النزوع نحو التدمير ..... ـ عائشة التاج

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

abstract-12221هيمنة الأحقاد التدميرية :
لعل الملاحظ لما يحدث داخل علاقاتنا البينية سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الدول حتى ، سيلاحظ هيمنة جانب النزاع والصراع والعداء على نقيضه من الإخاء والود و التماسك والتعاون ....
و عندما ننجح في التقليل من منسوب الكراهية والأحقاد وما ينجم عنهما من رغبة في الانتقام سنتمكن حتما من البناء وبالتالي من تحقيق الازدهار المنشود فرديا ومجتمعيا
إن ذلك الكم من الطاقة الذي نستهلكه في تدبير الخلافات والصراعات والنزاعات ..سواء منها بين الأفراد أو الجماعات أو الدول ....يعبر عن حجم الطاقة التدميرية التي تتحكم فينا افقيا وعموديا .....
      تمظهرات تدميرية :

منسوب كبير من العنف يتخلل ثنايا مجتمعاتنا ، تعبر عنه عدد و نوعية الجرائم التي أصبحت ترتكب بدون رحمة و طبيعة أشكالها , تعبر عنه تلك الحروب والمعارك والبطولات الوهمية الفاقدة للأهداف والغايات النبيلة في بعدها الإنساني العميق خارج شعارات طنانة تصوغها إديولوجيات قاصرة ومغلقة تتحكم فيها مافيات حاكمة ومستفيدة من الدمار الذي تنشره أو تشارك في نشره وما إلى ذلك من أنواع من العنف الصادم للحساسيات المرهفة كالاغتصاب الجماعي للنساء والأطفال وجنس المحارم الناتج عن انتشار المخدرات وقتل الإنسان لأخيه الإنسان بدون رحمة ولأبسط الأسباب .....ثم ارتفاع قضايا النصب والاختلاسات والسرقات .......وبالتالي تدني الإحساس بالأمن و بالأمان الناتج عن انتشار الإجرام والعنف وأيضا عن النشر الواسع والسريع لأخباره واستثمارها إعلاميا لأسباب تجارية نظرا لطابع الإثارة والاستقطاب ..

التدمير الرمزي :
لعلنا نعيش الآن فترة هيمنة الإعلام الفضائحي نظرا لذلك النزوع الغرائزي لاستهلاكه على أوسع نطاق ..... شرائح واسعة تتغذى على "الفضائح الإعلامية " والنميمة الاجتماعية التي تؤثت بها فراغاتها الروحية والفكرية بل والوجودية حتى .....لذلك يتم السعي الحثيث للبحث عن حميميات بعض الأشخاص قصد استغلالها ضدهم وكلما كان الشخص ذي اهمية اجتماعية وسياسية كلما كانت لمعلوماته الحميمية قيمة خاصة لأنها قد تؤدي وظيفة تدميره مهنيا أو سياسيا أو اجتماعيا .....
الحب الذي يغدو كراهية ثم حقدا ثم انتقاما :

فرديا ، عندما يتحول البعض منا من اقصى درجات الحب ....إلى أقصى درجات الكراهية والرغبة في تدمير من كان يحبه بالأمس القريب ويستعمل من أجل ذلك أحط الوسائل بعد أن اقتسم معه أرقى المشاعر والأحاسيس فذاك مؤشر على ذلك الرصيد من قوة التدمير التي تتحكم في وجدان المعني بالأمر وهشاشة بوصلته  النفسية القابلة للتمطط من أقصى هذه الجهة للجهة النقيض لأسباب قد يتعامل معها الأسوياء بطرق إيجابية تمكن من تدبير أوجاع ألم الفراق بأقل الأضرار الممكنة للطرفين , ذلك أن الحب الحقيقي يفترض أن نأمل السعادة لمحبوبنا حتى ولو بحث عنها بعيدا عنا .....ومن خلقه خلق غيره ورب ضارة قد تكون نافعة وتلك الحكايات التي تقدم لنا الحب باعتباره انصهارا بين مخلوقين مجرد وهم كبير نؤثت بها خيالاتنا لفترة غالبا ما تكون عابرة قبل أن نستفيق على واقع مثقل بالتناقضات ......
 
وقد يكون هذا المعني فردا أو حتى جماعة  ، تحركها تراكمات وجدان جماعي  مثخن بالأحقاد هذا الوجدان  الجماعي الباحث بهوس مريب عن كل ما يمت للغرائب والغرائز على حساب أولوياته الأكثر التصاقا بهمومه الهامة فعلا وذات المردودية أو التداعيات على حياته الشخصية أو العامة .......
التدمير المؤسساتي :

و ينسحب الأمر أيضا على خلافاتنا أو نزاعاتنا أو صراعاتنا الجماعية ,عندما يعمل البعض على تشظية هيئات كانت قوية إلى كيانات مقزمة فقط ارضاء لنرجسية البعض التي تتموقع داخل دائرة طاقة التدمير ،الباحثين عن زعامات وهمية تقوم على أنقاض رصيد بني جماعيا ليتحول ريعا شخصيا أو لجماعة جد ضيقة تحت يافطات رنانة و مضللة  ............وهلم جرا

ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما يستغل هذا النزوع نحو التدمير لتمزيق بلدان بحالها ،حيث يعمل أعداؤه على اللعب بخيوط العداوة والكراهية لتأجيج النزاعات واستثمار النزوع للزعامات والانفصال   لتدمير دول ....بحالها
وبهذا يطال التدمير والخراب العديد من مفاصل الدولة بأجهزتها ومؤسساتها
ويتضرر أبرياء بذلك المنسوب من الكراهية والأحقاد  الذي يترجم عن نفسه في شكل حروب ومعارك تخلف  قتلى وثكالى وأيتام ومعطوبين وجرحى وركامات من الآلام والجراح والذل والإهانات ووو ماإلى ذلك من أمور جد سلبية لا يفكر فيها تجار الحروب ومحترفوها الذين يملكون وسائل  تحميهم من هذا الدمار الخطير حيث يهربون  إلى الأماكن الهادئة تاركين جحافل البؤساء لمصير لم يختاروه ولاعلاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد ,
إن التفكير العميق في نتائج التدمير والعنف والكراهيات بأنواعها وتداعياتها على شعوب بأكملها يتطلب من حكماء البشرية التفكير ألف مرة في مشروعية الحروب والمعارك وأيضا التفكير في الكيفية التي من شانها التقليل من مد الاحقاد والكراهية وتعويضها بما يضمن التعايش بين البشر في محبة وسلام ,وبالتالي من حقنا التساؤل :
         متى وكيف نتعلم البناء ؟؟؟

البناء يمربالضرورة  عبر قبول الاختلاف وتدبيره بحكمة :

عندما نتعلم قبول الاختلاف ,ونتعلم كيف نديره بشكل يضمن تعايش المختلفين بنجاح ,
عندما نتعلم كيف نحاصر نرجسيتنا ونموقعها داخل حدودها المعقولة سواء منها الفردية او الجماعية
عندما نسلم بأن نجاحنا ،نمونا ، قوتنا لن تستقيم الا مع الآخر وليس ضده .....
وأضعف الإيمان عندما ننجح في تحييد ذلك القبح "الكامن "داخل كل واحد منا .....
ونفجر غضبنا من الآخر ،الآخرين بطرق مقبولة لن تبلغ بهم الضرر ونبقي على حبل الود قائما للحفاظ على "المشترك" مهما كان ضئيلا .....,
أشكال من العنف مترسبة داخل وجداننا العام وهناك من استبطنها بعمق كي تخرج دمارا دمارا ولو تحت مساحيق براقة ، ويبقى الحل هو تنمية طاقة الحب البناء ،والآليات هي الصفح والتسامح والانطلاق من النسبية والتفوق على ميولاتنا المتطرفة ومعتقداتنا الإطلاقية .....
وعندما  يدرك الإنسان "قزميته " داخل هذا الكون الشاسع سيعرف بأن قوته ستكون مع الآخر (الآخرين ) لا ضدهم وسيعرف بأن العمر أقصر من أن يهدره في الشر والتدمير والصراع .....وأن الحياة أكثر قيمة من أن تشوب  بهاءها دمار أشرار البشرية الذين يسيئون للبشر والحيوان والبيئة كلها بنزوعهم نحو العنف والأحقاد و نعم السلطة المعجونة بدماء جحافل الأبرياء .....وذبذباتها التي تتكون من آلام وزفرات المتضررين من تعسفاتها اللامحدودة ,

وقد يبدأ السلام من عمق أعماق أي واحد منا ،كما يقول بعض الحكماء ....
عندما يقرر كل إنسان أن يرحل داخل ذاته بحثا عن السكينة .......وهذه الأخيرة لن تحصل إلا بتبني المحبة والصفاء فلسفة للحياة .....
ومسافة الألف ميل قد تبدأ بالخطوة الأولى .....لنجرب إذن .