الرهانات الابستمولوجية والفلسفية للبحث الكيفي: نحو أفاق جديدة لبحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية - د. نصر الدين لعياضي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Moonlightملخــص  البحث:
تحاول هذه الدراسة أن تقدم عناصر للتفكير في المناهج المستخدمة في بحوث العلوم الاجتماعية، وعلوم الاتصال تحديدا،  في المنطقة العربية، وتختصرها في المناهج الكمية والكيفية. وتحاول أن تقدم بعض الأجوبة عن سبب قلة استخدام البحث الكيفي في بحوث الإعلام والاتصال.
وتؤكد أن الاختلاف بين البحث الكمي والكيفي لا يكمن في الجانب الإجرائي: التكميم باستخدام الترسانة الإحصائية، الذي يقرَّب العلوم الاجتماعية من العلوم الطبيعية، والابتعاد عن عملية التكميم  لاستجلاء الجوانب النوعية في المواضيع المدروسة.
وتستعرض  التباين بين المقاربة الكمية والنوعية على المستوى الفكري والابستمولوجي انطلاقا من تباين الرؤية للعناصر التالية: غائية البحث، موضوعية البحث، أدوات قياس البحث، ودور القيم في التحليل العلمي.
إن النزعة الدائمة لتكميم  الظواهر المدروسة لا تفقد البحث العلمي حصافته ودقته، دائما، بل تقوده ، في الغالب، إلى الاهتمام بما هو عام،  كما تبرزه الاحصائيات، لكنها تطمس ما هو خاص ونوعي.
فالذين يؤكدون على أن الاختلاف بين البشر ليس بيولوجيا بل ثقافيا، يؤمنون بضرورة الكشف عن بعض جوانب الخصوصية في المنتج الثقافي أو الإعلامي  وفي طرائق التعرض له أو " إستهلاكه".
تأسيسا على هذه الفكرة، تقدم هذه المداخلة جملة من الأطروحات التي تعتقد أن البحث الكيفي يفتح أفاقا جديدة للبحث العلمي الإعلامي في المنطقة العربية، خاصة ذاك الذي يهتم بالإعلام الجديد.

الكلمات المفتاحية:  المنهج الكمي، المنهج الكيفي، البنائية الاجتماعية، الاتجاه الوضعي، التمثّل، الاستملاك، الاستخدام.
المقدمـــة:

تحاول هذه الدراسة أن توجه التفكير في المنهج وليس بالمنهج..  فالمنهج  يُقولب الفكر، ويوجه التفكير، ويلجم جموحه بجملة من الإجراءات التي تتحكم في النظر لموضوعه.
وقد تبدو هذه المحاولة عسيرة  لأننا تعودنا على تجنب مُساءلة الترسانة المنهجية التي نستخدمها في البحث. فيصعب علينا التشكيك في التيارات الفلسفية والمعرفية التي أنبنت على أساسها هذه الترسانة، والتي أطرت تفكيرنا، وحددت أطر مداركنا. هذا التعود، الذي يؤدي بفعل الممارسة إلى ترسيخ المعتقدات وليس تقديم معرفة علمية مضافة،  يتحول إلى ما أسماه الفيلسوف الفرنسي بشلار غستون Gaston Bachelard بالعائق الابستمولوجي، الذي يكمن في فعل المعرفة العلمية ذاته.
قد حاول العديد من الباحثين تشخيص وهن البحث العلمي في العلوم الاجتماعية في المنطقة   العربية فحصروه في جملة من المظاهر ، نذكر منها، على سبيل المثال وليس الحصر: سطحيته وانطباعيته، واعتماده على النظريات الغربية الجاهزة و تبعيته الفكرية، وانفصامه عن الواقع المعيش أو عدم تمكنه  من الإلمام العلمي بالظواهر الاجتماعية المعقدة في المنطقة العربية. وقد ذهب بعضهم إلى المناداة بضرورة قيام مدرسة عربية في العلوم الاجتماعية. لكن القليل منهم رأى أن علّة الوهن المذكور تكمن في المنهج المنتج للمعرفة. وهذا ما نلاحظه في التخبط الذي تعاني منه بعض البحوث الإعلامية.  وشخص البعض هذا الوهن في استثمار عدّة منهجية ثقيلة للوصول إلى نتائج متواضعة تكاد أن تقترب  من الأفكار الشائعة Common sense. هذا مع العلم أن بعض الباحثين يولون أهمية لهذه النتائج المتواضعة  ولا يعتبرونها تقلل من شأن البحث العلمي، مسايرين في ذلك ما ذهب إليه الباحث الفرنسي، سوشون ميشال Michel  Souchon ، الذي اشتغل على دراسة جمهور الإذاعة والتلفزيون منذ الستينيات من القرن الماضي، والذي رافع، قبل 17 سنة، عن نتائج البحوث الكمية في معرفة جمهور التلفزيون.
الإشكالية:
إن انتشار وسائل الاتصال الجماهيري الفردية Self Mass Media في المنطقة العربية يطرح الكثير من القضايا الجديدة المرتبطة بتمثّلها في مختلف الأوساط الاجتماعية واستخداماتها. ودراسة هذه القضايا تثير النقاش حول المنهج الذي يجب استخدامه لتحقيق ذلك. فهل أن المناهج الكمية، التي دأبت عليها العلوم الاجتماعية يمكن أن تزودنا بحقائق علمية جديدة عن أشكال التفاعل الاجتماعي مع أدوات ما درج على تسميته بالإعلام الجديد: البريد الإلكتروني، المدونات الإلكترونية، الفيس بوك Face Book ، واليوتيب YouTube ، والتوتير Twitter ، والهاتف الخلوي الذكي، و IPod ؟ بمعنى هل أن معرفة عدد مستخدمي الانترنت، وخصائصهم الديموغرافية والاجتماعية ، وكثافة استخدام اليوتيب YouTube أو المدونات الإلكترونية Blogs  قادرة على التعبير عما تعنيه هذه الأدوات لدى كل مستخدم لها؟ وما هي تصوراته لها؟ وكيف تتدخل في بناء ذاته؟ وهل أن هذا التدخل متجانس ويأخذ صيغة واحدة؟ 
إن الإجابة على هذه الأسئلة تفضي إلى طرح أسئلة أخرى أشمل وأكثر عمقا، وهي: هل أن المناهج المستخدمة في دراسة الظواهر الإعلامية والاجتماعية مجرد أدوات محايدة يستعان بها الباحث لاستجلاء الحقيقة والوصول إلى المعرفة؟ ألا تعبر المناهج عن تصور لما هو الواقع الأمبريقي وما هي المعرفة؟ وهل تستطيع المناهج الكيفية التي نوظفها لدراسة وسائل الاتصال الجديدة أن تحدد أفقا معرفيا يساهم في تطوير البحث العلمي في مجال علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربية؟

المقاربة المنهجية:
يقوم هذا البحث على مقاربة نظرية تطرح المنجز العلمي في مجال بحوث الإعلام والاتصال موضع تساؤل من خلال قراءة بعض النماذج البحثية. وقد استأنس الباحث في هذه المقاربة بالنظرية البنائية  Constructivism Theory  ونظرية التلقي التي صقلت في ظل الدراسات الثقافية Cultural Studies التي تعتمد على المنهج الكيفي. وقد استفاد في ذلك من مجموعة من الملاحظات العلمية، ومن نتائج بعض البحوث العلمية.
التساؤلات
لدراسة هذه الإشكالية يحاول البحث الإجابة على التساؤلات التالية:
هل أن منهج البحث في علوم الإعلام والاتصال مجرد أداة إجرائية تقودنا لاستكشاف الواقع الأمبريقي أم أنه يساهم في بناء هذا الواقع؟
هل تستطيع المناهج الكيفية أن تقدم معارف جديدة  تساهم في تأسيس شرعيتها العلمية في مجال علوم الإعلام والاتصال؟
ألا يمكن تفسير محدودية المعرفة العلمية عن ظواهر الإعلام والاتصال في المنطقة العربية باكتفاء البحث العلمي والاتصال بالبحوث الكمية التي تكمم ظواهر الإعلام وتصفها إن لم تبررها بنظريات جاهزة تنطبق على سياقات اجتماعية و ثقافية عامة، ولا تغوص في عمق الممارسة الإعلامية والاتصالية ولا تحدد أطر تأويلها في المنطقة العربية؟    

أهداف البحث وحدوده:
على ضوء المقاربة المذكورة  فإن هذا البحث حدد الأهداف التالية:
السعي إلى بعث النقاش العلمي حول المنطلقات الفلسفية والفرضيات المرتبطة بالمنهج في بحوث الإعلام والاتصال .
تقديم أرضية للنقاش العلمي حول أهمية المناهج الكيفية في استجلاء الظواهر المرتبطة بوسائل الإعلام والاتصال، خاصة الجديدة منها في البيئة الثقافية العربية، دون القيام بمفاضلة بين المناهج الكمية والكيفية، أو إحداث تعارض بينها.
عرض مجموعة من المؤشرات التي تكشف عن محدودية البحث الكمي في مجال علوم الإعلام والاتصال، خاصة ذاك المرتبط بوسائل الاتصال الجماهيري الفردية.

فهذا البحث لا يطمح إلى شرح ما هو البحث الكيفي أو النوعي ولا يعكف على استعراض تاريخي لتطوره.

الدراسات السابقة:
إن طرح السؤال حول المناهج الكيفية في علوم الإعلام والاتصال، والعلوم الاجتماعية بصفة عامة في المنطقة العربية، ومساءلة شرعيتها العلمية يعد أمرا غير مألوف لأنه حديث جدا. فباستثناء بعض النصوص المترجمة عن لغات أجنبية، وبعض الفصول في بعض الكتب القليلة عن منهجية البحث التي تعرضت للجوانب الإجرائية للمناهج الكيفية، يمكن القول أن التفكير في المناهج الكيفية يكاد ينحصر في بعض الكتب القليلة جدا، نذكر منها كتاب:"المناهج الكيفية في العلوم الاجتماعية"،  الذي خصص مؤلفه فصلا " لـ "إبستمولوجيا" النظر لتحليل الإعلام المرئي ودراسته بطريقة غير كمية.

تغييب النقاش حول المنهج في المنطقة العربية:
إن النقاش حول العلوم الاجتماعية الذي انطلق في الدول الغربية، والولايات المتحدة تحديدا، في الثلاثينيات من القرن الماضي، تجاذبته رؤيتان: الرؤية التي انطلقت من أن البحث الكمي يملك ما يؤهله علميا ويجعله يحاكي العلوم الطبيعية، ويستطيع، بالتالي، أن يقدم حقائق علمية مستقاة من صلب الواقع والظواهر الاجتماعية. والرؤية التي تؤمن بأن البحث الكيفي يغوص في دراسة الواقع ليقدم المعطيات الفريدة و المتميزة. هذا النقاش لم يبرز، مع الأسف، في المنطقة العربية، وذلك لجملة من الأسباب، نذكر منها ما يلي:
اكتفى جل الباحثين العرب بدارسة البحوث الكمية ومارسوها. والكثير منهم لا يرى منهجا أخرا، يتسم بالمصداقية، يمكن أن يدرس الظواهر الإعلامية والاتصالية. 
لازال تدريس مناهج البحث في الجامعات العربية يستبعد، مع الأسف، البحث الكيفي. كما أن الكثير من كتب المنهجية الخاصة بعلوم الإعلام والاتصال والصادرة باللغة العربية تتجنب الحديث عنه.
لقد وجد الاتجاه الوضعي المهيمن في البحوث العلمية الإعلامية في المنطقة العربية شرعيته في ظل استشراء " منظورات" Paradigms  الحتميات: الحتمية التكنولوجية أو الحتمية الاجتماعية، التي تنطلق من حقائق وتفسيرات جاهزة لا تحتاج سوى إلى البحوث الكمية لقياس وجودها أو تمظهرها في الحياة الاجتماعية.  
إن الطلب الاجتماعي على بحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية ما زال محدودا، ومرتهنا بمنطقي السوق والإيديولوجيا. فإذا اعتبرنا السوق قوة " ناشئة" في المنطقة العربية تحرك الاستهلاك الإعلامي والثقافي، فإنها تحتاج إلى الدراسات الكمية، التي تتعامل مع حاجيات الجمهور كمعطى كمي. فالمنافسة بين الفضائيات التلفزيونية للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور للاستحواذ على أكبر حصة من الإعلانات ربط جودة العمل التلفزيوني بعدد المشاهدين. فحُمّى رفع عدد المشاهدين قدست الكم، وجعلت من الكمية دليلا على النوعية! فمعرفة الكم وإحصاؤه لا تحتاج إلى مقاربات نوعية.
والدعاية السياسية لا تحتاج هي الأخرى للبحوث النوعية لأنها ترنو للحشد، والانتشار الواسع وسط أكبر عدد من الناس.

ليس غريبا أن تكون الدراسات الكيفية قد سجلت حضورها في بعض مجالات الاتصال والإعلان، خاصة تلك المرتبطة بوسائل الاتصال الجديدة: الانترنت، والهاتف الخلوي، وIpod، و DVD في هذه الدولة العربية أو تلك، لكنه حضور محتشم، وذلك لأن هذه المناهج ظلت متأرجحة في المنطقة العربية بين التجاهل والاستصغار الذي يجردها من كل صفة علمية، أو يضعها في الاتجاه المعارض أو المناهض للمناهج الكمية. 
حقيقة، إن هذه النظرة لم تختف نهائيا في العديد من الدول الغربية، بما فيها تلك التي تعيش عنفوان العودة لاستخدام البحث الكيفي في العلوم الاجتماعية، مثل كندا، حيث مازال النقاش محتدا حول العديد من المحاور المرتبطة به، مثل: موضوعيته: ومفاضلته على البحث الكمي.   وهشاشة أدوات قياسه، إلا أن محتوى النقاش وأهدافه قد تغيرت، خاصة بعد أن انتهت الدراسات النظرية  إلى التأكيد على أن  البحوث الكمية لم تعد تكتفي بما تملكه من معطيات إحصائية، و ذلك لأن المعالجة المعمقة للمعطيات الكمية لا تتيحها العمليات الرياضية وحدها. وأن هناك وعيا بأن طبيعة البحث وإشكالياته تحدد نوع المقاربة المنهجية وأدوات البحث. ففي هذا المقام يمكن الإشارة إلى أن بعض الباحثين أصبحوا يستعينون، بالمقابلة المباشرة، والمجموعة البؤرية Focus Group ، التي تقدم معلومات نوعية عن الأشخاص ودوافع سلوكهم وآرائهم ومواقفهم من أجل صياغة الاستبانة حتى تغطي جميع جوانب البحث، أو يستخدمونها بعد أن يقوموا بتفريغ استمارات الاستبانة  لتعميق دراسة ما توصل إليه البحث الكمي وتحليله. هذا ما تؤكده البحوث المعاصرة المتعلقة بالإعلان والتسويق، على سبيل المثال.

الأسس الابستمولوجية والفكرية للمنهج الكيفي.
إن الاختلاف بين المناهج الكمية والكيفية لا يكمن في الجانب الإجرائي فقط، الذي جعل البحوث الأولي تسعى إلى تكميم المعطيات والبيانات والتعبير عنها إحصائيا، و دفع المناهج الثانية إلى محاولة استجلاء المعاني عبر تأويل المعطيات النوعية،  بل يستند إلى أسس فكرية وفلسفية.
إن القول بأن البحث الكيفي يسمح بالإحاطة الشاملة بالظواهر ويغوص في عمق تحليل المعطيات الاجتماعية، و أن البحث الكمي يعّد شكلا من التدقيق في سطح الحقائق الاجتماعية.  يبدو غير كاف، وذلك لأن إدراك ماهية البحث الكمي، الذي يسمى، أيضا، البحث الصلب أو الثقيل Hard Methodology، والبحث النوعي الذي يُكنى بالبحث الخفيف Soft Methodology يقتضي الاقتراب من الإطار الفلسفي الذي تشكلا فيه. 
تَنطلق البحوث الكمية من " المنظور" Paradigm الوضعي الذي يرى أن الحقيقة الاجتماعية لا توجد سوى في حالتها الملموسة و المستقلة عن كل رأي أو موقف، وتنتظر أن تُستطلع وتُكتشف. و يُنظر إليها على أساس إنها ذات بُنية مغلقة تتشكل من عناصر قابلة للقياس. ولا يخفي على كل متتبع أن هذا المنظور افرز تصورات لماهية النظرية التي تساعدنا في الكشف عن موضوعية الواقع الأمربقي.
فالنظرية، حسب كارل بوبر، هي معرفة موضوعية مبنية على ملفوظات منسجمة ويمكن التحري في صحتها. أي يمكن إجراء فحص النظرية أكثر من مرة للوصول إلى الحقائق الموضوعية ذاتها. وهذا يوحي بأن الواقع الذي يجري فحصه يتسم بثباته وعدم تغيره.

تنطلق البحوث الكيفية من " منظور" Paradigm مغاير تجسده البنائية الاجتماعية.
لقد اكتسب هذا المنظور هذا المسمى لأنه يسمح ببناء سياقات لوصف الظواهر وفهمها. فالبنائية الاجتماعية لا ترى الظواهر الاجتماعية و الثقافية في حالها المنجز؛ وصيغتها النهائية، بل تراها في طور البناء والتُشكل. فالناس يصنعون واقعهم الاجتماعي انطلاقا من تفاعل بعضهم البعض، من جهة، وبينهم  وبين واقعهم، من جهة ثانية. فإدراك هذا الواقع لا يتم بدون وجهات نظر الأشخاص الفاعلين، لذا لا بد من استجلاء تأويلهم لأوضاعهم وللظواهر الاجتماعية.
إن الحقيقة العلمية التي تؤمن بها البحوث الكمية، لا وجود لها، في نظر البنائية الاجتماعية، حيث تعتبرها ضربا من الوهملأن هذه الأخيرة لا تسلم بالحقيقة الجاهزة، بل تؤمن بالتأويل كمفتاح للفهم. فالتأويل يُعّد، في أخر المطاف، نتيجة للتوافق بين التجربة الماضية وبنية التفكير، أي التجربة الحاضرة.
ويعتقد أتباع النظرية البنائية أن المعرفة ليست فعلا صرفا يشترط التأمل في موضوع البحث، بل يعتبرونها ثمرة التفاعل بين موضوع المعرفة، والذات العارفة. 
إذا، التباين في النظرة إلى الظواهر الاجتماعية لا يلخص كل الفروق القائمة بين البحوث الكمية       والنوعية، إذ أنها تمتد إلى تمثّل المعرفة وأدوات تجسيدها، والتي تم تلخيصها في العناصر التالية: الموضوعية، وأدوات القياس، وغائية البحث، والعلاقة بين القيم والأحداث.                          إن غاية البحوث الكمية هي شرح الظواهر وتفسيرها واستجلاء القوانين التي تسمح بتوقعها أوالتنبؤ بوقوعها. وهذه القوانين تصبح كونية، بصرف النظر عن المكان والزمان الذي تُطبق فيهما. أما غاية البحوث الكمية فهي المعرفة. بينما البحوث الكيفية تستكثر هذا الأمر أو ترى أن المعرفة مفهوم نسبي وإشكالي، وتكتفي بالتأكيد على أن غاية البحث تكمن في إدراك كيفية المعرفة، وليس بلوغ المعرفة ذاتها؛ بمعنى أنها تسعى إلى فهم الظواهر و استعراض أشكال استيعابها عبر عملية التأويل التي تحدثنا عنها أعلاه. هذا مع إيمان البحوث الكيفية بأن هذا الإدراك يتوقف على كفاءة التأويل التي تتباين بين الأشخاص والمجموعة البشرية.
استطاع النموذج الوضعي في العلوم الاجتماعية أن يرسخ تصورا لموضوعية المعرفة يستند إلى المعطيات الإحصائية، وجعلها حكرا على البحوث الكمية، لأن صرامة المعالجة الكمية للبيانات والمعطيات تمنحها طابعا موضوعيا، وتجعلها في منأى عن التلاعب بالبيانات، وبعيدة عن ذاتية الباحث. 
لقد بُني هذا التصور على فكرة أن الباحث في العلوم الاجتماعية يجب أن يحافظ على هامش يفصله عن موضوع بحثه، ولا ينغمس في الأوضاع الملاحظة التي لا تمثل له أي أهمية. فموضوع البحث، من هذا المنظور، ليس مسرحا لأنشطة الباحث، بل يظل مجالا لملاحظاته فقط.
إذا مسألة الموضوعية تتوقف على مكانة الباحث وموقعه بالنسبة لموضوع البحث، أو نظرته له. فإذا كانت نظرته من داخل الظاهرة أو موضوع البحث، كما تفعل المناهج الكيفية، فتنتج أحكاما ذاتية، وإذا كانت من خارج موضوع البحث، كما تفعل البحوث الكمية، فإنها تؤدي إلى نتائج موضوعية. 
ويمكن أن نقترب من تجسيد هذه الفكرة في الصيغة اللغوية التي تستخدمها البحوث الاجتماعية. فالموضوعية تقتضي من الباحث عدم استخدام ضمير المتكلم في بحثه، بل تلزمه الاختباء وراء مسمى الباحث، كالقول أن الباحث سعى إلى كذا أو قام بكذا أو يهدف إلى... لأنه يُعتقد أن ضمير المتكلم  يوحي بالذاتية. ألا يعد استخدام الضمير المتكلم في البحوث الكيفية برهانا على شفافية البحث ونوعا من مصارحة القارئ؟ ألا يوحي استخدام هذا الضمير بأن النتائج التي توصل إليها البحث هي عملية تأويلية لمعطيات قام بها الباحث الفلاني في السياق الفلاني، وأنها لا تدعي امتلاك الحقيقة العلمية المطلقة؛ أي أنها لا تضلل القارئ بصيغ تعبيرية توحي بالموضوعية التي هي مثار جدل وسجال في البحوث الاجتماعية.
يطلق على البحث الكيفي صفة تعاطفي، لأنه يتعاطف مع المبحوثين، بمعنى أن الباحث لا يتعالى على المبحوثين أو ينطلق من  تصور جاهز عنهم وعما يفعلون، بل يتنازل عن موقعه ويلتحق بهم، ويشاطرهم ظروفهم  وأوضاعهم، فما يفكر فيه عنهم ينجم عن معاشرة، وممارسة، وليس تخمينا مسبقا. 
يُعتقد أن مصطلح " تعاطفي" مشحون بالذاتية التي تبعد البحث عن كل موضوعية. لكن الإقرار بهذا الأمر يحمل نوعا من المصارحة والمجاهرة التي تؤكد على شفافية الأسلوب ونسبية النتائج، التي يمكن أن يصل إليها البحث الكيفي. فإذا كانت هذه الشفافية لا تلغي وجود هامش من الذاتية فإنها، على الأقل، ليست مُضللة. فالبعض يعتقد أن القول بأن نفس الظروف تؤدي إلى النتائج ذاتها، الذي تتكئ عليه البحوث الكمية،  يحمل قدرا من التضليل. فالظروف في الحياة الاجتماعية لا تتكرر بالصيغة ذاتها، وبالتفاصيل عينها. إنها تتبدل وتتغير، بهذا القدر أو ذاك. و جهل هذه الحقيقة  أو تجاهلها تترتب عنه نتائج أفدح من ثقل التعاطف مع موضوع البحث والمبحوثين. 
رغم أن الكثير من الباحثين اقتنعوا بأن الموضوعية ليست مرادفا للحياد لأن المعرفة العلمية توجهها المصلحة في المعرفة، يعبر عنها الشخص الذي ينتجها، أو تنشدها المؤسسة المكلفة بالبحث. هذا ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو Michel Foucault  في تعريفه للنظرية، إذ اعتبرها إستراتيجية تدخل. فلم ير المعرفة من زاوية مدى موضوعيتها وطابعها الكوني، بل في ظل سياق القوى والمصالح الاجتماعية التي تحركها. وربطها بالسلطة.
لتوضيح هذه الأطروحة يمكن أن نتساءل قائلين: هل أن الدراسات التي تمولها هيئات أجنبية حول دور الإعلام الغربي في تجسيد الدبلوماسية الشعبية خالية من منفعة أو مصلحة يمكن أن يجنيها ممولوها؟
وحتى أن البعض لا يرى للحياد موقعا في إعراب البحوث الاجتماعية، وفق ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني غادامر هانز- جورج Hans-Georg   Gadamer الذي يرى أن الإقرار بالحياد هو إغفال للأفق التاريخي للباحث، والذي تلخصه الفكرة التي مفادها أن للباحث أفقا تاريخيا يتواجد فيه ومن خلاله، يملي عليه قراءة  المعارف التي يتعامل معها.
كما تدل الموضوعية في المنهج الكمي على إمكانية الوصول إلى النتائج ذاتها إذا أعيد استخدام أدوات القياس ذاتها في البحث و بالطريقة ذاتها. فالموضوعية في هذه الحالة تكون وليدة أداة القياس. إذا، تعّد أدوات البحث العلمي الحاكم الفيصل على موضوعية البحث أو ذاتيّته.  
لا يحصر البحث الكيفي الموضوعية في الناحية الإجرائية، بل يدركها ضمن رؤية فكرية أعمق، فيرى أنها مفهوم يعبر عن توافق اجتماعي فقط، أي أن ما هو موضوعي يتناسب مع ما نتفق على اعتباره أنه كذلك في سياق معين؛  أي أن هناك إمكانية أن يتغير هذا الاتفاق بتغيير السياقات. فما يعتبر موضوعيا اليوم يمكن أن يكون ذاتيا غدا.
لقد رسخت البحوث الاجتماعية، خاصة في علوم الإعلام والاتصال، فهما محددا لأدوات القياس يؤكد استقلاليتها عما يجب أن تقيسه، مما يمنحها الدقة والعلمية.
لقد انتقد العديد من الباحثين هذا الفهم معتبرين أن أدوات القياس ليست محايدة، وأكد بعض علماء الاجتماع أن حيادها غير صحيح. فأدوات القياس قد لا تعبر عن الواقع أو الظواهر الاجتماعية، بل يمكن أن تقوم بإنتاجها. فإذا كان البعض يُعّد الاستبانة، أو عملية سبر الآراء، تقنية محايدة، لا تقوم سوى بالتعبير عن آراء المبحوثين ومواقفهم، فإن البعض يرى عكس ذلك، إذ يعتبر أنهما ينتجان واقعا غير موجود في الحياة اليومية.

لن نكتفي بتأكيد ما ذهب إليه المتشيعون للبحوث الكيفية، والذين يرون  أن الحياة الاجتماعية المعاصرة تزداد تعقدا، ولا يمكن فهمها وإدراكها بمجرد تكميمها. إنهم يعتقدون أن الشخص كائن اجتماعي شديد التعقد،  وبعض الجوانب في سلوكه وتصرفاته لا تقبل القياس. وأن الرغبة الملحة في قياس كل شيء وتكميمه قد تؤدي إلى نتائج متواضعة جداّ، فالتفاصيل المنفردة والجزئيات الدالة قد تنفلت من  قبضة التكميم دون أن تستثير الباحث. لو حاولنا أن نتحرر من فهم القياس الذي رسخته البحوث الكمية يمكن أن نتساءل: هل القياس يؤدي إلى نتائج كمية فقط ) أرقام وإحصائيات)؟ ثم ألا تخضع البحوث الكيفية لأي شكل من أشكال القياس؟ هل  يتوسل التحليل النوعي الألفاظ فقط؟  وهل الاختلاف بين التحليل الكمي والكيفي يكمن في التعارض المزعوم بين الحروف والأرقام؟
إن القياس  الكمي أو النوعي ليس معطى منفصلا بذاته ويوجد في فراغ، بل أنه جزء من تصور لموضوع البحث وإشكالياته، و يُبنى على تفكير متبلور؛ أي يجب أن نفكر قبل أن نقيس لا أن نقيس قبل أن نفكر. فما يؤخذ على البحوث الكمية أنها تركز كثيرا على القياس، أما التحليل والتفكير فيأتي بعده. بينما البحوث الكيفية تركز، بدرجة أساسية، على التفكير ويأتي القياس كعملية مكملة ومعمقة له.
إن الكثير من البحوث الكمية التي أضحت تعتمد اعتمادا شبه كلي على برامج الكمبيوتر جعلت العديد من العلاقات الترابطية بين العديد من المتغيرات تتناسل، إلى حد أن بعضها  لم يخطر على بال الباحث، مما رشح القياس ليتولى التفكير في بعض  جوانب البحث وليس العكس.
يعتقد أتباع المذهب الكيفي أن الواقع يرتبط، بهذا القدر أو ذاك، بفكرنا، ويرون أنه لا يمكن أن ننفصل عن ذاتنا ونقود بحثا مستقلا عن موقعنا في العالم. فقيمنا ومصالحنا تُلوَّن الطريقة التي ندرس بها الواقع ونناقشه.  من هذا المنطلق تبدو عملية تحييد القيم في رؤية الأحداث أو الحكم عليها عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة.

إن متابعة ما ينشر من بحوث علمية في المنطقة العربية حول علوم الإعلام والاتصال تؤكد شبه غياب البحث الكيفي. فالتطور الرهيب في وسائل الاتصال الجديدة شرع استخدام مصطلح  وسائل الاتصال الجماهيرية الفردية Self Mass Media  ، وأفرز انشغالات بحثية جديدة، وطرح مواضيع بحثية مستجدة تتمحور حول تمثّل هذه الوسائل، و استملاكها، واستخدامها، مما عزز مكانة البحوث النوعية في حقل علوم الاتصال والإعلام في الدول الغربية. 
إن الملتقيات العلمية حول قضايا الإعلام والاتصال، التي تعّد حقلا لعرض للتجارب في المقاربات المنهجية، ومنبرا لممارسة حرية التفكير والنقد في الدول الغربية، مازالت منغلقة، في المنطقة العربية، على مقاربات البحث الكمي، و اجترار أطروحات المدرسة النقدية، الاكتفاء بها، رغم تناولها مواضيع جديدة من المفروض أن تعالج إشكاليات جديدة.
حتى لا تبدو هذه المداخلة مرافعة سطحية، إن لم تكن ساذجة، لصالح تكثيف استخدام البحث الكيفي   في بحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية التي بدأت تكنولوجية الاتصال الحديثة تتغلغل في نسيجها الاجتماعي والثقافي، نستحضر بعض الفرضيات التي تصب في اتجاهين، الاتجاه الأول يحاول أن يُشخّص الحدود المعرفية للبحث الكمي، في المنطقة العربية، ويستجلى رهانات تعميم نتائجه دون الإلمام بالظواهر الإعلامية والاتصالية التي يصر الكثير من الباحثين على أنها تتسم بالخصوصية، وتنفلت من النمطية المعمّمة في الفضاءات الاجتماعية والثقافية المختلفة. أما الاتجاه الثاني فإنه يصب في المسعى الرامي إلى الكشف عن الأهمية المعرفية للبحوث الكيفية في سعيها لفهم الفعل الإعلامي والاتصالي في المنطقة العربية ليس انطلاقا من التصورات الجاهزة  والمبنية للظاهرة الاتصالية والإعلامية التي لا تتطلب سوى تزكية علمية لها  في الواقع، بل انطلاقا من البحث عن الدلالات التي يمنحها الأشخاص لهذه الأفعال والظواهر الاتصالية عبر تأويل أفعالهم، ولغتهم، وإشاراتهم.
حدود النجاعة العلمية  لأدوات القياس الكمي:
إن نقد البحوث الميدانية في مجال العلوم الاجتماعية و الإنسانية، في الدول الغربية، التي تعتمد على الاستبانة كأداة بحث، يرتكز على محورين أساسين، وهما: الاعتماد على عينة لا تمثل مجتمع البحث ولا تعبر عن عدم تجانسه، ومحدودية الاستبانة. فالاستبانة لا تُنقد للأسئلة التي تتضمنها، والتي قد تكون موجهة أو مضللة فحسب، بل تُنتقد، أيضا، لاستبعادها بعض الأسئلة التي من الصعب إدراجها كلها في خانة السهو أو النسيان، لأن بعضها ينتمي إلى خانة المسكوت عنه أو غير المفكر فيه الذي يحيد عن الأنماط الاجتماعية المعيارية التي اكتسبت قوة المرجعية الاجتماعية والسياسية والثقافية والأخلاقية.
إن الاكتفاء بالاستبانة في البحوث الكمية يثير الكثير من الإشكاليات لأنها تعتمد على اللسان فقط. فرغم أهمية هذا الأخير في عملية التواصل إلا أنه يعجز عن قول كل ما يريد قوله. ولا يكتفي بملفوظاته     أو بما يُثبت منه خطيا، كما بين ذلك الفيلسوف الألماني غادامر Gadamer .   فحدود عالم الفرد هي حدود لسانه، كما يقال.     
ويوجه النقد للاستبانة في المجتمعات العربية لعدم مقدرتها على النفاذ إلى ما يفكر فيه المبحوثون أو المستجَوبون أو ما يشعرون به. فأمام ضيق هامش حرية التعبير والتفكير يصعب على الاستبانة  أن تنتزع معلومات صادقة وكاملة ودقيقة من المبحوثين. فإجابتهم على بعض الأسئلة التي تتضمنها الاستبانة تكون محددة مسبقا بحالة الريبة أو الخوف من سيف الحجاج أو طمعا في ذهب المعز، كما يُقال. والمبحوثون، الذين يجيبون على بعض أسئلة الاستبانة دون خوف من أن تصل آراؤهم ومواقفهم إلى السلطات العمومية أو الجماعات الضاغطة، يمارسون الرقابة الذاتية على ما يدلون به من إجابة نتيجة الإكراه الذي تمارسه الثقافة السائدة. فيتهربون من الإجابة الدقيقة بتقديم عبارات عامة تتماشى مع الآراء السائدة والمهيمنة.
ما سبق قوله لا يعني، بتاتا، أن الاستبانة لا تعاني من نقائص علمية في استخدامها في المجتمعات الغربية، لكن نقائصها أكثر وأخطر في المجتمعات العربية، لأنها تتطلب  وجود شفافية المعلومات   في المجتمع، وحرية تداولها، وتأويلها. فكيف يمكن أن نعطي مصداقية للبحوث الكمية في مجتمع أصبح من الصعب أن يقوم بتعداد سكانه؟ وتتحفظ مؤسساته الصحفية عن ذكر عدد مبيعاتها، بل أرقام سحبها؟ وتعتبر مؤسساته الإعلامية أن عائدها المالي من الإعلانات سر من الأسرار الخطيرة، ويتكتم مواطنوه عن التصريح ببعض الأمور البسيطة المتعلقة بحياتهم.

لقد قام أحد الباحثين الشباب بانجاز بحث بعنوان: المدرسة، التلميذ والمعلم، وتكنولوجيات الاتصال الحديثة: دراسة في التمثُل والاستخدامات، لنيل شهادة دكتوراه دولة في علوم الإعلام والاتصال،  وفي أثناء المناقشة وجه له أحد أعضاء لجنة المناقشة السؤال التالي: لماذا أغفلت عامل السن الذي أراه متغيرا أساسيا في هذا البحث، فكان الجواب ببساطة أن المعلمات رفضن ذكر سنهن! حقيقة أن السلطات العمومية تمارس رقابتها العلنية والضمنية على المعلومات وتداولها في المجتمع، بدليل أن القليل من مراكز الإحصاء والمعلومات في المنطقة العربية تتمتع بالاستقلالية. لكن المجتمع يمارس، أيضا، رقابة ضمنية على المعلومات المتداولة.
إن الواقع الذي تنتجه الاستبانة يختلف، بهذا القدر أو ذاك، عن الواقع الذي يعيش فيه المبحوثون. وبهذا لا تبدو الاستبانة كوسيلة قياس منفصلة عن موضوع البحث، بل كمُعيد إنتاج واقع يصنعه الخطاب المهيمن أو المعبر عن سلوك مأمول أو مصادق عليه من قبل المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها المبحوثون. 
لذا نعتقد أن النظرية الأكثر مقدرة على استجلاء " ظاهرة الرأي العام" في المنطقة العربية كانت إلى وقت قريب، هي دوامة الصمت ) die schweigespirale (  التي صاغتها عالمة الاجتماع الألمانية نيومان نوال Noëlle   Neumann، في السنة 1974. لماذا إلى وقت قريب؟ لأن تكنولوجيا الاتصال قضت، بهذا القدر أو ذاك، على صمت الأشخاص، بل زودتهم بأدوات للحديث والانتماء إلى الجماعات الافتراضية.
لقد قدمت هذه النظرية توصيفا جديدا لظاهرة تشكيل الرأي العام، إذ ترى أن الفرد في المجتمعات الغربية يخشى العزلة، فيحاول أن يتبنى الآراء السائدة أو الرائجة التي يتقاسمها مع الغير. إن تبني الآراء في العديد من المجتمعات العربية لا ينبع من الخشية من العزلة، بل ينجم عن الخوف من العقاب.   فالفرد الذي يعاني من ضيق هامش حرية التعبير والتفكير في المجتمعات العربية ليس أمامه سوى أن يتظاهر بتبنيّ الأفكار السائدة أو الالتزام بالصمت الذي يقبر رأيه الحقيقي. فليس أمام الرأي غير المجامل والخارج عن الإجماع المصطنع في المجتمع الذي يقدس أحادية الرأي، ويجرم الاختلاف في الفكر، سوى الاختفاء.
وبالمقابل حظيت  نظرية Agenda Setting  باهتمام أكبر في المنطقة العربية، وشكلت موضوع  بحوث استخدمت المنهج الكمي، وتم اعتمادها كمسلمة في البحوث الإعلامية في المنطقة العربية، وذلك لأنها تعد إحدى تجليات الفكر الوظيفي الذي يؤمن بأن وسائل الإعلام تؤدي مجموعة من الوظائف. لذا فإن صداها نجده لدى الجمهور. إن شعبية هذه النظرية في المنطقة العربية لا يعود لعلميتها، بل لطابعها الامتثالي، وعدم اقترابها من موضوع حرية التعبير والفكر. والدليل على ذلك أنها وظفت  دون أي تساؤل عن صلاحية  أداة قياسها. ناهيك عن التساؤل عن طبيعة العلاقة التي تربط " الجمهور" في المنطقة العربية بوسائل إعلامه، خاصة الرسمية منها، والتي تختلف عن طبيعة العلاقة التي تربط الجمهور الغربي بمؤسساته الإعلامية. هذه الحقيقة قد تتعارض مع نتائج البحث الذي يروم النفاذ إلى مختلف الفئات الاجتماعية لمعرفة تصورها لوسائل الإعلام ولما تقدمه، بعيدا عن الاستبانة.

لتوضيح هذه الفكرة، أكثر، نشير إلى أننا حاولنا مع طلبة الماجستير في الإعلام في كلية الاتصال بجامعة الشارقة أن ندرس تلقي المسلسلات التركية في منطقة الخليج عبر مقاربتين مختلفتين: المقاربة الأولى تتمثل في البحث عن هذه الظاهرة  من خارجها، أي القيام بدراسة كمية التي تتطلب الاستعانة بالاستبانة، والمقاربة الثانية تتمثل في البحث عنها من داخلها؛ أي من خلال استخدام الملاحظة بالمشاركة، وقد كانت نتائج البحثين مختلفتين إلى درجة يعتقد البعض أننا قمنا  بالبحث بالاعتماد على عينتين مختلفتين، ومن بيئات ثقافية مختلفة.

اعتمدت غالبية بحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية على تحليل المضمون، ورسخته كأداة كمية لدراسة الخطاب الإعلامي. وحاولت أن تثبت أهميته انطلاقا من تكميم العناصر التي تشكله. ولئن حاولت هذه البحوث أن تبيّن نقائصه، فإنها لا تنسبها إلى بنيته أو المنطق الذي يخضع له، بل للوسيلة الإعلامية التي تبثه.
حقيقة، لقد حاولت بعض البحوث العلمية أن تدرس الخطاب الإعلامي في المنطقة العربية، خاصة في دول المغرب العربي، من خلال الاستعانة بالمستوى النوعي لتحليل المضمون، لكنها اصطدمت، مع الأسف، بحدود التحليل السيميائي، الذي يتعاطى مع الخطاب الإعلامي كنص منغلق على ذاته ومكتفيا بما يتضمنه من دلالات، بمنأى عن المتلقي، الذي أصبح شريكا نشيطا في عملية إنتاج المعنى مما يقرأ أو يسمع أو يشاهد.
2- التوفير الكمي للمعلومات بأيسر السبل التقنية؟
استخدمت البحوث الكمية لاستكشاف الظواهر المرتبطة بالاتصال والإعلام من خلال إبراز بعض المؤشرات الكمية: التكرار، المدة، المنطقة الجغرافية، وغيرها.  إن هذه المعطيات الكمية الاستكشافية أصبحت في متناول أي مستخدم لشبكة الانترنت. فالعديد من المواقع والبوابات الالكترونية أصبحت، بفضل محركات البحث وبرامج التجسس، تبوح بعدد زوارها مع فرزهم: الأوفياء، ومن يزرونها لأول مرة، والمدة الزمنية التي استغرقها كل فرد في زيارتها، و المنطقة الجغرافية التي يتصل منها، وأداة الإبحار في شبكة الانترنت التي  يستخدمها. هذا ما يمكن أن ينجزه، على سبيل المثال، أصحاب البوابة العربية لعلوم الإعلام بشكل آني. هكذا إذا، أضحت المواقع الالكترونية، والصحف الإلكترونية، ومحطات الإذاعة، والقنوات التلفزيونية التي تبث عبر شبكة الانترنت تملك نظرة عامة عن جمهورها،  وكذلك الأمر بالنسبة للمدونات الإلكترونية. وفي بعض الأحيان تنتفي حاجة هذه الوسائل الإعلامية لمعرفة عدد جمهورها طالما أنها تتحاور مع بعضهم وتتفاعل معهم. لذا يمكن القول إن المعرفة العمودية لجمهور وسائل الاتصال الحديثة يتطلب جهدا نوعيا لفهمه أكثر. ولا يمكن لهذا الجهد أن يحقق وعوده دون استخدام أدوات منهجية أكثر قربا من مكونات هذا الجمهور.    
3) البحوث النوعية كمخرج علمي من الحتميات
لقد ارتكزت البحوث العلمية حول وسائل الاتصال الحديثة على منظورين Paradigms.  المنظور الأول، ويتمثل في الحتمية التكنولوجية، والذي ينطلق من قناعة بأن قوة الترسانة التكنولوجية المتجددة والمتطورة هي وحدها المالكة لقوة التغيير في الواقع الاجتماعي. هذا بصرف النظر عن هذا التغيير أو بالأحرى النظرة له، فالنظرة التفاؤلية للتكنولوجيا تهلل لهذا التغيير، وتراه رمزا لتقدم البشرية المزدهر، وعاملا لتجاوز عثراتها وإخفاقها في مجال الاتصال الديمقراطي والشامل الذي تتقاسمه البشرية. والنظرة التشاؤمية التي ترى التكنولوجية مطية للهيمنة على الدول والشعوب المستضعفة، والسيطرة على الفرد، عبر وسائل المراقبة والتحكم، فتقتحم حياته الشخصية وتفكك علاقاته الاجتماعية.
أما النموذج الثاني، ويتمثل في الحتمية الاجتماعية التي ترى أن البُنى الاجتماعية هي التي  تتحكم في محتويات التكنولوجيا وأشكالها، أي أن القوى الاجتماعية المالكة لوسائل الإعلام هي التي تحدد محتواها. 
إن البحوث النوعية التي تتعمق في دراسة الاستخدام الاجتماعي لتكنولوجيا الاتصال الحديثة لا تنطلق من المنظورين، لأنها لا تؤمن بأن ما هو تقني ويتمتع بديناميكية قوية، يوجد في وضعه الكامل         و النهائي، كما أن البُنى الاجتماعية ليست منتهية البناء. لعل هذه الحقيقة تنطبق أكثر على العديد من المجتمعات العربية التي تعرف حركية اجتماعية متواصلة لم تفض إلى صقل و اصطفاف اجتماعي تتمايز فيه البُنى الاجتماعية والسياسية، فالقوى الاجتماعية المتدافعة في الحياة اليومية، في المنطقة العربية، مازالت قيد الصياغة والتشُّكل. فهل يمكن القول، بدون تجنب الحقيقة، أن الفئات الاجتماعية المختلفة، في هذا البلد العربي أو ذاك، بلغت درجة من التطور بحيث أصبحت معروفة بميولها الثقافية، وذوقها. كما هو الأمر في بعض الدول الغربية، التي تتميز فيها الفئات الميسورة بميلها إلى الأوبرا L’opera، وتجنح الفئات ذات الدخل المحدود إلى موسيقى الجاز Jazz؟ هذا رغم أن وسائل الإعلام الجماهيري قد عملت منذ عقود على بث أشكال التعبير الفني وجعلها جماهيرية للقضاء على "حواجز" الذوق التي تميز الفئات الاجتماعية الكبرى في المجتمع الغربي. 
كما أن المنطلقات الفلسفية للبحوث الكمية لا تسمح بالاعتقاد بوجود خط فاصل بين ما هو تقني وما هو اجتماعي، لأنهما يتفاعلان، باستمرار، في الحياة اليومية. بمعنى أن البعد الفكري للبحث النوعي يسمح بالملاحظة الدقيقة لكيفية ولوج ما هو تقني للحياة الاجتماعية،  ولا يعطي الفرصة للأشخاص الذين يتعاملون مع وسائل الاتصال الحديثة لتشخيص ما هو تقني أو اجتماعي فقط، بل يسمح بإبراز تمثّلهم لما هو تقني، و الذي على أساسه يتضح استخدامهم له.

البحوث النوعية و تطور الفكر الإعلامي أو الانتقال من دراسة الوسيلة الإعلامية لذاتها إلى دراستها بذاتها.
إن أدوات القياس تتطور وتتبدل وفق فهمنا للظاهرة التي يمكن قياسها.  ففهمنا لمفهوم الجمهور، على سبيل المثال، كان محصورا في اعتباره كتلة متجانسة وساكنة أو سلبية في تعاملها مع وسائل الإعلام، خاصة السمعية- البصرية.  لقد تدخلت الكثير من العوامل الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية لتعيد النظر في مفهوم تجانس مشاهدي التلفزيون في المجتمع الواحد والشريحة الاجتماعية الواحدة، و حتى الأسرة الواحدة. وبهذا تبدلت أدوات القياس التي تعالج هذه الظاهرة، و ارتبطت بتلك التي تعتمد عليها البحوث النوعية.
كما أن العديد من المفاهيم المرتبطة بممارسة وسائل الإعلام، مثل الخمول، أو الشرود Escape، والتفاعلية يصعب قياسها كميا لعدم وجود إجماع على الواقع الذي تغطيه، فيتم الاجتهاد في تفتيتها أو تفكيكها إلى جملة من الوحدات أو المفاهيم الإجرائية من أجل الاقتراب منها أكثر. لكن يظل هذا الاجتهاد رهن تمثل الباحث لها وفق مرجعياته الثقافية والفكرية. لكنها لا تكون في الغالب مطابقة لما يفرزه البحث الكيفي من وحدات أو مفاهيم إجرائية، حيث أن الباحث يقوم بتفتيت أو تفكيك المفاهيم المذكور مع الجمهور وبواسطته من خلال الملاحظة بالمشاركة.
كما أن البحث النوعي، مثل الدراسة الاثنوغرافية تدرس الوسيلة الإعلامية أو تكنولوجيات الاتصال بذاتها، و تضعها ضمن الممارسات الثقافية والاجتماعية الأخرى التي تتدخل في تشكيل نمط الحياة. إن هذا الأمر من شأنه أن يحدث قطيعة معرفية، في المنطقة العربية، مع دراسة الوسيلة الإعلامية لذاتها، والتي تعجز عن كشف آليات اندماج وسائط الاتصال الحديثة في نسيج الحياة اليومية، وعن  دورها، بجانب الوسائط الاجتماعية والثقافية الأخرى، في تشكيل الواقع. وهذا ما يُبعد الحديث عن الاستخدام النمطي لتكنولوجية الاتصال الحديثة من ساحة المسلمات. فعلاقة الشباب المغربي بشبكة الانترنت تختلف عن علاقة الشباب الإماراتي بها، ودور الانترنيت في النسيج الثقافي والاجتماعي يختلف في المجتمع الجزائري عن المجتمع السعودي.

البحوث النوعية واستيعاب تغلغل وسائل الاتصال الجديدة في النسيج الاجتماعي.
نظرا للطابع الفرداني لوسائل الإعلام الجديد التي مازالت تحتفظ بصفة الجماهيرية، أصبحت المقاربات المنهجية الكمية لدراستها تعجز عن القبض على خط التقاطع  بين ما هو فردي و ما هو اجتماعي. كما أن التكميم يميل، في الغالب، إلى تفضيل ما هو جماعي على حساب ما هو فردي.
لقد ابتعدت الدراسات والبحوث الإعلامية في المجتمعات الغربية، تدريجيا، عن مفهوم التأثير، واهتمت بمفهوم الاستخدام الذي يحيلنا إلى نوع من تمثّل الجمهور- المستخدم- لوسائل الإعلام الجديد.
يتضمن مفهوم الاستخدام، على الصعيد الاصطلاحي،  معنيين أساسيين، وهما:  المعنى الأول يحيل إلى الممارسة الاجتماعية التي يجعلها التكرار والتعود شيئا مألوفا وعاديا في ثقافة ما. وبهذا، فإنها تقترب من العادات والطقوس. أما المعنى الثاني فإنه يحيلنا إلى استعمال شيء ما سواء كان ماديا أو رمزيا لغايات خاصة. وهذا ما يدفع إلى التفكير في الاستخدام الاجتماعي للعّدة التكنولوجية ومساءلة دلالاته الثقافية المعقدة في الحياة اليومية.
حتى نقترب من فهم تطور المقاربات النظرية المرتبطة بوسائل الإعلام واستخداماتها، يمكن الإشارة إلى ما ذهب إليه الباحث سارج برولكس في تأكيده أن علم الاجتماع الإعلامي رحّل أسئلته المعرفية، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، من مركزية الوسيلة الإعلامية؛ أي تأثيرها المركزي ذو الاتجاه الرأسي إلى مركزية المتلقي؛ أي ماذا يفعل المتلقي بوسائل الإعلام. هذا السؤال الذي نشط الكثير من البحوث الكمية التي تجاوزت توحيد قائمة الحاجيات النفسية والنفسو- اجتماعية التي يسعى الجمهور إلى تلبيتها باستخدامه لوسائل الإعلام.
لعل النقد الذي يوجه إلى هذه الرؤية لا يكمن في تنميط الحاجيات وتوحيدها وتعميمها على كل السياقات الاجتماعية والثقافية، فحسب، بل في تناسل عدد الحاجيات التي تحتاجها مثل هذه البحوث الكمية للإجابة على السؤال الأساسي المذكور أعلاه.
رغم الثقل الإيديولوجي والتاريخي لمفهوم امتلاك تكنولوجيا الاتصال الحديثة فإن البحوث النوعية بيّنت كيف أن هذا المفهوم يمكن أن يقدم قراءة ثالثة لهذه التكنولوجية بعيدة عن كونها ظاهرة تقنية أو اجتماعية، أو كدلالة لميزان قوى سياسي أو لتوظيف سياسي. قراءة تستند إلى استجلاء دلالات تكنولوجية الاتصال التي تتدخل في بناء الذات.
إن التراكم العلمي، على أهميته، لا يكفي وحده لفهم واستيعاب التكنولوجيا الحديثة وتغلغلها في النسيج الثقافي والاجتماعي لمجموعة بشرية معينة. فالتجربة المعاشة التي تتيحها أدوات البحث الكمي، مثل الملاحظة بالمشاركة، والبورتريه الاثنوغرافي، تشكل الحجر الأساسي للمعرفة العلمية،
6- البحوث النوعية والصياغة المستأنفة للإشكاليات التي يطرحها البحث.
إن الخطاب عن تكنولوجيات الاتصال في المنطقة العربية يتغذى من الكتابات النظرية التي أنضجتها السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة عن السياقات التي تميز المنطقة العربية.  ويوظف الكثير من المفاهيم، مثل : "الفضاء العام"، و"المجتمع المدني"، و"الفجوة الرقمية"، وغيرها كمسلمات وليس كمفاهيم إشكالية.
فرغم أن الاحصائيات الرسمية تؤكد تواضع البُنى القاعدية لاستخدام تكنولوجية الاتصال الحديثة، ورغم ضيق الاستخدام الاجتماعي لبعض الوسائط التقنية الحديثة، مثل الانترنت، بتطبيقاتها المختلفة، فإننا نُرحّل ما توصل إليه الفكر الإعلامي عن ممارسات Web2  في الفضاءات الثقافية المختلفة،     و نتعاطى معه كإفراز للمجتمعات العربية.
تستطيع البحوث النوعية أن تقتفي اثر العلاقات الديناميكية بين المحيط التقني والوسط الاجتماعي، وتستجلي أثر تمثُّلاتها لدى المستخدمين.  فالبحوث حول تكنولوجية الاتصال الحديثة في البيئة العربية، على سبيل المثال، تمكنت من تقديم بعض الحقائق العلمية المرتبطة بالغاية المرجوة من استخدام الانترنت، كالقول مثلا أن القسم الأكبر من مستخدمي الانترنت في المنطقة العربية يستخدم الانترنت بغرض الترفية، لعل هذه الحقيقة تبدو مهمة للكثير من الباحثين والسلطات العمومية المسؤولة عن قطاع الإعلام والثقافة وللمستثمرين في مجال الإعلام الجديد، لكنها غير كافية من ناحية معرفية، خاصة و أن الترفيه يظل  مفهوما إشكاليا، كما تؤكد ذلك بعض البحوث العلمية. فما المقصود بالترفيه بالضبط؟ هل يحتفظ بنفس الدلالات لدى مختلف الفئات الاجتماعية وفي مختلف المستويات الثقافية، وفي كل الأزمنة؟
هل أن الاستخدام المتكرر للانترنت بغية الترفيه أفضى إلى تجديد الممارسة الاجتماعية؟ وهل أن تمثُّل الانترنت هو الذي أدى إلى استغلال هذه الشبكة للترفيه أم أن الترفيه هو الذي أدى إلى تمثل  شبكة الانترنت  والتحكم في استخدامها الحالي والمستقبلي؟  يصعب الوصول إلى إجابة كاملة ومقنعة على هذه الأسئلة في غياب البحوث النوعية. فهذه الأخيرة لا تفرض على الباحث صياغة إشكاليته وفرضياته والنزول إلى الميدان للتحري حول ملفوظاتها فحسب، بل تملك بعض المرونة حيث تسمح للباحث بتعديلها وإعادة صياغتها وفق تطور ملاحظاته ومعاينته لمجتمع البحث في أثناء تفاعله مع الظاهرة المدروسة.

7-  البحوث النوعية ومساءلة المعرفة المكتسبة عن وسائل الإعلام  والاتصال في المنطقة العربية.

قد نشاطر رأي بعض المشتغلين في ميدان سوسيولوجية الإعلام عندما يؤكدون، عن حق، على أن البحوث الكمية تسمح بتقديم بعض العناصر الأولية للإجابة عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بمكانة الوسيلة الإعلامية، مثل التلفزيون، في حياة الناس:

لقد ظل التلفزيون ، إلى عهد قريب جدا، وربما ما يزال، يشكل وسيلة الترفيه والإعلام الوحيدة بالنسبة للعديد من الشعوب العربية، medium all-purpose  :     فما هي  الإجابات الصلبة والعلمية التي قدمتها البحوث الكمية عن جمهور التلفزيون في المنطقة العربية؟ فرغم الدراسات التي قامت بها بعض المنظمات والهيئات الدولية، مثل: اليونسكو، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، وبعض مراكز دراسة الجمهور القليلة، إلا أن التراكم المعرفي عن جمهور التلفزيون في المنطقة العربية لم تتضح بعد ملامحه، فبقينا  نطرح الأسئلة الأساسية عن العلاقة بين المشاهد والتلفزيون، مثل:  كم من الوقت يخصصه المشاهد العربي للتلفزيون؟ ما هو دور الجنس، والعمر، والمستوى الثقافي، والدخل، في مشاهدة التلفزيون؟ وهل أن الجمهور العربي كتلة متجانسة من الخليج إلى المحيط في تعامله مع برامج التلفزيون؟
قد نشفع هذا السؤال بالقول أن أوضاع التلفزيونات العربية لم تساعد البحث العلمي ككل في الإجابة عن هذه الأسئلة، وذلك لأن جل الدول العربية لم تكن تملك، قبل التسعينيات من القرن الماضي، أكثر من قناة تلفزيونية، ولم يكن هناك داعيا لطرح السؤال على المشاهد الذي ليس بيده سوى مشاهدة ما تعرض له قناته التلفزيونية اليتيمة في زمن لم تكن تكنولوجيا البث التلفزيوني المباشر متاحة، وفي ظل  شبه غياب سياسة البرمجة في العديد من القنوات التلفزيونية العربية.
إن القنوات التلفزيونية التي يطلق عليها صفة قنوات جامعة ليست في حقيقة الأمر سوى قنوات لبث المسلسلات بدرجة أساسية، والقنوات المختصة في السينما ليست في واقع الأمر سوى أداة لإعادة بث الأفلام المصرية أو الأفلام الأمريكية القديمة.  قد تتعسر الإجابة عن الأسئلة المتعلقة ببنية البرامج التلفزيونية التي تشاهد أكثر على هذه القنوات التلفزيونية.  لكن من المفروض، في زمن البث التلفزيوني المفتوح والمنافسة المحمومة بين القنوات التلفزيونية العربية والأجنبية  للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين ونيل أكبر حصة من عائدات الإعلان، أن يكون الهاجس المعرفي أكبرا من الأسئلة المتعلقة بمكانة التلفزيون في حياة المواطن العربي، لتمتد إلى الجوانب النوعية المرتبطة بعملية التلقي، مثل: الامتعاض من بعض البرامج التلفزيونية، ورفض بعضها، وعملية إعادة تفكيك البرامج التلفزيونية في الحديث اليومي من خلال تأويلها الذي قد يبتعد عن لحمتها السردية، و استجلاء المزاح الذي تُستبطن عبره الرموز الثقافية التي تتداولها البرامج التلفزيونية، وغيرها من الأدوات التي تستظهر العديد من المواد الرمزية التي يمكن توظيفها في تطوير المخيال التلفزيوني.

إن مقاربة  المشاهدة التلفزيونية   Audience ، بالمعنى الفرنسي، و Audience Household، بالمعنى الأنجلو سكسوني،  التي اقترحتها الدراسات الاثنوغرافية التي قام بها الباحث البريطاني  دفيد مورلي.   قد نقلت دراسة فعل المشاهدة كحالة فردية إلى حالة جماعية؛ أي إلى الأسرة Household ،  باعتبارها وسطا نشيطا  للممارسات الاجتماعية يشكل إطارا يتدخل في تأويل رسائل التلفزيون، و يقدم مجموعة من العناصر للتفكير في العلاقات الاجتماعية. وطبعت الكثير من الدراسات حول المشاهدة التلفزيونية، لكن تأثيرها مازال محدودا في المنطقة العربية.  
إن الخطاب عن أثر المسلسلات التركية التي بثتها بعض القنوات التلفزيونية، على الشعوب العربية، على سبيل المثال،  الذي رغم أنه ينطلق من تأثيره السلبي المحتمل على الأسرة العربية والإسلامية، إلا أنه تجنب ملاحظة فعل المشاهدة داخل هذه  الأسرة، بشكل عملي، ليصفه، وبالتالي يؤوله، ربما لأن هذه الأخيرة مازالت تشكل قلعة منيعة لحماية الحياة الخاصة، ومسدودة في وجه  الدراسة والبحث، ورصد التفاعلات التي تجري عبر نشاطها اليومي.
لقد انطلق هذا الخطاب من أن المشاهد سلبي ولا يملك سوى التأثر بما يعرض له في الشاشة الصغيرة، أو أنه موجه من طرف الحتمية الاجتماعية والثقافية التي تتحكم فيما يُشاهد. إن الحالتين تقدمان إجابات جاهزة، وكاملة لفعل المشاهدة التلفزيونية. ولا تمنح الاستبانة الموجهة إلى المبحوثين كأشخاص مشاهدين منفردين، في كثير من الحالات، سوى مشروعية لهذه الإجابات.
قد يتبادر إلى ذهن البعض أن فلسفة البحث الكيفي تقوم على مرجعية الفعل، سواء الموجه بوعي أو بعفوية، وتستبعد مرجعية  البني الاجتماعية و إكراهاتها وهيمنتها على الأفعال وتصرفات الأفراد. لكن أليس استبعاد الأسرة في دراسة المشاهدة التلفزيونية في البحوث الكمية، والاحتكام إلى ما يصرح به الفرد، وليس إلى ما يفعله في أثناء المشاهدة هو شكل من استبعاد البُنى الاجتماعية وتأثيرها العملي في أثناء فعل المشاهدة. 

يذكر الأستاذ التونسي، الشاذلي فتوري، أنه كان يتجول بسيارته في جزيرة جربة التونسية رفقة مجموعة من الأساتذة الجامعيين، فرأى راعي غنم وبيده مذياع، فترجل ليسأله، وفي ذهنه الصورة الجاهزة عن تعميم الراديو في المناطق الريفية وعلى الفلاحين، وما تناسل منها  من أفكار عن دور الإذاعة في التنمية الوطنية، فقال له: ماذا تستمع في هذا الجهاز، فرد الراعي قائلا: الأغاني البدوية. ثم سأله: أتعرف من يحكم تونس؟ فرد الراعي على الفور: إنه الباي! ثم قال له هل تسمع بالحبيب بورقيبة؟ فرد الراعي قائلا: بلى، إنه زعيم سياسي!  لقد وجه السؤال للراعي في سنة 1962، والباي أزيح عن العرش في 1956 ! إن بورقيبة رئيس جمهورية تونس؟ لقد بدت الكلمة غريبة لراعي الغنم فأجاب ضاحكا: هل تتكلم بجد أم تمزج؟ 
لا أحد يعتقد أن الإذاعة التونسية كانت شحيحة في ذكر اسم أول رئيس للجمهورية التونسية: الحبيب بورقيبة. فهل كان باستطاعة التحليل الكمي لمضمون برامج الإذاعة  التونسية في ذلك الوقت أن يميط اللثام عن هذه الحقيقة؟
إن تحليل مضمون المواد الإعلامية يجنح نحو الكم أكثر من الكيف، رغم أن الدراسات السيميائية اجتهدت في فرض نمط  من المقاربة النوعية للمضمون من خلال استشكاف الدلالات المبطنة في النص.  لكن تحليل المحتوى ظل سجين الرؤية البنيوية للنص التي ترى العالم في النص ومن خلاله. بينما المشكلة الكبرى التي تعاني منها البحوث الإعلامية تكمن في المتلقي، فهو لا يتلقى كل ما هو موجود في النص، وكل ما يريد المرسل إيصاله له، كما يبيّن لنا المثال المذكور أعلاه.  نعتقد أن بحوث الاتصال في المجتمعات العربية، تركز على استجلاء نوايا ومقاصد المرسل أكثر من تركيزها على مشاركة المتلقي في بناء المعنى من خلال تفاعله أو عدم تفاعله مع مادة الاتصال.  
إن البحوث الكمية القليلة التي أجريت حول دور التلفزيون في تحديد النسل في المناطق الصحراوية بالجزائر، توصلت إلى بعض النتائج الجزئية التي تبين أن تأثيره كان متواضعا جدا، رغم تزايد إقبال النساء على مشاهدة مختلف برامجه.  لقد حصرت سبب ذلك في  لغة الخطاب التلفزيوني ذات الطابع النخبوي الذي ليس في متناول المرأة الصحراوية.  فلو أن البحث عن هذا الموضوع تخلى عن هاجس التكميم، ووظف مجموعة من الأدوات التي يستعين بها البحث الكيفي، مثل: المقابلة المباشرة، المجموعة البؤرية، والملاحظة بالمشاركة، والبورتري الإثنوغرافي، وحكاية حياة أو سرد ممارسة، وغيرها من الأدوات، فكيف تكون النتائج؟ وما علاقتها بالمعتقدات الدينية والاجتماعية؟ وما هي درجة الثقة في برامج التلفزيون الجزائري لدى المشاهدات؟ وما هي المؤثرات على فعل المشاهدة داخل الأسرة الجزائرية؟ وما هو تمثل المرأة الصحراوية للتلفزيون؟

8- البحوث الكمية ونظرية التأثير الموحد:
لفت نظرنا عضو في لجنة مناقشة أطروحة دكتوراه حول جمهور المسرح الجزائري التي عقدت في معهد علوم الإعلام والاتصال، بجامعة الجزائر في السنة 1998 قائلا: وددت لو أن هذا الجهد تضمن مقاربة لعملية التلقي المسرحي. وعندما لاحظ اندهاش الحضور المشكل من طلبة معهد علوم الإعلام والاتصال وأساتذته، استطرد متسائلا: ألا تُدرس نظريات التلقي الثقافي والفني في هذا المعهد؟
إن هذا التساؤل يحرضنا على طرح السؤال التالي: ألا يدل استبعاد نظريات التلقي في الخطط الدراسية لكليات الإعلام في العديد من الجامعات العربية عن إيمان متستر بالتأثير الموحد الذي تمارسه وسائل الإعلام على جمهورها؟
إن نظريات التلقي تكشف عن لا نمطية تأويل الرسائل الإعلامية وتثبت هامش التفاوض الضمني بين المؤسسات الإعلامية والجمهور حول مضمون المادة الإعلامية. وهنا تكمن الخلفية النظرية للبحوث الكيفية. بينما تنصرف البحوث الكمية عن هذا الأمر في سعيها لتكميم عملية التلقي، على أساس تصور جاهز لنمط خطي وشامل لتأثير وسائل الإعلام.
الكل يدري أن نظرية التأثير الموحد لوسائل الإعلام قد ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، وأن حقائق العصر في مجال الإعلام والاتصال لم تكشف الحدود العلمية لهذه النظرية فحسب، لأن هذا الأمر تجلى منذ الأربعينيات من القرن الماضي، بل بينت محدودية الأدوات المنهجية التي تتوسلها لترسيخ رؤيتها للجمهور.

إن سوسيولوجية  تكنولوجية الاتصال الجديدة  قد عبدت الطريق للبحث في مفهوم الاستخدام بدل التلقي. إنه الاستخدام الذي يسمح للمستخدم ببناء ذاته، ويُمكّن للمؤسسة الساهرة على تطبيقات هذه التكنولوجيات  من تجسد تمثلاتها لهذا المستخدم سواء باعتباره زبونا أو مواطنا. إن تطوير أدوات البحث الكيفي كفيلة بالكشف عن رهانات هذا المفهوم وتمثّلاته.

أخيرا، إن الإضافات النوعية التي تقدمها البحوث العلمية الإعلامية في المنطقة العربية لا تتحقق بدون أن نغير طموحنا العلمي، ونسعى إلى تطوير قدراتنا في مجال تأويل الظواهر والسلوك بدل الزعم بأننا نصل إلى الحقيقة العلمية المطلقة من خلال دراسة الظواهر الاجتماعية. إن التأويل ينبع من الاعتراف بأنه من الصعوبة بمكان فهم موضوع ثقافي بدون الرجوع إلى النشاط الإنساني الذي كان وراء ميلاده. فالإعلام الجديد ليس عُدّة تقنية فحسب. إنه ممارسة اجتماعية وثقافية لا تبوح بكل دلالاتها من خلال تصور الباحث لها بعيدا عن رؤية مستخدميها التي يصعب القول أنها نمطية وعامة وتتجاوز سياقات الاستخدام المتغيرة. ومن الصعوبة بمكان أن نستخلص بعض المعارف العلمية  عنها بدون إدراك المعنى الذي يعطيه لها ممارسوها.
يبدو أن هذا المنطلق لدراسة الظواهر الإعلامية والاتصالية في  المنطقة العربية يظل صالحا حتى وأن تزايد إتباع  ما بعد الحداثة الذين ينعون موت المعنى.

الخاتمة:
إن الأفاق التي يفتحها البحث النوعي في مجال علوم الإعلام والاتصال، في المنطقة العربية، لا تنطلق من القضاء المبرم على البحوث الكمية، بل يستفيد منها استفادة كبرى ويكملها. لذا أعتقد أن الضرورة تقتضي أن يفتح باب النقاش العلمي حول البحوث الكمية، بدون أفكار مسبقة عن لا علميتها أو ذاتيتها. وأن نمتلك الشجاعة الكافية لتقييم البحوث الكمية في علوم الإعلام والاتصال تقييما علميا، ونتساءل عما أضافه من معرفة في مجال علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربية.  فبفضل هاذين الشرطين نستطيع أن نتقدم إلي الأمام، وننظر إلى واقع الممارسة الإعلامية في المنطقة العربية نظرة متجددة، تملك الحرية التي تتيح التفكير في المنهج إضافة إلى ما يمنحه التفكير بالمنهج، خاصة وأن أدوات الإعلام الجديد قد بدأت تتغلغل في النسيج الاجتماعي والثقافي في المنطقة العربية، مما يطرح إشكاليات جديدة، وهواجس معرفية نوعية تتطلب أدوات بحثية ومنهجية مبتكرة.

الإحالات:

العنوان الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نشر هذا البحث في مجلة شؤون اجتماعية ، مجلة علمية محكمة، تصدر عن الجامعة الأمريكية بالشارقة، وجمعية الاجتماعيين والاقتصاديين بالإمارات، عدد 107، 2010

 

- الطيب بوعزة : المنهج و أوهام العقل، رؤية نقدية، الملحق الثقافي، صحيفة الخليج، الشارقة،  10 مايو  2008

- Bachelard  Gaston: La formation de l'esprit scientifique. Contribution à une psychanalyse de la connaissance objective, Paris, Librairie philosophique Vrin,  1975 p 57

- حصة لوتاه: إشكاليات مناهج البحوث العربية، صحيفة البيان الإماراتية، 9 أبريل 2005
-  للتأكيد على هذا التخبط نورد ما ذكرته الباحثة: نهنود القادري عيسى في تحليلها لعينة من البحوث عن المرأة والإعلام، بأن بعضها يعاني من خلل  وعدم اتساق بين بدايته ونهايته !أنظر:
نهوند القادري عيسى ( إعداد): قراءة تحليلية في عينة من بحوث المرأة والإعلام، برنامج تمكين المرأة، مؤسسة الحريري، البنك الدولي، 2008،  ص 90
-  أنظر:
Michel Souchon: Le vieux canon de 75 »  L'apport des méthodes quantitatives  à la connaissance du public de la télévision, revue HERMÈS, Numéro 11-12 – France;1993  (Pages 233-245)

-عبد القادر عرابي: المناهج الكيفية في العلوم الاجتماعية، دار الفكر المعاصر، سوريا، 2007، (  376 صفحة)
-  يمكن الإشارة إلى أنه من ضمن 20 بحث قدم إلى الندوة العلمية حول ثقافة الانترنت وأثرها على الشباب، التي نظمتها جامعة الشارقة بالتعاون مع المنتدى الاسلامي، ودائرة الثقافة والإعلام، والتي عقدت بالشارقة في أبريل 2006 يوجد بحث واحد استخدم المنهج  الإثنوغرافي في دراسة لغة حجرات الدردشة.

- Des lauriers  Jean pierre: La recherche qualitative, le cadavre  est il sorti du placard ? Retrieved; November 10;2008  from: http://www.recherche-qualitative.qc.ca/Textes_PDF/20Deslaurier.pdf

- Alvaros Pires: deux thèses  erronées sur les lettres et les chiffres, Cahiers de recherche sociologique, vol. 5, no 2, automne ; 1987; p 87

-  Alvaros Pires : "La méthode qualitative en Amérique du Nord : un débat manqué (1918-1960)", Sociologie et Sociétés, vol. 14, 1982; no 1- p19

- Mucchielli  Alex: Le développement des méthodes qualitatives et l’approche constructiviste  des phénomènes  humaines.  Retrieved November, 10, 2009, from http://www.recherche-qualitative.qc.ca/Actes%20ARQ/texte%20Muchielli%20actes.pdf.

- Paul Attallah:  Théories de la communication; sens; sujets; savoirs; presse de l'université du Québec; Canada;1991,   P10

- Berner, C: L'herméneutique et le problème de la vérité. in R. Quilliot  (Dir.). La Vérité ,Paris : Ellipses; 1997 p 89

-  Arino Martine  : Analyse qualitative, Analyse compréhensive et analyse sémiotique, quel  lien? Retrieved November,10, 2009, from http://www.analisiqualitativa.com/magma/0000/article_04.htm

- Mucchielli  Alex, Ibid

-  Alvaros  Pires: De quelques enjeux épistémologiques d'une méthodologie générale pour les sciences sociales”, Retrieved ; November 10, 2009, from    http://classiques.uqac.ca/contemporains/pires_alvaro/quelques_ enjeux_epistem_sc_soc/enjeux_episte_sc_soc.pdf.

-  Paul attalah, Idid , p 17
) نقلا عن حصة لوتاه: إشكاليات مناهج البحوث العربية، صحيفة البيان، الإمارات العربية المتحدة،  الصادرة يوم 04  سبتمبر 2005

- Massé Pierrette,  Vallé Bernard (1992): Ibid; p 35
- Bourdieu Pierre, Jean-Claude Chamboredon, Passeron Jean-Claude  : Le métier de sociologue, mouton, , paris; 1983; p53

- Bourdieu Pierre: L’opinion publique n’existe pas, Les temps modernes, Paris;  N 318, janvier1973

-  Houle  G.: La sociologie : une question de méthode, Sociologie et sociétés, vol. 14, no1; 1982; p40

- Bachelard ; Ibid; p214

Zine Mohamed Chawki: L’Universalité de la pensée herméneutique chez Gadamer,  Retrieved; November, 10, 2009, from http://philo.8m.com/gadampensherm.html


- عبد الوهاب بوخنوفة: استطلاعات الرأي في الجزائر: مشكلة تقنيات أم مسألة حريات وذهنيات، المجلة الجزائرية  الاتصال،  عدد 18، جانفي- جوان  2004

- أكدت الباحثة : نهنود القادري عيسى في تحليلها لعينة من البحوث عن المرأة والإعلام، أن  بحوث تحليل المحتوى قد تجاوزت 43%   من مجمل البحوث المدروسة: أنظر:
نهوند القادري عيسى ( إعداد): قراءة تحليلية في عينة من بحوث المرأة والإعلام، برنامج تمكين المرأة، مؤسسة الحريري، البنك الدولي، 2008، ص 90

خلف علي خلف: صيغ مختلفة للبحث عن إيلاف غطت الدول العربية، صحيفة إيلاف الالكترونية  مسترجع بتاريخ 16 ديسمبر 2008  من : http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2008/12/391307.htm

- Proulx Serge: Penser les usages des technologies de l’information et de la communication, aujourd’hui : enjeux – modèles – tendances  in Lise Vieira et Nathalie Pinède : Enjeux et usages des TIC : aspects sociaux et culturels, Tome 1, Presses universitaires de Bordeaux, France 2005; P8

- Jarsiane Jouët: retour critique sur la sociologie des usages, Revue Réseaux, France;  Volume 18 année 2000;  p 500
-  نصر الدين لعياضي  : وسائل الاتصال والمجتمع الجماهيري، أراء ورؤى ، دار القصبة، الجزائر، 1999 ص 86
-  Michel Souchon, ibid; p 235

- McQuail  Denis, Blumler  Jay G. et Brown J.R.   (in Sociology of Mass Communications. Penguin Books, cité par Michel Souchon: Levieux canon de 75 »  L'apport des méthodes quantitatives  à la connaissance du public de la télévision, revue HERMÈS, Numéro 11-12 ;  1972

-    Millerand  Florence: David Morley et la problématique de la réception, Retrieved, december 17, 2009, from http://commposite.org/v1/97.1/articles/milleran.htm

-  حول هذه النقطة يمكن أن نشير إلى بعض الدراسات القليلة التي انطلقت من هذه الرؤية، نذكر منها:
- رضوان بوجمعة: أشكال الاتصال التقليدية في منطقة القبائل: محاولة لتحليل أنتروبولوجي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، قسم علوم الإعلام والاتصال، كلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر،  2007 ،  غير منشورة

§    Ezzari  Abderrahmane: Approche ethnographique de la réception directe par satellite des télévisions transnationales en milieu familial  marocain, PHD en communication, Faculté des arts et des sciences, Université Laval, Canada, décembre 1998 ( 207 pages)

§    Ellefi Asma ) 2005,) : Télé-réalité et modes de réception, Etude ethnographique de la réception de l’émission Star Academy dans la région de Gafsa, Master en Sciences de l’Information et de la Communication, Institut de Presse et des Sciences de l’information, Tunisie, juin 2005

- Théophile serge Balima  et autres: Les nouvelles chaines, Techniques modernes de la télécommunication et tiers monde : Pièges et promesses, Presses universitaires de France, Paris, 1983, P 170


المراجع:
المراجع باللغة العربية:

1.    رضوان بوجمعة: أشكال الاتصال التقليدية في منطقة القبائل: محاولة لتحليل أنتروبولوجي، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، قسم علوم الإعلام والاتصال، كلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر،  2007 ، غير منشورة

2.    عبد القادر عرابي: المناهج الكيفية في العلوم الاجتماعية، دار الفكر المعاصر، سوريا، 2007

3.    نصر الدين لعياضي: وسائل الاتصال والمجتمع الجماهيري، أراء ورؤى ، دار القصبة، الجزائر، 1999

4.    نصر الدين لعياضي، يوسف تمار: فن البرمجة وإعداد الخرائط البرامجية في التلفزيونية العربية: بين جدلية التصور والفعل، سلسلة بحوث إذاعية، رقم 59 -  اتحاد الإذاعات العربية، تونس، 2008

5.    نهوند القادري عيسى ( إعداد): قراءة تحليلية في عينة من بحوث المرأة والإعلام، برنامج تمكين المرأة، مؤسسة الحريري، البنك الدولي، لبنان،  2008


المراجع باللغة الأجنبية:

1.    Bachelard  Gaston: La formation de l'esprit scientifique. Contribution à une psychanalyse de la connaissance objective, Paris, Librairie philosophique Vrin, France,  1975

2.    Berner, C: L'herméneutique et le problème de la vérité. in R. Quilliot  (Dir.). La Vérité ,Paris : Ellipses; 1997

3.    Bourdieu Pierre, Jean-Claude Chamboredon, Passeron Jean-Claude  : Le métier de sociologue, mouton, France; 1983

4.    Ellefi Asma ) 2005,) : Télé-réalité et modes de réception, Etude ethnographique de la réception de l’émission Star Academy dans la région de Gafsa, Master en Sciences de l’Information et de la Communication, Institut de Presse et des Sciences de l’information, Tunisie, juin 2005

5.    Ezzari  Abderrahmane: Approche ethnographique de la réception directe par satellite des télévisions transnationales en milieu familial  marocain, PHD en communication, Faculté des arts et des sciences, Université Laval, Canada, décembre 1998

6.    Massé Pierrette,  Vallé Bernard: Méthodes de collecte et d’analyse de données en communication,  Canada, éd Presse de l’université de Québec ; Canada; 1992


7.    Paul Attallah:  Théories de la communication; sens; sujets; savoirs; presse de l'université du Québec; Canada;1991

8.    Proulx Serge: Penser les usages des technologies de l’information et de la communication, aujourd’hui : enjeux – modèles – tendances  in Lise Vieira et Nathalie Pinède : Enjeux et usages des TIC : aspects sociaux et culturels, Tome 1, Presses universitaires de Bordeaux, France 2005


الصحف والمجلات العربية:


·    صحيفة البيان- دبي، الإماراتية االعربية المتحدة، الصادرة يوم 9 أبريل 2005

·    صحيفة الخليج،  الشارقة، الإماراتية االعربية المتحدة ، الصادرة يوم 10 مايو 2008

·    المجلة الجزائرية الاتصال،  جامعة الجزائر، الجزائر،  عدد 18، جانفي- جوان 2004


المجلات الأجنبية:


1.    Cahiers de recherche sociologique,  Université du Québec à Montréal, Canada, vol. 5, no 2, automne ; 1987

2.    Hermès , revue de la communication , cognition et politique , France, Numéro 11-12;1993

3.    Réseaux, Revue de  Communication · Technologie  et de  Société France; Volume 18 année 2000

4.    Sociologie et Sociétés, Revue de sociologie,  Canada,, vol. 14, 1982


Webgraphie :

1.    http://www.analisiqualitativa.com/magma/0000/article_04.htm

2.    http://classiques.uqac.ca/contemporains/pires_alvaro/quelques_enjeux _epistem_sc_soc/enjeux_episte_sc_soc.pdf.

3.    http://commposite.org/v1/97.1/articles/milleran.htm

4.    http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2008/12/391307.htm

5.    http://philo.8m.com/gadampensherm.html

6.    http://www.recherche-qualitative.qc.ca/Actes %20ARQ/texte%20Muchielli%20actes.pdf.