الحب عند المرأة .. من الوهم إلى الحقيقة* ـ ليليان فنسيلبر ـ ترجمة: نورالدين بوخصيبي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

LILIANNEتقديم: هذه ترجمة لواحدة من الرسائل الواردة في كتاب المحللة النفسية " ليليان فنسيلبر" الذي يحمل عنوان " رسائل إلى نثاناييل – دعوة إلى التحليل النفسي"  « Lettres à Nathanael – Invitation à la psychanalyse » . و هو كتاب يدعو إلى إعادة قراءة نصوص فرويد و لاكان. و ناثاناييل هنا هو القارئ للكتاب و لرسائل الكتاب. تقول الكاتبة في مقدمة كتابها: " وفاء لذكرى قراءاتي خلال سنوات المراهقة، اقتبست اسم ناثاناييل من أحد شعراء عصرنا هو أندري جيد. هكذا أسميت من يقرأ هذه الرسائل".. و في هذه الرسالة التي اخترت ترجمتها تحديدا للقارئ العربي بإذن من الكاتبة، نغوص في جوانب من التحليل النفسي للحب عند المرأة من خلال بعض نصوص فرويد و جاك لاكان.
  أما ليليان فينسيلبر فقد حظيت بالخضوع للتحليل بين يدي لاكان، و مرفوقة بهذا الأخير أصبحت محللة نفسية. أسست سنة 2004 مجموعة عمل على الإنترنيت هي " مجموعة الخمسة محللين"،  تشرف على موقع " تذوق التحليل النفسي"، و لها مجموعة كتب في مجال التحليل النفسي. ( المترجم)


-----------------------------------------
  عزيزي نثاناييل، في رسالتي الأخيرة الموجهة إليك، وصفت لك أشكال الحب المحنطة للرجل الهجاسي، لكن النساء يصادفن بدورهن صعوبات في الدروب المؤدية إلى أنوثتتهن. إنهن يزغن أيضا من خلال تماهيات مع الجنس الآخر.
 
  التماهيات الفحولية للمرأة

  عندما كان فرويد يبتكر التحليل النفسي، اصطدم، بوصفه محللا، بما أطلق عليه اللغز الكبير، لغز الاختلاف بين الجنسين. طرح فرويد هذا الاختلاف كواقعة بيولوجية، و لاحظ أن ما يعوق إمكانية أخذه بعين الاعتبارهو بالضبط ما يطلق عليه فرويد الجنسية المزدوجة الخاصة بكل ذات.
  تجاوزا، يكتب فرويد "... نحن نستعين، بمعادلة غير كافية بالطبع، معادلة اختبارية و اتفاقية. نسمي ذكرا كل ما هو قوي و إيجابي، و نسمي مؤنثا كل ما هو ضعيف و سلبي". (1)
  و يمكننا أن نلاحظ بهذا الشأن أن فرويد لا يحدد الرجل أو المرأة، و إنما هو يحدد الجزء الأنثوي أو الجزء الذكوري في ذات معينة كيفما كان، من جانب آخر، جنسه التشريحي. و لم يكن فرويد وحده هو من صادف هذه الصعوبة، إذ في واقع الأمر ( كيفما كان الجنس المصرح به لدى السلطة المحلية)، فأن يصير المرء رجلا، أو يصير امرأة فإن ذلك سيشكل، بالنسبة لكل منا، المغامرة الكبرى في حياتنا، مشروعا مزروعا بالفخاخ و مخاطرة كبيرة.
  تشهد على ذلك أعراض العصابي. في هذه الأعراض تتجلى بشكل أكثر أو أقل صخبا، التماهيات الفحولية للمرأة أو التماهيات الأنثوية للرجال.
  في نهاية هذا النص الصغير حول المصائر المتقاطعة للرجال و النساء، يمدنا فرويد بهذه الملاحظة الخطرة:
  " عندما نطلب من أي محلل أن يقول لنا ما هي البنية النفسية التي تظهر، عند المرضى، هي البنية الأكثر تمردا على تأثيره كمحلل، فإنه لا يعدم أن يجيب بأنها، عند المرأة، هي الرغبة في العضو الذكري، و عند الرجل، موقف أنثوي إزاء جنسه الخاص، موقف سوف يكون شرطه الضروري هو فقدان العضو الذكري" (2)
  من أجل وصف هذه البنيات النفسية المتمردة جدا التي تتمظهر في أعراض النساء العصابيات، قمت باقتباس مثالين من فرويد. لكن، نثناييل، علينا بادئ ذي بدء أن نرتكز إلى هذا التعبير الذي طالما أخذ على فرويد، أقصد تعبير الرغبة في العضو الذكري، أو Penisneid.
  إنه في واقع الأمر اصطلأح لا غنى عنه إذ يتعلق الأمر بمفهوم، مفهوم يخصص مركب الخصاء الأنثوي.
 
           لكل مركبه
 
  كان لاكان يؤكد على أنه في كل مكان من المتن الفرويدي، نقرأ هذا التأكيد القاسي الذي خاطر بصياغته: " ليست هناك علاقة جنسية"، إذ إن ما يعوق هذه العلاقة بالتأكيد هو نمط علاقة الذات بالقضيب.
  و لكن بمقتضى هذه المقاربة المزدوجة، مقاربة فرويد و مقاربة لاكان، سوف يكون بإمكاننا أن نعتبر – حتى و لو كان ذلك اللحظة أيضا بشكل اختزالي – أن ما يمكننا من مقاربة الاختلاف بين الجنسين داخل نفسية الإنسان، هو بالضبط الشكل المختلف لمركب الخصاء، عند الرجل و عند المرأة.
  عند الطفل الذكر، يتمظهر مركب الخصاء من خلال خشية فقدان عضوه الذكري، خشية أن يقتلع أو " يفك" منه، و ذلك انتقاما من رغباته الأوديبية، رغبته في أمه، رغبته في موت  أبيه.
  و يكتسي مركب الخصاء شكلا آخر بالنسبة للطفلة:
    
*   في البداية كانت الأم و البنت، كلتاهما، قضيبيتين، غير أن حدثين يضعان حدا لهذا العصر الذهبي. الحدث الصادم الأول هو حدث اكتشاف العضو الفحولي لدى طفل أو لدى رجل.
  هذا الاكتشاف يتم، بالنسبة للطفلة، في شكل يقين: " إنها تشاهد، إنها تعرف أنها لا تملكه، و هي تريد الحصول عليه"(3). إنها مندئذ ضحية الرغبة في العضو الذكري.
  إن وظيفة الرجل، بوصفه ببساطة حاملا للقضيب، هي وظيفة غير قابلة للجدال. إنه يحدث كارثة طبيعية في المشهد النرجسي للطفلة الصغيرة.
  و يستحسن مع ذلك ملاحظة أن هذه الكارثة النرجسية تغرق في الكبت، و تفلت بالتالي من الوعي لكنها تستمر بالتأكيد في التمظهر بواسطة أعراض.


* أما التجربة الصدمية الثانية، و هي ذات التجربة التي تفرض على الطفل (الذكر)، فهي تجربة خصاء الأم. إنها التجربة الأكثر رعبا.
  و حول هذا الحدث الصدمي الثاني تتبنين في ذات الوقت أعراض العصاب و التماهيات الجنسية للذات.
  و يخضع الكل في هذه اللحظة، لتوظيف الاستعارة الأبوية.  
   إذا أدت الوظيفة الأبوية دورها، فإن البنت الصغيرة التي كانت حتى ذلك الحين تتصرف كـ " كائن ولدي" إزاء أمها، تغير موضوعها، تختار أباها كموضوع للحب، و تقايض رغبتها في العضو الذكري بالرغبة في الحصول على طفل.
  و سيصبح رجال آخرون، بدائل للأب، يصبحون يوما ما بانسبة لها هم أعراضها، موضوعات حبها.
  و بالمقابل، إذا كانت البنت الصغيرة في العصاب تتمسك برغبتها في العضو الذكري، في علاقة وثيقة برغبتها في أمها، لكي تحاول أن تكون ما ترغب فيه أمها، موضوعها القضيبي الجميل، فإن الرجال سيظلون دائما، بسبب هذا الواقع، مدمرين حقيقيين و مخربين، بوصفهم بالتالي موضوعات منافسة. بالنسبة لها، الرجال هم من يملكونه، و هم بالتالي من يستطيعون أن يكونوا كذلك.
  يسمح نص فرويد بقياس هذه الخرائب.

الرجل المنفذ عند المرأة الهجاسية:

  يحكي فرويد في رسالة منه إلى يونج، بنبرة سرية، قصة إحدى مريضاته، و يصف أحد أعراضها على الشكل التالي:
  " منذ قامت برحلة كادت خلالها أن تسحق طفلا ( أو ذلك ما استنتجته من خلال صرخة)، غدت المرأة تعيسة جدا عندما تقود سيارتها، مسكونة دوما بالرجوع إلى الخلف، بعد كل مسافة قصيرة تقطعها، لكي تتأكد من عدوم حدوث شيء [...] كل هذا بسيط جدا: في استيهاماتها تتحول المرأة إلى رجل يسير إلى الأمام و إلى الخلف، و يتصور (يقتل) من ثمة طفلا؛ إن الاصطدامات تنتمي إلى نفس السياق: إنها تتقدم بثبات في هذه الحالة. (4)".
  يضيء فرويد هذا العرض الهجاسي بقصة من الحياة الزوجية لهذه المرأة: سقطت المرأة مريضة لما علمت أن زوجها غدا عقيما على إثر عدوى تناسلية. و عوض أن تبحث المرأة عن رجل آخر يعطيها طفلا، تماهت مع زوجها. لكن يا نثناييل، لاحظ معي أن المرأة الآن، بوصفها رجلا، هي التي أعطت في استيهاماتها طفلا لامرأة. كما يؤكد فرويد على ذلك في معظم نصوصه المخصصة للجنسية الأنثوية، فإن المعادلة الرمزية عضو ذكري/ طفل تجعل هذا المرور من وضعية فحولية إلى وضعية أنثوية مرورا غير ثابت للغاية؛ عندما تعجز امرأة عن الحصول على طفل تعود إلى تماهياتها الفحولية القديمة: ما لا تستطيع الحصول عليه من رجل  تمتلكه بالتالي استيهاميا.
  و يمكننا بالمثل أن نتساءل عما إذا كانت المرأة لا تعود كذلك، تحت ضغط صدمة الإحباط، إلى أوجه الحب القديمة لديها، أوجه الحب القبل أوديبية نحو الأم، أو أنها على الأقل، تتأرجح بين اختيارين للموضوع، هنا أيضا إلى الأمام و إلى الخلف. ذلك ما تجعلنا نفترضه هذه الملاحظة لفرويد: إن لها عرضا آخر يتحمل هو نفسه، على الأقل في جانب منه، تماهيا أنثويا: " إنها تنغلق على نفسها ليلا بواسطة دبابيس لكي تجعل أعضاءها الجنسية غير قابلة للاختراق. بإمكانكم تمثل هشاشتها الفكرية."  
  ها العرض قد يكون، بالفعل، في الوقت ذاته تمظهرا لتماه أنثوي: إنها تحتمي من هجمات جنسية محتملة لرجل ما. لكنه أيضا وسيلة للوقاية ضد العادة السرية، خلال ما يسميه فرويد بالمرحلة القضيبية للفتاة الصغيرة، حيث تتصرف كولد، كما لو كانت تمتلك قضيبا.
  هذا الشكل من التماهي الفحولي، المرتبط بعصاب هجاسي، هو عصاب جد مختلف عن ذلك العصاب الذي يتمظهر في الهستيريا. يكفي لاكتشافه إعادة قراءة الحلم الثاني لدورا في كتاب " خمسة تحليلات" لفرويد.

رجل القش عند المرأة الهستيرية  

  في هذا الحلم تقتحم دورا، المتماهية أيضا مع رجل، الرجل المعجب بها المسافر إلى الخارج، تقتحم مدينة مجهولة. حلم نموذجي عن الاستكشاف التشريحي، تستكشف دورا الجسد الأمومي (جسد الأم) محاولة العثور على جواب لسؤالها: " ما معنى امرأة و كيف يمكن أن تكون محبوبة؟"
  لكن وراء ذلك يطرح السؤال الحارق الخاص بالقضيب: من يمتلكه بالفعل؟ هل هي الأم أم المرأة الأخرى؟ يشهد على ذلك ما يقوله لنا فرويد طوال تداعيات هذا الحلم. ظلت دورا في حالة افتتان خلال ساعتين أمام "المادونا"، أمام الأم العذراء.      لأجل الحصول على جواب عن هذه التساؤلات تستعين المرأة الهستيرية برجل قش تتماهى معه و تظل في معاناة أمامه (6).
  أجل، ظلت الهستيرية في معاناة و هي في الدروب نحو أنوثتها، لعدم تمكنها من القبض على ما قد يجعل منها امرأة. امرأة "حقيقية" مادام الآخر، بالنسبة لها، هو الذي يكون كذلك. هكذا فإن دورا تعجب، عند السيدة " كاف"، بكل ما لا تستطيع هي أن تكونه. إنها منبهرة أساسا بالبياض السحبي (من السحاب) لجسدها.

رجل موضوع للحب و ليس موضوعا للتماهي؟

  هل يعتبر الرجال المنفذون عند المرأة الهجاسية، أو رجال القش عند المرأة الهستيرية، هل يعتبرون بنفس القدر موضوعات حب، هؤلاء الذين يسميهم لاكان الرجال أعراض المرأة؟ لا يبدو ذلك، لأنهم لا يقومون إلا بـدعم و تقوية هذه التماهيات الفحولية.
  لكي يكون رجل ما عرضا حقيقيا لامرأة (7)، يمكنها من أن تعتبر نفسها كذلك بالفعل، ينبغي أن تهجر تماهياتها الفحولية و تقبل بحرمانها القضيبي. في هذا المشروع، ستكون إمكانية الخروج أو عدم الخروج من الأوديب بفضل الاستعارة الأبوية، بفضل وظيفة الأب، و التحرر بالتالي لا فقط من المؤثرات الخيالية لمركب الخصاء، و لكن أيضا من قبضة رغبة الآخر الذي كانت تتشبث من أجله بهذه التماهيات، ستكون هذه الإمكانية حاسمة.
  و عند تجاوز هذه المرحلة، باستعانة بالتحليل عند الحاجة، يمكن عندئذ لرفيقها أن يكون بالنسبة لها، رجل ثقة، ثقة كما في الحب، يكون بوسعهما أن يتقاسما منفاهما المشترك خارج العلاقة الجنسية. يتعلق الأمر هنا بلقاء بين معرفتين لاواعيتين، يمكن لأحدهما أن يكون فيه بالفعل عرضا للأخر. إنها عرى الحب بين رجل و امرأة.

----------------------
هوامش:
   * العنوان الأصلي للنص: " الرسالة رقم 20 – لكل امرأة أعراضها – يوليوز 2002"
مثال للعمل التحليلنفسي ، " مختصر التحليل النفسي".
نفس المرجع.
سجموند فرويد: " بعض النتائج النفسية للاختلاف التشريحي بين الجنسين" ضمن كتاب " الحياة الجنسية" P.U.F.
س فرويد، كارل يونج، " مراسلة" الرسالة 116، غاليمار، ص: 251.
س فرويد: "خمسة تحليلات نفسية"، دورا.  
لاكان، " كتابات"، التحليل النفسي و تعليمه، سوي، ص: 452. يصف لاكان هذا السيناريو على الشكل التالي:
  المرأة الهستيرية لا تستطيع أن تجد شريكها في الحب، " إلا من جنسها الخاص، إذ في هذا الماوراء هي تنادي من يستطيع أن يمنحها جسدا، أي ما لم يستطع أن يكتسي جسدا من جانبها هي. و بسبب عدم إجابة هذا الآخر، ستدله على إكراه بالجسد، من خلال القبض عليه اعتمادا على رجل قش، عوض هذا الآخر الغائب الذي استلبت فيه بشكل أقل مما ظلت أمامه في معاناة."
في الحلقة الدراسية " أيضا"، يقول لاكان عن الرجال و النساء أنهم ليسوا إلا دوال، و أننا لا يمكن مقاربة ما هو الرجل و ما هي المرأة إلا ضمن سجل الخطاب.
   و لاحقا قليلا، في حلقاته الأخيرة، سيقول أن المراة هي عرض للرجل، لكن الرجل أيضا عرض لها. و للقبض على هذه المقاربة، فيم يمكن أن يكون رجل ما عرضا لامرأة، نقيس إلى أي مدى يمكن للعودة إلى نص فرويد أن تكون مفيدة.   

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟