الفقر بالمغرب وسياسة مواجهته ـ حسن أشرواو

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

PAUVRETEمقدمة
يشكل الفقر إحدى أعقد وأصعب الظواهر الاجتماعية، والتي يصعب دراستها وحلها، وتتجلى الصعوبة الأولى في كون الباحثين والدارسين لهذه الظاهرة، يجدون صعوبة في قياسها وتحديد معاير و مؤشرات للتميز بين الفقير و غيره، هذا من جهة ومن جهة أخرى، يجد المختصون في السياسات العمومية و الواضعين لسياسة مواجه الفقر ومتخذي القرار في هذا الموضوع عراقيل عديدة لتوجيه هذه السياسات نحو عمق هذه الظاهرة.
إن ظاهرة الفقر ليست وليدة اليوم إنها ظاهرة متجذرة في التاريخ وأعمق مما نظن، مظاهرها عديدة ومسبباتها غامضة، و الحلول التي تضعها الجهات المختصة خصوصا الدولة لا تغني ولا تسمن من جوع، خصوصا في بلدان العالم الثالث عامة والمغرب خاصة. وفي هذا المقال سنحاول التطرق لهذه الظاهرة والبحث عن تعريف لها، وسنحاول الكشف كذلك عن الإشكاليات التي تطال الباحثين أثناء محاولتهم وضع تعريف جامع مانع لهذا المفهوم، ثم سنرصد بعض الإحصائيات المتعلقة بهذه الظاهرة في المغرب، وكيف يحاول هذا الأخير مواجهة هذه الظاهرة.

المحور الأول: مفهوم الفقر
وكمحاولة للبحث في مفهوم الفقر سنحاول أولا تحديده من الناحية اللغوية، والفقر لغة ضد الغنى، و الفقير هو من يجد القوت، والمسكين من لا شيء له، وورد في تعبير أخر، الفقير هو المحتاج، والمسكين هو من أذلته الحاجة، أما اصطلاحا، فقد جاء في مفاهيم البنك العالمي، أن الفقير هو الذي لا يحصل على الحد الأدنى من معيشته، وبالنسبة لهيئة الأمم المتحدة، فالفقير هو الذي لا يتجاوز دخله اليومي دولارا واحدا(1).
ويرى خبراء علم الاجتماع أن لظاهرة الفقر في عالم اليوم، أكثر من علاقة بالفساد. والفقر في البناء الوظيفي الاجتماعي، هو إحباط اجتماعي، ناتج عن عدم المساواة، لذلك أصبحت تندرج في خانة الفقراء، العديد من الفئات، مثل المعدمين الذين لا يملكون شيئا، والعمال الأجراء ممن يملكون قوة العمل لا غير، وأيضا صغار الملاك وصغار التجار وصغار الموظفين و الحرفيين و الباعة المتجولين، وغيرهم من مظلومي السياسات الجائرة(2).
كما نجد أيضا أن هناك من يربط الفقر بالحرمان الاجتماعي، ويؤكد أن الفقر عقبة رئيسية أمام الاستثمار في البشر ورفع معدل النمو الاقتصادي، فإذا توفرت الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وكانت مجانية وبكميات ونوعيات مناسبة، فإن بعض الأفراد والجماعات سيظلوا محرومين من الوصول إليها، لأنهم أفقر من أن يستحملوا التكاليف المصاحبة للاستفادة من هذه الخدمات، مثل عدم كفاية الدخل لتحمل تكاليف الدواء أو المستلزمات المدرسية أو حتى الانتقال إلى مكان هذه الخدمات(3).
إن تعدد أشكال الفقر واختلاف مستوياته من منطقة إلى أخرى وفي داخل المنطقة الواحدة، جعل من هذا المفهوم يشكل من بين أعقد المفاهيم الاجتماعية، لكن رغم ذلك سنحاول الخروج بخلاصة للتعاريف التي تم التطرق إليها أعلاه، في سبيل إعطاء فكرة حول هذه الظاهرة وربطها بالمجتمع المغربي، وذلك من خلال رصد بعض الإحصائيات المرتبطة بهذه الظاهرة في المغرب، وهذا الأمر من شأنه أن يوضح أكثر مفهوم الفقر. ويتضح من التعاريف الماضية أن الفقر يرتبط باكتساب الفرد دخلا محدودا قد لا يتجاوز في بعض الأحيان عشرة دولارات أو أقل منها في اليوم، هذا بالإضافة إلى تعرضه للحرمان الاجتماعي، ومن عدم الاستفادة من بعض الحاجيات الأساسية كالتعليم والصحة وغيرها من الحاجيات الضرورية للحياة.
المحور الثاني: إحصائيات الفقر بالمغرب
تشكل الإحصائيات أهم مؤشرات يتم اعتمادها في العلوم الاجتماعية عامة لوصف ظاهرة معينة، حيث رغم ما يقال عنها من قصورها ونسبيتها وعدم تمثيلها للواقع الاجتماعي المعاش كما هو، وكون الظاهرة الاجتماعية قد لا تقبل التكميم و التعميم، وغير ذلك من النواقص الابستيمولوجيا للمنهج الكمي عامة وللإحصائيات خاصة، إلا أنه يمكن اعتمادها كأداة قياس نسبية تعبر جزئيا عن واقع هذه الظاهرة، مع الاستسلام لهامش النسبية و اتخاذ الحيطة والحذر الابستيمولوجي تجاهها.
لقد شهدت السنوات الأخير عودة قوية للفقر ولم يتراجع عدد الفقراء في واقع الأمر بنسبة مطلقة إذ يناهز عددهم اليوم (2006، حسب المرجع المعتمد) خمسة ملاين فردا، وحسب نتائج البحث الأخير حول مستوى عيش الأسر فإن أربعة ملاين من المغاربة يعيشون تحث عتبة الفقر النسبي(إنفاق سنوي أقل من 3235 درهم بالوسط الحضري، و2989 بالوسط القروي)، وهكذا  يعيش ثلاثة ملاين من مجمل الفقراء في القرى، ومليون واحد في المدن، كما يعاني 25 في المائة من المغاربة من ضعف اقتصادي كبير(إنفاق سنوي أقل من 4500 درهم)(4). وبذلك يعد الفقر في العمق ظاهرة قروية، حيث أن نسبة الفقر بالبوادي تعادل تقريبا ثلاثة مرات نسبته بالتجمعات الحضرية(5). وهذا الأمر يخلف إشكاليات أخر ترتبط بالمغرب المَـنْسِي أي العالم القروي، وبتصور الدول أن تقدم المدن من شأنها أن تلعب دور القاطرة للرقي بأوضاع القرى المغربية، وهذا خطأ بدأت الدولة المغربية تكتشفه اليوم. وإذا كان الفقر يرتبط بالعالم القروي أكثر من العالم الحضري في المغرب، فإنه في الوقت ذاته يرتبط أكثر بفئة اجتماعية محددة، فهي بالأساس ظاهرة تخص النساء والأطفال والشباب والفئات ذات الاحتياجات الخاصة، وتبقى مظاهر التفاوت بين مستويات عيش الأفراد كبيرة، حيث يصرف الأفراد الأكثر غنى، ونسبتهم 10 في المائة، 12 مرة ما ينفقه 10 في المائة من الأفراد الأكثر فقرا(6)، ويشكل استمرار هذا التفاوت الغير المقبول تهديد للإلتحام الاجتماعي.
ومن خلال هذه الأرقام الرسمية يتضح أن الفقر يرتبط أكثر بالمجتمع القروي، لكن الواقع اليوم يتحدث عن فقر أخر في المجتمع الحضري، هو فقر الفئة التي تصنف في الطبقة المتوسطة، وهذا ما سيشكل عائق أخر أمام سياسات الدولة. كما أن هذه الاحصائيات تربط كذلك الفقر بفئة الأطفال و النساء و ذوي الاحتياجات الخاصة، إن هذه الفئة كانت تشكل ولازالت الفئة المهمشة والمَنْسية من المخططات التنموية المغربية. وخلاصة نختم هذا المحور بالسؤال التالي، هل يستطيع المغرب حقا أن يواجه بسياسته التنموية هذه الظاهرة المعقدة؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في المحور الأخير.
المحور الثالث: كيف يواجه المغرب الفقر
لقد خلق المغرب مجموعة من السياسات لمواجهة ظاهرة الفقر، فمند بداية هذه الألفية، وهو يحاول بشتى الطرق التنموية، تحقيق تنمية شاملة تهدف بالأساس إلى القضاء على هذه الظاهرة، وهذا ما يظهر في جل الخطابات السياسية.
إن محاربة الفقر باعتبارها سياسة خاصة، تعد انشغالا حديث العهد في السياسات العمومية، وما تزال البرامج المعتمدة، خلال العقد الأخير، في هذا المجال، غير قادرة على التقليص من آفة الفقر ببلادنا. وبالفعل فلا يمكن الحديث عن أثر فعلي لتدخل القطاعات العمومية في مجال محاربة الفقر و الإقصاء، إلا في بداية التسعينيات(7). وقد اعتمد المغرب مند هذه الفترة على مخططات ومؤسسات وبرامج عديدة كانت تستهدف مواجهة هذه الظاهرة. وأبرزها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى إحداث صندوق المقاصة، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وغيرها من البرامج الأخرى، لكن ما يميز أغلب هذه المخططات، هو هيمنة النظرة التقنية فيها، حيث أن هزالة المعرفة حول الفقر (من حيث التصنيف وتحديد المجال)، أدت إلى الاعتماد على نظرة تقنية بالأساس واعتماد استهدافات تقريبية، مفضلة بذلك اتخاذ اجراءات عامة وإطلاق أنشطة محددة في المجال(8). مما جعل هذه البرامج تجد صعوبة في تحديد مَوَاطن الفقر، و بالتالي تسرب المساعدات في اتجاه أفراد غير فقراء وهذا ما يشكل اليوم إشكالا كبيرا يواجه صندوق المقاصة مثلا، و في نظرنا يجب أن تتجه السياسات العمومية إلى فلسفة تنموية كبرى والاعتماد على خبراء في ميادين العلوم الاجتماعية، عوض أن تبنى المخططات على أسس تقنية محضة.
خاتمة: إن مواجهة الفقر، يشكل اليوم أبرز رهانات الدول، على اختلاف تصنيفاتها، سوءا كانت نامية أو متقدمة، وهذا راجع إلى كون هذه الظاهرة من الظواهر الاجتماعية المواكبة للمجتمعات البشرية على اختلافها. كما أن الوعي بضرورة القضاء و مواجهة هذه الظاهرة، واكب دائما الوجود البشري، لكن رغم ذلك تضل هذه المواجهة صعبة، وتقتضي إنشاء برامج تنموية تمس جذور هذه الظاهرة عوض العمل على مواجهة تداعياتها، وهذا يتطلب دراسات علمية مكتفة ومتخصصة ودقيقة، تبحث في أصول هذه الظاهرة. وليس فقط خلق برامج تقوم على نظرة تقنية فقط كما هو الحال في مجتمع
                   
(1)محمد أديب السلاوي، أزمات المغرب إلى أين، مطبعة الرباط نت، المغرب، 2014، ص31
(2)نفس المرجع، ص 32
(3)هناء محمد الجوهري، علم الاجتماع الحضري،دار المسيرة، عمان الاردن، 2009، ص383
(4)المندوبية السامية للتخطيط، المغرب الممكن، تقرير الخمسينية، مطبعة دار النشر المغربية، 2006، ص 127
(5)نفس المرجع، ص 128
(6)نفس المرجع، ص 128
(7)نفس المرجع ص 128-129
(8)نفس المرجع ص 132