إثنوميتوديا العمل الجمعوي المحلي بالعالم القروي المغربي ـ طيب العيادي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse040101ملخص:
يستهدف هذا المقال التعرض لصيرورة بناء الفعل الجمعوي التنموي وتدخله الميداني داخل السياق المغربي،خصوصا في المجال والسياق المحليين بالبادية المغربية.
فقد شهد المغرب تحولات ماكرو سوسيواقتصادية وبنيوية؛طالت المحيط والإنسان وبنيات الوعي... تساوقت معها تحديات مجتمعية جديدة؛بفعل انهيار الحدود المادية والرمزية بين المجالين المديني والقروي،وما تبعهما من ميلاد إكراهات غير معهودة في إطار تدبير المعيش اليومي خصوصا؛ وقضايا التنمية المحلية بشكل عام...
وحيث إن الدولة المركزية بنموذجها اليعقوبي ظلت وطوال عقود؛  تقدم نفسها الفاعل الوحيد في الساحة التنموية المغربية،فإن توالي "فشلها" في الإستجابة لانتظارات الساكنة خصوصا بالمغرب العميق،فرض ظهور فاعلين جدد كما هي الحال مع التنظيمات الجمعوية، بمثابة بديل تنموي وجد تشجيعا حتى من الدولة نفسها،لتعوضها بما تأتى لها من قيم  رمزية وإمكانيات عمل وامتداد أفقي مع الساكنة...في تحقيق بعض المتطلبات التنموية التي عجزت عنها،ولما لا لتكون وسيلة للبحث عن الدعم والتمويل اللازمين من مختلف المتدخلين وطنيا ودوليا.
ومن جهة أخرى؛كان المجال القروي المغربي يتوسل-تنظيميا-مؤسسات وبنيات اجتماعية، أثبتت على مر عقود عن نجاعة عملية فائقة؛ في توفير حلول واقعية بمناسبة تدبير المعيش اليومي للأفراد أو المصير المشترك للقبيلة ككل.

فكان السؤال والإهتمام ببحث هذا التحول التنظيمي سوسيولوجيا بهذا المجال الإجتماعي ذي الخصوصية،ومحاولة بناء فهم علمي له قصد مساعدته كفاعل سوسيواقتصادي جديد؛ في أداء ما أنيط به من مهام تنموية محلية.
وهو ما لا يمكن تحقيقه سوى عبر دراسة سوسيولوجية ميدانية،تشخص واقعه وترصد مساره العملي.

- تقديم:
تندرج معطيات هذا المقال في إطار دراسة ميدانية بمناسبة إعداد أطروحتنا لنيل شهادة الدكتوراه في علم الإجتماع؛بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط،وهي تروم من ضمن أهداف إبستمولوجية وسوسيوأنثروبولوجية؛مقاربة الفعل الجمعوي المحلي باعتباره في مقدمة آليات تدخل المجتمع المدني، التي أخذت تفرض نفسها في تدبير الشأن العمومي والتنموي بشكل خاص؛في العقود القليلة الماضية وحتى الآنية منها بالمغرب.

فالتنظيمات الجمعوية وبالنظر لما توفره من نجاعة وممكنات عمل مرنة وتحقيق لقيم المقاربة التشاركية l’approche participative والقرب la proximité...أصبحت قوة اقتراحية معترف بها كفاعل وشريك في معالجة الإشكالية التنموية؛ ولا سيما في مستواها المحلي وبشكل أخص في المجال القروي المغربي...استحقت معها يوما وطنيا مصادف ل13 مارس من كل سنة،وصلاحيات دستورية جديدة.
فهذا المجال الترابي اختص زمنيا بمؤسسات تنظيمية تم اعتمادها آليات لتدبير المعيش اليومي المحلي،وأنيطت بها مهام تنظيمية وسلط مادية تدبيرية ورمزية تحكيمية؛فأنتجت بالممارسة قيما ومبادئا وبنيات أثبتت على مر عديد العقود على نجاعة عملية كبيرة،وفي مقدمتها نجد مؤسسة لجماعت أو الجماعة؛التي كانت موضوعا لدراسات سوسيوإستوغرافية عديدة نظرا لمركزيتها داخل السياق والمجال المحليين.
لكننا اليوم وفي ظل مجموعة من التحولات السوسيواقتصادية التي طالت البادية المغربية،والتي همت شتى مناحي الحياة المادية والرمزية بها،نجد جانب البنيات الإجتماعية المحلية بدوره لم يسلم من هذا التحول.
ومن هذه الخلاصة انطلقت إشكالية بحثي المومأ إليه،لدراسة وفهم هذا التحول التنظيمي ومكامن القطيعة والإستمرارية بين البنيات التنظيمية السابقة وأساسا مؤسسة لجماعت،والتنظيمات الحديثة ممثلة في الجمعيات،التي تكاد تغطي كامل المجال القروي المغربي.

ولعل ما يجعل من هذا "الإنفجار الجمعوي" تحولا تنظيميا مثيرا؛و ظاهرة تستحق الوقوف عندها ومساءلتها بالدراسة العلمية والسوسيولوجية منها بشكل أخص،هو كون ميدان الدراسة-منطقة تافراوت بالمجال السوسي المغربي-وعموم المجال القروي بالمغرب؛لم يكن يعتمد هكذا أشكال تنظيمية لتدبير الشؤون اليومية للساكنة المحلية و التداول عبرها في مشاكل معيشها وعلاقاتها الداخلية البينية ومع المحيط؛أو التنسيق في تحديات مصيرها المشترك،مما يستوجب معه السؤال عن الكيفية التي تم بها هذا "التسرب" والاستيراد التنظيمي الجديد وشروط وأشكال تبنيه وخلفياته الحقيقية؟ وأثره كفاعل جديد على الواقع والعلاقات بالمنطقة؟.
ولو أنه كما يؤكد ابن خلدون يبقى هذا المبدأ في التغير قانونا كونيا حيث أن"أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر،إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال،وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار،فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول"[1].
وهو ما يدعونا إلى الإستفهام سوسيولوجيا عن هذا"القانون" في سياق ميدان البحث،عبر مجموعة من التساؤلات المفككة لفهم الموجبات والكيفية التي تم على نحوها هذا ״التحول التنظيمي"، وتهم أساسا:

ماهية الشروط التاريخية و المحددات-اجتماعية كانت أو اقتصادية أو إدارية أو ثقافية- التي أدت إلى ميلاد هذه الجمعيات بالمنطقة؟ولماذا تمت الإستعاضة بالجمعيات بدل المؤسسات "التقليدية"المعروفة والممتدة في التاريخ والممارسة والذهن المحليين؟ وهل هو قطع تام معها أم  أن هناك استمرارية لها بأشكال مقنعة؛خاصة على المستوى القيمي والعلائقي..؟ وهل استبدالها حتى لا نقول التخلي عنها تعطيل عملي لها فقط أم وجداني كذلك؟وهل هو بسبب عدم قدرتها على تلبية متطلبات واقع جديد؛وبالتالي نفاذ إمكانياتها التنظيمية و التدبيرية أمام التحديات الجديدة؟ أم أن خلق جمعيات ينظمها القانون-برمزيته لدى الساكنة المحلية- وتعتمد توزيعا تراتبيا ورمزيا وانتماؤها للخطاب التنظيمي الحداثي العقلاني؛هو فقط ما أغرى و حكم استدعاءها وتأسيسها في اعتقاد بتمتع أعضائها افتراضا بذات الوعي التنظيمي العقلاني.  و كيف تم استدماج هذه الكيانات التنظيمية الجديدة؛و التعاطي المحلي معها استجابة وامتناعا؟.

وهل تم الانضباط للأعراف و القوانين المعمول بها في هذا المجال؛أم تمت تبيئتها وفقا لخصوصية المنطقة؟وٳلى أي حد قد يقدمها ذلك كأشكال تنظيمية مفرغة من معناها الإجرائي؛ويبعدها عن الغايات المعلنة لتأسيسها،ولا تعدو بالتالي أن تكون حينها مجرد موضوع للتنافس و التنابز بين الدواوير/المداشر؟ وما تمثل أعضائها وانتظارات الساكنة لها،وهل هي هدف في حد ذاته أم لها فقط قيمة استعمالية؟ثم ما هو منطق وآليات اشتغال هذه الجمعيات ؟،وما نوع العلاقات الجامعة و السائدة بين أعضائها المسيرين؛وبينهم والساكنة من جهة أخرى؟وكيف يجري انتخاب أعضاء المكتب المسير وبأية "طقوس"؟ووفقا لأية معايير يتم توزيع المهام(القرابة؛الجاه الاجتماعي؛الكفاءة و المستوى الدراسي؛السن/الشيوخ ونصيب الشباب؛الجنس/تمثيلية النساء...)؟.

وألا يمكن أن تحمل هذه الجمعيات- المراد منها خدمة التنمية المحلية،وأن تشكل قنوات وآليات لتحقيق مشاريع تنموية-في طياتها معيقات تحقق هذه الأهداف؟سواء عبر منطق و آليات اشتغال قد تخضع  لمعايير تكون بعيدة عن الكفاءة؛أو في عدم إشراك بعض الساكنة التي لا تتمتع بمستوى اجتماعي معين؛وهي المعني الأول بأهداف هذه الجمعيات.
ثم ما مدى مساهمتها في دولنة Etatisation المجتمع القروي في ظل الرعاية والطلب الرسميين على الجمعيات وتفضيلها كمخاطب لتلقي الدعم العمومي أو التداول في قضايا الشأن المحلي؟.
وسأكتفي في هذه الورقة بعرض أبرز النتائج التي من شأنها نقل الفعل الجمعوي من واقع الممارسة إلى مستوى الخطاب العلمي التحليلي، لمعرفة مدى توفر السياق المحلي على إثنوميتودياه[2] الخاصة بالعمل الجمعوي؛من خلال تبيئته مع المقتضيات السوسيوثقافية المحلية،على أن أقوم قبل ذلك بتقديم صورة وصفية عامة عن الفاعل والنسق الجمعويين المحليين،وهي تخص منطقة تافراوت الواقعة بالمجال السوسي الجنوبي من المغرب نموذجا.

1.ديموغرافيا الفاعل والنسق الجمعويين بتافراوت
حينما أتحدث عن الفاعل*[3] فأنا لا أعني به بالضرورة الذات العاقلة أو الواحد و الكل المتجانس،بقدر ما أستعمله "كقوة تنظيمية" و"فعل وجودي"؛كما أن التنظيمات الجمعوية كمفهوم لا يفيد لدي بالضرورة الوحدة والتجانس؛أو موقع المفعول به و"الموضوع"أمام الفاعل،بل أقيمهما مفتوحين على ما هما عليه في الواقع من تفاعل متبادل وعلاقة تنظيمية سأعمل على استفسارها.

أ- بيانات الفاعل والتنظيم المحليين

- السن:
بخصوص الفئات العمرية للفاعلين الجمعويين المحليين بمنطقة تافراوت،نجد أن أكثر من 29٪ ينتمون للفئة العمرية ما بين 23و30 سنة،تليها الفئة العمرية ما بين 41و50 سنة بحوالي 24٪؛ثم الفئة العمرية ما بين 31و44 سنة بأكثر من 23٪،بصيغة تركيبية يمكن القول أن أكثر من 77٪ من الفاعلين الجمعويين بالمنطقة يتراوح سنهم بين 23و50 سنة،وهي فئة تمزج بين بدايات الشباب والنضج،
يمكن القول أن حضور هذه الفئة قد يعود إلى اعتبارات ثقافية توجب تمثيلية كبار السن لمزيد من المصداقية جريا على المعمول به في إطار لجماعت، ثم ربما للضرورة التنظيمية التي قد يغيب فيها من يرغب في تولي المسؤولية بمكتب الجمعية فتتم الإستعانة بهم علما أنهم الفئة الأكثر إقامة دائمة بالمنطقة.

- الجنس:
أما من ناحية النوع الإجتماعي النشيط جمعويا بتافراوت؛فنجد هيمنة ذكورية لافتة تمثل نسبة 95%  مقابل حوالي 5% للمرأة المحلية،رغم أن حضور المرأة في المعيش اليومي بالمنطقة؛ يبقى هو الطاغي لأكثر من 10 أشهر؛إذ وأمام هجرة الرجل نحو المدن للعمل والتجارة؛تقوم هي مقامه بتدبير مستلزمات العيش لها وللأطفال والوالدين من كبار السن،بمعنى آخر أنها أول وأكثر من يعاني من غياب التنمية بالمنطقة وعلى معرفة تامة بالحاجيات والمشاكل التنموية،ونجد حضورها مقابل ذلك ضعيفا في إطارات تنظيمية[4] يفترض فيها تحقيق التنمية المحلية وحل مشاكلها.
الأمر الذي يمكن تفسيره بأسباب ثقافية لأن نسبة الإناث أكثر من الذكور ديموغرافيا بالمنطقة؛لكن هذا المعطى المفارق يبقى في حد ذاته من العوائق البنيوية أمام تحقق التنمية المحلية،ليس فقط من منطلق مجرد تمكين المرأة من التمثيلية[5] ،بل لأنها الأكثر معاناة و دراية بالمشكلة التنموية بالمنطقة.وتتبدى هذه المفارقة بشكل أجلى مقابل الإعتراف المجتمعي بالدور الكبير للمرأة السوسية والذي استحقت على إثره حق الكد والسعاية أو"تمازالت" بالتعبير المحلي[6] ،نجد تغييبا غير مفهوم لها في التنظيمات الجمعوية التي ظلت وفية ومكرسة للسيطرة الذكورية المطلقة "للجماعت".
وهو ما قد يوجب السؤال حتى على التصور أو النموذج التنموي المأمول تحقيقه في ظل ذلك.

- المستوى الدراسي:
بخصوص المستوى الدراسي للفاعلين الجمعويين بالمنطقة، فنجد أنه يتراوح من المسيد إلى سلك الدكتوراه،حيث أن ما يناهز 41% يبلغ مستواهم سلك الإجازة الجامعي،ثم حوالي 19% في المستوى الثانوي،و16% مستواهم الدراسي ابتدائي،بالإضافة إلى فئة سبق لها التعلم في المسيد تبلغ 10%؛علما أن ارتياد هذه المؤسسة يبقى واجبا ثقافيا بالمنطقة على كل الذكور منذ الطفولة...

ما يعني أن 80% من الفاعلين الجمعويين بتافراوت يتراوح مستواهم الدراسي ما بين الإبتدائي إلى غاية سلك الدكتوراه؛وهو مبدئيا مؤشر جد إيجابي،ويفترض أن يظهر تأثيره.

كما يمكن اعتبار أن انتماء الحاصل على الإجازة أوشهادة عليا إلى الجمعية؛ يكسبه قيمة اجتماعية في الفضاء الإجتماعي المحلي بتافراوت؛إذ أن صاحب نفس الإجازة أو الشهادة العليا قد لا تكون له ذات القيمة الإجتماعية في مجال اجتماعي آخر-بمفهوم هابرمارس-(المدينة مثلا)،لأن التمدرس الجامعي به ليس بالأمر العزيز،بينما هو كذلك في المجال القروي،ما يجعله قيمة اجتماعية ثابتة فيه.
وحتى  نتبين أكثر السبب الكامن وراء ارتفاع المستوى الدراسي كما تمت الإشارة إلى ذلك،خصوصا في ظل تسجيل حضور قوي للفئة العمرية الشابة والحاصلة على الباكلوريا حتى الإجازة وسلك الدراسات العليا،تم طرح السؤال عن مكان الحصول على الباكلوريا أو في المستوى الثانوي؛انطلاقا من فرضية أن هذا العامل كان له تأثيره في تشكيل البنية التعليمية للفاعلين الجمعويين وفق الوصف السابق بيانه،فوجدنا أن أكثر من 49% من المبحوثين درسوا في السلك الثانوي أو تحصلوا على الباكلوريا بالمنطقة،ما يفيد بأن إدماج التعليم الثانوي كان له تأثيره في الرفع من المستوى الدراسي وكذا تشكيل البنية الجمعوية المحلية.هذا مقابل 51% والتي قد تضم الفئات الأكبر سنا ممن لم يكن متوفرا حينها هذا السلك بالمنطقة درسوا السلك الثانوي أو تحصلوا على الباكلوريا خارج المنطقة.

- النشاط المهني للفاعل الجمعوي المحلي:
نجد أنه متنوع وتمثل الوظيفة العمومية أكبر نسبة فيه؛حيث تبلغ أكثر من 28%،تليها فئة التجار بنسبة 25% ثم فئة أخرى تم إدراجها ضمن "المهن" وهم الطلبة، الذين تبلغ نسبتهم حوالي 18% في ظل ما سجلته مجموعة من الدراسات حول صعوبة المشاركة في الجمعيات من طرف الأفراد قبل حصولهم على عمل[7].

- الإقامة:
حيث أن الفئات المهنية السالفة الذكر التي تنتمي إليها أكثر نسب الفاعلين الجمعويين تتشكل من الموظفين والتجار والطلبة،وهي فئات يحتمل بشكل كبير أن يؤدي استقرارها بالمنطقة إلى ممارسة العمل الجمعوي،حيث يعتبرالمعطى السوسيومهني عاملا مساعدا على ذلك،نجد أن 67% يقيمون بتافراوت مقابل 23% يقيمون خارجها.
ما يعني أن أغلبية الفاعلين الجمعويين يعيشون في المنطقة ويعايشون مشاكلها التنموية وعلى بينة من تفاصيلها.فالمكان كما يقول"بول كلافال":هو أحد الدعائم المفضلة للنشاط النموذجي،ينظر إليه من يسكنونه أو من يعطونه قيمة،وذلك بطرق مختلفة،يضاف إلى الإمتداد الذي يشغلونه ويتجولون فيه ويستعملونه في فكرهم،امتداد يعرفونه ويحبونه والذي هو بالنسبة إليهم رمز أمان ومصدر تعلق.[8]
وسأنتقل بعد ما تقدم إلى عرض المعطيات الميدانية التي قد تعيننا على التعرف هذه المرة على الممارسة والبنية والرأسمال البشري الجمعويين بالمنطقة.

- الشروط اللوجيستية والإمكان البشري:
أظهرت النتائج أن نسبة 100%من الجمعيات التنموية النشيطة بتافراوت غير حائزة على صفة المنفعة العامة[9]،أي أن جميع الجمعيات النشيطة بالمنطقة لا تستفيد من هذا المورد العمومي الهام،الذي من شأنه تذليل مجموعة من الصعوبات التمويلية التي تعترضها.

. الإمكان اللوجيستي:
عن مدى توفر الجمعية على مقر خاص يحتضن أنشطتها ويكون عنوانا للإجتماع والمراسلة ومستودعا لأغراضها...أظهرت النتائج أن  29% من الجمعيات لا تتوفر على مقر خاص؛وهي نسبة وإن كانت غير مرضية؛فهي تبقى أقل بكثير من نصف مجموع عدد الجمعيات المحلية بالمنطقة،مقارنة بالمعدل الوطني للخاص بالجمعيات التي لا تتوفر على مقر خاص لها كما أبانته نتائج البحث الوطني حول الجمعيات غير الربحية بالمغرب،مقابل 48% من الجمعيات المستجوبة لها مقرها الخاص وهي تقترب من النسبة الوطنية(49%)[10]،بينما تنشط 16%بدار الشباب وتتخذه كمقر خاص لها مجانا.
من بين مقومات أو الشروط التي تمكن وتساعد الجمعيات على حسن أداء مهامها وتحقيق أهدافها،هناك بعض الوسائل التي تعتبر ضرورية ويمكن من خلالها ليس فقط الوقوف على ظروف اشتغال تلك الجمعيات،ولكن اعتمادها مؤشرا دلاليا على قدرة الجمعية على تحقيق أهدافها وتطوير أدائها وفق الحد الأدنى المعروف في هذا المجال،وبناء عليه كان التساؤل حول مدى توفر الجمعيات التنموية المحلية على بعض وسائل العمل الأساسية.
فتبين أن أكثر من نصف الجمعيات لا تتوفر لا على هاتف خاص أو فاكس أو حاسوب أو موقع إلكتروني أو مقر مجهز ونسبتها 52%،بينما 7% من الجمعيات هي التي تتوفر على تلك الوسائل مجتمعة،وباقي الجمعيات يتباين توفرها على إحدى تلك الوسائل دون الأخرى.
كما أن من أسباب نجاح الجمعيات في إصابة أهدافها هناك التكوين في المجال الجمعوي عموما وكيفيات طلب الدعم وبناء المشاريع والشراكات...وبهذا الخصوص أفادت أكثر من 83% من الجمعيات المحلية بعدم استفادتها من أي تكوين يروم تأهيل أعضائها لممارسة جمعوية تنموية محترفة،مقابل 17% فقط من تأتى لهم ذلك.ويمكن اعتبار هذا المعطى لفهم معوقات العمل الجمعوي التنموي المحلي؛ومدخلا لتأهيل هذا "الفاعل"ليؤدي الأدوار المنتظرة منه وفق ما هو متعارف عليه في هذا المجال.

. الإمكان البشري:
بخصوص التركيبة البشرية المكونة لمكاتب النسيج الجمعوي المحلي بتافراوت والتي ينبغي أن يكون عددا فرديا بمقتضى القانون؛نجد أن الجمعيات التي يتشكل مكتبها ما بين 7و9 أعضاء تمثل أكثر من النصف بنسبة تتجاوز 64%؛ويبقى في نظري هذا هو العدد المثالي الذي يساعد على مرونة العمل،وبعده تأتي الجمعيات التي يبلغ عدد أعضائها ما بين 11و13 بنسبة تزيد على 24%،ثم نسبة 12% من الجمعيات التي تتكون من 3 أعضاء(كحد أدنى قانونيا)إلى 5 أعضاء؛بينما هناك جمعيات أخرى يتجاوز عدد أعضائها أكثر من 15 عضوا؛ولنا أن نتصور صعوبة العمل في ظل هذا العدد خاصة من ناحية توفير النصاب القانوني للقرارات ثم التوفيق بين مختلف الآراء المتعددة أو المتعارضة...وقد يحضر جبر الخاطر والإرضاء في السماح بتولي عضوية المكتب أكثر منه الرغبة في الإستفادة من الخبرة و التجربة والتي يمكن أن تتحقق ولو خارج عضوية الجمعية.
أما عدد المنخرطين بهذه الجمعيات؛فتجب الإشارة إلى أن الإنخراط في جمعية تنموية محلية ما بتافراوت؛ يبقى عمليا قصرا فقط على أبناء الدوار الوحيد،وهو ما يجعل مجموع ساكنة الدوار منخرطين مفترضين في الجمعية،ونثير هنا مسألة تبدو ملفتة وهي أنه مقابل سماح القانون لكل فرد يشاطر جمعية ما في أهدافها بالحق في الإنخراط فيها،فهي ممنوعة في تافراوت-ممارسة وعرفا- على غير ساكنة الدوار لأنها بمثابة حرمة محلية لا يسمح ل"الأغراب" بدخولها،ما يعني أن الجمعية تشتغل في تأسيسها بالقانون وتشتغل في ممارستها خارجه.
ويدعم قوة حضور المعطى القرابي الذي يطغى حينها على كل الروابط الإجتماعية الأخرى.[11]
وعن تمكين النساء من تولي مناصب المسؤولية في مكاتب الجمعيات؛والذي قد يفرضه أحيانا مجرد إكمال النصاب القانوني،أو لوجود مهام معينة تصنف ضمن الأدوار النسوية كما لاحظت ذلك ميدانيا،فنجد أن أكثر من نصف الجمعيات بنسبة 56%لا تتولى فيها أية امرأة مسؤولية ما،و21%من الجمعيات تتحمل فيها مابين امرأتين وثلاث المسؤولية،و17% من الجمعيات فيها امرأة واحدة فقط.[12]
بينما يتفاوت حضور فئة الشباب في مناصب المسؤولية داخل مكاتب الجمعيات التنموية المحلية،ما بين أقل من شابين ما بين 22 و35 سنة في 43% من الجمعيات، وأكثر من خمسة شبان في 40% من مجموع الجمعيات.
هذه إذن أبرز الخصائص السوسيوديموغرافية للفاعل والبنية الجمعويين بالعالم القروي المغربي.

2. منطق اشتغال الجمعيات التنموية المحلية
 سأتطرق في هذا المحور إلى منطق اشتغال الجمعيات التنموية المحلية،والذي سأبدؤه من التنظيم الداخلي للجمعية،حيث يؤثر نموذج التسيير المعمول به على أداء الجمعية تيسيرا وإعاقة،والذي يتضمن البنيات الهيكلية المكونة له،ثم سأمر بعد ذلك إلى مقاربة آليات صنع وتنفيذ القرارات وكلها بمثابة مفاتيح وميكانيزمات حاسمة في استمرارية الجمعية في الوجود وفي تطوير مردوديتها الميدانية.

أ- مؤسسات وآليات التسيير والعمل:
تمثل الأجهزة التسييرية التي تعتمدها الجمعيات قيمة تنظيمية كبيرة،تساعد كما قد تعرقل عملها؛وتقدم فكرة عن العقل التدبيري السائد فيها[13]،فماهي الهندسة الجمعوية المعتمدة في تسيير الجمعيات المحلية بتافراوت؟.

- الهياكل التسييرية للجمعيات المحلية:
توضح لنا النتائج المتحصلة بهذا الخصوص أن51% منها ينفرد فيها المكتب التنفيذي بسلطة القرار،و39% تعرف إشراك المكاتب التنفيذية للجان وظيفية،وفقط 3% تعتمد مجلسا إداريا مع المكتب التنفيذي،وذات النسبة من الجمعيات تشتغل فقط بمجلس إداري،بينما لا يعرف أو يميز 5% من ممثلي الجمعيات المبحوثة الهيئات التسييرية القائمة في جمعياتهم.
وهي نتائج تتقاطع عموما وإلى حد كبير مع النتائج التي خلصت إليها دراسة المندوبية السامية للتخطيط حول المؤسسات غير الربحية بالمغرب حيث قرابة 56% من الجمعيات.[14]

ب- المقاربات ومنطق الإشتغال
أما بخصوص آليات بناء وصنع القرارات المعتمدة لدى الجمعيات التنموية المحلية،والتي تدل على طبيعة العلاقة والإختيار التنظيميين السائدين بين أعضائها؛فنجد أن 68% من الجمعيات تعتمد قرار الأغلبية بعد التصويت؛وهو خيار عقلاني وديموقراطي مبدئيا،لكنه لا يفيد تجاهل أو عدم تدبير رفض الباقي و العمل على جعلهم ينخرطون في أجرأة القرار الأغلبي،لأن غير ذلك قد يجعل من القوة الرافضة أحد وأول أسباب الفشل.
في حين أن هناك 23% من الجمعيات تتخذ قراراتها فقط بالحوار والتوافق ودون الحاجة لإخضاع الموضوع للتصويت،وهذا الأمر وإن بدا مرنا ف قد يستبطن مخاطر قد تطفو في حال عدم تحقق هذا التوافق وتم تشبت كل طرف برأيه ليبقى الموضوع دون فصل.
وهناك نوع ثالث من صيغ اتخاذ القرار داخل الجمعيات والذي يبدو تحكميا؛وفيه يحتكر الرئيس لوحده سلطة التقرير بالنسبة ل9% من الجمعيات،فوجود هذا الشكل من سلط القرار ولو في مثال واحد يعتبر أمرا غير صحي ويكشف عن اختلالات علائقية واضحة،مهما بدا من أن هذا الشخص قد يكون من الأعيان وكبار الأثرياء الذين بمقدورهم لوحدهم تغطيات تكاليف المشاريع.رغم أنه يمكن احترام هذا المعطى كاختيار للساكنة إذا ما قرأناه وفهمناه داخل الدوار؛وليس بمحاكمته بمعايير العمل الجمعوي وقيمه،بل وقد يكون ذكاء منها وكحل لمن لا حل له،كما هو حاصل في بعض الدواوير التي أعرفها.
وعن مدى تجديد الأجهزة التسييرية بعد استنفاذها لصلاحيتها القانونية كما هي محددة في وثيقة قانونها الأساسي،والذي يعتبر احترامه والتقيد به مؤشرا على القيمة العملية لتلك الأجهزة لدى الفاعلين الجمعويين،ومن الناحية القانونية شرطا وجوديا يفيد انعدامه موتا قانونيا وواقعيا للجمعية...

نجد أن 52% من الجمعيات المبحوثة  تحترم مواعيد جموعها العامة لتجديد مكاتبها "أحيانا فقط"،بينما 18%  من باقي الجمعيات"لا تحترم تماما" مواعيد تجديد مكاتبها؛ما يعني أن حوالي70% من مكونات النسيج الجمعوي قد تسقط في حالة "الموت القانوني" دون أي حرص خاص يذكر منها لتفادي ذلك،وما قد يرافق ذلك من توفق تلك الجمعيات عن العمل،وبالتالي تبقى مجرد رقم ينضاف إلى البيانات العامة للجهات الرسمية المختصة عند حديثها الإحصائي عن عدد الجمعيات بالمغرب دون أي اتصال بالواقع.
لتبقى فقط 30% من الجمعيات المحلية هي التي تحرص بانضباط على عقد جموعها العامة لتجديد مكاتبها؛لتتمكن مبدئيا من حق العمل الميداني بشكل قانوني،وهو ما يكشف عن وعي تنظيمي إيجابي لديها؛رغم أن الحاجة إلى تحرك ميداني أو الإستفادة من الدعم العمومي والشراكات قد يكون أحيانا وراء ذلك،والذي يبقى عموما أمرا يستوجب التنويه.
وإذا كان ما يربو على 70% من الجمعيات التنموية المحلية بتافراوت لا يعيرون كبير اهتمام لأكبر جهاز وسلطة تقرير؛وهي الجمع العام الذي هو سيد نفسه كما تصفه أدبيات العمل الجمعوي،فماذا عن الإجتماعات الدورية؟ التي بالإضافة إلى أنها مناسبات للتقرير؛تشكل آليات للتواصل وتقريب وجهات النظر وتبادل الإقتراحات والتقييم...أي أن لها أدوارا وإيجابيات كثيرة على تمتين العلاقات بين الأعضاء؛ وجعلهم على مستوى واحد أو متقارب من العلم بشؤون الجمعية والدوار والمحيط...
وفي هذا الصدد نجد أن %86 من الجمعيات تجتمع أقل من مرة واحدة في الشهر،و7% تجتمع ما بين12و24 مرة في السنة،بينما6% من الجمعيات تجتمع أكثر من25 السنة،وحوالي8% من ممثلي الجمعيات لا يعرفون أو لم يقدموا جوابا في الموضوع.
ويشكل هذا المعطى مؤشرا سلبيا على العمل الجمعوي المحلي، من جهة عدم استغلال الإمكانيات التنظيمية الكبيرة التي توفرها آلية "الإجتماعات الدورية"؛كما تم ذكر بعضها سلفا.

3.العمل الجمعوي المحلي: الموارد و استراتيجيات العمل
إذا كان تحقيق الجمعيات التنموية المحلية عموما وبمنطقة البحث لأهدافها ومشاريعها؛ يستدعي  توافر مجموعة من الموارد التي تشكل شرط عمل واستمرارية أحيانا،فإن اعتماد استراتيجيات العمل قد يتباين من جمعية لأخرى؛حسب مجموعة من المتغيرات التي تتدخل لتخلقها وجودا وعدما،وفارقا أحايين أخرى.
ولا نعتبر أن توافر تلك الموارد يؤدي لوحده أو بشكل حتمي وميكانيكي لتحقيق الجمعيات لأهدافها دون متغيرات أخرى،كما أن الحديث عن استراتيجيات العمل لا يفيد بالضرورة وجودها بالتحديد العلمي للإستراتيجية لدى جميع الجمعيات،كما أن تحصيل تلك الموارد يفترض توفير ظروف استقبالها وطرق توفيرها وتدبيرها...من هذا المنطلق قام التساؤل عن واقع هذه الجوانب لدى الجمعيات التنموية المبحوثة.

أ- موارد العمل الجمعوي المحلي بتافراوت
تبدو الموارد المالية للجمعية بمثابة المحرك الذي يعين على تدبير احتياجاتها الذاتية من جهة؛وكذا تنفيذ برامجها ومشاريعها من جهة ثانية،لذلك يتم سلوك عدة سبل لتوفيرها،لأن استمرارية أو حسن أداء الجمعية من ضمان استدامتها.
وتنظيما لهذا الأمر وتفاديا لما قد يترتب عن هذا الجانب من اختلالات أو شكوك في الذمة،يلزم توفير بنية استقبال وحفظ تلك الموارد المالية وتكون مرجعا مفتوحا لتبين وضعيتها،لذلك يتم فتح حساب بنكي لتلك الغاية.
وبالنسبة للجمعيات المحلية بتافراوت؛ف92% منها تتوفر على حساب بنكي،بينما الباقي ويمثل8% لا تتوفر عليه،ما يقيم السؤال عن الطريقة المعتمدة في تحصيل ومسك تلك الموارد إن وجدت.
ونفس الأهمية-وأحيانا تتجاوز مجرد الغاية التدبيرية إلى الضرورة القانونية-التي يكتسيها توفر الجمعية على دفتر حسابات؛يتضمن وينظم العمليات المالية،ويكرس شفافيتها إزاء المنخرطين والشركاء،ويبرر عملياتها التي تنفذها من تحصيل واجبات الإنخراط أو منح الدعم والتمويل...أو مصاريف المشاريع...
بل إن الرقابة الإدارية والقضائية على الدعم العمومي المسند للجمعيات،كما يقوم بها مثلا المجلس الأعلى للحسابات يفرض هذا النوع من الدرايات التدبيرية.
وفي هذا الإطار صرحت أكثر من 85% من الجمعيات بأنها تتوفر على دفتر خاص بتدبير حساباتها،في حين حوالي 12% لا تعتمد هذه الآلية؛ونتساءل عن كيفية تدبيرها لمواردها المالية مع ما يطرحه ذلك من أسئلة تمس قيم الشفافية والمصداقية في ذلك.
ولا نعلم هل ذلك يشكل اختيارا تدبيريا منها،أم يعود إلى عدم الإلمام بالمقتضيات القانونية المنظمة،أو التقنيات التي تعتمد في ذلك،علما أن عامل الكتابة ليس مطروحا بقوة بالنظر إلى ما سبق تبينه بخصوص المستوى الدراسي لأعضاء تلك الجمعيات.

- مصاد ر تمويل ودعم الجمعيات المحلية:
يتفاوت المدخول السنوي للجمعيات التنموية المحلية بتافراوت من جمعية لأخرى،بدءا من أقل من 5000 درهم في السنة بالنسبة ل23%منها؛وبنفس النسبة للجمعيات التي مدخولها ما بين11و20 ألف درهم،وأكثر من 60ألف درهم.
ويظهر من خلال الأجوبة ذات الصلة؛تعددا في مصادر التمويل وتنوعها من جمعية لأخرى،والذي قد يتحكم فيه تفصيل خاص بكل جمعية. وقد يعزى هذا التباين في مبالغ المداخيل إلى مصادر التمويل؛في تنوعها وأهميتها،كما سنقف على ذلك بعده.
مقابل تنوع مصادر التمويل وتقدم واجبات الإنخراط،يسجل عدم تعميم الإستفادة من منح المؤسسات العمومية؛أوانفراد جمعيات دون أخرى بامتلاك آليات الإستفادة من دعم القطاع الخاص وغيرها.
مع تسجيل التنويه بالجمعيات التي عملت على استدامة مداخيلها بمشروعات خاصة بها.
وحيث أن واجبات الإنخراط تمثل المورد المبدئي والوحيد أحيانا بالنسبة لعدة جمعيات،إذ يعينها على تغطية متطلبات التدبير الداخلي اليومي للجمعية ولعلاقاتها مع محيطها،طرح السؤال بهذا الخصوص لنعرف النسبة التي يمثلها كمورد وحيد أو ضمن مصادر أخرى.
وبالعودة إلى نتائج دراسة المندوبية السامية للتخطيط حول المؤسسات غير الربحية بالمغرب[15]،نجد أنها تتنوع من حيث طبيعتها ونسبها.
حيث يأتي في مقدمتها وبنسبة 32% الهبات والتحويلات الجارية؛ثم المساعدات المالية...
بينما تحتل عائدات واجب الإنخراط- التي جاءت ثاني مصدر في هذا البحث- المرتبة الخامسة ضمن مصادر تمويل الجمعيات بالمغرب...
فماهو مبلغ الإنخراط المعتمد لدى تلك الجمعيات؟والذي يبدو إلى حد ما مصدرا متاحا-بالمقارنة مع الدعم والمنح الخارجية-على اعتباره تعبير عن دعم والتزام الفئات المستهدفة بمجهودات الجمعية ومشاريعها.
يبقى مبلغ الإنخراط بدوره متفاوتا حسب الجمعيات،والذي يخضع أساسا للمستوى السوسيواقتصادي للمنخرطين وساكنة الدوار عموما؛وارتفاع أو انخفاض عدد المنخرطين بشكل خاص.
غير أن هذا المصدر ومع أنه يمثل موردا أوليا فهو يخضع لشرط الإنتظام فيه،حتى يحتفظ بقيمته وأهميته بالنسبة لتمكين الجمعية في تلبية متطلباتها.فكيف هي وضعية هذا الإنتظام عند هذه الجمعيات؟.
في هذا الصدد نجد أن 38% من الجمعيات ينتظم فقط أعضاء مكاتبها في أداء واجب الإنخراط،بينما17%فقط هي التي تعرف انتظاما في أداء واجب الإنخراط سواء بالنسبة للأعضاء كما المنخرطين،وتوجد أيضا جمعيات لا يؤدي فيها لا أعضاؤها ولا منخرطيها هذا الواجب.
وإذا عرفنا أن واجب الإنخراط يعني تجديد بطاقة الإنخراط والذي يعني بدوره امتلاك حق التصويت وحق الترشح لتولي المسؤولية بالمكتب الجمعوي،فإن عدم الإنتظام  في أدائه أو عدم أدائه يعني التنازل عن تلك الحقوق،أو أنه تعبير عن عدم الرضا وبالتالي معاقبة مسؤولي الجمعية من خلاله.         

  وتظهر قيمة مداخيل الجمعيات أكثر عند مقارنتها وقياسها بالمصاريف التي تتبعها،والتي تتحدد سواء بامتدادها- الوطني والمحلي- وحجم المشاريع التي تعمل على إنجازها...وتحتسب غالبا بشكل سنوي، ووجوبا عند انعقاد الجمع العام وتقديم التقرير المالي للمصادقة.

ويمكن أن نعتمد هذه المصاريف كمؤشر لبناء صورة أولية عن طبيعة ومستوى أداء تلك الجمعيات؛حيث أن كثرة تحركها ووجود مجالات إنفاق-عقلانية- قد يدل على دينامية مبررة،علما أن هذا الأمر قد يؤخذ بتحفظ ؛ويمكن أن لا ينسحب على الجميع، اعتبارا على أن كثر المصاريف يمكن أن تحد بسقف المداخيل وبها تحد أنشطة الجمعية.

وهكذا فحوالي28% من الجمعيات المحلية تقل نفقاتها التسييرية عن 5000 درهم،بينما ما نسبته 44% من الجمعيات تتراوح نفقاتها ما بين 11 و 60 ألف درهم،في حين أن 32% ليس لها أي علم بمبلغ نفقاتها...
وبخصوص المجالات التي تستغرق مصاريف أكثر بالنسبة للجمعيات المبحوثة،هناك الأنشطة الدورية وتنفيذ المشاريع بنسبة تتجاوز55%،تليها التجهيزات المكتبية والمعدات بأكثر من 11%،إضافة إلى مجالات أخرى متنوعة يرتبط أغلبها بمتطلبات التسيير كأجور العاملين ومصاريف الكراء والإتصال...
وقد تتشكل مداخيل الجمعيات -والتي قد لا تأخذ بالضرورة شكلا ماديا-من شراكتها مع مؤسسات أو هيئات ذات أهداف مماثلة،ويمكن أن تكون عبارة عن مساعدة تقنية أو لوجيستية...لتنفيذ مشاريعها،وهذا الأمر بقدر ما يحمل بعدا براغماتيا مباشرا فهو يحيل على مدى انفتاح تلك الجمعيات على محيطها؛وسلوكها كل ما من شأنه المساهمة في تحقيق أهدافها،وهو أمر مرتبط أساسا بفكرها التدبيري.
وهناك نقاش ذي صلة غالبا ما يثار في الوسط الجمعوي أو الحزبي أو الإعلامي بالمغرب؛ يخص تلقي الدعم أو المساعدات وعلاقته بمبدأ الإستقلالية،حيث أن الرائج هو أن من يتلقى هذا الدعم أو مبالغ أكثر منه،هو بمثابة تعويض ومكافأة على مساهمته في دولنة المجتمعEtatisation،وبالتالي فالإستقلالية ما أمكن عن دعم الدولة فيه استقلال للقرار والإختيارات[16]،فما هو واقع الحال بالنسبة للجمعيات المحلية بتافراوت في هذا الجانب؟.
صرحت28%من الجمعيات المحلية المبحوثة بأنه لم يسبق لها أبدا الإستفادة من أية مساعدة تذكر بمناسبة تنفيذها لمشاريعها التنموية،أي أنها تركت لحالها في مواجهة المتطلبات والصعوبات التي قد تعترضها أثر ذلك.
بينما يسجل حضور لبعض الهيئات الحكومية وغير الحكومية التي تقدم مساعداتها لتلك الجمعيات،حيث نجد البلدية أو الجماعة التي تقدم منحا ل 21% من الجمعيات؛رغم ما قد يرافقها من انتقائية وغياب معايير واضحة في ذلك على المستوى الوطني ككل،حيث يتم تسخيرها للإستقطاب أو الإستعمال الانتخابي أحيانا؛مما يستوجب تنظيمها ومأسستها وفق نصوص مرجعية معلومة وواضحة.
بالإضافة إلى بعض المصادر الأخرى التي أصبحت تطلب عروضا لدعم المشاريع ك"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"؛أو المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية،والتي أصبح حضورها يتزايد بالمنطقة.
ويتطلب الحصول على المساعدات من مختلف الهيئات المشار إليها؛توافر مجموعة من شروط الإستحقاق التي تمثل صك المصداقية وحسن السيرة،بالإضافة إلى المعرفة بسبل وإجراءات طلبه؛وهي أمور في غير متناول جميع الجمعويين المحليين،بالنظر لعديد اعتبارات تتقاطع مع الخصوصيات السوسيومجالية بالمنطقة.

ب- آليات التدخل وتحقيق الأهداف
تستوجب عملية برمجة الأنشطة وبناء المشاريع اعتماد مجموعة من الآليات المنهجية التي تساهم بنسبة كبيرة في تحديد نجاحها ومآلها،وهي منهجية قد تختلف من جمعيات إلى أخرى حسب درجة معرفتها العلمية le Savoir connaitreو العملية le Savoir faire،ولعل أول مرحلة في هذا الإطار تبقى هي التشخيص التشاركي مع الساكنة باعتبارها الفئة المستهدفة؛ وباعتبار الجمعية تنظيم قرب بامتياز،أي أن برمجة مشروع ما والتخطيط له يفترض مبدئيا؛ العودة إلى المعني الأول واستطلاع رأيه ليس فقط من أجل فهم وتحديد المشكلة،ولكن لجعله يتملك المشروع مستقبلا والإحساس بالإنتماء إليه...    
  فاستطلاع رأي المنخرطين الذين ليسوا سوى ساكنة الدوار؛ ليس فقط من باب التمرين والضرورة الديمقراطية،ولكنه تمتين استباقي لأسباب نجاح المشروع،وفي هذا الصدد تعتبر فاطمة المرنيسي أن:"إشراك المواطنين في جميع المشاريع هو أكثر من ضروري لأنه ضمان النجاح"[17].
وبالنسبة للجمعيات التنموية المحلية بتافراوت؛ فقط 50% منها هي التي تعتمد هذه المقاربة،بينما 23% من تلك الجمعيات تعمل بها "أحيانا"،و27% من الجمعيات "لا تستطلع أبدا" آراء منخرطيها وتعمل عموديا.ويشكل هذا الجانب أحد العوائق البنيوية التي قد تؤثر سلبا على عمل الجمعيات مهما توافرت لديها الموارد والإمكانيات،فحتى وإن أنجز المشروع فهناك خطر قائم بعدم مبالاة المستهدفين به،أو عدم استجاباته لبعض التفاصيل الحاسمة بالنسبة للساكنة،والتي قد لا تكلف أحيانا سوى الإنصات والإستشارة.
ويبقى إعمال هذه المقاربة[18] من عدمه قناعة خاصة لدى مسؤولي الجمعية؛بأن الفئة المستهدفة هي شريك من الدرجة الأولى لا يقل عن باقي الشركاء الذي قد يساهمون ماديا أو تقنيا...إذا ما تم إتقان عملية التشخيص بمشاركتهم والنجاح في جعلهم يتماهون مع المشروع من لحظة الفكرة إلى غاية تنفيذ المشروع.
وتظهر لنا المعطيات الخاصة بالشركاء الذين سبق للجمعيات المحلية بتافراوت أن أنجزت معهم مشاريع تنموية؛أن39% من الجمعيات المحلية أشركت الساكنة المحلية في مشاريعها،وبذلك تعتبر الساكنة الشريك الأول للجمعيات التنموية المحلية،تليها الجمعيات المماثلة بتافراوت بنسبة10%،بينما ما يفوق22% من الجمعيات لم يسبق لها أبدا إنجاز أي مشروع مع أي شريك؛بما فيهم الساكنة الذين ليسوا سوى منخرطيها!!.

- خاتمة:
من خلال ما تقدم بسطه من معطيات شملت شتى مناحي الممارسة والبنية الجمعويين بالمجال القروي المغربي،يتضح لنا أن الفاعل والنسق الجمعويين هما في بدايات تلمس طريق المأسسة،حيث وأمام الإقبال على الفعل الجمعوي والإنخراط فيه؛يسجل بعض النقص على مستوى الإمساك بمفاتيح اشتغال العمل الجمعوي كما تم ترصيدها عبر عقود عديدة من التجربة ،ولدت نزوعا واتجاها دوليا وحتى وطنيا نحو مهننته؛والإعتراف به وتقديمه فاعلا تنمويا شريكا،وهو ما تضمنته كذلك توصيات الحوار الوطني حول أدوار المجتمع المدني؛اعتبارا واعترافا وإيمانا بقيمته العملية في تحقيق الأهداف المتغياة...
وتبقى دراسة الجمعيات النشيطة بالبادية المغربية ذات أهمية علمية وعملية قصوى،اعتبارا للحضور المتزايد والممتد لهذا الفاعل المحلي،في تولي تدبير الشأن التنموي وتبني انشغالات الساكنة التي أرخت عليه آمالا كبيرة،يثور السؤال حول أهليته لتحقيقها وانعكاسات فشلها في ذلك عليهم...ولأن مقاربة الجمعيات سوسيولوجيا هي موضوع قائم ومؤكد القيمة العلمية؛وليست مجرد تنظيمات ثانوية الأهمية أو بديهية زائفة Fausse Evidenceبالعبارة والتحذير الدوركايمي.

* لائحة البيبليوغرافيا المعتمدة:

-  العربية:
 - علي عبد الواحد وافي: مقدمة ابن خلدون،الجزء الأول؛لجنة البيان العربي-القاهرة-1965-
 - المختارالهراس:المرأة وصنع القرار في المغرب.المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.بيروت.ط1؛2008.
 - التشخيص المجالي التشاركي للجماعة القروية لأملن بمنطقة تافراوت؛دراسة ميدانية تحت إشراف وتنسيق المديرية العامة   للجماعات ووكالة التنمية الإجتماعية والمجلس الإقليمي لتيزنيت.دجنبر2010.
 - الحسن العبادي: عمل المرأة في سوس؛منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.دار الطبع طوب-بريس الرباط،ط1؛ 2004.
 - عبد الأمير ابراهيم شمس الدين:المكان والسلطة؛ترجمة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،ط1؛1990.
- حسنين توفيق:بناء المجتمع المدني؛المؤشرات الكمية والكيفية،ط1.مركز الدراسات العربية،بيروت لبنان,1992.
- هشام شرابي: البنية البطركية؛بحث في المجتمع العربي المعاصر،دار الطليعة بيروت، 1987
- احمد ابراهيم ملاوي:أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية؛مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية والقانونية،ع2؛2008.

 

- اللاتينية:

- Garfinkel et Sacks ;In Alin Coulon :L’Ethno-Méthodologie ;Que sais-je ?Ed Presses Universitaires de France ;Paris 1987.

- Renauld Sainsaulieu; In Bernard Roudet(sous direction):Des Jeunes et des Associations ; L’Harmattan;Paris 1996.

- Haut Commissariat au Plan :Enquête nationale auprès des Institutions Sans But Lucratif(ISBL)-exercice 2007-Rapport des résultats.Décembre2011.

- Rabéa Naciri :Genre et organisation ;l’intégration de l’approche genre dans les structures et le travail des ONGs,publié par l’espace Associatif.2007.

 

-Gerbier(J) :Organisation et Fonctionnement de l’entreprise,Tec&Doc-LAVOISIER ;Paris 1993.

 - Fatima Mernissi :ONG Rurales du Haut-atlas ;Ed le Fennec 1998.

[1]- علي عبد الواحد وافي: مقدمة ابن خلدون،الجزء الأول؛لجنة البيان العربي-القاهرة-1965،ص 132و133.
[2]-Garfinkel et Sacks ;In AlinCoulon :L’Ethno-Méthodologie ;Que sais-je ?Ed Presses Universitaires de France ;Paris 1987 ;4éd p73.
[3]-*يتحدث بيير بورديو عن العون الإجتماعيAgent Social عوض الفاعل الإحتماعيActeur social؛لأن العون حسبه يتأثر كثيرا ويؤثر قليلا في البنى الإجتماعية،داخل الإدارة أو مؤسسة إنتاجية ما حيث يبقى للسلطة المادية ولسلطة الشرط الإقتصادي.بينما الفاعل-ومنه الجمعوي- ففعله في التنظيم الجمعية يفترض أنه مبني على التطوع وعلى الوعي بالتغيير بحرية ومبادرة منه.
[4]- نفس النتيجة خلصت إليها دراسة حول:التشخيص المجالي التشاركي للجماعة القروية لأملن بمنطقة تافراوت؛دراسة ميدانية تحت إشراف وتنسيق المديرية العامة للجماعات ووكالة التنمية الإجتماعية والمجلس الإقليمي لتيزنيت.دجنبر2010،ص76.
[5]- حول قضايا التمثيلية ومساهمة المرأة المغربية في صنع القرار،ينظر دراسة الأستاذ:
- المختارالهراس:المرأة وصنع القرار في المغرب.المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.بيروت.ط1؛2008.ص 19.
[6]- الحسن العبادي: عمل المرأة في سوس؛منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.دار الطبع طوب-بريس الرباط،ط1؛ 2004.
[7]-Renauld Sainsaulieu; In Bernard Roudet(sous direction):Des Jeunes et des Associations ;L’Harmattan;Paris 1996;p8.
[8]- ورد عند؛ عبد الأمير ابراهيم شمس الدين:المكان والسلطة؛ترجمة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،ط1؛1990،ص24.
[9]- المنفعة العامة :الصفة القانونية التي تترتب عن طلب لدى السلطات العمومية المختصة قانونا تقوم به جمعية أو اتحاد جمعيات تدخل أهدافها ضمن نطاق تحقيق المصلحة العامة الوطنية أو المحلية، قصد الحصول على منافع عمومية مباشرة أو غير مباشرة من قبيل الدعم المالي و التخفيضات الضريبية و الهبات  ... الخ،وينظم قانون الجمعيات رقم 75.00 ابتداء من فصله التاسع الشروط والمسطرة الخاصين بحيازة هذه الصفة/الإمتياز العمومي.
[10]-Haut Commissariat au Plan :Enquête nationale auprès des Institutions Sans But Lucratif(ISBL)-exercice 2007-Rapport des résultats.Décembre2011.
[11]- هشام شرابي: البنية البطركية؛بحث في المجتمع العربي المعاصر،دار الطليعة بيروت، 1987؛ص28.
[12]-Rabéa Naciri :Genre et organisation ;l’intégration de l’approche genre dans les structures et le travail des ONGs,publié par l’espace Associatif.2007.p10.
[13]-Gerbier(J) :Organisation et Fonctionnement de l’entreprise,Tec&Doc-LAVOISIER ;Paris 1993 ;P138.
[14]-Haut Commissariat au Plan :Enquête nationale auprès des Institutions Sans But Lucratif(ISBL)-exercice 2007-Rapport des résultats.Décembre2011.
[15]-Haut Commissariat au Plan :Enquête nationale auprès des Institutions Sans But Lucratif(ISBL)-exercice 2007-Rapport des résultats.Décembre2011.
[16]- حسنين توفيق:بناء المجتمع المدني؛المؤشرات الكمية والكيفية،ط1.مركز الدراسات العربية،بيروت لبنان,1992,ص69.
[17]- Fatima Mernissi :ONG Rurales du Haut-atlas ;Ed le Fennec 1998.p91
[18]- احمد ابراهيم ملاوي:أهمية منظمات المجتمع المدني في التنمية؛مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية والقانونية،ع2؛2008ص 266.