحية والردود القانونية والاجتماعية. كما يعتبر هدف الجريمة النفسي هو معرفة وفهم السلوك المنحرف وطريقة التنفيذ، وتطوير العمليات النفسية والعمليات المتتالية التي تؤدي إلى السلوك المنحرف والذي يدخل تحت طائلة العلاج والوقاية.
دراسة أشكال وأهمية الفعل الإجرامي:
حاولت الكاتبة هنا فهم أنواع مختلفة من الأعمال الإنحرافية أو الجنائية وتحليل خصائصها، إذ أن مجمل مشاكل السرقة ليست مشابهة لتهريب المخدرات، ناهيك عن العنف.
وللتقرب أكثر من الجريمة ومشاكلها لابد لنا من بدل مجهود شامل للفهم وفقا لنموذج نفسي واجتماعي، فالمكونات البيولوجية تدمج لتحليل العناصر الجينية الكيميائية العصبية، بارتباطها مع العنصر النفسي، والذي يتضمن عدة مشاكل شخصية من حيث التفاعلات في الأسرة ومع الأقران وحالات عديدة مختلفة، كل هذه التفسيرات ترتبط من خلال المكونات الاجتماعية التي تضم العوامل الاجتماعية الاقتصادية والثقافية، فكل نهج متعدد التخصصات للإجرام يصطدم بمسألة الأسلوب، ومنه فإنها تتطلب العلوم القانونية والاجتماعية الإجرامية النفسية، والتصورات والأساليب ابتداء من العلوم الإنسانية والقانون والفلسفة.
إن علم الإجرام كفرع للتطبيق يبحث عن حلول لمشاكل محددة بخصوص الفرد المجرم أو الوضعية الإجرامية، أما علم الإجرام السريري يهتم بدراسة الجنوح لفهم عمليات الانحراف، كفعل المنحرف ووسائل معالجته، فدراسة الانحراف والعمليات التي تقود للانحراف وطرائق العقوبة كعلاج لها هي جزء لا يتجزأ من هذا النظام.
فالمناهج المتناولة لعلم الإجرام مختلفة باختلاف الباحثين فيه، إذ أن معظم الناس لا يعرفون سوى المظاهر الأكثر توسطا، مع التركيز على فهم الجريمة ومرتكبها ووسائل الوقاية من الانحراف، لذا فإن علم الإجرام يعالج جميع موضوعاتها (الجريمة والجاني) والردود عليها، كما أن علم الإجرام يطور الأساليب التي تقوم بتحليل خطر تكرار المخاطر.
أما فيما يخص الضحية، فهو غالبا ما يكون أقرب من الجريمة، وهذا الكتاب يتناول علم الجريمة انطلاقا من ميادين مختلفة للإجرام، بحيث بنت فيه الكاتبة المعرفة على الجريمة والجريمة الجنائية ومستوياتها الثلاثة لفهم الظاهرة الإجرامية التي وصفها Blatier لعلم الإجرام، تطبيقا على حالات الجريمة وأولئك الذين يعيشون عليها، وسيتم تركيز الاهتمام بشكل رئيسي على مرتكبي الجريمة وعدم نسيان الضحايا المجرمين.
فعلم الاجتماع القانوني يبقى حسب تعريف Jacques Faget ينشغل بتحليل ظاهرة إنتاج التشريعات لدراسة الحقيقة، كدراسة النصوص القانونية ووظيفة القانون في المجتمع بمعنى أوسع للقانون ووسائل التنظيم القانوني البديلة، في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية والنفسية، التي تتعلق بدراسة وتحليل السلوكات في جزئيتها، لكنها تنظم أيضا الانضباط المطبق الذي تشكلت بموجبه المعرفة للاستخدام من قبل الآخرين خاصة المحاكم في وظيفتها، الشرطة، الخدمات التربوية.
أما عن التحليل التجريبي فيفرض النظرية التي تتوقف على رؤيا المراقب بالمقارنة مع الأعمال المترابطة، إذ يتخذ بعين الاعتبار الحذر من العوامل الإجرامية المرتبطة بمسار حياة الفرد في محيطه الحاضر والماضي، بدراسة أصل الحالة، والبحث في العلل والشروط لمعرفة أفضل للظاهرة.
ومن جهة أخرى فكثير هي المفاهيم التي تستعمل داخل نطاق الاشتغال في العلوم النفسية المطبقة للعدالة؛ كعلم النفس القانوني، علم النفس الإجرامي، علم الإجرام النفسي، إذ تعتبر الكاتبة هنا أن أفضل التعابير باللغة الانجليزية بدون شك هو علم النفس القانوني، فالتعريف يستوعب علم النفس لمعرفة هذه الأسئلة الواسعة التي تشكل هالة حول الظاهرة الإجرامية، إذ يعتبر تعبير "العلم النفسي للجريمة" هو الشائع.
الأنشطة الإجرامية:
لمعرفة الأنشطة الإجرامية لابد من التخمين في القواسم المشتركة واستحضار ما سبق ذكره، بغية المساهمة في تحسين الاختبار النفسي لمرتكب الجريمة والضحية، إضافة إلى اختبار المقابلة ومراقبة الضحية، مساعدة الضحية، تضمين شهادة الأطفال والمراهقين، والمعالجة النفسية للمنحرفين، وأيضا تقديم المساعدة للسجناء والأشخاص المخلى سبيلهم.
وقد ذكرت عدة مشاكل مترابطة فيما بينها على الشكل التالي:
-    الجنوح، التصور للجريمة، أهم عوامل الخطر والحماية، المؤسسات القانونية والجنائية ووضعية السجناء؛
-    جنوح الأحداث القاصرين، وتطوراتها، برامج إعادة الإدماج المتابعة المفتوحة والمغلقة، الحذر من العنف النتائج؛
-    الإساءة للأطفال والأسرة، الطفولة في خطر أخلاقي وجسدي، العنف المختلط، الصراع المتعلق بحق حضانة الأطفال؛
-    المنحرفين والمجرمين، العوامل والعمليات الإجرامية للحذر، العودة لارتكاب الجريمة، فعالية العقاب، المعالجة النفسية وأنواع الانحراف (مكتسب، عنيف، جنسي،...).
فعلم "علم النفس الإجرامي" إذن يقوم بالتنسيق مع العديد من الخبراء حتى يكون في شموليته ومنهم القضاة، ورجال الدرك، الشرطة، المحامين، المربيين، المساعدين الاجتماعيين، المرشدين التربويين والاجتماعيين.
فبعض علماء الإجرام يجمعون وظيفة جانبية تكون غالبا مكملة لعمل عالم النفس، إذ يعتبر دور عالم الإجرام هو ربط الأحداث والمعلومات المعززة لتشخيص المنحرف أو المجرم.
أما مهمة عالم النفس فهي جمع معلومات بواسطة الشرطة القانونية عن مكان الجريمة وكل المعلومات المتعلقة بكل الجرائم من نفس الطبيعة التي ارتكبت في العالم، بغية إنشاء صورة آلية عن شخصية المجرم.
فالبحث إذن هو المكان الأكثر أهمية لعلم الإجرام النفسي.
ومن جانب آخر فإن القانون الفرنسي يعمل على التمييز في أعمال المنحرفين لتقديمها لاختبار الجرائم الجنائية والعقاب المساهم في القانون الجنائي، حيث توجد أصناف من الجرائم مصنفة حسب الخطورة، كالمخالفات والجنايات والجنح والقوانين تطورت بشكل متواصل على سبيل المثال نجد أن:
-    المخالفات: تقدم الجرائم التي نظرت فيها المحكمة ويعاقب عليها بمخالفات أمام المحكمة التي توجد بدائرتها مقر الشرطة، وللمحكمة العليا السلطة والقاضي كذلك مع مساعدة الكاتب.
-    جزاء المخالفات المرتكبة: غرامة، جزاء خاص، جزاء الإصلاح؛ هاته الجزاءات غير حصرية بل هناك جزاءات تكميلية كالإيقاف، سحب الرخصة السياقة، سحب رخصة الصيد، الالتزام بالتدريب على التوعية بالسلامة الطرقية، المصادرة لممتلكات الجاني.
-    الجنح: هم الجرائم المحكوم عليها بواسطة المحكمة الإصلاحية وتعاقب بجزاء إصلاحي ويتعلق الأمر بجزاء الحبس من 10 سنوات أو أكثر وغرامة تتراوح بين €3800 أورو أو تساوي هذا المبلغ، كما أن المحكمة الإصلاحية تتكون من قاضي فرد و3 قضاة موظفين في المحكمة العليا، فالوزارة العامة هي من تتقدم بالدعوى في شخص المدعي الجمهورية.
-    الجزاءات الإصلاحية: يتحملها الأشخاص الذاتيين وهي؛ الحبس، الغرامة، الجزاء الخاص، أو تقييد الحقوق، الجزاءات الإضافية، تدريب المواطنين.
ويعاقب على هذه الجنح بالحبس حسب خطورة الفعل المرتكب حسب القانون الفرنسي:
10 سنوات كالسرقة أو العنف الجماعي؛
7 سنوات بسبب السرقة مع العنف؛
5 سنوات كالسرقة مع العنف الطفيف؛
3 سنوات السرقة العادية؛
2 سنتان إلحاق الضرر بممتلكات الآخرين؛
6 أشهر التشويش وإثارة الفوضى.
-    الجنايات: مقدمة للجزاءات محكوم بها بواسطة محكمة الجنايات وتعاقب بجزاء جنائي، وتتكون محكمة الجنايات من 3 قضاة مهنيين، الرئيس المستشار بمحكمة الاستئناف وخبيرين مساعدين لكاتب الضبط و9 محلفين، والقضاة يعينون من الأشخاص الذين يبلغون من العمر أكثر من 23 سنة ينتمون للمجتمع الفرنسي.
فمحكمة جنايات الأحداث تطبق القانون على الأحداث أكثر من 16 سنة الذين ارتكبوا جرائم، ومحكمة الجنايات الخاصة تطبق القانون على الأعمال الإرهابية، ويقوم قضاة الوزارة العامة بدعم التهم.
الجنايات المرتكبة ضد الأشخاص، والسلع، والأشياء العامة، القتل، القتل الجماعي، قاتل الأم أو الأصول، إساءة معاملة الأطفال، العنف، الاغتصاب، الجنايات والجزاءات المترتبة عليها هي الحبس والاعتقال والغرامة وعقوبات تكميلية
-    طرق العقاب: المبدأ حول التصريح بالجزاء هو الفردية، إذ تعتبر الأحكام ايجابية للمتهم وأحكام غير ايجابية.
-    الأحكام الايجابية للمتهم: الجزاء أقل من أو يساوي 5 سنوات في السجن محكمة الجنايات لها أن تقرر تصريح بكل أو جزء منها تعلق كليا أو جزئيا لتنفيذ العقاب، وهذا التأجيل قد يكون عاديا أو باختبار في الحالة الأخيرة، موعد الاختبار لا يقل عن 18 شهر ولا يزيد عن 3 سنوات في هذه الفترة، للمتهم الالتزام بما ألقته محكمة الجنايات والرد على الاستدعاءات لتأمين إعادة الإدماج الاجتماعي وتعويض الضحايا والحذر من إعادة الجريمة.
-    الأحكام غير الايجابية للمتهم: المتهم الرئيسي هو المسؤول عن الجريمة وبالتالي يتم اعتقاله  لمدة محددة ويحق له الصراح المؤقت وذلك بكفالة أو ضمانة، وهذه الحالة تكون بالنسبة للجرائم الأكثر خطورة وهذه الفترة إجبارية بالنسبة للمتهم وهي تفوق أو تعادل 10 سنوات.
-    بعض المبادئ: القانون الفرنسي الجنائي يخضع للقواعد الدولية في حالة تنازع الاختصاص، إذ يوجد موردين للقانون الجنائي في فرنسا القانون والمساطر، فالأول يصوت عليه بواسطة البرلمان (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية).
واحدة من بين التشريعات هي مختصة في الجرائم والجنايات والجنح بخلاف المواد التجارية والمدنية، والعرف لا يمكن أن يكون مورد للقانون الجنائي، كما أن القانون الفرنسي يطبق على الجرائم المرتكبة على التراب الفرنسي مهما كانت جنسية والضحية ومرتكب الجريمة، كما أنه يطبق على كل الفرنسيين مرتكبي الجرائم خارج التراب الفرنسية، ويطبق على كل الجرائم وعلى الجنح المعاقب عليها بالحبس سواء للأجنبي والفرنسي خارج التراب الوطني الفرنسي عندما تكون الضحية من جنسية فرنسية خلال وقوع الجريمة.
أما فيما يخص المؤسسات وأدوارها نجد:
-    منزل العدالة والقانون: لتقريب العدالة من المواطنين بغية الإسراع في معالجة بعض الصراعات الصغيرة، خلق منزل العدالة والقانون في المدن والأحياء، كانتظار لجنة العدالة القضاة، الشرطة، الخدمات الاجتماعية، المحامين، الوساطة، فهو يقوم بوظيفة مهمة للإعلام والإرشاد القانوني.
-    دور قاضي الحريات والاعتقال: هو قاضي بالمحكمة العليا التي يراسلها، مختص بمرحلة التحقيق والأعمال الجنائية والاعتقال وذلك بالتعاون مع الشرطة التي لها الحق في التنصت على الاتصالات والبحث الليلي.
-    دور القاضي في تطبيق العقوبات: القاضي الذي يطبق العقاب هو قاضي من المحكمة العليا، غالبا ما يكلف بتنفيذ الجزاءات الخاصة والمقيدة للحرية بهدف إعادة الإدماج وتحديد الطرق الرئيسية لتنفيذ العقاب، والحرص على أن توافق الشخص المحكوم عليه لإعادة إدماجه اجتماعيا. والقاضي المكلف بتنفيذ العقوبة هو مكلف بمتابعة وبمراقبة المحكوم عليه وكذلك هو مكلف بتصحيح تصرفات الجاني من خلال البحث له عن العمل والمعالجة الطبية.
-    المصالح الإدارية للسجون: هذه المصالح السجنية هي المسؤولة عن الأشخاص الموجودين تحت يد العدالة ويكونون موضوع رقابة قانونية، كما تختلف أنواع المراكز باختلاف قابليتها لاستقبال المعتقلين، وهاته المصالح  تقسم إلى مراكز رئيسية ومراكز الاعتقال ومراكز للعقاب خاصة بالأحداث.
-    العدالة الجنائية في أرقام: أغلبية المجرمين والمنحرفين من الجنس الذكوري بمتوسط عمري ما بين 30 و35 سنة، كما أن الأنشطة الإجرامية المزاولة لا تخص بالضرورة المدن والأحياء الصفيحية، من جهة أخرى، من المعروف أن المجموعة العمرية المعطاة بين %50 أو %70 من المنحرفين هم مسؤولين عن %50 أو %70 في المائة من الجرائم، هذه الإحصائيات لا تعكس الظواهر، بقدر ما تعمل على الاستعلام وتحديد ظاهرة الأعمال الانحرافية، فالأمر معقد جدا إذا ما قمنا بدراسة مقارنة بين البلدان بغية الكشف عن طبيعة الجرم إذ يختلف من دولة إلى أخرى، فالإحصائيات المتوفرة تساهم فقط في خدمة وزارة العدل وإدارة السجون لما تحتوي عليه من معلومات تمكنها من تطوير أنشطة السجون وفي استقلالها، بحيث أن الإحصائيات الجنائية تقدم أنشطة للمنحرفين كخدمة معالجة المنحرفين (الشرطة، الدرك، المحكمة، السجن)، والمعلومات على المنحرفين تساعد في تنمية المعارف على الظاهرة الإجرامية، فقد عالج المكتب المركزي لمحاربة الجريمة سنة 2005 حوالي 48% تقريبا من الأعمال في السنوات السابقة.
-    إحصائيات إصلاح السجون: الإحصائيات تؤمن لنا القيام بمقارنة بين مختلف السنوات وإظهار التطور لكل صنف، فقد قارنت الكاتبة هنا الإحصائيات المتوفرة بين سنوات 1991 و1998 و2008 الصادرة عن مديرية الإحصائيات والدراسات والتواصل تحت عنوان سكان المؤسسات السجنية في بيئة مغلقة، حيث تبين أن الرجال القابعين بهذه المؤسسات هم أكثر من النساء وذلك راجع لكون أن ارتكاب الأفعال الإجرامية هي مرتفعة بالنسبة للرجال عنها عند النساء، أما بالنسبة لجنسية الجناة لاحظت أن نسبة مرتكبي الجرائم مرتفعة بالنسبة للفرنسيين، أما بالنسبة للفئة العمرية المرتكبة للجرائم لاحظت أنه كلما كان السن متقدما كلما زادت الجرائم إلا بالنسبة لما دون سن 16 وما بعد سن 60 فمعدل الجرائم ينخفض.
-    تطور الردود الجنائية: فالمعطيات تتحقق بالمقارنة بين المنحرفين والمجرمين بين 1995 و2005 بدمج السنوات الفاصلة، ولا يتعلق بالضبط بالمقارنة بين سنتين لكن نأخذ بعين الاختبار التطور العام.
-    جنوح الأحداث: تم الأخذ بعين الاعتبار كافة الموارد الاحصائية عن الجريمة في فرنسا وبلدان أوروبا بغية الوصول إلى قياس عن الجريمة بهذه البلدان، وتم الوصول إلى نتيجة مشتركة عن أعمال الجانحين بين المراهقين كقيمة مشتركة بين الدول الأوربية، أما من حيث طرق الجنوح فهي تقف على ذات الجانح نفسه.
استيعاب عالم الإجرام لنفسية المجرمين وظهور النماذج:
     عالم النفس مرتبط مع عالم الإجرام، والسبب أنه يكون معرض لجلب تفسيرات حول الظاهرة الإجرامية، ويتعلق الأمر بمحاولة لفهم شخصية ومحفزات عمل الجانح المنحرف أو المجرم.
 
الفصل الثاني: النظريات المفسرة للجريمة
التفسير ما قبل الجريمة:
بادئ الأمر لابد لنا من العودة إلى أعمال لمبروزو في تفسير وفهم الجرم، فعلم نفس الإجرامي يمدنا بمعرفة الجنوح، بعد التحليل الطبي الأساسي، ثم التوجيه الاجتماعي، لتستند على 5 فئات جرمية: مجرم بالولادة، مجرم بالتعود، مجرم بالجنون، مجرم بالفرصة، مجرم بالعاطفة.
وبالتالي غفل الجانب الاجتماعي الذي يساهم في بناء المجرم، ومنه، فقد جاء Garofalo وهو أستاذ لقانون الإجرام، استلهم من لمبروزو تفسيراته وأضاف إليها أن المسؤولية تقع على الأحاسيس والعواطف المستلهمة من المجتمع، والتي من شأنها تحديد استقامة الفرد داخل الجماعة، ومنه فالعوامل النفسية والاجتماعية تساهم في خلق المجرم.
ثم بدأ العمل مع مدارس جديدة على بنية وشخصية المجرم وتحليلها بالمنهج التجريبي وأسباب الفعل الجرمي لدى الجناح، فهذه النظرية تلخص لنا أن العوامل الشخصية والاجتماعية والبيئية تساهم في تحديد السلوك الجنائي، ومن بين العلماء المعززين لهذا الطرح نجد Gabriel Tarde لتنبثق نظريته عن ثلاث أفكار أساسية هي: عامل القرب، التسلسل الهرمي، تأثير الوضع، ثم توالت النظريات بعد ذلك إلى أنواع منها:
-    النظرية الثقافوية، والتي تعنى بالأسباب الشخصية والاجتماعية للجريمة؛
-    نظرية السلطة، وهو ما يفسر الفرق بين الرغبة في الانضمام إلى الجماعة والصعوبات المرتبطة بها؛
-    النظرية العقلانية، التي تؤكد على مسؤولية الفاعل واختياره في الجرائم؛
-    النظرية الاجتماعية، التي تنظر إلى رد الفعل في التفاعل بين الجاني واستجابة نظام العدالة الجنائية.
العوامل البيولوجية: المقاربة الطبية الحيوية biomédicale للمجرم:
يتردد السؤال هنا عن الانحراف والإجرام والعوامل الموروثة، فعلم النفس يولي اهتماما بشكل كبير للمعطيات البيولوجية حيث قسمتها إلى مقاربات أساسية تقوم بتقييم الإنسان المجرم حسب لمبروزو من خلال اختبار مورفولوجي لملامحه، حيث يميز السارق من خلال أذنيه المسطحة، عيونه المتقاربة، جمجمته المسطحة، وجبهته العريضة، وإلى مقاربات البيولوجيا المعاصرة والإجرام والتي تقوم على الميكانيزمات البيولوجية والعدوانية فالعلوم العصبية المعاصرة وبفضل تطور الصورة العصبية مكنت من فهم طريقة اشتغال الجهاز العصبي العادي والمرضي، ثم نجد الباحات العصبية المرتبطة بالانحراف تفتح أبواب للعنف والعدوانية، ولهذا فإن لكل فرد قدرة على تطوير العنف العدواني العادي إلى عنف عدواني خارج سيطرته غير متحكم به.
غير أن علم الوراثة وعلم الاجتماع من خلال دراسة حول التوائم والتبني توصل إلى أن الإمكانيات الوراثية لا تكفي وحدها لتفسير السلوك الإجرامي، فحتى في المجال الوراثي يلعب الوسط أو البيئة دورا مهما في تشكيل شخصية المجرم، فبالنسبة للتوائم اكتشف Ernestein وWilson أن التوائم MZ الناتج عن بويضة واحدة لها معامل مرتبط بالإجرام يصل إلى 0.69 على عكس التوائم DZ الناتج عن بويضتين لا يتعدى معاملها 0.33، وبالتالي يربط بين العوامل الجينية والسلوكات الإجرامية، كما أن العائلات البيولوجية (الأصلية/الحقيقية) للمتبنين مثلا تعرف حالات مرضية أكثر من أولائك الذين لا يعرفون آباءهم الحقيقيين (عائلاتهم البيولوجية).
أما عن جانب العامل الهرموني، فقد أوضحت الدراسات أن الهرمونات الجنسية عند الرجال العنيفين والمتحرشين جنسيا أعلى نسبة من غيرهم من حيث هرمون التسيتوستيرون، فالتشريح العصبي والكيمياء العصبية بينت أن الهرمونات الجنسية (الأستروجين والأندروجين) هي المسؤولة عن السلوك العدائي، هذه الهرمونات تحدد من قبل الجهاز العصبي الذي يحولها فيما بعد إلى سلوكات مرتبطة بالقلق، وحسب الكيمياء العصبية فإن الخلل في الناقلات العصبية كفيل بخلق العدائية والحالات المرضية (النفسية).
ومن الجانب البيولوجي والتطور المعرفي والسلوكي، حسب دراسة Herrnstein et Murray 1994 فإن التلاميذ الذين لديهم معدل الذكاء أقل من العادي هم الأكثر ميولا للسلوك الإجرامي، ومن هنا فإن معدل الذكاء المرتفع يمنع تطور السلوك الإجرامي لتوفر عامله على وظيفة اندماجية داخل المجتمع.
النظريات الاجتماعية والنفسية المعاصرة للإجرام:
النظريات الثقافية:
-    الفوضى الاجتماعية (كيسون)؛ بحيث يتم رصد المناطق التي تعاني من ارتفاع لعدد سكانها وعدم استقرار التنمية بها بحيث يكون من السهولة بمكان أن تصبح بؤرة لتطور الجنوح، وتستند نظرية الفوضى الاجتماعية التي تجمع بين المدينة والجنوح إلى أعمال موريس كيسون Cusson في تسعينات القرن الماضي، وقد وجد سيذرلاند نفسه مضطرا لإكمال هذا النهج من خلال دمج تأثير الآخرين على التنمية من خلال إستدماج ثقافة الآخر أو خلق ثقافة هجينة تعمل على استمرار سلوك الانحراف.
-    الاختلاط التفاضلي (سيذرلاند)؛ وتعني أن كل شخص يتطبع بالطابع الثقافي المحيط به ويتشبه به، ما لم تكن هناك ثقافات أخرى تتصارع مع الثقافة المحيطة به وتوجهه إلى طرق أخرى مختلفة، كما ويقترح بعض الطرق التي تؤدي إلى الجريمة ونذكر من بينها؛ إن أساس الإجرام هو التعليم وليس الوراثة، فمن لا يتعلم فن الجريمة لا يسلك سلوكا إجراميا، حيث يتم التعليم عن طريق الاتصال والاجتماع بالغير، ومنه فإن معظم الاتصال الموجه للسلوك الإجرامي يكون بين الأفراد ذوي العلاقات الوطيدة، مما يعطي وسائل الاتصال الأخرى دورا ثانويا في تكوين السلوك الإجرامي، فالاختلاط التفاضلي يختلف حسب التكرار، والاستمرارية، والأسبقية والعمق، وكلما تعرض الشخص للموقف أكثر من مرة، أو اتصل بالأشخاص مدة أطول، أي كلما تكرر الاتصال وزادت المدة، كلما زادت نسبة الاستجابة للنمط السلوكي.
-    الصراع الثقافي (سيلين)؛ ويرى سيلين أن قواعد السلوك تتحدد من خلال الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، والتي قد يشوب قيمها التنازع والتصارع مع قيم جماعات أخرى تتواجد في محيط الفرد الاجتماعي، ويأخذ التنازع الثقافي لدى سيلين إحدى صورتين؛ إما صورة التنازع الأصلي أو الخارجي، وذلك حينما يقع التصادم بين ثقافتين مختلفتين في مجتمعين مختلفين، وقد يأخذ صورة التنازع الثانوي أو الداخلي حينما يقع التصادم في إطار ثقافة عامة واحدة.
-    نظرية الثقافة الفرعية (كوهين)؛ انصب اهتمام العالم الأمريكي ألبرت كوهين على إجرام الأحداث ممن ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا، وقد أشار في أبحاثه التي نشرها عام 1955 إلى أن هناك صراع ينشأ بين معايير السلوك الاجتماعي لدى الطبقة الدنيا وتلك المتبناة من أفراد الطبقة الوسطى، ويرى كلاوارد وأوهلين أن سلوك الفرد يختلف حسب مشروعية أو عدم مشروعية الوسائل التي توجد تحت تصرفه، والتي يتيحها له التركيب الاجتماعي والطبقي الذي ينتمي إليه بثقافته السائدة.
نظريات الضغط أو السلطة les théories de la tension؛ لا تفسر هذه النظرية بوضوح كيف تقع الظاهرة الإجرامية كأثر للعلاقات الاجتماعية المختلة بفعل خلل السلطة، وسيطرة جماعة على أخرى، واستخدام القانون كأداة لتحقيق مصالح طائفة بعينها من طوائف المجتمع، كما وتعتقد هذه النظرية الأنوميا خاصة في البيئات المحرومة تجعل من الجريمة الاقتصادية مستحبة من طرف الشباب الذين يعانون في البحث عن الهوية جراء الشعور بالظلم.
النظريات العقلانية؛ هذه النظريات تسعى لإظهار أسباب السلوك المنحرف ليس فقط في اندماج عامل معين أو محدد مع جزء آخر، ولكن تسعى في شمولية الوضع الإنحرافي من خلال البحث في السلوك والمعايير الاجتماعية، ومن بين النظريات التي تتسم بالعقلانية نجد:
-    نظرية الفرصة؛
-    نظرية التحليل الاستراتيجي؛
-    النظرية البيئية التي ارتكزت على المعطيات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة محددة بحيث تكون هذه الأوضاع هي المسؤولة عن الجريمة بها.
نظرية رد الفعل الاجتماعي؛ هي نظريات ذات رؤية اجتماعية تقول بلا وجود لفرق جوهري بين المجرمين وغير المجرمين وغير ذلك، فالوصم يؤدي بهم إلى تبني حالة الجاني الحقيقي، ومنه فثمة تيارات مختلفة في هذه النظريات منها:
-    اتجاه التفاعل؛
-    علم الجريمة المنتقد la criminologie critique.
ثم خلصت في نهاية الفصل الثاني إلى استخراج بعض المفاهيم النفسية للمرور إلى الفعل، حيد بينت أن المفاهيم النفسية تتداخل فيما بينها داخل ذهنية المجرم أو الجانح وذلك خلال مروره إلى الفعل الجنحي، ومن بين هذه المفاهيم نجد؛ تفكيره بل ودراسته للمجتمع الذي سيقوم فيه بجرمه، ثم نجد تعارض الجريمة مع الشعور بالذنب السابق للفعل الإجرامي، ثم أخيرا الجنوح والحكم الأخلاقي.

الفصل الثالث: الجريمة النوعية أو المحددة criminalités spécifiques
الجريمة الطرقية:
تعرف المخالفات الطرقية تصاعدا منتظما كل سنة وذلك بحسب ما جاءت به تقارير الأمن والدرك، فخلال أربع سنوات انتقل المعدل من 13.6 مليون سنة 2002، إلى 19.5 مليون سنة 2006، ما يعادل ارتفاعا بنسبة %44، ويرجع السبب الرئيسي لهذا الارتفاع إلى تضاعف الغرامات الخاصة للحد من حوادث السير، في حين تظل الجنح في تصاعد سنوي يصل إلى %11، وباعتماد القانون رقم 2004-204 من 9 مارس 2004 يعد التكيف مع تطورات العدالة في الجريمة قد ساهم في التضخم، وفي سنة 2006 بمعدل %35 من هذه المخالفات كانت لها علاقة بالسكر أثناء السياقة، وبالعودة إلى تحليل المعطيات أو النسب المعطاة من طرف الحماية الطرقية سنة 2007، نستنتج أن هذه الجرائم لها علاقة برخص السياقة (إما سياقة بدون رخصة... إلخ). أما الجرائم المتعلقة باستعمال ترقيم مزور للسيارة أو ترقيم خاص بسيارة أخرى فقد عرفت ارتفاعا بنسبة %22، أما فيما يخص المخالفات المتعلقة بحزام السلامة فهي في تناقص سنوي بنسبة %13، وعلى العكس مخالفات وضع الخوذة لمستعملي الدراجات النارية فقد ارتفع بنسبة %10، أما النسبة التي لها علاقة بالجنحة المرتبطة بالكحول فقد استقرت على %3 مع ارتفاع نسبة السياقة في حالة سكر إلى %10، كما تعرف نسبة السائقين في وضعية سكر alcoolémie (ذوي نسبة عالية من حيث مستوى الكحول بالدم) يتعرضون لحوادث سير مميتة إذ تعرف استقرارا منذ سنة 1997 بنسبة %17.
فإذا كان الرجال في السنوات السابقة يحتلون النسبة الأكبر من حيث سحب النقط من دفاتر السياقة بنسبة %70، فإن النساء بدورهن يمثلن %30 من إجمالي النسب لسنة 2006 مقابل %27 لسنة 2005.
وارتباطا بهذا فإن التطور الذي يرجع بالأساس إلى تضاعف المراقبات الطرقية وإلى تقنية Barème أي التنقيط، من جهة أخرى، فإن عدد القتلى قد وصل سنة 2003 إلى 6600 بألمانيا، و6059 بفرنسا، 6015 بإيطاليا، و5394 بإسبانيا،...إلخ، وهكذا نستنتج أن المجهودات المبذولة من طرف مجموعة من الدول للحد من الوفيات على الطرقات لازالت تعرف تذبذبا وتباطؤ مستمر، ويرجع السبب بالنسبة لهذه الدول في الإهمال الطرقي والسياقة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، فالسياقة في حالة سكر تمثل نسبة مهمة في عمل مجموعة من المحاكم الجنائية، إذ غالبا ما ترافق هذه الجنح أو المخالفات عقوبة حبسية مع وقف تنفيذها، وعقوبة رئيسية أو مكملة داخل إطار تدبير لرخصة السياقة، إذن فخطر الحوادث يرجع إلى استعمال الكحول والإدمان عليه مقارنة مع أشخاص ليس لهم علاقة بالكحول.
ومن ناحية أخرى، فليست هناك دراسات تؤكد على نوع المخدر ومدى تشويشه على ذهنية السائق وبالتالي عدم تحكمه في السياقة مما يسبب الحوادث.
ومنه فإن الإهمال الطرقي هو الأكثر شيوعا في غالبية الدول، بحيث أثبتت دراسة أجراها Roché, Bègue et Astor 2004 أن هناك علاقة بين الإهمال الطرقي والإهمال في الشارع عند المراهقين، كما أن وضعية السياقة السليمة تعطي للسائق قوة تلقائية، وبالتالي فإن السرعة، والكحول، وغياب وعدم احترام السلامة الطرقية، لهم علاقة وطيدة بالخطر، لأن السائق غالبا ما يحس بالقوة بغية الحصول على اللذة من جراء سياقة العربة.
الشغب أو العنف بالملاعب:
ارتفعت ظاهرة الشغب بالملاعب في الآونة الأخيرة بحدة، إذ يعتقد Leyens et Rimé أن مشهد العنف يمكن من إيقاظ الإثارة في العرض.
ففي البداية كانت لعبة كرة القدم تمارس محليا إلى أن بدأ انتشارها وولع الجمهور بها، ولا ننسى أن الفئة التي تمثل الغالبية العظمى في تتبع المباريات وخاصة منها داخل الملاعب هي الفئة الفتية الشابة، وما يصاحب ذلك من متعة ولذة وكذلك معارك بين المشجعين المتحمسين لفريقهم، ولا ننسى بأن من بين بعض الشباب من يمثل الشغب نمط حياتهم، ففي التسعينيات تضاءلت هذه الحوادث نسبيا بسبب قانون جديد لمعاقبة السلوك العنيف داخل الملاعب، وبالتالي فالعنف أو الشغب في الملاعب ليس من الهين التعامل معه كظاهرة انطلاقا من برامج الوقاية والتدابير الاحترازية المصاحبة، ولكن إلى حد ما تبقى كسبل رادعة وتخويفية مثل تقنيات المراقبة بالفيديو.
القتل:
تعتبر جريمة القتل مشكل يستدعي تكثيف الجهود الدولية بغية إقامة مقارنات علمية دولية من أجل الاتفاق على موضوع تعريف هذا النوع من الجرم، فالقتل إذن يعكس لنا جزء من حالة الجريمة لبلد معين، ومنه فلا يمكننا النظر في مسألة القتل في فرنسا بدون استحضار تحليل مقارن إذ اختارت الكاتبة وضع مقارنة بين فرنسا وأمريكا لتتساءل عن الكيفية التي تضمن توازن أكثر قوة في المجتمع، كما وتساءلت عن بعض التفسيرات لفهم كيف أن بعض الدول لديها معدل أقل للقتل مقارنة بأخرى.
فمن حيث الوضعية بفرنسا فالإحصائيات تشير ابتداء من 1972 إلى قوة في تقاطع الجنوح مع الجريمة بفرنسا، كما وتشير إلى اختلاف نوع الجرم وحجمه بحسب الجنس النساء والرجال، كما وتشير إلى اختلافه أيضا من حيث العمر أي جرائم المتقدمين بالعمر مقارنة مع الشباب، إضافة إلى عنصر المجال فالمدينة تختلف عن الأحياء البعيدة عن المجال الحضري، ومنه يمكن اعتبار أن معظم جرائم القتل ترتكب من قبل الكبار، هذا لا يجعلنا نغض الطرف عن تطور أعمال العنف لذا المراهقين، حيث أن جنوح المراهق نادرا ما يؤدي إلى الجريمة رغم وجود أسلحة نارية بحوزتهم خاصة داخل المدارس.
استجابة العدالة الجنائية لجرائم القتل:
اتخذت العدالة الجنائية في هذا الصدد عدة تدابير قانونية لردع الفعل الجرمي، وتمثل ذلك في إصدارها لعدة قوانين جديدة، واعتبارها أن الدفاع عن النفس هو مبرر كاف لمشروعية الفعل العدوان، وأن غير ذلك ينطوي تحت الأفعال الجرمية التي يتم فيها تطبيق العدالة، وبه فإن جرائم القتل تقع ضمن فئة انتهاك حقوق الأشخاص، وكتحليل عام يمكن القول بأن ارتفاع عدد الأسلحة أيضا يؤدي إلى ارتفاع الفعل الجرمي، كما وتنقسم جرائم القتل وفقا لفئات مختلفة تختلف وفقا لمدى العلاقة مع الضحية، كجريمة الأصول إذ تعتبر غالبية الجرائم ضد الأصول عند البالغين هي نتيجة لاضطرابات معنية لأعراض ذهانية، أما بالنسبة للأطفال والمراهقين ففي كثير من الأحيان تكون أقل عرضة للاضطرابات النفسية، إذ نجد أن الأحداث الجانحين في فرنسا يتواجد نحو 700 قاصر محتجز، معظمهم بسبب السرقة وأنواع أخرى مختلفة من العنف، كما ويمكن تقديم تسهيلات بالنسبة للقاصر المعاقب، والتي تشمل في إطلاق السراح المشروط، والانتقال إلى خارج المركز تحت سيطرة الإدارة، ناهيك عن جنوح كبار السن، والتي نجدها عند الفئة العمرية التي تتراوح بين 40 و60 سنة، وتعرف هذه الظاهرة بالولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعا مقارنة مع باقي الدول، وتستدعي تعميق الدراسات حولها بغية معرفة أسبابها ومحاولة تفاديها في الأعوام القادمة، ولم تنسى الكاتبة الحديث عن جرائم الياقات البيضاء، والجرائم المنظمة والإرهابية، والجرائم الالكترونية، وجرائم القتل المتسلسل، وكذا التنميط الذي يعتبر وسيلة مفيدة لتحديد الخصائص الرئيسية للمجرمين ومحتجزي الرهائن، بغية تسوية بعض الحالات التي تعبر مثيرة للاهتمام.

خلاصة:
وكخلاصة، أملت الكاتبة أن تكون قد ألمت ببعض العناصر الأساسية في موضوع الظاهرة الإجرامية من منظور علم النفس الإجرامي، بغية معرفة الجريمة بموضوعية بالاعتماد على التقنية الإحصائية، ومنه السماح بتحليل جيد للنظريات المفسرة للجريمة على منوال علم النفس الاجتماعي والحيوي الذي يحلله بطريقة كاملة، وكذا النظريات الاجتماعية والنفسية الآنية التي سبق تحليلها من قبل العلماء المهتمين بهذا المجال، فهذه النظريات تمدنا بدعامة أساسية وتقريبية تسمح لنا بإعطاء معنى وشرح للجريمة، والتي من بينها نجد الجريمة النوعية التي تم دراستها بالمقابل، مثل الجريمة الطرقية، وجنوح القاصرين، وجرائم الأصول، وجرائم الإلكتورنية، وجرائم الياقات البيضاء، والجرائم المتسلسلة وما إلى ذلك. فهذه الأساسيات لابد منها في التطرق للمظاهر الطبية للإجرام، فمقارنة الإجرام يبقى حساسا بالنسبة للملاحظ، فالجريمة تبقى كما ذكر Zagury كتحول من التهديد إلى النشاط، من السلبية إلى الايجابية، من العنف إلى القوة، وإلحاق الصدمة من الصدمة...، بينما يبقى نطاق عمل علماء النفس شاسعا، كما أن التصرف الإنحرافي والإجرامي يمكن تفسيره بطريقة واحدة فقط سواء كانت اجتماعية أو بيولوجية، وذلك لأن الديناميات النفسية تختلف حسب كل فرد فهي مركبة في الحد ذاتها، ولهذا فإن علم نفس الإجرامي الذي قدمنا أساسياته تطرح كشعبة تربية القاصرين وتطبيقا لكل الأعمال الاجتماعية.
وفي ختام كتابها أملت كاترين بلاتير أن تكون قد أحاطت بجميع جوانب علم النفس الإجرامي، داعية القارئ نفسه في البحث والتعمق أكثر في العمل الإجرامي النفسي، الذي يسعى إلى فهم الديناميات الجنائية من أجل التغيير والمساعدة في مسارات الجانحين أو الجريمة من خلال فهم أفضل للدوافع وأفعال الجناة.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟